|
جبتك يا عبد المعين تعين
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 5 - 16:20
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لأول مرة، ربما منذ عهد اخناتون، يطالب حاكم مصري، عبد الفتاح السيسي، بجرأة تجديد الخطاب الديني، وإعلان الثورة الدينية على الأفكار المتطرفة. ويؤكد رجال الأزهر أن هذه النزعة الإصلاحية التي يطالب بها الرئيس، كانت مطلوبة لتصحيح نصوص قديمة ومفاهيم مغلوطة ومتطرفة.
قال السيسي في كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف، إنه "ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها".
ثم أضاف أن هذا الفكر "يعني أن 1.6 مليار مسلم، حيقتلوا الدنيا كلها التي يعيش فيها سبعة مليارات، عشان يعيشوا هم". وقال موجها كلامه لشيوخ الأزهر: "والله لأحاجكم به يوم القيامة"، وطالبهم بإعادة قراءة هذه النصوص "بفكر مستنير".
فهل الرئيس السيسي يستجير من الرمضاء بالنار؟ وهل رجال الأزهر بتوع الثعبان الأقرع، ومشايخنا الأفاضل، يرجى منهم أي خير في سبيل الإصلاح الديني؟ ثم لماذا قد انتظروا كل هذا الوقت، قبل أن يطلب منهم الرئيس السيسي هذا الإصلاح، ويختصمهم أمام الله في قعوسهم ومماطلتهم.
هذه النصوص القديمة الطافح بها التراث، ساعدت على انتشار الجماعات المتطرفة، مثل داعش وأخواتها. فهي تقوم الآن باستخدام هذه النصوص كذريعة لممارسة العنف وارتكاب أبشع الجرائم والقهر للمرأة وللمخالفين لهم في العقيدة.
أعادوا السبي واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، ورووا الأرض بدماء الأبرياء، ممن يخالفونهم في العقيدة أو ممن لا يوافقونهم في شدة التطرف والغلو في الدين.
في أول استجابة لتعليمات الرئيس، عقدت وزارة الأوقاف المصرية اجتماعاً عاجلاً، برئاسة وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، لمناقشة آليات تجديد الخطاب الديني ودراسة توجيهات الرئيس في كلمته بذكرى المولد النبوي، والإعداد للصالون الثقافي الرابع حول تجديد الخطاب الديني، والمقرر انعقاده السبت المقبل 10 يناير الجاري.
لاحظ هنا أن الدعوة للإصلاح الديني تأتـي من رئيس الجمهورية، وليست نابعة من رجال الأزهر. مما يدل على أن الموضوع لم يكن في رؤوسهم من أساسه. ما نشاهده الآن هو مجرد هرولة لإرضاء الرئيس، لا رغبة حقيقية في الإصلاح.
الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، ذكر أن الخطاب الديني تكتنفه ثلاث معضلات كبرى، هي الجمود والانفلات والتسيب، ومحاولة السطو على الثوابت، والثالثة الخوف من التجديد أو التردد فيه، لأن من جدد فقد استهدف وصار غرضاً للسهام.
وطالب بالخروج من دائرة القوالب الجاهزة والأنماط الجامدة إلى رؤية تتسم بالفكر، وإعمال العقل، وأن يعمل الجميع على تحريك هذا الجمود من خلال العمل على نشر ثقافة التفكير. (كلام جميل)
ثم يأتـي الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ليؤكد أن السيسي يقصد الكتب التراثية التي تتضمن مفاهيم ومعتقدات ليس لها نص صريح أو قاطع من القرآن الكريم والسنة، بل إنها قائمة على الاجتهاد البشري. (هذا غير كاف)
أما الشيخ فوزي الزفزاف، وكيل الأزهر السابق، فيؤكد وجود جمود في الفكر الديني، وقال: "إذا كنا جادين في النهوض بالأمة الإسلامية، فعلينا أن نعترف بأنها تعيش جموداً في الفكر الديني. ولا يريد البعض أن يستعمل العقل لتغيير فهمه للنصوص الدينية، مع العلم أن تجديد الفهم، أمر مطلوب لكي نواكب العصر وتطوراته.
د. محيى الدين عفيفي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، قال إن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي بمناسبة المولد النبوي «ركزت على ضرورة إحداث ثورة دينية. لم يقصد نصوص الدين من قرآن وسنة، وإنما يقصد رؤى بعض العلماء منذ قرون. فآراء العلماء كانت اجتهادات تحمل الصواب والخطأ».
كما أكد المجلس الأعلى للطرق الصوفية تقديره واحترامه لدعوة الرئيس ومؤسسة الرئاسة، والتي وصفتها بالاعتدال والوسطية وفهم الدين الصحيح، وأنه سيعمل على تدعيم قيم الأخلاق لمواجهة الإرهاب في العالم.
ورحب عدد من التيارات السلفية، بدعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني وإقامة ثورة دينية، وعلى رأسها حزب النور، الذي أكد تقديره للدعوة وللمؤسسات الدينية التي تدعو إلى فكرة الوسطية في الإسلام، وقال إن الحزب يقف بجانب المؤسسات الدينية للحفاظ على الإسلام والمنهج الوسطي. (هل يعقل أن حزب النور السلفي يريد الإصلاح الديني؟ وأي إصلاح يقصده؟)
ثم خرجت تصريحات، وأغلبها إخوانية، منددة تتهم السيسي بالخروج على ثوابت الدين ومقدساته. منها، محمد الصغير مستشار وزير الأوقاف المصري السابق، فقد قال: إن السيسي يدعو لانقلاب ديني بعد أن قام بانقلاب عسكري على أول تجربة حرية في مصر. (رد فعل طبيعي)
مما سبق يتضح أن الدعوة للإصلاح الديني التي أطلقها الرئيس السيسي، قوبلت بهرولة ومواقف متباينة من رجال الدين. بعضهم، أيدها بشدة واصطف وراءها، وبعضهم أيدها بتحفظ، وحصرها في تطوير الأخلاق والوسطية. أما شيوخ الإخوان فقاموا بمعارضتها بشدة.
السؤال الآن، ماذا يعني السيسي حقا بالثورة الدينية والإصلاح الديني؟ وهل يعني الإصلاح الديني، هو منع الشباب من الإلتحاق بصفوف داعش والنصرة وبيت المقدس، فقط، أم شئ أعم وأشمل؟
وأيهما الأصوب: الثورة الدينية أم الإصلاح الديني؟ مارتن لوثر أم إراسموس؟ الإجابة، بالطبع، تتوقف على ثقافة القاضي وفلسفته. فليس من العدل القول بأن أحدهما صواب والآخر خطأ. التاريخ يعلمنا أننا نحتاج إلى كلاهما.
هذا ما حدث بالنسبة لحركة الإصلاح الديني في أوروبا في أوائل القرن السادس عشر. لعلنا نستفيد منها شيئا:
أفكار إراسموس، عجّلت بحركة الإصلاح والحرية الدينية. لكن ثورة مارتن لوثر وحدها، هي التي جعلت هذا الأمل يتحقق. الثورة الدينية يجب أن تسبقها أفكار تمهد لها وتجعلها مقبولة لدي العامة. ثورة بدون أفكار، لا يكتب لها النجاح، مثل ثورات الربيع العربي.
حاول إراسموس إصلاح المسيحية، بدمجها في الحضارة الإغريقية. هذا ما حاوله من قبل العلامة المسيحي إريجانوس الإسكندري، المتوفي عام 245م. كذلك فلاسفة المسلمين: الكندي والرازي والفارابي وابن سينا وابن رشد، وغيرهم. فقد حاولوا هم أيضا، دمج الحضارة الإغريقية في الفكر الإسلامي. كان إراسموس يدعو إلى الوحدة بين الأديان والحضارات.
الحضارة الإغريقية التي تمجد العقل، هي التي أنارت شعلة الحضارة والنهضة قديما في الإسكندرية ما يزيد على ثلاثة قرون متواصلة أيام البطالمة. وهي أساس الحضارة البيزنطية، وأساس الحضارة الإسلامية في بغداد والأندلس وصقلية، وهي أساس عصر النهضة، والخروج من غيابات العصور المظلمة. وهي أيضا أساس الثورة الدينية والحضارة الأوروبية الحديثة.
الكاتب العلماني يستشهد بجمل أو مقولات من: حوريس، فيرجل، تاسيتوس، سينيكا، ميناندر، تيرتوليان أو ليفي. أما رجل الدين، فيستشهد بآيات من الإنجيل والقرآن. كان إراسموس من أوائل الذين تنبهوا لكنوز الحكمة المدفونة في الكتابات القديمة للإغريق والرومان.
ثقافتنا الحالية تمثل جدولا صغيرا وبقعا عكرة من الماء. بينما ما كتب باليونانية، هو الينابيع العذبة الصافية، والأنهار التي تتدفق بالذهب الخالص. مثل أعمال هومير، هيسيود، أفلاطون، أرسطو، أرسطوفان، هيرودوت، بلوتارخ، بندار، بوسانيوس، وآخرين.
لكي نفهم الكتب المقدسة وكتابات رجال الدين الأوائل بصدق، لا بد من دراسة اللغة اليونانية والتاريخ القديم. كتابات الفلاسفة الإغريق الأوائل والأدباء وكتاب المسرح. إنها كنوز لا تقدر بثمن، ووصفة أكيدة ومجربة لصناعة أية حضارة وتقدم منشودين.
لم يجد إراسموس ما يطلبه في قصص العهد القديم. كان يعتقد أنها مليئة بالشك، كتبت لعصر معين. تحول أنظار الناس عن المسيح وتعاليمة، التي يجدها كافية.
هي ملاحظة تنطبق على ما يحدث الآن بالنسبة للأديان السماوية الثلاثة، حيث يهتم رجال الدين بالأساطير والحكايات والطقوس، أكثر من اهتمامهم بالقيم الخلقية والإنسانية. الدين المعاملة كما نقول، وليس مجرد تطبيق لنصوص جامدة لم تعد صالحة.
عقيدة "إريجانوس"، هي مزج تعاليم المسيح، كما جاءت في الموعظة على الجبل، بالثقافة الإغريقية. القرن السادس عشر، لا يخرج عن ذلك. الأفلاطونيون المسيحيون، مثل ميراندولا، يضعون العقل فوق الإيمان، ويقولون بأن التدين عبارة عن حياة وسلوك، لا مجموعة تعاليم وطقوس.
لم يكن إراسموس يؤمن بالطقوس الوثنية التي كانت تجري في الكنائس قبل حركة الإصلاح الديني. مثل تقبيل عظام الموتى من القديسين والشهداء. عندما زار إيطاليا، كان الإيمان بالخرافات أشد وطأة. مما جعله يفكر في موضوع كتابه "مدح الحماقة".
"سوف يخبرونك كيف خلق العالم. سوف يطلعونك على الشرخ الذي تسربت منه الخطيئة، لكي تفسد البشرية. سوف يشرحون لك كيف خلق المسيح بدون أب... وأن قتل آلاف الناس، أقل جرما من إصلاح حذاء سائل يوم السبت. فناء العالم أفضل من كذبة صغيرة تتفوه بها امرأة".
"يقولون إنه من دلالات القداسة، أن تكون أميا لا تعرف القراءة والكتابة. ثم ينهقون وهم يرتلون المزامير في الكنائس مثل الحمير. لا يعرفون كلمة واحدة مما يتلون. لكنهم يجودون الصوت حتى يطرب أسماع القديسين. وكم منا من يحفظ القرآن عن ظهر قلب، ويرتله وهو لا يفهم شيئا مما يقوله؟
الرهبان المتسولون يهيمون في الشوارع يستجدون الصدقات. يدعون أنهم يتشبهون بحواري المسيح. هم جهلة عجزة متشردون، في ثياب قذرة. يشغلون أنفسهم بالأمور التافهة مثل: كم عقدة في رباط الحذاء؟ ولون الثياب السفلى، وعدد القطع في غطاء الرأس، وعدد ساعات النوم. بالنسبة للأمور الأخرى الخاصة بشخصية الإنسان، يتشاجرون ويسبون ويلعنون كل منهم الآخر."
"ماذا أقول عن صكوك الغفران؟ هي طريقة سهلة لشراء المغفرة. أي قاطع طريق، أو قاتل محترف، أو قاضي مرتشي، يمكنه الاستغناء عن جزء صغير من الأموال المنهوبة، لكي يشتري بها الغفران، ويصبح كأنه لم يرتكب جرما قط." وهل الحج، بشكله الحالي، يختلف عن صكوك الغفران في شئ؟
"باباوات روما، الذين يدعون أنهم نواب المسيح على الأرض، لو أنهم يحيون حياته المثالية. حياة الفاقه والعري والجوع واحتقار العالم. لو أنهم علموا معنى كلمة بابا، لما تكالبوا على شراء الأصوات في الخفاء.
الذين ينجحون بالرشوة، لا يستطيعون الحفاظ على الكرسي، حتى لو استخدموا المسدس والسم والعنف." وهل استخدام السكر والزيت للنجاح في الانتخابات وتزويرها من الإيمان في شئ؟
الإصلاح من الداخل يعني تطور المسيحية عن طريق إظهار القيم النبيلة، التي تقبع دفينة، تحت تلال الخرافات المصحوبة بالإيمان الأعمى. والإصلاح الديني عندنا، يعني تأكيد القيم النبيلة التي تدعو إلى الإيخاء والمساواة والعدل والحب، والعطف والرحمة،... إلخ، بدلا من الاهتمام بالطقوس والشعائر والمظاهر فقط.
روح المسيحية، كما يقول إراسموس، لا تقع في الأمور الشكلية، وإنما في الإيمان الداخلي للفرد. لا في في الطقوس والتمسك الشديد بالتعاليم، وإنما في السلوك وحياة الرضا والتكامل مع النفس. الأهم من حضور القداس والحج وزيارة الأضرحة، هو أن تحيا حياة تتفق مع روح المسيح وتعاليمه.
أراد إراسموس التطهر من الخرافات والطقوس التقليدية. الكتاب المقدس هو المرجع، والكهان يتم تعليمهم، إلخ. لكن فرض الإصلاح ليس سهلا. لذلك، كان من نصيب مارتن لوثر. هنا نجد التطور يفسح مكانه للثورة.
تنقيحه للنسخة اليونانية للإنجيل التي ظهرت عام 1516م. وترتيبه ومراجعته وتصويبه للمخطوطات، وتعليقاته المصاحبة للنص اليوناني، تمثل حقيقة بداية نقد الإنجيل الحديث.
لم يتردد إراسموس في وضع الجانب الأخلاقي للعهد الجديد، فوق الحكايات والأساطير غير اللائقة للعهد القديم. ويقول إن قراءة المؤرخ الروماني تيتوس ليفيوس، عام 218 ق م، أفضل من قراءة العهد القديم.
"إذا قرأت في العهد القديم، أن آدم مصنوع من طين. وأن زوجته في السر، سحبت من جنبه، بينما كان يغط في سبات عميق. وأن الثعبان قام بإغراء المرأة بفاكهة محرمة.
وأن الله مشى في طراوة المساء. وأن الحراس تقف تحرس أبواب الجنة، لكي تمنع المتسللين. ألا تعتقد أن الأمر كله لا يخرج عن كونه حكاية من حكايات هومير.
إذا قرأت حكاية لوط وزنا المحارم، أو قصة شمشون، وزنا داود، وكيف ترفه العذارى الفاتنات عن الملك المخرف، أليس هذا شئ فاحش يثير الاشمئزاز؟"
من الأناجيل التي قام إراسموس بمراجعتها: العبرانيون، جيمس، الوحي، رسالة يوحنا الثانية والثالثة، ورسالة بطرس الثانية. رفض بشكل قاطع مذهب أوغسطينوس، الخاص بأصل الخطيئة والرذيلة الكاملة. وكان يرى أنه مهما كانت جريرة آدم، فذنبه لا ينتقل إلى أحفاده والأجيال الجديدة.
هو أول العلماء، بعد أوريجانوس، الذي قام بالنقد العقلاني للإنجيل كله، وتطبيق روح التعاليم الدينية على جميع مناحي الحياة، لا التعاليم والطقوس الصارمة بطريقة حرفية. كان دائم الفصل بين تعاليم المسيح من جهة، وتعاليم الكنيسة والمؤسسة الدينية من جهة أخرى.
كان إراسموس يعارض بشدة بيع الكنيسة الرومانية لصكوك الغفران. ربما كان أشد معارضة لها من مارتن لوثر. لكن المعارضة بالتهكم والسخرية، لا تصل للناس. أما لوثر، فقام بتعليق معارضته على باب الكنيسة، وثبتها بالشاكوش والمسامير.
إراسموس اكتفى بمخاطبة العقل في الأوساط الثقافية، لكن لوثر، اخترق عواطف الجماهير ووصل إلى قلوبها. قواعد لوثر الـ 95، المعلقة على باب الكنيسة، هي العلَم الذي في رأسه نار، الذي بات يقود ثورة الإصلاح الديني.
كان إراسموس يتعاطف مع الثورة الدينية بقيادة مارتن لوثر، لكنه لم ينضم إليها. كان يقابل توسلات لوثر بالصمت. لأن الثورة لم تكن من طبعه. فهو رجل يؤمن بالإصلاح الداخلي. عندما طال انتظار لوثر، انقلب عليه، واتهمه بأنه عدو المسيح.
لم يكن إراسموس مستعدا للشهادة، أو أن يقوم بدور الأنبياء. كان يفضل أن يظل عالم إنسانيات، يعمل على الإصلاح الداخلي بدلا من الثورة. هو يختلف عن الثوار في الأسلوب فقط. لم يكن يتبع فكر أي شخص أو حزب أو جماعة. حتى يظل حرا، له فكره الخاص.
بعد ذلك، وصفت الكنيسة الكاثوليكية تعاليم إراسموس، بالكفر والهرطقة، ووضعت كل كتبه وأعماله على رأس قائمة الممنوعات. لكنه بالنسبة للفكر الليبرالي، ظل نجم النهضة اللامع بدون منازع. الذي كان تأثيره على العالم المتحضر، أكثر من أي شخص آخر، منذ وقت الإمبراطورية الرومانية، حتى وقتنا الحاضر.
نحن نحتاج لمحاربة الفكر الداعشي المنتشر في طول البلاد وعرضها، بشيئين: إصلاح ديني فكري عن طريق إراسموس آخر، وثورة دينية لفرض هذا الفكر بالقوة، أي مارتن لوثر آخر.
الإصلاح الديني يعني اعلاء شأن العقل والعلم فوق كل شئ. لا تقل لي أن نظرية دارون في النشوء والارتقاء، غير صحيحة، لأنها تتعارض من قصة الخلق التي جاءت في القرآن. إن لم يكن لديك الدليل العلمي على خطئها، فالزم الصمت، أو قم بتأويل قصة آدم وحواء بما يتفق مع العلم الحديث.
الإصلاح الديني يعني تنقية كتب التراث من الإسرائيليات والأساطير والتفاسير التي لا تستقيم مع المنطق والعقل والعلم. خلاص أرواحنا ليس في التصديق ببلاهة لأي شئ يقال لنا. ارحمونا يرحمكم الله.
مثال ذلك حكاية الثعبان الأقرع والشمس التي تغرب في عين حمئة، والتي "تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها" الرحمة يا أسيادنا.
خرافة الحوت بهموت الذي يحمل الأرض، مكتوبة فى تفسير النسفي المقرر على السنة الثانية الثانوية في المعاهد الأزهرية . هذا ما جاء فى تفسيره لسورة " نون والقلم وما يسطرون "
ابن عباس قال عن معنى "نون" أنه الحوت الذي عليه الأرض وأسمه "بهموت". فهل قال ابن عباس هذا الكلام ؟ وهل يصح أن يوجد مثل هذا الكلام في مناهج التدريس في أواخر القرن العشرين ؟
والشياطين التي تعشش في المناخير وتضاجع النسوان أثناء الجماع والتي تبيت في المراحيض ودوراة المياة، والديكة التي ترى الملائكة، والحمير التي ترى الشياطين.
كما يعني الإصلاح الديني، تأكيد حقوق الإنسان والمواطنة وقيم الحرية الفردية والمساواة وحرية الرأي وقبول الآخر والحفاظ على البيئة والنظافة وطهارة مياه النهر والمسطحات المائية والحفاظ على الهواء الذي نستنشقه نقيا.
حرية الرأي تعني عدم مصادرة أي رأ ي أو أي مقال، أو كتاب أو عمل درامي أو فيلم سينمائي. المساواة تعني المساواة بين الرجل والمرأة والمسلم والمسيحي وأي دين آخر أو حتى من لا يؤمن بدين، في المواطنة والحقوق والواجبات والمأكل والملبس والمظهر والإنسانية.
موضوع تعدد الزوجات، لا يجب أن يكون متروكا لمزاج الرجل وحر إرادته، كذلك الطلاق. لما لهما من تأثير خطير على المجتمع وتماسك الأسرة وسعادتها ومستقبل أبنائها. ترشيد مثل هذه المواضيع، لا أعتقد أنها صعبة وغير ممكنة. فقد نجحت في عدة دول بدون مشاكل. ما نريدة هو إرادة حاكم قوي يفرض الثورة الدينية.
هل يستطيع الأزهر القيام بمثل هذا الإصلاح المنشود. أم إنه سيقوم بحذف بعض المناهج والمقررات على الطلبة، ثم ينفض يديه ويقبلها وش وظهر، ويحمد الله مكتفيا بذلك، بحجة أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان؟
هل يستطيع الأزهر وشيوخ الإفتاء منع النقاب الذي يعتبر أكبر إهانة للرجل والمرأة، وانتهاكا لآدميتها وكبريائها، وقتلا لأنوثتها، واتهاما لعفتها وطهارتها، ولا يتناسب مع ظروف مجتمعنا ولا يتناغم مع تاريخنا وأمجادنا؟
وهل يستطيع الأزهر البوح بأن الحجاب ليس من ثوابت الدين في شئ، بل هو مجرد عادة مقتبسة من عادات اليهود القديمة التي تجعل من الشعر عورة، لا شأن له بالعبادات أو الأخلاق؟
هل يستطيع الأزهر أن يخبرنا بحقيقة التاريخ الإسلامي وسيرة الصحابة على حقيقتها، بدلا من التلميع والتفخيم والتبرير والتزوير والانتقاء والحذف والإضافة؟ على طريقة مبدأ ولا تقربوا الصلاة.
هل يستطيع الأزهر تنقيح البخاري وكتب الأحاديث والتفاسير مما بها من كوارث علمية وتاريخية وإنسانية، لا تتفق مع العقل والمنطق، والتي تتعارض مع القرآن؟
هل يستطيع الأزهر إعلاء شأن العقل ووضعه في أعلى المراتب، كما فعل المعتزلة وفلاسفة ومفكري عصر النهضة الإسلامية من قبل، الكندي والرازي وابن سينا والفارابي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم، أم أنهم سوف يظلون عبيدا للنصوص والتفاسير القديمة السقيمة البالية؟
هذه مهمة جليلة لا يقدر عليها سوى الفلاسفة وكبار المفكرين والعلماء والشعراء والفنانين والأدباء. مؤيدون بقوى سياسية ثورية ترغب جديا في التغيير والتجديد.
أما رجال الأزهر، فهم بالتأكيد غير قادرين على مهمة تجديد الخطاب الديني، الموكلة إليهم من الرئيس السيسي. لأن فاقد الشئ لا يعطيه، والمثل الشعبي يقول، "جبتك يا عبد المعين تعني، لاقيتك يا عبد المعين تنعان."
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصر التعقل لتوماس بين 1
-
تطوّرَ المرض اللعين، والأزهر لا يفل ولا يلين
-
مشايخ ومشايخ
-
الميكانيكا الكمية – كيف خلقت المادة من الفراغ؟
-
الميكانيكا الكمية – الفراغ الكوني ليس فراغا
-
الميكانيكا الكمية – شئ من نظرية النسبية
-
الميكانيكا الكمية – أشعة بيتا والنيوترينو
-
الميكانيكا الكمية – النواة قطرة سائلة
-
الميكانيكا الكمية – قوة ربط النواة وأنفاقها
-
الميكانيكا الكمية – الغوص في أعماق الذرة
-
الميكانيكا الكمية – الإلكترون سحابة حول النواة
-
الميكانيكا الكمية – ألاعيب شيحة والنط من فوق الأسوار
-
الميكانيكا الكمية – مبدأ عدم اليقين لهيزنبرج
-
الميكانيكا الكمية – الموجة الاحتمالية
-
الميكانيكا الكمية – الطبيعة الموجية للمادة
-
الميكانيكا الكمية – ما هو الضوء ومن أين يأتي؟
-
الميكانيكا الكمية – أول الغيث قطرة
-
كيف ظهرت نظرية الكم من حطام النظرية الكلاسيكية
-
معالم على الطريق
-
لن يستطيع الأزهر قيادة حركة التنوير والإصلاح الديني؟
المزيد.....
-
ترامب يكسب 500 مليون دولار بتدوينة واحدة على منصة -تروث سوشا
...
-
حلوى زفاف الملكة إليزابيث والأمير فيليب بيعت بمزاد.. إليكم ا
...
-
الكويت.. فيديو حملة أمنية اسفرت عن القبض على 13 شخصا
-
مقتل 20 شخصاً في تفجير بمحطة قطار كويتا جنوب غرب باكستان
-
لوحة بورتريه آلان تورينغ باستخدام الذكاء الاصطناعي تباع بـ 1
...
-
ظهور مستكشف جديد.. -معلومات موثوقة- تعيد الطائرة الماليزية ا
...
-
قتلى وجرحى بانفجار في محطة للسكك الحديدية في باكستان (فيديو)
...
-
وسائل إعلام: ترامب قد يسعى للانتقام من خصومه السياسيين على م
...
-
وزارة الإعلام الأفغانية تنفي التقارير حول إغلاق بعض وسائل ال
...
-
-بيلد-: انتقادات للرئيس الألماني على موقفه تجاه روسيا تثير غ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|