ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 4695 - 2015 / 1 / 20 - 17:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تابع تروتسكي مرافعته الفريدة في منطقها المحكم،واقرارها المسؤول،متسائلا:هل كانت المعارضة السياسية تسعى للأنتحار؟! فكل جريمة أتهمت بها كانت تؤدي الى الاعدام ! فهل كانت المعارضة ترغب في الموت ، والتصفية ؟! هذا مايكشف لامعقول و سخف الاتهامات و فبركتها ! فخلال كل محاكمات موسكو لم يقدم المدعي العام فيشنسكي المنشفي السابق! دليلا واحداً يدين اي من المتهمين! فالمؤامرة الكبرى التي ذكرها المفبرك المزيف فيشنسكي ،حسب ما ادعى أستمرت لسنوات داخل الاتحاد السوفيتي و خارجه ،وربما منذ الانتفاضة!! وكان اغلب رؤوس تلك المؤامرة و عناصرها المشاركة المزعومة تحت يد الغيبيو طوال تلك السنوات ، وسجلت أغلب البلاشفة من الحرس القديم ! لكن الغيبيو لم يتوفر على اي دليل أو معطى ملموس أو حدث يثبت ويقدم ما يدين تلك المؤامرة الواسعة الكبيرة! كل ما هناك ، هو الاعترافات ، ومزيدا من الاعترافات التي لاتنتهي ! اعترافات متبادلة بين المتهمين ، واعترافات شهود زور على معترفين زور ولا شيء غير مهرجان صاخب من الاعترافات ! كيف كانت تستل و تنتزع تلك الاعترافات ؟! لم تكن الوسائل عسيرة على سفاحي ستالين! فمن جملة تلك الطرق ، الخداع والوعد بالعفو كما جرى مع زينوفييف و كامنييف ! وأما بالتعذيب الشنيع والتهديد بتصفية اسر المتهمين كما حدث مع بياتاكوف وشركاءه! بمساعدة هؤلاء الحكومين أراد ستالين توجيه ضربته الفاصلة والأخيرة لتروتسكي و مؤيديه، ووصفهم ب" عصابة المخربين المتطرفة " و" ممارسي الجاسوسية والارهاب والقتل والحرائق" . فتروتسكي كان الهدف المباشر لستالين، فقد ذكر اسمه في قضية بياتاكوف 51 مرة و تكرر الامر في قضية بوخارين و ريكوف كذلك وفي قضية زينوفيف و كامينيف ايضا! اراد ستالين القاء تبعات الخسائر و الاحباطات الكبيرة اقتصاديا و سياسيا، والنقص الكبير في الصناعة والتخلف المزمن في الزراعة ، وانخفاض مستوى معيشة العمال ، وكل ذلك كان يتطلب و يحتاج لأجوبة و تفسير، فكان الحل الاسهل ، هو جعل التخريب هو العلة الوحيدة التي برر بها ستالين فشله الاقصادي والسياسي ، و لسنوات بات الارهاب الشامل منهجية ثابتة لدى ستالين ! ليس فقط ضد خصومه الساسيين ، بل وحتى في اغلب الاحيان ضد أناس عاديون ( المسؤولين، والعمال في المصانع والمناجم والمؤسسات ) حوادث و صدف و تقصير غير مقصود وأهمال ، كانت تنقلب الى جرائم عظمى! حرائق ، انفجارات، تأخر في الانجاز و الخ . في نهاية عام 1937 خرج التنكيل والاعتقالات عن نطاق السيطرة وأنفلت من عقاله ، فقد كان زبانية الجحيم الذين يحيطون ستالين ويحضون بمباركته(: فشنيسكي، اورليخ ، بوسكربيشيف ، يوجوف ، وكبير الابالسة بيريا ! هؤلاء هم الرفاق البلاشفة الامناء على تحقيق الاشتراكية والرفاه للشعب السوفيتي بقيادة العظيم ستالين ! كانت كل المحاكمات تعرض نموذجا للأذلال النفسي والتشهير وادانة الذات على مالم تفعله !! أجراءات بالغة الخسة والانتقام ! كان المتهمون يعترفون ويهينون انفسهم كألات وبأنهم " خونة" و " خداعون" و"منافقون" و" مخربون" و" قتلة" ... الخ فكامنييف مثلا أعترف وأعلن " أننا خدمنا الفاشية ونظمنا ثورة مضادة ضد الاشتراكية" !! أمتهان الكرامة والاذلال الجبري ، والتهديد بالتنكيل وتصفية الزوجة والابناء والاخوان ، والعنف البدني ، الموجه ، والتعذيب السافر و بأبشع الطرق خلال التحقيقات الرهيبة ، كل هذا من المحتم والطبيعي ان يحطم معنويات وأرادة هؤلاء الافراد ، ويجعلهم يلعبون ادوارهم المحددة في سيناريو من وضع " كهنة محاكم التفتيش" الجدد! والمخرج الرئيسي كان يتوارى طيلة العرض خلف الكواليس ، وقضاة الشيطان كانوا يديرون العرض !! كانت الاتصالات المزعومة لتروتسكي مع رادك و من خلال بياتاكوف و روم هي بؤرة المؤامرة الوهمية ! فأعترافاتهم هي اساس ونسيج التهم التي كيلت لتروتسكي ، وكانت عبارة عن تلفيقات و أكاذيب عارية عن الصحة ! فلا بياتاكوف و لاروم التقيا بتروتيسكي في الخارج ، وكانت الوثائق التي قدمها تروتيسكي للجنة دليلا دامغا على براءته من كل التهم المنسوبة اليه ، اما ادعائهم في موسكو بأنه رتب ملفاته ومحفوظاته لبحوث مشاريعه التأمرية ! ممكن واحدة أو خمسة أو عشرة أو حتى مائة يستطيع تمويهها ، ولكن من الصعب أن لم يكن مستحيلا فعل ذلك مع ألاف الرسائل التي كتبها وبعث بها لأشخاص ، فلا يمكن " بناء ناطحة سحاب لتمويه جرذ ميت" . واستخدم تروتسكي في مرافعته ، دييغو ريفيرا مثلا على ذلك ، فلو اعلن احدهم ان ريفيرا عميل سري للكنيسة الكاثوليكية فيجب على اي هيئة محلفين ان تفحص هذا الاتهام و تدرس لوحات ريفيرا الجدارية لترى مدى عدائه للاكليروس الذي تنطق بها لوحاته ، فهل يمكن اعتبار تلك اللوحات تمويها للعمالة، وهي عصارة فنه وروحه؟! .وكذلك الامر بشأن أعماله وكتاباته في التاريخ والسياسة والثورة ,وكل تاريخه الثوري , فهل كان كل ذلك هدفه الوحيد هو خداع العالم؟! . فما وجه المقارنة بين ثوريته وتوثيق فشسينسكي الهش فرسالتين الى مراشكوفيسكي وثلاثة لراداك وواحدة لباتاكوف وكلها مزورة !! في نشرة المعارضة العدد(65) نشر تروتسكي مقالا ساخرا بالغ التهكم بين فيه مدى التهافت في الافتراءات والاكاذيب الشنيعة التي ألصقت به, وبالبلاشفة الكبار و تزوير المحاكمات ,وتبرير التنكيل بخصوم ستالين الفكريين و السياسيين , وقد أثار هذا المقال حفيظة ستالين وجعله يرقص من الغيض!! قال فيه "مفوضوا الشعب و الماريشالات , والسفراء , والسكرتيرون في الاعمال الاجرامية يتلقون أوامرهم بصورة دائمة من مرجع واحد ليس قائدهم الرسمي , بل من مبعد! فيكفي تروتسكي أن " يغمز" ليصبح كل الثوريين القدماء عملاء لهتلر واليكادو , وبالتعليمات المعطات من تروتسكي الموصلة من خلال أفضل مراسلي "تاس" القيادات في الصناعة والزراعة والمواصلات يدمرون كل الثروات الانتاجية في البلا د بأمر منه " عدو الشعب " رقم واحد والمرسل من النروج أو المكسيك , عمال سكك الحديد يدمرون كل وسائل النقل الحربية في الشرق , والاطباء المحترفون جدا يسمموا مرضاهم في الكرملين . هذه هي اللوحة المدهشة التي رسمها فيشينسكي النىائب العام للاتحاد السوفيتي –النائب العام خلال محاكمات موسكو , والمنشفي السابق الذي وقع على أمر القاء القبض على لينين في تموز 1917 بتهمة العمالة و التجسس لصالح الالمان !! م أ – هنا تبرز مسألة -;-في النظام التوتاليتاري يكون الجهاز الاداري هو أطار الديكتاتورية , فأذا كان " أتباعي " يشغلون كل هذه المناصب الرئيسية في الجهاز , فلماذا يجلس ستالين في الكرملن , وأنا هنا في المنفى؟؟!!. وقفت الانتلجنسيا الاوروبية موقفا سلبيا من تروتيسكي وخضعت للضغوط الستالينية , فقد كانوا متضامنين مع التطهيرات , وبرر جميعهم المجزرة الستالينية , وبصيغ مختلفة , وأمتدحوا جلاد الكرملين أولئك المثقفون الانسانيون و الاخلاقيون المزيفون , وحتى الولايات المتحدة وقفت الى جانب ستالين و دعت الى مقاطعة لجنة التحقيق ، واعتبرتها تدخلا في الشؤون الداخلية للاتحاد السوفيتي و دعما للفاشية ضد قوى التقدم!!! . كان ليوفا ابن تروتيسكي أكثر حصافة من أبيه ، فلم يكن يتوقع الكثير من ذلك التحقيق ، وكان يعتبر كتاب اباه " جرائم ستالين" اكثر جدوى وفاعلية من أي محاكمة قضائية أو اي عمل للجنة التحقيق ، وكان محقا في ذلك . أختتم تروتسكي دفاعه بتمجيد ه لثورة أكتوبر الخالدة ، واعلن أنه حتى في ظل ستالين ، ورغم كل أهوال التطهيرات ، كان المجتمع السوفيتي هو أعظم تقدم حققته البشرية في مجال التنظيم الاجتماعي ، ولم يكن ذنب الثورة ظاهرة الانحطاط البلشفي ، وأخفاقها في الامتداد الى خارج حدود روسيا ، وأن العمال السوفيت أمام خيارين ؛ بين هتلر و ستالين ، وكانوا يفضلون ستالين ، وهم محقون في أختيارهم لأن ستالين افضل من هتلر . ولغياب حل أخر ستبقى البروليتاريا صامتة و متبلدة حتى أمام البشاعات التي تراها بالعين من نظام ستالين ، ولكنهم سيتحررون من تبلدهم حالما يكونوا امام انتصارات جديدة للأشتراكية في الجارج . وقال تروتسكي " هاكم لماذا لا أيأس .. فأنا صبور وثلاث ثورات جعلتني صبورا ، أن تجربة حياتي التي لم تفتقد لا النجاحات ولا الاخفاقات لم تعجز فقط عن تدمير بمستقبل البشرية الساطع الوضاء ، بل وأعطت على العكس . هذا الايمان ذاته صلابة ما بعدها صلابة . ان الايمان بالعقل والحقيقة والتضامن البشري الذي خالج نفسي في الثامنة عشر من عمري حين ذهبت الى الاحياء العمالية في مدينة نيكولاييف الريفية الروسية ، وهذا الايمان احتفظت به كاملا غير منقوص، لقد نضج ألا انه ليس اقل اتقادا " . بهذه الكلمات ختم تروتسكي مرافعته وشكر اللجنة ، و أنهى ديوي أستماعه لتروتسكي بهذه الجملة البسيطة :" كل ما يمكن قوله سيكون أنحدارا للتفاهة" . وفي أيلول أصدرت لجنة ديوي حكمها الذي كان :" على أساس كل الادلة والبيانات توصلنا الى استنتاج ان محاكمات أب 1936 و كانون الثاني 1937 مختلقة ومزيفة تماما ، ونحن نعلن ليون تروتيسكي ، وليون سيدوف غير مذنبين " . هذه هي الصورة الحقيقية والفعلية للتحقيق مع تروتسكي والذي سخر منه النمري وكان الاجدر به ان يسخر من المسرحية التراجيكوميديا السوداء لما سمي ب"محاكمات موسكو"!ولكن هيهات ان يرى النمري الحقائق بعيون جديدة ،فالرمد والعشو الستاليني لايمنحه الرؤية الصافية لمجريات الاحداث..يسفه النمري محاكمة تروتسكي متهكما لا لشيئ سوى ادانه تروتسكي الكاملة لمعبوده البشع ومجازره الكبرى ، وبراءة تروتسكي الناصعة من التهم التي لفقت له ! . والى فقرة أخرى من مقال النمري في المقال القادم .
....................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟