أسعد محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 17 - 11:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الهجوم على شارلي إيبدو فعلٌ إرهابِيٌّ ونفذته قوى إرهابية لا شك في إنها جزءٌ من القاعدة وقد أعلنت القاعدة في اليمن عن مسؤوليتها عنه وأعلن رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية "إن منفذ تلك العملية كان أحد ولاة داعش على تلعفر" وهو ما يعني الترابط الوثيق بين تلك المجموعة من المسميات " القاعدة وداعش والجهاد الأسلامي ودامس الخ" ولكن الأهم في هذه العملية هو إنها أحيطت بردود أفعال واسعة على الصعيد الأعلامي وتضامن دولي واسع جدا من قبل الدول الغربية الكبرى والدول الأخرى .. وأطلقت التهديدات بملاحقة الأرهابيين الذين قاموا بالعملية والذين قدموا الدعم لهم .. ولا زالت حملات التضامن والزوبعة الأعلامية قائمة على قدم وساق .. ولم يتخلف العديد من ناشطينا العراقيين في الخارج عن هذه الحملة التضامنية الكبيرة .
السؤال الذي لا محيص عن التوقف أمامه والأجابة عليه :
كم هو عدد ضحايا الحادث الأرهابي القذر في شارلي ايبدو ؟ هل هم إثنتا عشرة ضحيّة ؟ إنهم صحفيّون ولا يستحقون الموت إلا بعد أن يأتي أجلهم المسمى وبعد أن يكونوا قد استنفذوا حياتهم بالعمل والعيش الهانيء حالهم حال كل الناس الطيبين , وبعد هذا فإن القيام بعمل معارض بواسطة الهجوم والقتل العشوائي لكل من يحمل رأيا مخالفا لا يمكن عدّه إلا خروجا على القانون الأنساني ومجافاة لكل الوسائل النبيلة في العمل السياسي ويُعدُّ تقليدا لكل اللصوص والغزاة وقاطعي الطرق الذين يستخدمون القوة الغاشمة في تحقيق أغراضهم وهي في العادة أغراض دنيئة .
في العراق قُتِل العديد من الناس البسطاء , من العمال في مساطر الأنتظار لبيع قوّة العمل , ومن طلاب المدارس الأبتدائية وغيرها في مدارسهم , وقتل الناس في الأسواق وفي كل مكان تقريبا وذهب ضحية هذه الأعمال الشديدة القسوة والفائقة القذارة منذ بدأ الأرهاب يحصل على الضوء الأخضر من أجل العمل لمنع استفادة العراقيين من اختفاء الفاشية البعثية , مئات الآلاف من العراقيين الطيبين ولم تمس تلك الأعمال أي فاسد أو لص من لصوص الفساد الأداري والمالي والسياسي , كما لم يمس أي سياسي كبير , إلا ما ندر, أما غالبية السياسيين فلم يمسهم الضَرُّ على الأطلاق . أفلا يثير كل هذا عُشْرَ معشارِ هذه الحميّة التي انتفضت للتضامن مع فرنسا ؟ وهل لازالت التفرقة العنصرية قائمة ؟ وتنتفض هذه العنصرية البائسة عندما يُصاب الرجل الأبيض وتصمت عند مصاب غيره ؟ وإذا كان الأمر لدى العنصريين هكذا فما بال العراقيين الذين يتدافعون للتضامن مع فرنسا (وليس مع ذوي الضحايا الذين يستحقون كل التضامن) ؟
فرنسا أعلنت إنها لن تدع هذه الجريمة تمر دون عقاب وأعلنت على لسان الرئيس السابع للجمهورية الخامسة (الأشتراكي) فرانسوا أولاند إنها ستلاحق مرتكبي هذه الحادثة الأجرامية في سوريا والعراق .
لقد توضحت الصورة الآن ..
الجميع يعرف إن حوادث كثيرة من هذا النوع حدثت وذهب ضحيتها الكثير من الضحايا وكانت أقربها حادثة الهجوم على المدرسة العسكرية في بيشاور قبل شهر من الآن وأقل من شهر بينها وبين حادثة الهجوم على مقر الجريدة الفرنسية وقد كان عدد ضحاياها 141 قتيلا من الشبان اليافعين أبناء العسكريين وليس العسكريين أنفسهم فهي مدارس عادية مخصصة لأبنائهم .. كل هذا لم يُثِر أحدا في الغرب وباقي العالم الى ما يماثل هذا المستوى من التضامن الذي أثارته شارلي ايبدو . والحديث عما يحدث في العراق يبدو صفعة بوجه المتحمسين للتضامن مع فرنسا .أما تصريحات فرانسوا أولاند وتهديده بملاحقة الأرهابيين في سوريا والعراق فيمكن اعتبارها إهانة لذكائهم وفطنتهم .. لقد أوضح لنا جميعا بتهديداته هذه إن فرنسا على وشك التوسع الكبير في مشاركتها التحالف الدولي في العمل ضد داعش وهذه اللعبة لن تكون موجهة ضد داعش حقا بقدر ما ستكون مشاركة لتبرير دور جديد لفرنسا في المنطقة وربما استعادةَ لمصالح ونفوذ فرنسا في مستعمرتها القديمة سوريا وحصتها القديمة (23%) في شركة نفط العراق(IPC) السابقة التي كانت تمتلك إمتياز استغلال حقول نفط العراق بعد الأحتلال البريطاني في أعقاب الحرب العالمية الأولى .. وستكون داعش ذاتها وسيلة لأطالة أمد هذه المواجهة الخبيثة والمفتعلة لأعادة ترتيب المنطقة بالضد من مصالح شعوبها , ريثما تتم عملية الأتفاق على حجم الحصص والأدوار لكل دولة من الدول الغربية الكبرى في المنطقة وبالذات في قضايا الطاقة .
إن توسيع مشاركة فرنسا في العمليات العسكرية في الشرق الأوسط ستواجه بمعارضة قوية من قِبَل الشعب الفرنسي الذي لن يسمح بأعمال تعزز الطابع الأستعماري لفرنسا إذ إن المتابعين والمهتمين بالشأن الدولي يدركون إن الطريق الأمثل للحفاظ على سيادته التي خرقتها منظمة القاعدة ممثلة بداعش , يتمثل بغلق منافذ الدعم التي توفر لهذه المنظمة القدرة على التحرك في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتوقف عن اعتبارها أداة في تهيئة الأرضية للقوات الغربية للنفاذ الى هذه الدولة أو تلك من أهداف الفوضى الأمريكية الخلاقة والجميع يعلم إن داعش ومعظم قياداتها كانوا ضيوفا في معسكرات امريكا في العراق والقاعدة كانت الربيبة المخلصة للمخططات الأمريكية في افغانستان ضد السوفييت وتواجدهم هناك . حدثت هذه الحادثة ولا أحد يعلم من هو محركها ويبدو إعلان القاعدة في اليمن عن مسؤوليتها مثل محاولة بائسة تطوعية منها لأبعاد الشبهات عن جهة ما . والتغطية الأعلامية الكبيرة ومشاركة الرؤساء بالتضامن والمنظات المعادية للأرهاب وتلك المنظمات المعنية بحقوق الأنسان وبالحقوق المدنية وهذه الزوبعة من الجهد الأعلامي .. كل هذا سيغير كثيرا من المزاج الفرنسي العام ويجعله أكثر تقبلا للمشاركة الفرنسية في الحرب على داعش . ولكن حادثا معينا سيثير الكثير من التساؤلات لدى المواطن الفرنسي ولن يمر دون تقليب وتمحيص من قِبَل وسائل الأعلام الفرنسية والعالمية . هذا الحادث هو الأعلان عن انتحار المفوض المكلف بالتحقيق في حادثة الهجوم على مقر جريدة شارلي إيبدو المحقق هيرلك فريدو بعد أن راجت أخبار عن إن العملية , عملية الهجوم , كانت منفذة من القاعدة ولكن ليس بدون مشاركة من الموساد وبعض الجهات الأستخبارية الغربية , وعلى المرء أن لا يستغرب هذا الأمر لأن هذه الجهات تمثل فريقا واحدا في العمل على تمزيق المنطقة بهدف السيطرة عليها وعلى مواردها .
في الوقت القادم والذي لن يتعدى الأيام وربما الأسابيع في أبعد تقدير سنسمع كثيرا عن البطولات الفرنسية في ملاحقة داعش في العراق وسوريا وسيغدو الفرنسيون رقما مهما في فوضى المنطقة ولكن الأكيد إن داعش ستستمر بالوجود وسيزداد المأزق الذي يواجه سوريا والعراق عمقا وسنرى الكثير من الألاعيب الغربية في هذه الحرب العجيبة التي تحاول الولايات المتحدة وحليفاتها إطالة أمدها إلى أبعد ما يمكن لأن في هذا نجاحا من نوع ما لمواجهة بعض تداعيات الأزمة الأقتصادية الخانقة التي يعاني منها الأقتصاد الرأسمالي منذ العام 2008 ولم يبدُ إنها (الأزمة) راغبة بتخفيف ضغطها على هذا الأقتصاد من دون استخدام الدواء الناجع ألا وهو الحرب . وإذا لم تكن الحرب الواسعة ممكنة لأنها ستقود ولا شك الى تدمير الكرة الأرضية وما عليها فإن حربا هادئة ومتمهلة تمتد الى عدة سنوات ومدفوعة التكاليف من قبل مشايخ الخليج وملوك النفط ودول النفط الأخرى ستكون كفيلة بتفكيك أهم مفاصل هذه الأزمة .
#أسعد_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟