|
مدرستان ووطن واحد
أيمن إبراهيم العشماوى
الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 21:49
المحور:
الادب والفن
بينما كانت سيارة المدرسة الخاصة تسير فى شوارع مدينة شبين الكوم الضيقة متجهة صوب إحدى المدارس الخاصة لمح ابنى مروان ذو الثمانية أعوام أحد أصدقائه فى مدرسة حكومية مجاورة لمدرسته تماما يسير على قدميه فقال لى : لماذا أذهب إلى مدرستى بسيارة بينما يذهب صديقى إلى مدرسته سيرا على قدميه ؟ ترددت قليلا محاولا الهروب من الإجابة ثم قلت له : لأن مدرستك تمتلك سيارات خاصة لنقل التلاميذ بينما لا تمتلك المدرسة الأخرى أموالا لشراء مثل هذه السيارة . قال لى بسرعة ودون تفكير : يعنى فيه مدرسة غنية ومدرسة فقيرة ؟ قلت له : نعم زى ما فيه إنسان غنى وإنسان فقير ؟ . قال لى : وليه يا بابا فيه إنسان غنى وإنسان فقير ؟ وما الفرق بين مدرستى والمدرسة الأخرى ؟ قلت له : أنت فى مدرسة خاصة ، أما صديقك ففى مدرسة حكومية . بدا واضحا أن الإجابة لم تقنعه فقال لى : وما الفرق بين المدرسة الحكومية والمدرسة الخاصة ؟ . قلت له : المدرسة الحكومية تمتلكها الدولة أما المدرسة الخاصة فيمتلكها شخص واحد أو عدة أشخاص ، ولهذا فإن من يلتحق بمدرسة خاصة مثلك لابد أن يكون قادرا على دفع المصاريف لصاحب المدرسة ، أما المدرسة الحكومية فمصاريفها رمزية ، فصرخ قائلا : يانهار اسود ، يعنى ممكن واحد بس يبقى عنده مدرسة يا بابا ؟ قلت له وسوبر ماركت .. ومزرعة .. وطائرة .. وشركة .. وفندق .. ومصنع .. ومستشفى .. قال لى : طيب هيجيب تمن دا كله منين ؟ قلت له : بيشتغل وبيتعب وبيكسب ! . قال لى : يا بابا فيه ناس كتير بتشتغل وبتتعب ومبتكسبش ومش لاقية تاكل يقوم واحد بس يروح يشترى مدرسة . قلت له : مين بيشتغل ومبيكسبش ؟ قال لى : الفلاح مثلا . قلت له : مدرسة حكومية أو مدرسة خاصة مش هتفرق يا مروان المهم إن كل واحد فى النهاية يجتهد ويعمل لأن دا هيحقق مصلحتنا كلنا . قال لى : مصلحتنا كلنا واللا مصلحته هو يا بابا ؟ قلت له : بل مصلحة الوطن كله ، فيجب علينا جميعا أن نحب الوطن . قال لى : يعنى إيه وطن يا بابا ؟ قلت له : وطن يعنى مصر ، يعنى النيل والهرم والسد والأرض والزرع والناس الطيبين ... وطن يعنى الأم اللى بتضم ولادها وتحنو عليهم . قال لى : طيب وليه الأم بتفرق فى المعاملة بين ولادها ، ليه بتظلم صاحبى مع إنه ولد ذكى ؟ قلت له : مش مصر يابنى اللى بتظلم وتفرق ولكن القوانين واللوائح والأنظمة ، فهناك فارق كبير بين الوطن ومن يحكمون الوطن . قال لى : أنا معرفش إلا الوطن اللى قال عنه عمو فؤاد حداد : " حبوا الوطن فى الغيط أبو الفدادين .. وف حصة العربى ودرس الدين " ، بس إزاى نحب الوطن واحنا مش بنحب بعض أساسا ؟ قلت له : إزاى ؟ قال لى : إن صديقى يغار منا كثيرا لشعوره بأنه أقل منا ، فهل ذنبه أنه فقير ؟ وليه ما نبقاش كلنا زى بعض ؟ ويعنى إيه قوانين ولوائح وأنظمة ، ومين اللى بيحطهم ؟ . كنت أروغ منه يمينا ويسارا دون جدوى حتى لا أصدمه أو أخدش براءته ، ولكن ظلت أسئلته البريئة والمنطقية تحاصرنى من كل اتجاه .. ترى أى وطن هذا الذى يكيل بمكيالين ويفرق بين أبنائه فى المعاملة منذ نعومة أظافرهم ؟ أى وطن هذا الذى يزرع الحقد فى النفوس وينشر التطرف فى الأفكار والعقول ؟ أى وطن هذا الذى يقسمنا إلى شعبين : غنى وفقير ، يعيش كل منهما فى عالمه الخاص ، بل ويستغل فيه القوى الضعيف ويعيش على آلامه ومعاناته ؟
ما معنى أن يكون التعليم بمقابل ، والصحة بمقابل ؟ أليست قضايا التعليم والصحة والبطالة قضايا أمن قومى ، ولماذا تلك التفرقة الظالمة بين أولاد البطة البيضاء وأولاد البطة السوداء . ثم أين كل هذا من مبدأ المساواة الذى نصت عليه جميع الدساتير المصرية منذ صدورها ؟ . ياسادة .. يا من تحكمون الأوطان .. يامن تضعون القوانين واللوائح والأنظمة .. هناك فارق كبير بين الشركات والأوطان . فالشركات تقوم فى الغالب على الأموال ، وتتحدد حصة كل شريك بمقدار مساهمته فى رأس مال الشركة ، أما الأوطان فلا يمكن أن تقوم إلا على الحب ، والحب لايوجد إلا إذا كانت هناك عدالة ومساواة بين المواطنين فى الحقوق والحريات الأساسية ، فلكل شريك فى الوطن حصة متساوية مع باقى الشركاء . إن الأوطان أكبر من كل الحكام والمشرعين والفلاسفة . فالوطن هو المعلم والمشرع والفيلسوف الحقيقى الذى لا يراه أحد . والأوطان التى تبنى على الحب تبقى وتزدهر ، أما الأوطان التى تبنى على الكراهية فمصيرها الانهيار لا محالة .
#أيمن_إبراهيم_العشماوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طالما سلكتم هذا الطريق .. أغلقوا كليات الحقوق فى مصر
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|