|
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-3
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 10:50
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
تقدم بطريرك الأرمن الأرثوذكس بالأستانة نرسيس فارجابيديان (1874- 1884 ) طالبا إجراء إصلاحات أرمنية إلي القوي الأوربية المجتمعة في يوم 23 ديسمبر 1876 بالأستانة لمناقشة شكاوي مسيحي البلقان. بيد أن ما أثار دهشتهم هو إعلان الباب العالي دستورا ليبراليا في نفس يوم انعقاد المؤتمر موقعا عليه من عبد الحميد الثاني(1876-1909). عندئذ ، كان الأرمن أشد مسيحي الدولة تحمسا لصدور الدستور استنادا إلي أنهم صاروا مساوين للمسلمين العثمانيين طبقا للدستور الجديد. هنا ، شعر الدبلوماسيون الأوربيون أن مثل هذا الدستور يجعل أية مناقشة تتعلق بمسيحيي البلقان عديمة الجدوي. ولكن استمرار المذابح البلغارية ورفض الحكومة العثمانية مناقشة الوضع في بلغاريا قد أعطي روسيا مبررا لإعلان الحرب علي الدولة العثمانية في 24 أبريل 1877 . اندلع القتال علي جبهتين : أوربا الشرقية وأرمينية الغربية. وبعامة، ساعدت البطريركية الأرمنية الباب العالي ولم تتحالف مع الحركة السلافية او الكنيسة الروسية. بيد أن الأرمن في أرمينية الغربية غدوا ضاجرين من أوضاعهم التي لا تطاق خاصة عندما استغل الأكراد فرصة الحرب وهاجموا القري الأرمنية. لذا ، رحب الأرمن بالجيش الروسي تحت قيادة الجنرالات الأرمن واشتراك المتطوعين الأرمن الروس. وبحلول عام 1878 كان الروس يسيطرون تقريبا علي أرمينية الغربية، وكان الجيش الروسي علي مقربة من الأستانة. عندئذ ، طلبت الأستانة وقف إطلاق النار وبدأت المفاوضات في 31 يناير 1878 . وهكذا ، أيقن الأرمن عدم جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات، وخشوا تنكيل الحكومة بهم إثر اشتراك أقرانهم الأرمن الروس في الحرب. وعندما علم المثقفون الأرمن في الأستانة بأخبار الفظائع التي ارتكبها الغوغاء في أرمينية الغربية. طالبوا زعماءهم بإنهاء حذرهم ومناشدة الروس لتبني مستقبل الأرمن الغربيين في مباحثات السلام. وفعلا ، نجحت المساعي الأرمنية جزئيا ، إذ تضمنت معاهدة " سان ستيفانو" المبرمة في 3 مارس 1878 بين الدولتين الروسية والعثمانية المادة"16" التي نصت علي :" تنفيذ الإصلاحات وضمان سلامة الأرمن من اعتداءات الأكراد والجراكسة، وألا تنسحب القوات الروسية من المناطق التي احتلتها في أرمينية الغربية حتي تقوم الحكومة العثمانية بتنفيذ تلك الإصلاحات فورا". كما تضمنت هذه المعاهدة ضم روسيا أقاليم جارس وأردهان وألاشجيرد وبايزيد من أرمينية الغربية ، وإعادة إقليم أرضروم الذي كان قد احتلته إلي الدولة العثمانية. اعتقدت بريطانيا أن معاهدة سان إستيفانو سوف تعرض مصالحها للخطر. لذا ، جندت الدول الأوربية لدعمها وإثارة محاوف روسيا بالتهديدات الحربية. عندئذ، دعا المستشار الألماني أوتوفون بسمارك إلي عقد اجتماع أوربي لاستعراض بنود المعاهدة وتعديلها. وفعلا ، انعقد مؤتمر برلين في الفترة من 13 يونية حتي 13 يولية 1878 . وجدير بالذكر أن معاهدة برلين قد عدلت معاهدة سان إستيفانو وفق توجيهات المفاوضين البريطانيين. وعمل الأرمن في هذا المؤتمر علي إقرار المادة"16" في معاهدة سان إستيفانو، فاستبدلها المؤتمرون بالمادة "61" في معاهدة برلين التي نصت علي :" ان يتعهد الباب العالي، وبدون أي تأخير بإدخال التحسينات والإصلاحات التي تستلزمها المتطلبات المحلية في الولايات التي يقطنها الأرمن، وضمان أمنهم تجاه الجراكسة والأكراد ، كما يتعين علي الباب العالي من حين لآخر أن يحيط القوي الكبري التي ستقوم بالإشراف علي تنفيذها، علما بأي أمر يتعلق بذلك". ولم يناقش المؤتمر الحكم الذاتي لأرمينية الغربية، إذ طبقا للمادة "61" ألغيت القوات الروسية وحلت محلها مسئولية أوربية جماعية- دون إشراف مباشر او ضمانات دولية محددة- من أجل تنفيذ الإصلاحات في أرمينية الغربية.عندئذ ، رحل آلاف الأرمن الغربيين ليستقروا في القوقاز. وهكذا، تصاعدت المسألة الأرمنية في أعقاب مؤتمر برلين من كونها مشكلة عثمانية محلية إلي كونها قضية دولية. وعلي مدي عامين متتاليين تظاهرت الدول الكبري بتنفيذ مسئوليتها ونبهت الحكومة العثمانية من حين لآخر إلي وعودها إزاء الأرمن. بيد أنه منذ عام 1880 وقعت أحداث عالمية حولت أوربا إلي اتجاهات أخري. فالنشاطات السلافية في النمسا- المجر واحتمال وقوع تحالف فرنسي- روسي قد أسفر عن اتفاق ألمانيا والنمسا – المجر مع الحكومة العثمانية واستعدادهم لمساعدتها. كما أن روسيا منذ حكم القيصر الكسندر الثالث (1881-1896) قد عدلت عن سياسة حمايتها شعوب دول البلقان المسيحية التي استقلت آنذاك عن الدولة العثمانية وحماية كافة الشعوب المسيحية العثمانية. زد علي هذا، شغل التوسع الاستعماري في إفريقية وجنوب شرق آسيا والصين الدول الكبري عن متابعة القضية الأرمنية. وهكذا ، بحلول عام 1881 بدا واضحا أن المساعدات الأوربية بشأن أرمينية الغربية غدت ضئيلة جدا. عندئذ ، تجاهل بعض المثقفين الأرمن نصائح رؤسائهم، ومستلهمين حركات المقاومة البلقانية والصراع المسلح في زيتون، وبدأوا ينظمون جماعات دفاعية في عدة مواقع. وأدي شعور الأرمن بالخداع والخذلان إلي أن راح عدد كبير منهم يناصر الطرق غير المشروعة لمقاومة استبداد عبد الحميد. واقتنع آخرون بضرورة حمل السلاح. تطورت الحركة القومية الأرمنية من مجرد فكرة إلي جمعيات ثورية سرية محلية وعامة ما لبث أن تمخض عنها الأحزاب الثورية. وقد مارست هذه الجمعيات نشاطها الدعائي والفدائي الثوري في أقاليم الدولة العثمانية. أما بخصوص الأحزاب الأرمنية . ففي عام 1885 تأسس حزب الأرميناجان في فان:أول حزب سياسي أرمني والحزب الوحيد الذي تأسس في أرمينية ذاتها. وقد أسسه بعض المدرسين الشباب بمدرسة المعلمين في فان بمبادرة من مجرديتش بورتقاليان (1848-1921) ، كان هذا الحزب وطنيا أرمنيا لا يتنبني أي فكر اشتراكي، وهدفه التحررالوطني لأرمينية بكل الوسائل . وقد دعا برنامج هذا الحزب إلي تعليم عام ومقاومة مسلحة والاستعداد لاحتمالية قيام حكومة ذاتية. ولم يؤكد الأرميناجان علي فكرة الانفصال، وغن نظم جماعات مسلحة من أجل الدفاع عن فان ضد الغارات الكردية إبان تسعينيات القرن التاسع عشر. وفي عام 1887 ، تأسس حزب " الهنشاك" ( الناقوس) الاشتراكي الديمقراطي الأرمني في جنيف بسويسرا. وفي عام 1889 انضم هذا الحزب إلي مؤتمر الدولية الاشتراكية الثانية للأحزاب الاشتراكية المنعقد في باريس بوصفه حزبا اشتراكيا. ولكن منذ عام 1896 انفصل عنه جناح يميني صغير مؤسسا " حزب الهنشاك المعاد تكوينه". اما حزب " الاتحاد الثوري الأرمني" ( الطاشناق) ، فقد تأسس عام 1890 في تفليس عاصمة إقليم القوقاز الروسي ، وهو الحزب الاشتراكي الوطني الأرمني. وينقسم برنامج حزب الطاشناق إلي ثلاثة محاور .أولا الأهداف:" يهدف حزب الطاشناق إلي تحقيق الحرية السياسية والاقتصادية لأرمينية العثمانية بوسائل التمرد والثورة". ثانيا الوسائل : الدعاية ، تعليم ثوري للشعب، تنظيم الشعب وتسليحه، الدفاع عن نفسه، أعمال التخريب ، اغتيال الموظفين الفاسدين وجميع المستغلين والخونة الأرمن. ثالثا التنظيم: تبني الحزب مبدأ اللامركزية التي تعد نظاما ملائما لمنطقة العمليات الواسعة المزمع التنفيذ فيها. هذا ، وقد خلقت اللامركزية شبكة ديناميكية من الهياكل التنظيمية أدارت العمل التنظيمي والثوري بحرية استنادا إلي ظروف كل منطقة- في إطار أهداف الحزب- مما كفل للحزب نشاطا وانتشارا. تلك ، هي أهم الأحزاب الأرمنية. ولكن ، بينما كان الأرميناجان وطنيا قحا ، تبني الهنشاك والطاشناق الاشتراكية بوضوح. وبينما اعطي الهنشاك أولوية للاشتراكية، سلك الطاشناق- مع اشتراكيته- مثارا أكثر قومية. وثمة اختلافات أيضا في البناء الداخلي. ففي حين انتهج الهنشاك المركزية، مارس الطاشناك اللامركزية . ورغم هذا ، كان يؤمن كلاهما بأن الصراع المسلح ضروري. ويستعدان لاستخدام الإرهاب تحقيقا لاهدافهما، ويعتمدان كثيرا علي مساعدة الغرب. اتحد الهنشاك مع الطاشناق بعد تأسيسه في عام 1890، بيد أنهما انفصلا في العام التالي لاعتبارات شخصية اكثر منها أيديلوجية . وبذا ، لم يتفق الثوار الأرمن علي تحديد مسارهم.رأي الهنشاك ان المظاهرات ضد الحكومة العثمانية سوف توعز إلي الدول الأوربية بان الأرمن لم ينسوا قط المادة "61" من معاهدة برلين. ولهذا نظم الهنشاك في عام 1890 مظاهرات في أرضروم وفي الكاتدرائية الأرمنية في كوم كابو بالأستانة. بيد انها أسفرت عن قمع وموت كثير من المتظاهرين. وأيضا، جهز أرمن روسيا في نفس العام قوة مسلحة صغيرة أعدها الطاشناق للإغارة علي الدولة العثمانية . ورغم فشل هذه الإغارة ، إلا أنها أبلغت رسالة واضحة :" لم ينس أرمن روسيا قط القضية الأرمنية". وجهت الدولة العثمانية هذه التهديدات علي مستويين ، ديموجرافيا ؛ ويتمثل في استخدام المهاجرين القادمين من روسيا في تعزيز العناصر الإسلامية خاصة علي امتداد الحدود الروسية- العثمانية. ثم سياسيا ؛ ويتمثل في إنشاء فرق " الخيالة الحميدية" في صيف 1861 من عناصر غير تركية مثل الألبان والجراكسة والأكراد بصفة خاصة . وقد قامت هذه الفرق بدور الحرس الخاص للسلطان في الأستانة، وأنيط بها مسئولية الحفاظ علي النظام في شرقي الاناضول؛أي تتحديدا : مواجهة الأنشطة الثورية الأرمنية. ...............................................
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-2
-
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-1
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 4
-
النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-2
-
النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-1
-
صحافة الأرمن في مصرخلال القرن التاسع عشر -2
-
صحافة الأرمن في مصرخلال القرن التاسع عشر -1
-
نشاط الجالية الأرمنية في التعليم في مصر خلال القرن التاسع عش
...
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-4
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-3
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-2
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-1
-
الأيتام الأرمن في مصر (1923-1927)
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -7
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -6
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -5
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -4
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -3
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -2
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -1
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|