|
نأسف للإزعاج
بهاء الدين بكري إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 12:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" نأسف للإزعاج " الواقع مزعج ، إنه بالفعل مزعج بل هو يتخطى أحيانا كثيرة صفة الإزعاج ليصبح مؤلما و أحيانا أخرى قاتلا. في كل لحظة تمر على وجودنا الحي نواجه هذا الإزعاج ، حين نعطش و نشعر بالحاجة إلى الماء و نتحرك بحثا عنه سواء كان بحثا قريبا سهلا أو بعيدا يرهقنا أو مضنيا يقتلنا ، يزعجنا الجوع أيضا كما يزعجنا العطش و أحيانا يفتك بنا ألما ، و نعمل في كد و نتحمل إزعاج العمل و تعبه و أحيانا آلامه حتى نتجنب ازعاج الجوع و العطش سواء لنا أو لمن نعيل و من نحب و بالطبع يضيف ذوات الأنوات الطامحة و الجامحة إزعاجات إضافية إلى إزعاجاتهم الأساسية بالقلق على المنصب أو الشهرة و خلافه. و تزعجنا أجسامنا أيضا ونقلق دوما بشأنها ، حين نقف أمام المرآة و ندقق في وجوهنا ونبحث عن شعرة بيضاء أو خط من خطوط الزمن أو نتسائل أين ذهب شعرنا أو لماذا هذا الأنف الكبير المفلطح أو لماذا لون بشرتي مختلف، أو تزعجنا تلك الدهون المتراكمة في بطوننا أو أردافنا أو إعاقة في أحد أطرافنا أو حواسنا أو شلل أصابنا ، حتى إذا كنا في أتم صحة و أجمل صورة فهناك ازعاج خفي و دائم يلازمنا من أمثال هذا الشعر الموجود في الإبط أو العانة و الذي يحتاج إلى الإزالة كل فترة أو من رائحة العرق الكريهة أو افرازاتنا التناسلية النزقة أو من هذا البول الكريه الذي نحتاج إلى التخلص منه كل فترة أو من الحاجة إلى التغوط و التي قد نعاني منها إذا لم تتم بصورة طبيعية سلسة و حتى لو تمت بسهولة فيكفي رائحة البراز و منظره ، بل يكفي أحيانا مجرد ذكر اسمه ، كل هذه الازعاجات و الكثير الذي فاتني إحصائه ، هي لا شئ إذا ما انتقلنا من الواقع المزعج إلى الواقع المؤلم ، حيث المرض بشتى أنواعه ، سكر وضغط و سرطان و فشل كلوي و قرحة و قولون و أمراض جلدية و عصبية و تناسلية و نفسية ، نعم ، جسد ضعيف فاني مزعج ، ناهيك عن القلق بشتى أنواعه الذي يلازمنا في كل فعل و كل قرار و كل لحظة ، لا مهرب من الواقع ، فمناظر القتل و أجسادنا الممزقة و المنتفخة و المتعفنة في الحوادث و الحروب و غيرها تلاحقنا حتى داخل منازلنا و تزعجنا و تقلقنا من أن نلقى يوما نفس المصير وكذلك هناك قلق و خوف من فراق أو موت الأحبة أو الخوف من الفضيحة أو الفشل أو التعرض للإذلال أو سرقة ممتلكاتنا أو هتك أعراضنا أو جرح كرامتنا . المخاوف كثيرة لا تنتهي و الواقع لا يمل و لن يمل و لن يتوقف عن إزعاجنا . لماذا أكتب هذا الكلام و ما هي الخلاصة؟ الخلاصة هي أن إزعاجات الواقع هي الأساس و أغلب ما ينتج عنا من فكر هو لمساعدتنا في تخطي هذه الإزعاجات أو التخلص منها أو حتى التعايش معها و قبولها . و أعتقد أنه يوجد هنا نوعان من الفكر وقد أخذا على عاتقيهما حل المشكلة : 1- فكر روحاني ( ديني أو فلسفي ) راح يبحث عن معاني جميلة خلف هذا الواقع الجميل ، و جواهر مخفية وراء كل شئ بما فيها نحن ، و يضع نظريات نفسية أو تفسيرات نورانية و علل ربانية كحل لكل إزعاج عقلي يسببه لنا هذا الواقع الصادم المزعج اللامعقول. 2- فكر علمي عملي مادي راح يبحث عن حلول من مادة هذا الواقع للتغلب على مشكلاته و التعويض عن قباحته و إزعاجه . بالطبع ليس كل مجالات الفكر البشري يمكن حصرها في هذه الرؤية فقط و إنما يمكن القول أن هذه الرؤية وحدها كانت أساسا لانطلاق الفكر . و نحن هنا لا يجب أن ننكر على أصحاب الفكر الروحاني محاولة حل المشكلة من خلال عالم الذات أو عالم الروح، و لا يجب أن ننكر أيضا على أصحاب الفكر العلمي محاولة حل مشاكلنا من خلال تغيير واقعنا المادي . لكننا إذا كنا نرجو الحقيقة و نبتغي إليها الوسيلة فيجب أن نحفر أعمق من ذلك . و في رحلتنا هذه نحو العمق ، يجب أن تشخص أبصارنا و بصيرتنا في تركيز تام نحو أعمق نقطة و التي ستصبح يوما ما مجرد نقطة عبور نحو نقطة أعمق. لا السلام الداخلي أنشودتي و لا الراحة النفسية مرامي و لكن تلك النقطة هناك في الأعماق ، تجذبني نحوها بكل قوة و في طريقي إليها تحاصرني كل أسئلتي ، ماذا هناك ؟ و لماذا أسأل ؟ و ما الجدوى؟ نعم خلف هذا الواقع المزعج تقبع تساؤلات خالدة تدق فوق رؤوسنا و لا و لن تفلح كل السفسطات في إنهاء ضجيجها.
#بهاء_الدين_بكري_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
-يا إلهي-.. رد فعل عائلة بفيديو وثق بالصدفة لحظة تصادم طائرة
...
-
ماذا نعلم عن طياري المروحية العسكرية بحادث الاصطدام بطائرة ا
...
-
إليكم أبرز الرؤساء العرب الذين هنأوا الشرع على توليه رئاسة س
...
-
العلماء الروس يرصدون 7 توهجات شمسية قوية
-
أسير أوكراني يروي كيف أنقذ الأطباء الروس حياته
-
على شفا حرب كبيرة: رواندا والكونغو تتصارعان على الموارد
-
ألمانيا تمدد 4 مهام خارجية لقواتها قبيل الانتخابات
-
مرتضى منصور يحذر ترامب من زيارة مصر (فيديو)
-
-الناتو- يخطط لتقديم اقتراح لترامب بدلا من غرينلاند
-
مشهد -مرعب-.. سماء البرازيل -تمطر- عناكب والعلماء يفسرون الظ
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|