صبري هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 18:36
المحور:
الادب والفن
إلى الصديق الروائي علي شبيب
***
البارحة تقدّمتْ منّي غابةُ البيلسانِ
وحاصَرَ البحرُ أنفاسيَ
كنتُ أُعَبئُ رملَ السّواحلِ بأكياسٍ صغيرةٍ مِن نسيجِ سكونِ الليلِ وأُودعُها نسمةً مِن شَهْقَتي الأخيرة
البارحة جَاورني الرّحيلُ حين علمَ بدِنوِّ القافلة
لكنَّ حَافلتي تعطّلتْ في الطّريقِ وتَأخّرتْ
هكذا قيلَ
وقيلَ استهوتْها رقصةُ الملائكةِ في منتصفِ المسافة
وأنا مُقبلٌ على الرّحيلِ
***
" ... في رِحْلَتي التي لم تَبْدأْ بعد
والتي حتماً سَتكون
سَأَروي لكَ عن مَوتيَ الأخير
عن سَفَري الطّويل ... "
***
البارحة لم يبقَ معي غيرُ طردٍ بريديٍّ
حوى كتاباً مِن سِفرِ التاريخ
حاولتُ أنْ أفتَحَهُ فأبى
حاولتُ
فظلَّ يرفضُ وظلَّ يُعاندُ
حتى تركتَهُ وشأنهُ
لكنّه باتَ يُطاردُني وأحياناً يُعابثُني
وهأنذا أَصبُّ لَهفتي في غيرِ مكانِها وبهِ أتوسّلُ
لكنني لا وقتَ لي
فأنا على الرّحيلِ مُقبلٌ
***
" ... أَروي لك عن أحلاميَ التي تَناثرتْ في أقاصي الطّريق
عن سَفائني التي هَجَرتْني حين أغوتْها البِحارُ
عن التي طَواها الموجُ
وحطّتْ رحالَها بصمتٍ في الأعماق
عن خساراتٍ تَدورُ مثلَ سحائبَ حولَ هامَتي
أو حول جَسَدي العليلِ
وغَيباتٍ أَرْهَقَتْها الأمكنة ... "
***
ماذا تُريد غيرَ أنْ أكونَ على موتيَ شاهداً
وأنْ أكونَ الشّهيد ؟
لكنني
سأَروي عن عزلةِ شجرِ الزّانِ في غاباتِهِ العصيةِ
عن يأسِ الطّيورِ حينَ يحلُّ الظلامُ
وحين تَنأى في أعْيُنِها المسافةُ
عن خيبةِ الغريبِ حين يضيقُ عليهِ الزّمانُ
وحين يخْذُلُهُ المكانُ
عن لوعةِ الطّريدِ لبابٍ بوجهِهِ تَنْفَرجُ
عن شوقِ الغريقِ لمُنقذٍ
سَأروي لك عن هولِ المتاهةِ
أروي لك
ولن تَخْذُلَني الحكايا
***
" ... أَمُدُّ يدي لأنتشلَ بعضاً مِن أحياء
تُردُّ يدي وتَنغلقُ بوجهيَ الأنحاء
وكانت أنفاسُ الماءِ معبراً لجسدِ الحكمةِ ... "
***
أتعبتْني الأسفارُ إلى عالمِ الأمواتِ
أتعَبني انطفاءُ الشموسِ
أتعبَني عزفُ الرّياحِ
لكنني مُقبلٌ على الرّحيل
***
" ... سأرويَ لكَ عن كَمَنجةٍ أجْهَشَتْ على أوتارٍ مُقَطّعةٍ
وعن خيولٍ اقتحمتْ عاصفةً في الخيالِ
وظلّت بعدَ حينٍ تُراقصُ الهباءَ
عن نسوةٍ أجّجَتِ السَّهرةُ زينَتَهُنَّ
وطرْنَ قبلَ انتهاءِ الحكايةِ
سأروي عن شَجَني المُقيمِ ... "
***
سأروي لكَ آخرَ الحكايا فاستمعْ
قبلَ أنْ تخذُلَني الحكايا
17 ـ 1 ـ 2015 برلين / الشارتيه
#صبري_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟