|
على ضفاف نهر الحب (2)
طارق ناجح
(Tarek Nageh)
الحوار المتمدن-العدد: 4691 - 2015 / 1 / 14 - 21:31
المحور:
الادب والفن
مَرَّت أيام وراء أيام ، والحال كما هو الحال ، إلى أن جاء يوم تَغَيَرَّت فيه الأحوال . لقد قام صاحب المصنع ( أطلاله ) بتأجير الأرض كمخزن وورشة لإحدى الشركات الأجنبية العاملة في مصر . فأصبح المكان يموج بالحركة والنشاط بعد أن كان غارقاً في الصمت والثَبَاتْ . و غَيَّر مهران نشاطه ليلائم الوضع الجديد . فقام بعمل " عِشَّة " مستغلاً بعض الأخشاب والأبواب القديمة الملقاة في أحد الأركان ، في عمل جدرانها و دِّكَّة ومِقْعدَين وبينهما ما يشبه المنضدة ، ليُقَدِّم للوافدين " العاملين " الجُدُد الشاي وخلافه ، وبعض الأطعمة الجافة من جِبَنْ وسمك السَلامون أو التونة المُعَلَّبَه . وكانت زوجته وأبنته تساعدانه إذا ما طلب هو منهُنَّ ذلك . وكانت سميرة قليلة الظهور خاصةً بعد أن علِمَتْ أن الوافدين الجدد القادمين من أماكن بعيدة ومتفرَّقة من داخل القاهرة .. من المطرية ،الحِلمِيَّة ، شبرا الخيمة ، بولاق الدكرور ، والسيدة زينب ، بل وبعضهم من خارج القاهرة ، من الصعيد ، الشرقية ، ودمياط . . ما هُمْ إلا خليط من البشر جمع بينهم اللَّهاث من أجل بضع جنيهات ، وإن زادت نوعاً ما مع الشركة الأجنبية ، ليَّسِدّوا بها حاجة ذَِويهُمْ .. اب أو أم .. أخ أو أخت .. زوجة أو أبناء . فهؤلاء لا يَعنيها أمَْرهُم في شئ .. ففي النهاية هم أيضاً مساكين لا يملكون لها نفعاً ، ولا ضَرَّاً . كان الوقت مساء يومٍ من أيام الشتاء ، و البرد قارص ، والهواء الشديد البرودة القادم من النيل يتسلل إلى جلدك و مَسامَك وينفُذ إلى عظامك مهما أرتديت من رداء أو حتى غطاء ، خاصة وأنت في الخلاء . إلتف الأربعة العاملين بالوردية الليلية بشركة الأمن المُكَلَّفَة بحراسة المكان ، حول المنضدة التي قام بتجميعها مهران من قطع خشبية مختلفة الأطوال والثَخَانة . كانوا شَابِّين و رجل في منتصف العمر ، والأخير ، عم إبراهيم ، وهو قد تجاوز الستين عاماً بقليل ولَكِنْ بسبب معاشه الضئيل الذي لا يكفي إحتياجات أسرته ، إضطرَّ أن يعمل كفرد أمن مع إبنه ياسر ، والذي يعمل ميكانيكياً بأحد الورش خلال النهار ، وكفرد أمن طوال الليل لِيتمَكَّن من سداد دِيوُن زواجه التي طال سدادها ، خاصة وأنه سيرزق بطفل خلال شهور قليلة . أما الرجل الذي في منتصف العمر ، فهو سعيد النقَّاش ، وهو لا يَمُتْ بصلة لأديبنا الكبير والناقد القدير رجاء النَقَّاش ، وإنما ما هو إلَّا "نقَّاش" على باب الله ، يعمل أسبوع وباقي الشهر ؟؟ .. هو وحَظَّه !!!! وهو لا يستطيع أن يُقامر برزق أولاده ، ففضَّل أن يعمل كفرد أمن إلى جانب عمله بالدهانات . أما رابعهم فهو يوسف الطالب بنهائي كلية التجارة ، جامعة حلوان ، والذي إنضم لهم للتو . مهران :- مِشْ هتعرَّفنا على الراجل الجديد ، يا عم إبراهيم ؟ عم إبراهيم :- إنت على طول كده مستعجل .. مِشْ تستنَّى لمَّا نتعشَّى ، ونِحْبِس بكوبَّاية شاي في البَرد ده ! مهران :- ماشي يا عم إبراهيم ! ثُمَّ منادياً :- هاتي عشر إرغفة يا ياسمين ! ظهرت ياسمين من وراء الباب ، فَطَغِيَ نور جمالها على ضوء اللمبة الهالوجين المٌعَلَّقَة بأحد الجذوع الخشبية بسقف العِشَّة . فألقت التحية على عم إبراهيم ، وهي تنظر إلى يوسف الذي قد وضع يديه ما بين رجليه من شدة البرد ، وهو ينظر إليها ، وقد سرت في جسده قشعريرة ليس سببها لسعة البرد بقدر ما سبَبَّها رؤية ياسمين . فأجابها عم إبراهيم كالعادة :- مساء الفُل يا عروستنا ! إنسحبت ياسمين في هدوء ، وقد ألقت نظرة أخيرة على يوسف قبل أن تختفي . وبدأ العشاء وسط همهات عما صادفه كل واحد منهم خلال يومه ، ما عدا يوسف الذي حاول أن يبدو منتبهاً للحديث ، بينما عقله وقلبه قد ذهبا وراء ياسمين .
#طارق_ناجح (هاشتاغ)
Tarek_Nageh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على ضفاف نهر الحب (1)
-
في مترو المرغني
-
عندما يتكلَّم الحُبّ .. يَصمُت العُشَّاق
-
لعنة أغسطس
-
البابا شنودة الثالث .. شاعراً
-
الرجل الذي أضاع في الأوهام عمره
-
من هيفاء لصافينار .. ياقلبي لا تِحتار
-
قرية فوق صفيح ساخن
-
ما بين الكاريزما و فوبيا البيادة
-
هل ضرب أحمد زكي .. السبكي ؟؟؟
-
باسم يوسف 00 وشئ من الخوف
-
دير أبوحنس .. والفتنة القادمة
المزيد.....
-
-الملحد- يثير الجدل في مصر ومنتج الفيلم يؤكد عرضه بنهاية الش
...
-
رسميًا إلغاء مواد بالثانوية العامة النظام الجديد 2024-2025 .
...
-
مسرح -ماريينسكي- في بطرسبورغ يستضيف -أصداء بلاد فارس-
-
“الجامعات العراقية” معدلات القبول 2024 في العراق العلمي والأ
...
-
175 مدرس لتدريس اللغة الصينية في المدارس السعودية
-
عبر استهداف 6 آلاف موقع أثري.. هكذا تخطط إسرائيل لسلب الفلسط
...
-
-المُلحد-.. إبراهيم عيسى: الفيلم هو الدولة المدنية التي نداف
...
-
ساويرس يرد على سؤال بشأن فيلم -الملحد-.. وهذا ما قاله عن -من
...
-
-رأس الخس- يلاحق تراس من جديد ويخرجها من المسرح (فيديو)
-
هيفاء وهبي تعلق على قرار منعها من التمثيل والغناء بمصر بآية
...
المزيد.....
-
في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
(مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
/ كاظم حسن سعيد
-
البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
صليب باخوس العاشق
/ ياسر يونس
-
الكل يصفق للسلطان
/ ياسر يونس
-
ليالي شهرزاد
/ ياسر يونس
-
ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير
/ ياسر يونس
-
زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي
/ ياسر يونس
-
رسالةإ لى امرأة
/ ياسر يونس
المزيد.....
|