حازم شحادة
كاتب سوري
الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 12:49
المحور:
الادب والفن
بعد يومٍ عصيبٍ لم يتوقف فيهِ إطلاقُ الرصاص والقذائف حتى ساعة متأخرة من المساء استطاع مع عدد من رفاق السلاح التمركز في مبنى شبه مهدم ليستريحوا ريثما يأتي الصباح.
تولى صديقه العناية بجرحه الطفيف بينما كان صديقاه الآخران يحرسان المكان من غدر وخسة الرعاع،، اولئك الذين يرفعون رايات إسلامية نصرة لشياطينهم سعودية الهوى .
البرد كان قارصاً ولا شيء في المكان يمكن الاستفادة منه للتدفئة،، الإرهاق أكل من قلوبهم وأرواحهم لكن الصقيع لن يسمح لهم بالرقاد.
انتابه قلق خفيف جراء جرحه لكن رفيق السلاح طمأنه وحاول أن يخفف عنه:
- لا شيء يمنحنا الدفء الآن إلا هذه السيجارة اللعينة،، خذ واحدة وحاول ألا تسعل كي لا يفتح الجرح فتموت،، من سيسليني بهذه الحال؟
ضحك من قلبه وهو يأخذ السيجارة من يد صديقه وبكل ما أوتي من قوة حاول أن يصرف تفكيره عن شعوره الفظيع بالبرد.
تذكر زوجته التي لم يرها منذ عام،، ابنته التي تكبر دون أن يستطيع ضمها متى رغب بذلك،، تلك القرية الجميلة وأرضه التي كان يزرعها بساعديه،، ود لو كان بمقدوره البكاء.. فما يحدث إكبر من قدرته على الاستيعاب.. لكنه يحدث.
دون أن يدرك شيئاً شعر باهتزاز عنيف ثم وجد نفسه مغموراً بركام من الحجارة وبالكاد يستطيع التنفس.
راح يبحث بعينيه عن أثر لزملائه لكنه لم يعثر،، حاول أن يصرخ بأسمائهم لكنه لم يستطع،، همس كأنه يناجي صديقه،، لا تمت أيها اللعين،، من سيسليني...
قوة التفجير كانت كبيرة جداً وأدرك أن الجميع قد استشهدوا.
منذ اللحظات الأولى لوعيه أحب تراب هذه الأرض،، لكن في أسوأ كوابيسه لم يتخيل أن رحيله إليها سيكون على هذا الشكل..
رويداً رويداً بدأ يفقد الشعور بأطرافه،، حتى الصقيع ما عاد يشعر به،، كل ما دار في خلده صور لعائلته ورجاء أن تجد من يعتني بها،، صور خلف صور مرت بذهنه حتى حل مكانها ضوء أسود عميق.
في قلب المدينة،، أغلق تاجر سوري يحمل جنسية ذلك الجندي سماعة الهاتف بابتسامة على وجهه المتعرق بفعل وهج المدفأة.
اقتربت منه زوجته الصبية متسائلة عن سر هذه الابتسامة فأجاب وهو يخلع عنها ثوب الحرير،،، لقد ارتفع سعر الدولار هذا اليوم،،، سيكون ربحنا غداً وفير.
#حازم_شحادة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟