أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي سلمان - فرانكشتاين - الشسمه -ومتاهة إنتاج القتل















المزيد.....

فرانكشتاين - الشسمه -ومتاهة إنتاج القتل


غازي سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 13:16
المحور: الادب والفن
    


فرانكشتاين " الشسمه "ومتاهة إنتاج القتل
قراءة في رواية ( فرانكشتاين في بغداد )(1) للروائي احمد سعداوي

تبقى" الغرائبية" كموروث حكائي ، شفاهي ام مدون ، سواء كقص خرافي او ملحمة او اسطورة ، او فيما ورد منها في التراث الديني، جزء من ذاكرة وثقافة المجتمع ، مترابطة مع الثقافة المعاصرة له . واذ تتسم " الغرائبية " بخوارق شخصياتها العابرة للمألوف وهي تتحرك في فضاء عجائبي متخيل ، ذلك ان المخيال الشعبي قادر على خلق مثل تلك الفضاءات السحرية والفنتازيا وخلع كنى واسماء عليها ، مثلما هو قادر على تخليق الشخصيات الخارقة.
وحين يقترن الادب الروائي بالغرائبية ،كظاهرة ،لابد وان تكون لغته السردية متمكنة من تحويل الاشارات اللغوية ضمن خطابه السردي الى الاخيلة الحسية التي ينبغي ان يستشعرها المتلقي، ويتمثلها ذهنيا . في محاولة واعية من الكاتب لفهم الواقع ، تجسيدا، رفضاً ، او التحرر نسبيا منه او كشف المخبوء منه ، بكل ما يتصف واقعه المعيش، من قهر اجتماعي ، وخوف وعوائق وقيود ثقافية ، سلطوية واجتماعية، وقتل يومي ممنهج ،و بما يعكسه ذلك من نزوع الى خيبة الامل ، وعدم القدرة على التكيف معه، ليحمل المتلقي على الانتقال من مكمنه – المكان – المألوف بواقعيته ، وصدقيته ، الى عالم مغاير، عالم حلمي ، كابوسي ، غريب، مدهش، ، بفعل تأثير مقدرة الكاتب التخيلية ، في ابداع عوالم وشخصيات غير مألوفة ، ، عجائبية ، مع احالة شخصيات واماكن، واقعية ، الى مثل هذه العوالم ، ،يصطحب المتلقي الى فضاءات اكثر اتساعا ومغايرة ، ترتبط بوشائج ذلك الواقع المعيش الضيق ، و دون ان يقطع الصلة بهموم الانسان ،ليكون قد اضفى جمالية مؤثرة على (السرد الروائي ) .
في رواية (فرانكشتاين في بغداد ) ، فان النصُّ بسرديته المترفة بالأخيلة والسحر ، وباللغة المنبسطة امام قراء تختلف رصانة ثقافتهم ، لا يلغي التصورات الذاتية للمتلقي حول واقعه ، بل ينسج شرانقه في الحدود الفاصلة بين واقع المتلقي وبين – ثيمة – الرواية كواقع مغاير ، فتتلاشى المسافة الفاصلة بين الواقعين ، و يتخلق نوع جديد من العلاقات بينهما ، تُطمس المسافة بين ما يمكن ان يحدث او حدث في الواقع، وبين ما يحدث في عالم الرواية ، "ولو بعد حين ، بعد تردد وتشكيك "، فالكاتب قد ترك المتلقي ولوقت طويل يدور في دوامة من التردد والشك ، عدم اليقين ، وإذ يتحرك المتلقي وئيدا وئيدا، منتقلا من مكمنه الواقعي المتسق مع زمنه ، الى مكان وزمان الرواية المغاير ليبحث عن مقاربة بينهما، و ليتحقق من مصداقية انساق العالم المغاير كونها تلتقط من واقعه كل ماهو غائر في الغرابة ،كل ما يتكأ على الاستحالة والبعد عن المنطق الواقعي، تتحقق لذة توغله في عالم الاحلام ، وحين يكون قادرا على تفكيكها ، فانه سيتمكن من من اعادة صياغة الواقع بمعناه الاوسع ، والوقوف على عتبة الوهم والحقيقة ، ما يمنحه فهما اعمق لواقعه .ويحفزه على ما يمكن القيام به نحو تغييره واحلال واقع بديل ، اكثر وئام وحرية ،اكثر كرامة وانسانية .
وبطريقة ماكرة ، وببراعة ، يتجنب– الروائي – نمط تسلسلية الاحداث بانتظامها الرتيب ، متخليا عن التقنية الكلاسيكية لعملية السرد ، فالنص يتحرك بدائرية مفرطة ، النص في هذا العمل الروائي ، مرايا مهشمة يعكس كلُّ جزء منها و بصورة تكعيبية ، اكثر من صورة لحدث ، واكثر من صوت لشخص ، في آن واحد .
فقد انعكست( على سبيل المثال لا الحصر ) لحظات ومشاهد انفجار ساحة الطيران في الصفحات الاولى من الرواية على اكثر من زاوية لمكان واكثر من ردة فعل لشخص ،في آن واحد ، فهادي العتاك بدأ يشم رائحة الاجساد وهي تشوى ، ممتزجة مع رائحة الاطارات المحترقة ، في حين ان الحادث كان صوتُ عصفٍ قد أيقض محمود السوادي من نومه في غرفة الفندق ،
نتعرف لأول مرة على – الشسمه – حين يظهر، في بيت العجوز – ايليشوا – " كائنا حيا " مكتمل الاجزاء ،، ستكسبه العجوز اسما آخر هو- دانيال - اسم ولدها المفقود منذ زمن الحرب العراقية الايرانية وترفض ان تصدق موته ، وبقيت في انتظار عودته ،، :
(( شاهدت ولدها دانيال ، او تخيلت ذلك على الاغلب ، ........ اخيرا تحققت نبوءة قديسها الشفيع ، نادت عليه تعال يا ولدي تعال يا دنيّه ....))الرواية ص24
في حين ، سنتعرف عليه ، دون اسم او كنية ، مجرد جسد مسجى ، هامد ، فحسب ، في بيت (هادي العتاك ) وهو يضيف اليه آخر جزء – جذاذة الانف – التي التقطها من موضع التفجير في ساحة الطيران ، " في الصفحة 34 "، .
وكذا حين نتابع مشاهد الانفجار قبالة فندق السدير نوفتيل ، وهي الحادثة التي اودت بحياة حارس الفندق ( حسيب محمد جعفر ) الذي كأنما ُفنَي جسده ، فأن الروائي يعيدنا الى ذات الموضع بما تضمنه من مشاهد الانفجار وعصفه ، لثلاث مرات ، مرة من زاوية نظر (هادي العتاك ) وهو في مكان الانفجاروجزء من مشاهده ، إذ ( طار مع كيسه وعشاءه في الهواء ... وارتطم بقوة على اسفلت الشارع ،(....مرت دقيقة قبل ان ينتبه هادي لما جرى ، وشاهد عددا من الشباب وهم يعبرون الشارع ويركضون باتجاهه ،كان بينهم الصحفي محمود السوادي،.... ) الرواية ص40 ، ومرة ثانية من زاوية نظر الصحفي محمود السوادي وزملاءه :
(سقط الجميع الى الوراء مع لحظة الانفجار واكتسحهم عصف من التراب والحصى ، ومرت دقيقة او اكثر قبل ان يستعيدوا رشدهم لينظروا باتجاه مكان الحادث ،..... وشاهدوا على مسافة من الجزرة الوسطية وعلى اسفلت الشارع جثة رجل هامدة اقتربوا منها ومسها محمود بيده فتحركت الجثة فجأة ، انهضوه على رجليه وتعرف اليه محمود في الحال، انه هادي العتاك .... ) الرواية ص60
والمرة الثالثة هي مايراه – حسيب محمد جعفر- خلال وقت لا يتجاوز ثانية واحدة ، ( انفجرت السيارة وانتبه حسيب محمد جعفر لنفسه وهو يتابع الانفجار ..... شاهد رجلا مع كيس جنفاص يتطوحان في الهواء ويسقطان على مسافة بعيدة من موقع الانفجار .... ) الرواية ص45
وتتابع احداث الرواية في دائريتها الزمكانية ، بروي يتناوبه اكثر راوٍ ، وكل راوي يعيد صياغة حدث ما منها، من مكمنه ولكن بذات زمن الحدث ، مع وفرة سطوة صوت السارد (العليم ) القادر على التحول من الضمير المستترحينا الى الضمير المتكلم الحاضر حينا آخر، يمتلك وفرة من القدرة على التدخل في فرض "مزاجه الخاص" ، في وصف وتحليل الحدث ، باعتباره ينيب عن ضمير المتكلم لمجمل شخوص الرواية الاخرين لكن الكاتب قد حرص على انفراد اصوات شخصيات اخرى باستقلالية الحكي ،او الروي ، متحررة من تلك السطوة ،فذا صوت – الشسمه – في الفصل العاشر من الرواية يعلو مستقلا منفردا " بمقصدية من الكاتب" ، من اجل استبعاد اي تأثير او – تشويش – على رؤيته لأناه ، ولمهمته العسيرة – النبيلة - التي ربما تتعرض الى الطعن ،(وحتى لا تتشوه مهمتي وحتى لا تغدو اصعب واكثر مشقة اجد نفسي مدفوعا بهذا البيان ، لقد حولوني الى مجرم وسفاح ...) الرواية ص157، لقد بدد صوته كل الهواجس التي ربما اعترت القاريء في فينة ما، خلال تتبعه للأحداث ، ازاء لا انسانيته ، باعتباره وحشا ، مسخا ، مجرما ، مزدرى ، ، كان صوته ببلاغته اللغوية المهذبة ، الذي ينمّ عن ثقافة (الضحية حسيب محمد جعفر )وعن وعي بالقوانين البشرية ، يتناغم مع الشعور بقوته كسلطة بديلة " عدالة الشارع " كسلطة لتحقيق العدالة ،في الاقتصاص من القتلة ،الذين ينتجون الضحايا، مثل كلاب سائبة ، كان صوته يشي بمحاولة اقناع اخرين برسالته الانسانية العليا – حسب رؤيته هو – لقد بدا – الشسمه – اكثر انسانية من اخرين ،في كثير من الاحيان ، فهو اضافة الى ذكاءه وثقافته ، فانه حنون ، يحنو على العجوز – ايليشوا – حين يجعلها اكثر تصديقا بعودة ابنها – دانيال – متمثلا شخصه ، ويقتص من ابي زيدون" البعثي " قتلا شفيا لغليلها لانه تسبب في فقدان ابنها ، فتغمرها فرحة غامرة.
و كذلك صوت -المؤلف - الضمني - في الفصل الثامن عشر، وهو ينفرد مستعرضا تفاصيل حصوله على جهاز التسجيل من محمود السوادي ، ليستعيد القاريء تذكّره لأحداث الفصل العاشر ، اذ يحوي هذا الجهاز "بيان "الشسمه.
ان تعدد الاصوات" الذاتية " واشتباكها مع صوت الراوي العارف بالظاهر والباطن وكذا صوت المؤلف نفسه، تقنية يستحصل الكاتب منها فضاءات اوسع في تجسيد الاحداث والآراء حولها ، وبالمقابل يحفز ذهن المتلقي على التأويل المختلف ، وعلى ا لمجادلة.
احيانا تتمحور الشخصيات والاحداث حول - الشسمه – باعتباره ( قلب الرواية ) سواء بغرائبيته ، جسدا ، ام كائنا حيا ، واحيانا تنفرط عنه بشتات تفاصيل تاريخ حياة الصحفي وعائلته – محمود السوادي – ومشاغله في عمل الجريدة واحلام يقضته ولقاءه بـ - نوال الوزير، عشيقة - رئيس التحرير ،وكذلك في مجمل العلاقات الاجتماعية و (التجارية ) بين اشخاص الرواية الذين يتجاورون في منطقة البتاويين زقاق 7 ، لذلك تغيب تلك الشخصية طويلا خلال عملية الروي وهي التي استحوذت على عنوان الرواية وهويتها ...
ان عملية تخليق – الشسمه – مرت بادوار وطقوس متعددة مختلفة ،ولكل منها بصمتها على دوره الذي اناطه لنفسه ، ، في ( انهاء القتل في الشوارع حتى ينتهي انتاج الضحايا ) الرواية ص168، او أُنيط به ،
برؤيا ميتافيزقية ( لقد تحركت اخيرا تلك العتلاتالخفية التي اصابها الصدأ من ندرة الاستعمال ، عتلات لقانون لا يستيقظ دائما ، اجتمعت دعوات الضحايا واهاليهم ودفعت بزخمها الصاخب تلك العتلات الخفية فتحركت احشاء العتمة فأنجبتني ... ) الرواية ص156 ، ففي مرحلة تجميع الجذاذات من قبل – العتاك – وخياطتها لينتج جثة مكتملة الاجزاء فقط ، كانت الغاية تبدو للوهلة الاولى – سطحية – لأنها تتفق مع مهنته في جمع اللقى من مثل العلب والقناني الفارغة اضافة الى شراءه الاثاث المستعمل وبيعه كعمل اساسي له ، ( .. انه يجمع المهمل وما يزهد فيه الناس ، وهذا ما دفعه لجمع بقايا الجثث المهملة لاحقا ليصنع وحشه الخاص )(1)
لقد اخفى – هادي العتاك – سرَّ رغبته الدفينة تلك ، خلال حكيه لرواد مقهى عزيز المصري ، ولمحمود السوادي ، وخلال التحقيق معه في (دائرة المتابعة والتعقيب ) ، مع انه افصح عن هدفه من عملية تجميع الجذاذات البشرية حين اطلقها من حبسها في لحظة ضغط نفسي قاس مطالبة بالانعتاق :
-: انا عملتها يا عالم حتى لا تتحول الى نفايات ، حتى تحترم مثل الاموات الاخرين وتدفن ياعالم ) الرواية صفحة 34..
في معرض رده على سؤال لماذ ا يعود الموتى؟ يجيب جاك لاكان (2) مفسرا ذاك، بقوله : لانهم لم يُدفَنواعلى نحومناسب، اي لان شيئا قدحدث على نحوخاطيء فيما يتعلق بموارتهم الثرى، فعودة الموتى هي علامة على اضطراب ماحدث في الطقس ،ذلك الطقس الرمزي الخاص بدفنهم، ويعودالموتى كي يجمعوا بعض الديون الرمزية التي لم تُدف عبعد .... ) (3).
لكن - عزيز المصري - يميط اللثام كاملا عن رغبة وهدف تجميع العتاك لتلك المزق البشرية ، فلم تكن بعض من المزق ، الا اجزاء او جزء واحد من جسد – ناهم عبدكي – " هو صديقه وشريكه في العمل "الذي قتل في حادث تفجير منطقة الكرادة ( امام احد مقار الاحزاب الدينية في الكرادة وقتلت بضعة مواطنين من المارة بينهم ناهم مع حصانه وخلطت لحمهما معا ) الرواية ص 34 ، ، ، والتي استلمها – العتاك من المشرحة :
( قال الموظف في المشرحة لهادي : اجمع لك واحدا وتسلمه ، خذ هذه الِّرِّجل وتلك اليد وهكذا ، الامر الذي تسبب بصدمة كبيرة لهادي.... ) الرواية ص 265
لقد كان مقتل ناهم عبدكي، اثرا في تحريك وعي انساني متقدم غائر عميقا في نفس تلك الشخصية العراقية – البسيطة - ليترجمه كرد اعتبار للضحايا الابرياء ،فحسب ، دون التفكير بالثأر لهم . بمعنى الاقتصاص قتلا ، من القتلة.
ان روح – حسيب محمد جعفر – لم تتلبس في جسد ذاك الكائن المسجى الهامد في بيت هادي العتاك ،فقط ، بل تلبست في جسد الرواية كلها ، لتسم السرد بالفنتازيا والغرابة ،من خلال قيامة – الشسمه ، فرانكشتاين ، دانيال ، الذي لا اسم له ، المجرم ،المخلص ، المواطن العراقي الاول ، وغيرها من الاسماء والكنى التي خلعها عليه " خالقوه ومناصروه واعداءه ) ولتفسرهذه القيامة ارادات دفينة ،غائرة بعيدة ، في الذهنية المجتمعية ، وان اختلفت تلك الإرادات في سبل الخلاص من واقع مرير، بسبب غياب العدالة وهامشية سلطة الدولة، وضعف اجهزتها الامنية والاستخبارية ، وتخلفها، جراء اعتمادها أنفارا من المنجمين وقراء الطالع، في بسط الامن وحماية المواطن الذي لا عاصم له من الهلاك قتلا ، لكنها لم تكن إكمالا لرغبة -هادي العتاك- ، الذي كان يضمر شيئا مخالفا ،:
( فمن الجيد ان يتحلل جسد الشسمه سريعا لينتهي منه ومن رعبه ) الرواية ص 148، وهو الذي اضحى بمثابة والده ، . وبالركون الى ذاكرته الابداعية بما تتضمنه من خزين معرفي بالتراث مكتوبا او شفاهيا وبما جادت به الذاكرة المجتمعية، مضيفا تصوراته الخاصة ،.. فقد تمكن الكاتب من خلق شخصية – الشسمه – ككائن حي بسمات غرائبية ، بعد استدعاء روح الى اوصال بشرية ميتة.
ان وصف عملية احياء الجسد الهامد بواسطة تلبس روح حسيب محمد جعفر الهائمة ، وكأن ذلك الجسد كان يستدعيها، مثّل تجاوزا واضحا للقوانين العقلانية ، والمنطق، و انفتاحا على عوالم الغيبيات ، ما شكل احد اهم مفاتيح النص الروائي، إذ ان عملية الموت والموت قتلا مع سبق الاصرار من قبل قاتل مُتعامي ، يعد توكيدا على هشاشة وتفاهة الحياة وابرزت الوجه الحقيقي لها، وانبثقت عنها ثيمات مهمة في الرواية ،يقول جرج لوكاتش ((ان الرواية تاريخ منحط شيطاني يبحث عن قيم اصيلة في عالم منحط ))( ... )
المرحلة الاخيرة من تخليق - الشسمه – ، هي المتمثلة بالحصول على اجزاء بشرية بديلة عن التي ماتت فيه – ذوت – ومن مصادر لأجساد مختلفة ، يقوم بها اتباعه من السحرة والسفسطائي ومريدين يقدسونه حد التأليه لشخصه ، ولضرورة استمراره حيا لإنهاء رسالته التي يبغي الاستمراربها حتى النهاية، المتمثلة في إنهاء انتاج قتل الابرياء، سوف يحار حين لم يجد ، البدائل لجذاذاته التالفة، انها المرحلة الاكثرقسوة وخطورة على مسارر ؤيته ورسالته، لأنها ادخلته في دوامة لا تنتهي من انتاج القتل،انتاج ضحايامن نوع اخر،ينفذه ابنفس هو يعاونه اتباعه،حين تشح بدائل المزق البشرية التالفة لابد من الافادة من فرص قتل ابرياء، حتى ا ن احد المؤمنين به تبرع بجسده كاملاواستسلم للقتل على يديه . ولم يعد يكترث لمن يعودهذا الجزءاو ذاك في جسده ، وهاهو يمارس قتل مواطن عجوز ( بريء) كان يحمل اكياسا سوداء تحوي صمونا وفاكهة ! ،وقد اطلق النار عليه كأي محترف قتل ، ثم يفكر بالثأر له !!، ويفسر –الشسمه - مبررا قتل هذاالرجل العجوز :
( كان يبحث خائفا عن مصدر الموت في اعلى البنايات وفي نهايات الطرق امامه ، ولكن هذا الموت جاءه من الخلف ، اخرجت مدية صغيرة وقمت بعملي سريعا ، ماذا سيقول الساحر الان ؟ هذه عيون جديدة من جسد ضحية بريئة لن تزداد نسبة اللحم المجرم في جسدي غدا ، هذا لحم بريء ولكن ، مالذي اقوله ممن اقتص الان للثأر لهذه الضحية ) الرواية ص177
ومثلما فسر تسببه بمقتل الشحاذين الاربعة الذين هاجموه بعدوانية، و بعد تحاشيه لهم، لأنه اناط لنفسه مسؤولية تنفيذ القضاء والقدر:
( كان وجهه البشع حافزا لهم كي يعتدوا عليه ... لكن احدهم امسك برقبة رفيقه واجهز عليه بقوة مسعورة ثم انتبه ان شحاذا آخر فعل الشيء نفسه ،وهنا اصبح الشحاذان الميتان ضحيتين لعمل احمق والشحاذان الناجيان مجرمين لذا قام بخنقهما انتقاما للشحاذين الميتين... كانوا بصدد الانتحار.. ) .الرواية ص144.
هكذا اصبح بطلنا (المخلص والمنتظَر والمرغوب به والمأمول ) الذي يتهدده الموت في كل حين ، منتجا للموت هو الاخر ، (.. ولربما صحا ذات نهار لكي يكتشف انه لم يعد هناك من بشر ليقتله في هذا البلد ... .. - : ليس هناك ابرياء انقياء بشكل كامل ولا مجرمين كاملين) الرواية ص255
حتى ان اتباعه الذين تجمعوا في مكان واحد( كثكنة عسكرية ) قد تقاتلوا فيما بينهم بسبب اختلافهم في دوره ومهمته ، فهرب من هرب وقُتل من قٌتل ، فيما يستنتج - الشسمه – ان احد اتباعه " الساحر الصغير" هو الأكثر قتلا واجراما بين الاخرين لانه بقي هنا حيا ، لهذا نفذ قضاءه وقدره عليه ، والاخير يتوسله:
(-: لاياسيدي ... لا يامولاي ،، انا عبك وخامك ، لماذا تفعل هذا ..لا ياسيدي . انا عبد ... عب .... دك) الرواية ص178
ان مهمة –الشسمه- التطهيرية ، اضحت " نصلٌ بحدين " حدٌ منها لتطهير المجتمع من القتلة الذين ينتجون الضحايا ، والاخر لإدامة جسده ،ومهمته " من خلال قتله ابرياء لتعويض البدائل الذاوية من جسده ، مقتنعا بحكمة ساحره بأن في كل شخص نسبة من الاجرام ، ما يجعله مساهما في انتاج الموت وادامة دوامته في حياتنا ، وسوف يجعل المتلقي الذي يتعايش مع تلك الدوامة وهو يبحث عن بصيص امله في عتمة متاهتها ، مفارقا له، في مهمته تلك، حيث ادرك ان مهمة -الشسمه التطهيرية - ، اشبه بإزالة العفن بواسطة سكين ،من تفاحة سليمة ، اذا لابد وان يطال التطهير اجزاء سليمه منها .
ان قيمة الرواية ، بالاضافة الى تقنيتها السردية المحدثة ، تكمن في تقديم روح معنوية جديدة " للمتلقي "مفعمة بأمل ما للخلاص ، بديلا عن الروح المعنوية الهشة التي تلازمه ،و بالرغم من خيبة الامل بما آلت اليه مهمة - الشسمه - (دانيال)كنبي مخلص.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1.. صدرت في مارس 2013 عندارالجمل في بيروت
2. من لقاء مع الروائي احمدسعداوي في موقع ايلاف http://www.elaph.com/Web/Culture/2013/8/828651.html
3. جاك لاكان (1901-1981). محلل نفسي فرنسي ول دفي باريس وتوفي بها. اشتهربقراءته التفسيرية لسيغموندفرويد ومساهمته في التعريف بالتحليل النفسي الفرويدي ...
4.الغرابة المفهوم وتجلياته في الادب : د. شاكرعبدالحميد / منشورات عالم لمعرفة/384 / يناير 2012/ ص243 - 244
----------------------------



#غازي_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما يتبقى من الحرب ، الحكاية والموقف منها
- الفنان فهد الصكر يعيد بناء ذاكرة الامكنة
- صورٌ لوجهٍ واحد
- الذي رحل قبل الموت
- (................)
- ما تبقى لأمرأة
- معرض فني مشترك .. ومشتركات
- طرق الصمت / قصيدة
- الديكتاتورية ..التطابق والتغيير : قراءة في رواية
- قراءة في رواية الحب في زمن الكوليرا
- واقعية النموذج .. قراءة في رواية السمان والخريف لنجيب محفوظ
- في حضرة الفن البدائي
- الشعوب العربية وتحقيق الذات المستقلة
- قصيدة
- لبيا ضنا رؤى


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي سلمان - فرانكشتاين - الشسمه -ومتاهة إنتاج القتل