|
بين التركيز على شخص الشخص والتركيز على النظام
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4691 - 2015 / 1 / 14 - 17:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بين التركيز على شخص الشخص والتركيز على النظام من خلال تتبع كل ما يكتب حول الشأن العام المغربي ، وبالرجوع الى التعليقات التي يعلق من خلالها العديد من المهتمين بالشأن العام ، سنجد اختلافا واضحا بين من يركز في انتقاده على شخص الشخص ، ومن يتجاوز شخص الشخص ليصب انتقاده على النظام . فأيهما اصوب وعلى صواب في معانقة الشأن العام وإعطاءه المدلول الحقيقي الذي يشغله في الساحة ، هل من يركز على شخص الشخص ام من يتجاوز شخص الشخص الى اصل النظام برمته ؟ ان من يختزل اصل المشاكل والمشكل في شخص الشخص يكون بمن يبخس ويبسط الصراع ، ويكون بعمله هذا مجانبا للصواب ولعين العقل . اما من يركز على النظام كنظام قروسطوي فيودالي واوليغرشي ينتمي الى الزمن الميت ، فهو يكون بمن يلامس اصل المشكل وليس فقد حواشيه . من السهولة تبْخيس العمل السياسي بالتركيز فقط على شخص الشخص ، لكن من الصعب الانكباب على تحليل اصل النظام الفريد لوحده في العالم . إذا رجعنا الى مختلف الثورات والهبّات التي قامت عبر التاريخ والى اليوم ، سنجد ان كل من ركز على شخص الشخص محملا اياه اسباب المشاكل ، يكون بمن صنع انتفاضة قتلت الشخص ، لكنه لم يصنع ثورة دكت قلاع النظام . إن ذهاب الشخص ، وإن في العديد من الحالات يكون سهلا ، فهو لا يعني بالضرورة ذهاب النظام . يمكن للشخص ان يذهب ، لكن النظام اصل المشكل يستمر . امّا ذهاب النظام ، فهو يعني ذهاب قيم ومنظومات مرفوضة في الازمنة الحديثة لأنها تنتمي الى العصور الغابرة . في هذا الباب يجب التفريق بين ذهاب الشخص الذي قد يجسد النظام ، و هو هنا قد يكون العوبة بيد النظام رغم انه يجهل ما يجري ويدور من قبل ازلام النظام ، وبين ذهاب النظام لتعويضه بنظام آخر قد يقطع مع الممارسات القروسطوية التي تعيد اعادة انتاج مجتمع العبودية بشكل مقزز و اكثر بشاعة ، وبين ذهاب الدولة التي تعرف تعاقب انظمة مختلفة تختلف باختلاف الشخص ، وباختلاف شخص الشخص . وحتى نكون اكثر تدقيقا في تحليلنا السياسي ، لا بد من سرد نماذج حية لهذا الاختلاف الذي جعل دولا رغم ما عرفته من تحولات اجتماعية ، فإنها لم تبرح مكانتها التي زادت تعقيدا ، بسبب عدم الانكباب على الجوهر والتمسك فقد بالقشور ، اي ان القوى التي استصغرت ردود الفعل المضادة ، او ما يسمى ب ( الثورة المضادة ) ، تكون قد اخلفت موعدها مع التاريخ ، وتكون قد ضيعت الفرصة التي كانت مواتية للانخراط الصحيح في مجرى التاريخ . عندما قامت الهبّات العربية التي سميت ب ( الربيع العربي ) ، اختلفت التحليلات في تصنيفها بين ، من اعتبرها ثورة ، وبين من اعتبرها مجرد انتفاضة ، لكن هناك من اعتبرها مجرد هبّة من الهبّات المجهضة في التاريخ العربي الرديء . في نظرنا لا يمكن اعتبار ما حصل بالبلاد العربية ، لا ب ( الربيع العربي ) ، ولا ب ( الثورة ) ، ولا ب ( الانتفاضة ) . لكن ومن خلال النتائج المحصلة ، ونوع المشهد السياسي المركب و الاكثر معقد ، يبقى ما حصل مجرد هبّة من الهبّات العشوائية التي لم تزحزح معاويل النظام ، فأحرى ان تزحزح اصله . لذا فان من يعتبر أن ما حصل من ردّات فعل ب ( الثورة المضادة ) ، يكون خارج التغطية ، لأنه لم تحصل هناك ثورة اطلاقا حتى نقول بوجود ثورة مضادة . ان كل ما حصل ، كان بفعل انعدام التحليل ، و كان بفعل التسرع الذي اعطى لأصحابه صورة مغشوشة لا تعكس الحاصل في الساحة ، خاصة في نوع العلاقة بين القوى الشبابية التي رفعت شعارات متضاربة وغير وازنة تجيب عن المرحلة ، وبين الجماهير الشعبية التي ظلت خارجة عن الصراع الدائر بالمنطقة . لقد اختزل الشباب ، الذي انزوى اليوم الى الهامش وانقلب الى دور المتفرج وليس الفاعل ، المشكل في شخص الشخص . وعندما ( نجح ) في ابعاد الشخص ، ظل يجهل ان الفاعل الرئيسي في ابعاد الشخص ، هي منظومة النظام المتسلط ، وليس الشباب الذي ظل يجتر شعارات ( الثورة ) التي لم تكن ابدا ثورة . هكذا نصبوا للشباب مقلبا بتمويهه بنجاحه اسقاط الشخص ، لكن النظام الذي خلق الشخص ، وضحى بالشخص في آن لضمان استمراره ، ظل فاعلا متحكما ، بل ظل هو هو ، وكأن ما حصل لم يكن إلاّ بغرض التنفيس لقلب الصورة شكليا ، وامتصاص الغضب فعليا . فكان ان الوضع ، عوض ان ينفرج ، زاد تعقيدا ، وان الحرية التي نادوا بها في الهبّة ، اختفت بدعوى الحفاظ على الدولة وليس على النظام . هكذا ، و لامتصاص الغضب ، وتحريف الحراك عن وجهته الصحيحة ، تمت التضحية بالشخص الرئيس ، في حين ظل النظام الذي انتج الشخص الرئيس ، وأنتج منظومة القيم التي اطرت عمل الرئيس تفعل فعلتها ، بل ان هذه الفعلية زادت بأشكال اكثر عنفا وقسوة و ارهابا . فهل يمكن اعتبار ما حصل في مصر وباليمن وتونس ثورة . وهل ( تعديل ) اللاّتعديل الذي ادخل على الدستور المغربي في 2011 ، ونجاح حزب العدالة والتنمية في حصاد 107 مقعد بالبرلمان يعد ثورة مسبوقة عن مختلف التجارب التي عرفتها الدول التي عرفت حراكا ؟ شيء مقزز وفي نفس الوقت مضحك . إذا عدنا لتقييم الوضع بعد الهبّة الشبابية ، سنجد ان الشخص الرئيس في مصر هو الذي ذهب . اما النظام الذي انتج الشخص الرئيس فهو الذي لا يزال المتحكم والمسيطر في كل كبيرة وصغيرة . بل سنجد ، ان حتى تجربة الاخوان بقيادة مرسي حين جاءت الى الحكومة وليس الى الحكم ، فهي ظلت تباشر ضمن الحدود المرسومة بدقة من قبل النظام ، ورغم الشعارات التي لوح بها الاخوان ، فإنهم تغافلوا وتناسوا ، وربما عن جهل ، انه متحكم فيهم من قبل النظام الذي ظلت منظومته الفلسفية هي السائدة . فكان حين تعفنت فاكهتهم ، ان النظام الذي احتضنهم ضمن منظوماته ،واستعملهم للتنفيس الداخلي وللاستهلاك الخارجي ، ان انقلب عليهم ، فهاهو النظام الوفي لطقوسه برئاسة السيسي الذي جاء به مرسي ، يلقي بهذه الاخير وبحزبه في السجن ، وفي نفس الوقت يطلق سراح رجل اسرائيل والصهيونية حسني مبارك ونجليه ووزراءه بقيادة العادلي وزير الداخلية . فهل ما حصل بمصر بالاكتفاء فقط بتغيير الشخص الرئيس وليس النظام ، كان ( ثورة ) او ( انتفاضة ) ام كان مجرد هبّة وحراكا فشل فشلا ذريعا حتى قبل ان يصل الى منتصف طريقه وليس الى نهايته . وهل ما حصل من قبل النظام المتحكم في الشأن العام ، هو ( ثورة مضادة ) لثورة لم تحصل اطلاقا ؟ ان ما حصل بمصر ، هو نفسه حصل بتونس . ان انتفاضة البوعزيزي نجحت في ابعاد شخص الرئيس ، لكنها فشلت في ابعاد النظام الذي انتج الرئيس وضحى به قصد استمراره . فكان ابعاد الرئيس وبموافقة الرئيس تمويها لإجهاض اي ثورة قد تكون حقيقية عند دكها لقلاع النظام . لذا حين جاءت تجربة حركة النهضة والمرزوقي ، فهي لم تأت استجابة لشعارات الثورة المهدورة والمجهضة ، بل ان التجربة التي كان متحكم فيها ، جاءت ضمن منظومة قيم النظام المحروسة من قبل المؤسسات ، من جيش وأجهزة امنية مختلفة ، وسلطات قضائية ، ومنظومات قانونية ظلت تعبر عن فترة الاستبداد والقمع ، ولم تكن تعكس شعارات المرحلة التي رفعها الشباب ، وتبخرت مع مرور الايام بسبب التمسك بالقشور وإغفال المضمون ، اي اصل الحكم . هكذا ما أن استنفدت المرحلة زخمها ، حتى عادت حليمة الى ( عادتها ) صورتها القديمة ، وانكشف الوجه الاستبدادي للماسكين بالقرار السياسي والأمني ، وكانت النتيجة بعد الانتخابات التي جرت ضمن قوانين النظام ، ان عادت رموز النظام الذي ظل يفعل وما بدل تبديلا . لقد عاد احد جهابذة النظام كرئيس للدولة وهو السبسي ، وتم تعيين مدير ديوان وزير الداخلية في عهد الرئيس المخلوع وزيرا للداخلية . ان نفس الشيء يلاحظ في اليمن . لقد دهب شخص الرئيس صالح ، لكن بقي النظام الذي انتج صالح ، وأنتج منظومة قيمه الاستبدادية التي لا تزال تتحكم في المشهد السياسي اليمني . وهنا ألا ينتمي الرئيس الحالي عبده ربه منصور لنفس الحزب الذي بناه صالح المخلوع ؟ ودائما في دحض حجج الداعين للتركيز على شخص الشخص واستبعاد النظام . ماذا تبدل عندما اجمعت البرجوازية المدينية الميركانتيلية وفقهاء الدين عندما ابعدوا السلطان عبدالحفيظ بعد توقيعه معاهدة ( الحماية ) الخيانة العظمى التي بمقتضاها تم بيع المغرب الى فرنسا ، دون ازاحة النظام المخزني الذي ارتبطت به تلك البرجوازية بسبب المصالح المتداخلة ، فظل يفعل فعلته الاستبدادية في مواجهة الجماهير التي كانت ترفض الطقوس القروسطوية المجسدة للعصور الميتة ؟ الم ينتقم السلطان يوسف من الشعب عندما ابرق للماريشال اليوطي يهنئه على نجاحه في حسم المعركة ضد ثوار الريف بقيادة المجاهد عبدالكريم الخطابي ، وهي المعركة التي تحالف فيها المخزن مع الامبريالية الفرنسية والفاشية الاسبانية ضد جيش التحرير بالريف ؟ بل الم يتحالف النظام المخزني مع فرنسا الاستعمارية واسبانيا الفرنكونية ضد جيش التحرير المغربي بالجنوب في واقعة ايكوفيون ( المكنسة ) ؟ . عندما ثارت البرجوازية الفرنسية ضد الاقطاعية وضد الملكية الفيودالية ، فهي لم تثر ضد شخص الشخص ، اي الملك ، بل ثارت ضد النظام الذي كان يتجاوز شخص الشخص الملك . وكان الهدف من الثورة ضد النظام ، ليس هو اعادة بناء النظام بميكانزيمات جديدة تحافظ على روح واصل النظام ، بل ان الهدف من تلك الثورة هو بناء نظام ديمقراطي حقيقي ، يقطع مع الاقطاعية والفيودالية ، ونظام الحاكم الوحيد ، ومحاكم التفتيش . هكذا سنجد ان تلك الثورات قد نجحت في اعتبار مصدر اي سلطة ، هو الشعب الذي يجب الاحتكام اليه عبر الاستفتاءات والانتخابات . ان نفس الشيء يلاحظ على الثورة الروسية التي لم تكن ضد شخص القيصر المريض ، بل ان الثورة كانت ضد النظام برمته . وحين نجحت الثورة اسست لنظام الجمهوريات الذي كان مصدر الحكم فيها هم العمال والفلاحين والشعب الكادح . فلو اقتصرت الثورة الروسيه في ثورتها فقط على تغيير شخص الشخص بشخص شخص آخر ، لكان النظام الذي انتج القيصر المريض لا يزال يفعل فعلته الى اليوم . ان نفس الشيء يلاحظ عن الثورة الاسلامية الايرانية . فهي لم تكن ضد شخص الشخص ، اي الشاه المريض ، بل ان الثورة كانت ضد النظام الشاهنشاهي الذي خلق الشاه وخلق اسرة بهلوي التي تعيش اليوم في المنافي . إذن هل يجب التركيز في الانتقاد السياسي على شخص الشخص ، ام يجب التركيز على اصل النظام الذي هو الحكم ؟ ان الجواب هنا يقتصر على نوع وطبيعة الزمن الذي يتواجد فيه الشخص ، كما يقتصر على نوع وطبيعة الزمن الذي يتواجد فيه النظام . بالرجوع الى التاريخ القريب ، وبالنسبة للمغرب ، فان اي تصور لشكل الحكم يكون مرتبطا بنوع الشخص ، وبنوع النظام ، والعلاقة السببية القائمة بينهما . مثلا سنجد ان مرحلة الحسن الثاني ، اتسمت بغلبة شخصية وشخص الملك على النظام المخزني ، الذي رغم انه كان يشكل الذراع الاساسي للدولة العلوية ، فان بصمات الحسن كانت واضحة في جميع القرارات وعبر جميع المحطات ، ولم يحصل تراجع في هذه السلطة والقوة إلاّ عندما بدأت قوة الملك تنخر ، فوجد المخزن المافيوزي الفرصة سانحة للدلو بدلوه في القضايا الحساسة . وهنا الم يصرح الحسن الثاني يومين قبل موته للمجلة الفرنسية ( الملاحظ الجديد ) عن سؤال حول الشيء الذي يكون الملك قد ندم عليه في حياته . فأجاب : " ان الشيء الذي ندمت عليه ، انني كنت اثق كثيرا " ، وهو اعتراف صريح بكون المحيط الذي كان يتشكل من بيادق المخزن ، قد صنع مقالب لرأس المخزن بما يخدم مصالح مافيا المخزن على حساب رأس المخزن الذي اضحى متجاوزا عندما اضحى يغيب بسبب مرض ( لونفيزام ) الذي ضرب رئتيه . لذا فعندما كان رأس المخزن هو المخزن ، فان جميع المحاولات التي كانت تروم المخزن ، لم تكن ضد شخص شخص المخزن ، اي شخص الملك ، كما انها لم تكن ضد المخزن كعصابة مافيوزية توظف شخص رئيس المخزن في تحقيق ذاتها ، مرة بدعوى الحفاظ على المخزن ، ومرة بدعوى الحفاظ على رأس المخزن ، بل ان تلك المحاولات كانت ضد دولة المخزن الفاسدة بالأساس . ان الفساد الذي استشرى بالدولة من قبل رأس المخزن ومن قبل المخزن ، دفع بضباط وطنين احرار الى التحرك للقضاء على دولة المخزن التي اعتبروها دولة فساد . فكانت محاولة الجيش للانقضاض على الحكم ، لا تهدف تغيير نظام بنظام ، او شخص بشخص ضمن استمرارية الدولة المريضة ، بل كان يهدف قلب الدولة وبناء دولة جديدة تعبر عن الاغلبية الساحقة والمغيبة من المواطنين الاصليين من الامازيغ الاحرار . ان الهدف من انقلاب الجيش في 1971 و 1972 كان التأسيس لجمهورية امازيغية على ارض امازيغية . لكن فشل المحاولتان ، ستعقبه حركة تشطيب ابعدت الضباط الامازيغ ، وأوكلت المسؤولية لضباط عروبيين وفاسيين لا علاقة لهم بالجيش مثل بناني وعروب اليوم وهلمجرا . إذا كان شخص الملك زمن الحسن الثاني هو المخزن ، فان المخزن زمن محمد السادس هو الملك . وبينما كان الحسن الثاني حاضرا وبقوة في جميع المحطات الاساسية ، سنجد ان محمد السادس بخلاف والده هو الغائب والمغيب من دائرة الفعل السياسي . وهنا إذا كانت كل الخطوات والمحاولات الرامية للتغيير كانت تهدف اصل الحكم باستهداف شخص الشخص الممثل للنظام ، فان التركيز على تغيير شخص الملك في عهد محمد السادس ، ودون الاهتمام بأصل النظام كنظام فريد في العالم وينتمي الى الازمنة الميتة ، هو تبْخيس وتبسيط للعمل السياسي ، بل ان مثل هذه المحاولات هي تحقير لآي عمل تغييري حقيقي يلامس اصل المشكل ، وليس الاحتفاظ فقط بمناقشة ضفافه . من السهولة بمكان اسقاط الشخص الغائب والمغيب ، لكن من الصعوبة بمكان اسقاط النظام المتحكم والمتسلط والمغيب للشخص ( الحاكم ) . ان ذهاب شخص الملك لا يعني التأصيل للنظام الديمقراطي ، بل ان النظام المخزني المتحكم سيواصل فبركة وإنتاج شخص آخر على المقاس ، وعوض الولوج الى النظام الديمقراطي ، تكون الصدمة بالارتماء في نظام الطغيان والاستبداد . إذن ان اسقاط شخص الملك ، لا يعني بناء النظام الديمقراطي ، مثلما ان اسقاط شخص الرئيس في مصر وتونس واليمن ، لم ينتهي ببناء الديمقراطية . بل ان استمرار النظام الذي انتج الرئيس المنسحب ، وبموافقة الرئيس لبقاء نظام الاستبداد ، قد اجهض الحراك ، وعوض دك قلاع النظام ، ’دكّت شعارات الشباب ، وعوض بناء النظام الديمقراطي ومعانقة الحرية ، تم التمديد للدكتاتورية التي اعات رموز النظام ، فأطلق سراح مبارك ونجليه ومساعديه ، كما رجع السبسي وكل رموز بنعلي الى الحكم ، وظل عبد ربه منصور وزمرته المنتمين لحزب صالح يواصلون ، وكأن كل ما حصل لم يكن غير مسرحية ملعوبة على دماء شهداء الهبّة المجهضة ، وليس الثورة التي لم تكن ابدا ثورة . امّا اسقاط النظام ، فان الهدف منه ليس الحفاظ على الثوابت المرعية ، والطقوس البالية ، بل ان الهدف منه هو بناء الدولة الديمقراطية الحقيقية التي يكون فيها الشعب هو مصدر كل السلط ، يمارس حقوقه من خلال الاستفتاءات والانتخابات ، اي الممارسة الديمقراطية كما هي متعارف عليها كونيا . إذن ، إذا كان اسقاط شخص الحاكم ليس ضمانة لبناء النظام الديمقراطي ، بل هو قناعة راسخة على مواصلة الاستبداد والطغيان في ظل النظام ، فان اسقاط هذا الاخير بمنظومته الرجعية القروسطوية الفيودالية والاوليغارشية ، سيكون ضمانة اكيدة لبناء الدولة الديمقراطية المدنية . ان اسقاط النظام لا يعني اسقاط الشخص الحاكم رئيس او ملك ، بل يعني اسقاط منظومة ونظام لم تعد تستجيب للتحولات الفارضة نفسها في الساحة الوطنية والدولية . فإذا نجح التغيير في اسقاط النظام ، فان الشخص الحاكم الغائب والمغيب ، سيكون مضطرا للاختيار بين حلين لا ثالث لهما : -- امّا الانضمام الى الشعب والى حركة التغيير التي فرضت نفسها وطنيا ودوليا ، وهنا فان الحاكم سيصبح واحدا من الشعب ، وهذا التحول ان تحقق وحصل سيؤسس لثورة حقيقية بين الحاكم وبين الشعب ، وسيصبح وضع الحاكم لا يختلف عن وضع ملوك اوربة ، ولا يختلف عن وضع الامير نورودوم سيهانوك الذي تعايش مع الشعب ومع تجربة الحزب الشيوعي الحاكم في كمبوديا . -- اما إذا كان خيار الحاكم هو الانضمام الى بيادق النظام الذين يسيئون الى الحاكم والى النظام ، فهنا سيكون لكل مقام مقال . والشعب هو الذي سيقرر فيما إذا كان يجب تغيير نظام شخص بنظام شخص آخر ، او تغيير الدولة نفسها . هنا فان القاسم المشترك بين الملكية البرلمانية والجمهورية البرلمانية يكون هو الديمقراطية . هذا يعني ضرورة استبعاد كل اشكال الجمهوريات التوتاليتارية مثل جمهورية محمد انوار خوجة ، وجمهورية نيكولاي تشاوسيسكو ، وجمهورية جوزيف بروز تيتو ، او جمهورية هونيكر ، او ماوتسي تونغ او ستالين او بريجنيف ، او جمهورية كوريا الشمالية . كما يجب استبعاد نموذج الجمهوريات العربية التي تحولت الى جمهوريات ملكية ، واستبعاد نموذج الجمهورية الاسلامية الايرانية ، او الدولة الطالبانية او الباكستانية . ان صحة وصواب هذا التحليل نستمده ممّا يجري اليوم في اوربة التي تتواجد بها ملكيات وجمهوريات . لكن الملفت للنظر ، أن لا احد طعن او شكك في التأصيل الديمقراطي لهذه الانظمة ، وهذا يجعل من الاختلاف في التسمية بين الملكية والجمهورية مجرد عناوين لا غير . اما الاصل في التقرير فيبقى الشعب مصدر جميع السلطات ، ويعبر عن هذه السلطة بواسطة الاستفتاءات والانتخابات . هل هناك من مسافة زمنية للوصول الى الدولة الديمقراطية ؟ ان جميع المؤشرات تؤكد اليوم على سهولة الانتقال من نظام قروسطوي اوليغارشي وفيودالي ، ينتمي الى الحقبة الغابرة ، الى نظام ديمقراطي حقيقي مبني على تداول الحكم ، حيث يكون الشعب هو مصدر كل تحول من جعل الاقلية اغلبية مرة ، ومرة من جعل الاغلبية اقلية . ان هذه القاعدة المعمول بها في اوربة هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الانظمة السياسية ومتانتها ضد كل التهديدات المختلفة سواء جاءت من اليمين المتطرف او جاءت من اليسار المتطرف ، او جاءت من الانركيين الفوضويين الذين يدعون الى تدمير الدول وليس فقط الانظمة . ان هذه القاعدة الاساسية التي هي الديمقراطية ، هي التي تجعل من اختلاف الانظمة الاوربية بين ملكيات وجمهوريات مجرد عناوين . اما الاصل في العملية السياسية فيرجع فيه دائما الى الشعب مصدر جميع السلطات . قد تحاول العصابة المافيوزية الممخزنة ( المخزنية ) تنظيم هجومها المضاد للحفاظ على نفس الامتيازات ، من نهب واختلاسات ، ومواصلة الاستبداد والطغيان ، والاعتداء على الناس ظلما . لكن هيهات وهيهات . ان عالم اليوم ليس هو عالم الامس ، كما ان مخزن اليوم ليس هو مخزن الامس . ان الاوضاع مراقبة جيدا اليوم من قبل الامم المتحدة ومجلس الامن ، ومراقبة من قبل منظمات حقوق الانسان الاممية والدولية . كما ان مختلف العواصم الاوربية وواشنطن لم يتركوا العصابة تعيد مجازر 1965 و 1981 و 1984 و 1990 . كما لن يسمحوا بفتح سجون تزمامارت ، ولا بفتح المعتقلات السرية امثال النقطة الثابتة رقم 1 و 2 و 3 ، او معتقلات ايكدز وقلعة مكونة .. لخ . ان اي تحرك مشبوه في هذا الباب ستنتظره المحكمة الجنائية الدولية . ان اطلاق رصاصة واحدة على مواطنين يطالبون بالديمقراطية وبطرق سلمية ، يعني حتمية نهاية العصابة المافيوزية التي تمارس الاعتداء والظلم والنهب ، وتدمر اليوم المغرب ، حيث لم ينجو منها لا شجر ولا حجر ، كما يعني تسريع استقلال الصحراء عن المغرب . إذن عوض التركيز على شخص الحاكم ، يجب التركيز على اصل النظام مصدر كل بلاء وبلية . فيجب ان يكون الهدف والقصد ، هو بناء الديمقراطية ، وليس تغيير شخص الحاكم ، وليستمر النظام بحاكم آخر سيأتي به على المقاس ، وبميكانزيمات تتمسك بالأصول المرعية والتقاليد البالية . ان تغيير الشخص لا يعني بناء الديمقراطية . امّا تغيير النظام فيعني بناء النظام الديمقراطي على انقاض النظام المخزني الاستبدادي . ان المخزن هو ضد الديمقراطية ، بل انه عدوها.
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيان اخباري الى الرأي العام الوطني والحقوقي المغربي
-
افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر -- عملاء لا ( علماء )
-
التردي والافول بالعالم العربي والاسلامي
-
من الخائن ؟
-
بين خطاب الرفض ورفض خطاب الرفض تنزلق القضية الوطنية نحو المج
...
-
الى المدعو عبداللطيف الشنتوفي ( المدير العام ) للمديرية العا
...
-
وهم وهراء انفتاح المخزن : حصيلة الانفتاح من 1974 الى 2014 قم
...
-
الواقع السياسي الراهن : محدداته المرحلية واحتمالاته المقبلة
...
-
لا يا جلالة الملك ما كان ان تميز بين الناس هذا مغربي وطني وه
...
-
بين خطاب الملك في 10 اكتوبر 2013 وخطاب 10 اكتوبر 2014 المنتظ
...
-
فاشية -- مخزن
-
تأثير استفتاء اسكتلندة واستفتاء كاطالونيا المرتقب على الاستف
...
-
حكومة صاحب الجلالة ، معارضة صاحب الجلالة
-
ولّى زمن الخوف ، فإذا جنّ الليل ، سدّد طلقاتك بلا تردد
-
حين تخلى المخزن عن مسؤولياته
-
القمع بالمغرب
-
الشعب الصحراوي - الصحراء الغربية -- الاستفتاء لتقرير المصير
...
-
بدأ العد العكسي لنزاع الصحراء ( الغربية )
-
مخزن = اقطاع -- فاشية -- اعدام -- ارض محروقة
-
ظهور المذاهب السياسية والصراع الطبقي في الاسلام
المزيد.....
-
مصر.. قرار جديد بخصوص أزمة سلاسل -بلبن- بعد إغلاقها
-
بعد الوداع الحزين.. صلاح عبد الله يوجه رسالة مؤثر لسليمان عي
...
-
نتنياهو: -إسرائيل في مرحلة حاسمة من المعركة-، والجيش الإسرائ
...
-
هل تهاجم إسرائيل إيران رغم معارضة ترامب؟
-
زيلينسكي: أوكرانيا مستعدة للهدوء مقابل الهدوء
-
التعاون الإسلامي تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه و
...
-
أول تعليق من الاتحاد الأوروبي على -هدنة عيد الفصح-
-
إسرائيل: متفقون مع واشنطن بالملف النووي
-
الأمن العام السوري ينفذ حملة أمنية في ريف درعا
-
اليمن.. الحوثيون يبثون مشاهد لحطام مسيرة أمريكية أسقطوها في
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|