أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - البحث الممل _ قصة قصيرة















المزيد.....

البحث الممل _ قصة قصيرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 4 - 12:32
المحور: الادب والفن
    


البحث الممل

وأخيرا تعلمت أن لا شيء ممكن أن يكون لمجرد أنك تطلبه , هذه الفكرة التي زرعها مكوثي الطويل تحت العناية الطبية الخاصة بعد الحادث الذي أودى بذاكرتي القديمة , هكذا سمعت المرضات يتكلمن بصوت خافت , الظاهر أني أعيش عالم جديد لم أكن قد أسست له , هكذا تبدأ ذكرياتي من سريري الأبيض وحفنة من النساء والرجال هم ما أعرف وكل ما في تاريخي الجديد متعلق بالأبيض ومشاهد الدواء والأوامر المحددة ,عرفت أيضا أن كلمة تأريخ تعني ما كنا نعيشه من زمن قبل هذه اللحظة وعرفت بعدها يسمى المستقبل , لكنني للآن لم أفهم ما تعني اللحظة .
أكتشف في ما حولي أشياء ليست غريبة لكنني أعرف جيدا أنها لا تنتمي لما في عقلي من تعاريف , قد تكون محفظتي ما زالت فارغة بما لا يكفي كي أستدل بها على عالم يتسع معي شيئا فشيئا دون أن أستجيب تماما لهذا الأتساع لذا أضطر أحيانا لأفقد بعض من أملي في أن أخرج سريعا من دائرة التعجب التي أنا فيها , ما ينقصني أن أرى ما في الخارج فكل ما أعرفه هو ما تنقله لي شاشة التلفاز كما سمعتهم يطلقون عليها , المحير أن واحدة فقط هي من تنقل لي , أما الأخريات فلا أعرف ما وظيفتهن تماما , كل ما أتذكره أن طبيبي الخاص يبحلق كثيرا فيها ليرى أشياء تبدو غريبة , أكيد ليس كذلك له لكن ما يحرجني كل شيء هنا منذ أن عرفت أن أميز بين بعض الأشياء أما متشابهة أو أنها تبدو بلا قيمة لي .
سألت السيدة الممرضة التي يزعم البعض أنها شبيه بفتاة الإعلان التي كثيرا ما أشاهدها وهي تتراقص بحركات رياضية قررت أن أفعل واحدة منها بمجرد أن يمنحني الطبيب الأذن بالخروج بعد تركيب ساق أخرى لي, انا لا أملك إلا ساق ونصف جراء الحادث ,المهم كان جوابها أن حالتي تتطور بشكل جد مقبول وأنها علمت أيضا أن ما تلاحظه كممرضة على تطور حالتي مشجع جدا لكن أحيانا يصيبها والطاقم الطبي بعض الحيرة من تفسير ما تعده غريبا كتصرف مني لا يمت لمريض بصلة , منها مثلا أنها تسمع ألحان غنائية أرددها في حالات الغيبوبة جميلة جدا وكلماتها التي تم تسجيلها تعود لحضارات قديمة اندثرت منذ ألاف السنين , المشكلة أن تأريخك السابق لا يشير حسب التقصيات أنك كنت مهتما بالغناء أو أنك تعرفت على هذه اللغة .
أحيانا تمر في ذهني أشبه بالأحلام أكاد أصدق أنها جزء حقيقي مني أعرف أن الغابة في أني لا أستطيع تحديد هل هذه الأحلام حقيقية أم مجرد مؤثرات عرضية للأدوية التي أتناولها , وأيضا الغرابة أنني لن أنسى الكثير من تفاصيل أشك فيأن وجدها مجرد توهم للعقل أو تصور منه ,من المؤكد بعض هذه الأشياء أما ستكون أو أنها كانت في لحظة ما من وجودي ,بالمناسبة أن بعض هذه الأحلام تعود لأشخاص أراهم كثيرا من حولي يترددون قرب سريري البعض أحاطني بعناية فائقة خاصة عندما يحملون الزهور وبعض الحلوى التي مذاقها أشبه بمذاق يوم يمر خالي من بعض السموم التي تزرق في بدني بعنوان أدوية.
تقول ممرضتي عني أن بعض التصرفات تشير إلى أن مصدرها ربما يكون جزء من ذاكرتي القديمة التي تصارع من أجل أن تستعيد دورها في نمط سلوكي يدفع أحيانا إلى انهيار مفاجئ في الشخصية التي أعيشها الآن ,أحتار حتى الطبيب النفسي في كيفية إعادتك إلى الما وراء كي تنتبه إلى أنك تمارس نوعا من المقاومة الذاتية للهروب من فرصة العودة للماضي ,أقصى ما يمكنك أن تفعله أن تسجل أو تحاول تستعيد بعض هذه التصرفات التي تنكرها دوما وتنفعل لنواجه بانهيار عصبي يزيد من تفاقم حالة الشرود وبالتالي يبقى طبيبك النفسي في أزمة بين أن تبقى تقاوم وبين إجبارك على محاولة التذكر, الحقيقة كل هذا الحديث لا أتذكر منه شيء قد يتكلمون عن شخص أخر ويظنون أنني أقترب من حالة فراغ لا أعرف , لا أفهم , لا أدرك كل الذي يجري فقط اتذكر ممرضتي ومواعيد الدواء وبعض ما يجري على الشاشة .
من السهل أن يفهم الإنسان ما يدور حوله إذا كان يملك فهم لمفردات بعضها يقود لفهم بعض ,مشكلتي أني أجد أحيانا بعض الكلمات التي أقبل بها وأتعامل معها لكن الحقيقة أنها ما زالت تشكل عبئا على فهمي , تاريخ , ذاكرة , اللحظة الحرجة , وحتى أن كلمة مرحبا التي كثيرا ما أسمعها لا أعرف تماما ماذا تعني لكنني أدرك بالتجربة أنها مقدمة لمجموعة من الأسئلة تنتهي دوما بصمت لا أجد له تفسير سوى بعض الإشارات عندما يقطب الطبيب حاجبيه أو أنه يرفع أصبعه الكبير ويغادر ,لقد مللت هذا العالم المغلق ,أحاول أن أبني لي عالم خاص عالم بسيط لكنه حقيقي ومؤثر أعيشه بتفاصيله كواحد من مجموعة يهمها أن تعلم أن كل أعضائها من حقهم أن يكونوا على تواصل متساو , لا تنتهي لقاءاتهم وتبتدئ بإبتسامة باردة وأحيانا بكلام لا معنى له .
الممرضة الجميلة التي رافقت مرحلة حياتي من بدايتها تعلم أني كثيرا ما أفتقد وجودها حولي وتعرف أيضا أن لو كان الأمر يعود لي لم أدعها تترك غرفتي ,صحيح هناك الكثير من المرضى ولكن هناك أيضا الكثير من الممرضات , تقول أن لها عائلة وزوج تحبه! وأيضا أنا أعتبر رغبتي أن تبقى قريبا مني هذا النوع من الحب أن أكون عائلتها أو أنها تحبني كزوج يعني رجل جنب امرأة يهتم بها كثيرا كما هي تهتم به كثيرا , هذا ما عرفته منها عن شيء أسمه الحب , وقلت: سيدتي أنت تهتمين بي كثيرا مشكلتي أن لا أستطيع الأهتمام بنفسي ,لذا فلنكن نصف عائلة ونصف حب حتى أتمكن كما يقول طبيبي النفسي من أني سأكون قادرا على ذلك في القريب , قلت لنجرب نصف الحب وننتظر الزمن لاكتمال النص الثاني ,مرارة حقيقية عندما سمعتها تقول لا يولد الحب مناصفة, لا أعرف أين سر المشكلة .
أكبر التساؤلات تجتاحني عندما أرى أطفال صغار يزورون المرضى والبعض منهم لا يتردد أيضا أن يزورني ويتعلق بي حاملين الزهور وأحيانا أشياء جميلة يقولون أني جزء من عائلتهم ,لا أتذكر أني أعرف عائلتهم كما لا أتذكر أني كنت يوما في شكلهم الجميل, سألت طبيبي النفسي عندما إنهال علي بسيل من الأسئلة دفعة واحدة قلت, هل تتذكر أنت أني كنت صغيرا طفلا ومتى ؟ ,أجابني بالتأكيد لكن ليس كما تقول لا بد أنك كنت كذلك وإلا كيف أصبحت هكذا أما متى فقال الأمر هذا يعود لك أن تحدده ,كلما زارني الصغار أسألهم ذات السؤال "متى كنت صغيرا مثلكم؟" , لم يجبني أحد إلا بابتسامات تعني شيء لا أعرفه .
في المرة الأخير قبل أيام زارتني سيدة كبيرة في السن قد أكون أعرفها أو لا لكن أشعر أنها لمجرد أن تراني وألمح طلتها علي أصاب بدوار جميل أحيانا أرغب أن أقبلها ولكن أخشى من عائلتها ومن زوجها ,فعلتها مرة مع ممرضة كانت هنا ووبختني وكان زوجها أيضا يعمل ,قالت لا يجوز هذا الأمر إنه من الخطأ أن تقبل امرأة لا ترغب هي بذلك ,السيدة الكبيرة مع ذلك تقبلني في كل مرة أنا موافق أنها تفعل ذلك بل أحس بشيء من الدفء والقرب عندما تفعل ذلك ,حاولت مرة أن أسألها بذلك تلعثمت لم أعرف ماذا اقول شكرتها على ذلك وجلست كما هي عادتها قربي تمسح دموعها, أظن أنها متأثرة بشيء لا أحدد ما هو ولكن دموعها حقيقية لا تنقطع حتى تذهب .
أصبحت مشكلتي الآن تنحصر كما اتأمل حالي في بعض الأوقات بين دافع قوي يسوقني له طبيبي النفسي الذي يظن أنني أعيش عالم متعدد ومتنوع بالرغم أني لا أحس إلا بوجود واحد محصور في هذا المكعب الممتلئ أجهزة ومعدات طبية وتلفاز وممرضات وبعض الأطباء فقد وحيانا يسمح لي بالخروج في عربة تسوقها أيادي ناعمة لأكتشف أن خارج هذا المكعب هناك حياة أيضا وعالم أخر نتشارك فيه بالجدران فقط ,أما الأشياء التي أحيانا يسوقها لي بعض الوهم بفعل ما أتناوله من أدوية فهي ليست إلا ومضة لا أفسرها تقودني لها أنماط متعددة من الوسائل التي تستخدم ضدي بدون علمي كي تقنعني أن العالم الحقيقي هو العالم الأخر, المشكلة ليست في هذا في معنى الأخر , أين ومتى ولماذا كان هناك أكثر من عالم ؟



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملامح عصر الأزمة
- حديث خاص بصوت عال
- الإبداع في قراءة النص
- كيف نقرأ النص
- متى تنهض الماركسية من سلفيتها ح2
- متى تنهض الماركسية من سلفيتها ح1
- صبرا وأحلام مبعثرة _ قصة قصيرة
- حق الإيمان وحرية التدين
- التصحيح وممارسة حق العود
- حقيقة الشيعة والسنة كمصطلح سياسي
- الهرمنيوطيقا... دلالة المعنى في الواقع الإسلامي
- أنتصار الغائية
- متى يسقط فرسان الدين
- النص واللغة
- من رسائل امرأة طفلة _ قصة فصيرة
- قصدية عالم سبيط النيلي قراءة متأنية ح1
- قصدية عالم سبيط النيلي قراءة متأنية ح3
- أحلام ليست وردية _ قصة قصيرة
- في معنى السياديني ح1
- في معنى السياديني ح2


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - البحث الممل _ قصة قصيرة