التجاني بولعوالي
مفكر وباحث
(Tijani Boulaouali)
الحوار المتمدن-العدد: 1312 - 2005 / 9 / 9 - 12:03
المحور:
الادب والفن
خط القدر طلاسمه، وجاء ما جاء، واغترب من اغترب، المعطيات هي.. هي، بجمودها، بركودها.. لم تهتز لفلسفة الوجدان، ولا لزلزال الكيان، إنها مستوطنة هنا وهناك.. منطوية حول سرها، وكل الفراغ في دمي يعيد مراسم المخاض.. حفريات الأمس العتيق الذي تلاشت أوراقه، تشكلني فوق مسرح الليل الذي أؤديه عبر ذاتي..
كل هذا النسيان يدوم..
لا فراغ من باكورات اليأس.. من ثبور يقتادني شيطانه نحو مأزق عارم.. مأزق تنتحر في خضمه كل معادلة ذاتية..
لا فراغ من وحشيات النفس المنزاحة صوب الدناءة.
لم أفكر قط قبل أي مواجهة..
أندفع بشرارة من ثغر الزمان، كفوهة تبحث عن لحم طري!
أترصد كل المدارات بناظري لعلي أغدو ركنا موشوما بالذكرى، ودون تردد.. أشارك كل من حولي في نارهم، في جدالاتهم، رغبة في سبر أغوار كون آخر، واستكشاف متاهة أخرى بقد عاهتي الخضراء..
أزعم أنني اخترقت برزخ الحياة، وتمكنت من مطاردة تلك الحشرات الملتصقة بأعماقي.. أشعر بارتياح عفوي، أتمدد فوق بساط الكتمان، أحاكي كل لغط مباح..
لم أتأكد بعد من وصولي،
فالريح لا تنبئ قاطني الجزيرة بإقبالها.. والموت كذلك! وأنا كذلك لم أفكر في هذا أبدا.. لأنني ساذج شيء ما، وخاطئ شئ ما، حتى ولو أني قرأت ما قرأت..! ورأيت ما رأيت..!
لست أدري..
إني هنا في فراغي المسدل، أزاول صمتي، أبعث شرودي نحو تهاويل الشفق.. وأناجي كل الأشياء، وكل الأسماء..
لم أتحرر من شرودي.. هو في دمي يجأش، يعربد، ويرفل عبر شراييني رقصة "الكاكان" (*).. هو في روحي غريب بطبعه؛ هرمونة ستنفجر بعد حين!
لماذا أنا هكذا؟!
أقدس حنيني إلى الأشياء قدسية عظمى، كأني أمام كنيسة الأوهام، أو إزاء أسطورة من أساطير الأقدمين.
إنني ألتطم، ولم أحس بعد بالصدمة في جبيني، بالصدمة في عمقي.. إنني أستفسر كل المتاهات، وأستفهم هاته الأطلال الواقفة إجلالا لسمفونية الماضي..
إنني هكذا، ولا شك في هذا..!
لست أدري..
من الواقع في خطايا هذا الذل الغاشم، الذي يكتسح أقاليم الذاكرة بعنف لطيف؟
من الجاري من رحم المحو،، من قوقعة الظن نحو دار الواقع؟
تكتظ في خلدي رؤى متداخلة.. متشابكة، نسجتها عناكب هذا التوتر المزمن، تزدحم في فؤادي جراثيم الخيبة، وهي تردد أنشودة الذبول، وتنتابني نوبات جنونية في زحمة هذا الفراغ..
تذكارات البارحة ترقش عبر دماغي لوحات رمادية، وتخط على ذاتي أيقونات شوق يتفتت، والرياح جارفة تقلع حتى الماء..
إنني هنا في مجلسي أردد بكائي في خفاء، أو أحاكي الخنساء وهي تنظم عبراتها في خشوع أمام شبح صخر!
لم أتيقن بعد من انخراطي في مدينة الفراغ.. قد أولد نزيفا غير مكتمل..
وتقذفني المسافات من هوس لهوس
وتذبل زهرتي
وتخمد شمعتي
وتلطمني الجدران من كل جنب.
(*) رقصة فرنسية اطلعت عليها في رواية (الطاحونة الحمراء)
#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)
Tijani_Boulaouali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟