أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟ (أ):















المزيد.....



ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟ (أ):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 09:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في تعليق من الأخ فهد العنزي، أكرمه الله تحت عنوان "طلب عاجل", وضع على كاهلنا حِمْلَناً عظيماً "لسنا بأهله" ولكننا من عشَّاقِهِ ومريديهِ. فالحديث عن النضار والماس،، قطعاً سيحتاج إلى خبير في المصاغات والمجوهرات، ولا أظننا نحن من هؤلاء قدراً وخبرة ومعارة,, والحديث عن العود والعنبر والمسك الحر، لا بد وأن يُترك لخبراء العطارين المتخصصين,, ولكننا دون هؤلاء بكثير,, فما بالك بالحديث عن خير من أشرقت عليه الشمس فضاهاها ضياءاً,, وأطل عليه القمر, فكسفه نوراً وحسناً وبهاءاً,, وعبق عطره مسكاً وعنبراً وعواً.

ذلك المبعوث رحمةً للعالمين، محمد بن عبد الله, إبن وحفيد خليل الرحمن, وإبن الذبيحين والفدائين,, أكرم خلق الله. الذي إدَّخره الله تعالى ليكون حاملاً لخاتم رسالاته إلى الأرض فأدَّبَه وأحسن تأديبه, وأعده إعداداً بعد إعداد بعد إعداد,, فكان جديراً بنيل شهادة لم ينلها أحد قبله ولا بعده من رب العالمين, قال له فيها (وإنَّكَ لَعَلَىْ خُلُقٍ عَظِيْم). صلى الله عليه وسلم. وفيما يلي تعليق الأخ فهد نعرضه تماماً كما صاغه كمدخل للحديث بهذا الموضوع الشيق.

قال الأخ فهد في تعليقه ما يلي:
((... طلب عاجل: الاخ بشاراه احمد المحترم بعد التحية: لقد كتب اسلام بحيري مقالا بعنوان: - سلفيون ملاحدة - موقف السلفيين والملحدين/اللادينيين من نموذج جمال البنا وعدنان إبراهيم - تحت الرابط الآتي (http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2 & aid=444817) :

وكان احد المعلقين الكرام شخص اسمه عادل بحيري يريد من يُثبت له بان "محمداً رسول الله" وهذا اقتباس من تعليقه رقم 11...)).

ثم قال: ((... الإقتباس من تعليق عادل بحيري أورده تحت عنوان " هل تُصَدِّقُ مُحَمَّداً " وهو كما يلي:
هل تُصَدِّقُ مُحَمَّداً؟
إنه بدوى جاهل كذاب - خدع العرب ومات بعد أن أصاب بعض المتع الرخيصة التى يتجرع العالم الويلات بسببها حتى اليوم .. حتى الأيتام لم تسلم من تلك الويلات. ووالله الذى لا إله إلا هو لئن أثبت لى صدق تلك النبوة لأتبعنه ولأعلنن اسلامى فورا ...)).

وقد تضمن تعليقه خطاب لإسلام بحيري قال له فيه: ((... لكنك تغالط نفسك .. وتنتهج ثقافة التبرير العمياء التى يتبناها زعيم القرآنيين صبحى منصور أستاذ التبرير والتلفيق ولو على حساب العقل والحقيقة صبحى منصور الذى يكفر الصحابة جميعا عن بكرة أبيهم ويصطنع لنفسه وللعالم اسلاما جديدا تماما كما تفعل أنت ...)).

ثم يختم الأخ فهد طلبه منا المشاركة في هذا الموضوع الهام وذلك بقوله لنا مباشرة: ((... اتمنى عليك اخي الكريم ان تثبت له نبوة محمد لان الحديث يقول ليهدي الله بك رجلا الى الاسلام هو خير مما طلعت عليه الشمس ...)).


@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

لم أجد لنفسي خياراً سوى أن أقبل هذا الطلب, ليس لأنني أجد في نفسي المقدرة, ولكنني على ثقة تامة بأن الله تعالى - الذي بعث محمداً بكل وحي السماء إلى الأرض ليس للبشر فقط, وإنما للجن وسائر المخلوقات – يستحيل في حقه أن يترك أمر صدق هذا النبي الرسول الخاتم غُمَّةً بحيث يتسنى لأحد من المُكَلَّفِينَ المُبْتَلِيْنَ التشكك في صدقه وصدق رسالته - إلَّا معانداً ومكابراً ومنكراً عن قصد وإصرار وجحود.

إذاً,, فالقرآن الكريم وحده هو الذي سيرد على كل من تشكك في بعثة هذا العَلَمِ الفريْدِ المُصطفى على الكل,, حامل لواء الحق والحقيقة, وراعيهما والأمين عليهما. ولكن قبل ذلك,, دعونا نعمل الفكر قليلاً, والتدبر في البديهيات والمسلمات وفق المنطق, والمعايير المتفق عليها بين البشر, والمستخدمة بصفة مطلقة في التحليل والدراسة والتصنيف, والإضعاف والتقوية والتأكيد, وذلك بمناقشة بعض الملاحظات العامة على شخصه ودعوته وتوثيقه ووثائقه،، لمعرف إن كان هناك أي مجال للإقتراءات التي يفتريها المبطلون.

أولاً: من هو محمدٌ؟
1) بدأت حياته طفلاً وُلد يتيم الأب الذي مات عنه وهو طفل في بطن أمه، ثم ما لثب أن ماتت أمه أيضاً, وهو في الثامنة من عمره, فتولى جده عبد المطلب أمر رعايته وتربيته، الذي ما لبث أن مات هو الآخر، فتولاه عمه أبو طالب،

2) لم يكن من سلالة اسرة غنية, لذا فكانت مرضعته أفقر المرضعات, وأقلهن حظاً في رضاعة أبناء الأغنياء, ولكنها أصبحت فيما بعد أسعد نساء الدنيا حظاً أن إختصها الله تعالى برضاعة خاتم أنبيائه ورسله،، وخليله وابن خليله، فصارت أمه "من الرضاعة" فسميت حليمة السعدية, ويا لها من سعدية سُعْدَىْ بهذا الشرف والفتح الكبير لها.

3) لم يكن من سلالة الملوك ولا الأباطرة حتى يحن إلى بلاط الملوك والسلاطين ويطمح إلى إستعادة أمجاد آبائه وأجداده, ولم يجالس أبناء العظماء والكبراء فتتوق نفسه إلى أن يصير كما يسمع من أقرانه من أمجاد وسلطان وترف المتكبرين المتجبرين.

4) كان في صباه "راعياً للغنم", شأنه في ذلك شأن أغلب الأنبياء والمرسلين, و لم يكن يعرف عنه سوى التواضع, والتعفف, والذكاء الحاد المميز, وقلة الكلام, وعدم خوضه فيما لا يعنيه, ليس صَخَّاباً ولا لَعَّاناً ولا مُعتَدِيَاً ولا جباراً أو متجبراً, ولا بذيءاً,, كثير العفو عن الجاهلين المتجهلين والجهلاء, لم يعرف لسانه الكذب قط, ولا مزاحاً لذلك لقب "بالصادق", فهذا اللقب لم يلقبه به أحد سوى الذين صاروا أعدائه بعد الرسالة التي عادوها وقاوموها كِبْرَاً وكُفْرَاً,

5) كانت تظله غمامةٌ أينما ذهب وحل, فلم يكن يعرف لها تفسير, ولم يغتر بها أو يتفاخر, على الرغم من أنها كانت ضمن أوصافه في التوراة والإنجيل الذين حرفهما اليهود والنصارى وأخفوا معالمها, حتى صارت لا تصلح للعمل بها,

6) عمل في التجارة, فتاجر لصالح "خديجة بنت خويلد"، قبل الزواج منها, فعرف "بالأمين", بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء والأحباب,

7) لم يسجد لصنم قط, ولم يقدسه أو يقدم له قرباناً, بل كان "يتحنث" متفكراً في مخلوقات الله تعالى من سماوات وأرضين وجبال, وكواكب, ونجوم, وزروع, وإبل وأنعام,,, فكانت رجاحة عقله وذكائه يؤكدان له أن هذه الأصنام الصماء البكماء العمياء ,,, يستحيل أن ينسب إليها هذا الخلق العظيم الذي لا بد وأن يكون له خالق أكبر منها ومن غيرها, وأعظم وأقوى.

8) وهو لا يدري أنَّ هذه هي "حنفية جده الخليل إبراهيم",,, وكان تواقاً لأن يعرف شيئاً عن هذا الخلاق العليم,, وقد ذَكَّرهُ الله تعالى "بعد الرسالة" بحالته هذه وأنه كان يتلفت في كل الإتجاهات حائراً محتاراً, باحثاً له عن جواب لأسئلة كثيرة في رأسه ووجدانه, ويريد أن يطمئن قبله فقال له الله تعالى: (ألم يجدك يتمياً فآوى؟), (ووجدك « ضالاً فهدى »), (ووجدك عائلاً فأغنى؟؟), وقد هداه الله إليه وإلى كثير من أسرار خلقه منذ أن خلق الله الخلق وإلى أن تقوم الساعة,

9) تزوجته السيدة خديجة لأمانته وتفرده بالأخلاق والصفات الحميدة التي لا يوجد لها مثيل في مجتمع جاهلي فظ غليظ, تكتنفه كل مساويء الأخلاق والخلق. فواصل تحنثه في غار حراء المظلم في عتمة الليل وغياب القمر للغاية نفسها حتى بلغ الأربعين من عمره، وهو "رغم كل هذه المكارم والكرامات التي يراها غيره فيه, ولكنه لا يرى نفسه أكثر من وضعه الذي كان فيه.

ولم يطمح إلى ما هو أكثر من ذلك فكان شاكراً حامداً راضياً قانعاً. بل ولم يكن يعرف أو يدعي يوماً بأنه نبي ولا رسول, ولا حتى بأنه شخص متميز, ولا يعرف إنه سيبلغ هذا المقام المتميز أو حتى يتطلع إليه,, رغم أنه كان يدهشه تحقق كل رؤاه في المنام، فيصبح عليها حقيقةً ماثلةً أمام ناظريه, وهو لا يدري أن هذه مقدمات وحي الله تعالى إلى أنبيائه ورسله الكرام المكرمين.

وبالطبع, لم يقل له أحد "سوى الله لاحقاً" إنَّه حفيذ الخليل, ومن ذرية آل إبراهيم, الإصطفاء الوحيد المتبقي, بعد موت عمران والد العذراء "آخر ذرية آل عمران", وإنتهاء إصطفاء آل عمران إلى الأبد,

10) ظهر له "الناموس", سفير الله لأنبيائه ورسله، الملك جبريل عليه السلام, في المرة الأولى, فإختفى دون أن يكلمه أو يدلل عن نفسه له,, فخاف النبي خوفاً شديداً لم يعتد عليه من قبل, وهو الشجاع الصنديد الراسخ, وقد عرف بالشجاعة والإقدام والثبات, ولكن الذي رآه فوق إحتمال البشر, فرجع إلى زوجته وحبه يرتعد هلعاً فقال لها "زملوني, زملوني...".

وهو لا يعرف حتى ذلك الوقت أن الذي جاءه إنما هو جبريل عليه السلام, وأنه قد جاء الوقت, وآن الأوان الذي سيحمله الله هذاالعبء الثقيل والتكليف الرهيب الصعب, ليس مبعوثاً لقومه الشرسين المتغطرسين الجبارين فحسب, بل للدنيا بأكمل خيرها وتمام شرها, وبكل مشاكلها التي كثرت وتشعبت وتعقدت وطغت.

وقد بين الله تعالى له ذلك في سورة المزمل، قال: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1), من الآن فصاعداً لا مجال عندك للتزمل والرقاد، لذا: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا 2), لتتدرب على العمل الشاق المضني الذي يحتاج إلى تعبئة وبنية قوية ونفس أبيَّة تواقة للصبر والمصابرة, وذلك لأطول فترة من الليل ممكنة: (نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا 3), حسب مقتضيات المواقف الصعبة القاسية التي ستمر بها: (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا 4), هذا أول تكليف, فكن مستعداً للمهمة: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا 5),

11) لم يخبره الله تعالى صراحةً, ولا حتى جبريل عليه السلام بأنه نبي ورسول ذلك الزمان, ولا يعرف أنه خاتم الأنبياء والمرسلين,, كل علمه المتواضع في هذا الجال الجديد الذي بات فيه هو ما قاله الحبر "ورقة بن نوفل", قريب السيدة خديجة زوج النبي, حيث أخبرها بأن الذي جاء لزوجها إنما هو "الناموس" الذي نزل على موسى ابن عمران, لأن أهل الكتاب هم الذين لهم علم مؤكد بمجيء النبي وقد بشر به موسى عليه السلام بمواصفات دقيقة, كما بشر به عيسى عليه السلام بإسم "أحمد", ووصى أتباعه بالإيمان به عند مجيئه, وتصديقه ومناصرته, ولكن المتأخرين منهم خنسوا, فعادوه وأنكروه, فعجزوا عن ذلك, فأودع الله تعالى الحقائق كاملة بسورتي (آل عمران) و (مريم), وفصلها تفصيلاً بعد أن أحكمها في فاتحة كل سورة منهما بتدبر حروف مقطعة (ألم ... آل عمران), و (كهيعص ... مريم),

12) جاءه جبريل للمرة الثانية, وبقي عنده هذه المرة, وحاوره،، فقال له "إقرأ!", فرد عليه محمد "ما أن بقارئ", فكررها عليه ثلاث مرات, يغطه بعد كل مرة فيرسله, فيوجاوب محمد بنفس الإجابة السابقة, عندها قرأ عليه أول سورة من القرآن الكريم وهي سورة العلق, قال له فيها: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1), (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2), (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3), (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4), (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5), (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ-;- 6),, فماذا حدث له بعد هذا اللقاء الفريد والتكليف المباشر؟؟؟

13) ذهب لبيته ولأهله وهو يرتعد هلعاً وخوفاً, يريد منهم أن يغطوه فقال لهم (دثروني, دثروني),,, فحكى الله ذلك في سورة المدثر، قال له "آمراً", : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1), ماذا تفعل... ؟ لا, لم يعد للتزمل والتدثر معنى وقد دقت ساعة العمل الجاد المتواصل, لذا: (قُمْ فَأَنذِرْ 2), وأبدأ الدعوة للتوحيد: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ 3), واستعد لعبادة ربك,: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ 4), فأترك الإرتعاد من الخوف وأهجره وقم للعمل الذي كلفت به على أكمل وجه, قال: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ 5).

ثم حذره الله تعالى من المَنِّ عليه, - على إعتقاده أنه قد قام بعمل كبير وشاق ومتميز - فقال له صراحة وبكل وضوح "وتحذير مُغَلَّظٍ": (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ 6), ليعلم من البداية أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلَّا وسعها, وما دام قد كلفه بالرسالة فهو يعلم انها قول ثقيل, وقد قال له ذلك مسبقاً, ولكن - "مع صعوبتها وحملها الثقيل عليه" - , إلَّا انها في إطار وحدود وَسْعِهِ. فالمطلوب منه إذاً هو القبول بالرضى والصبر, بل وبالشكر وليس المِنَّة والإستِكْثار الذين لن يقبلهما الله منه بأي حال.

وعليه, قال له: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ 7), وتذكر أن الله تعالى قال لك من قبل (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) وها هو ذا القول الثقيل قد بدأ ينزل على قلبك المطهر مباشرةً, فاستقم كما أمرت وأصدع به. بل وقد حذره من مغبة عدم الإلتزام بأمره وأدائه لما ينبغي, بل وكما يجب, وعيه قال له مذكراً بسوء عاقبة عدم الإلتزام التام: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ 8), إيذاناً بقيام الساعة: (فَذَٰ-;-لِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ 9), بل, وسيكون: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ 10).

وقال تعالى له في سورة الحجر: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ 94), فإنهم لن يضروك شيئاً: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 95), منهم, أولئك: (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰ-;-هًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 96), حين يتبرأ منهم شركهم.
ثم قال له: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ 97), (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ 98), (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ-;- يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ 99).

إذاً,, لم يكن له إختيار في هذا التكليف والإصطفاء, ولم يقل أنا فعلت كذا أو قلت كذا,, بل لم يتفق أن قال يوماً "أنا" الذي قال وفعل وشرع,,، وإنما يداوم القول بأنه عبد لله تعالى الذي بعثه بالحق, وقال الله عنه (وما ينطق عن الهوى,,, إن هو إلَّا وحياً يوحى).

ثانياً: بعد التكليف بالرسالة,, إزداد النبي رأفةً ورحمة وفضلاً على سائر المخلوقات من بشر وشجر وطير وبَهَمٍ. فهو, وبشهادة أعدائه قبل أتباعه أنه:
1. لم يغير من أسلوبه في الحياة العامة والخاصة, ولم يتبدل ظاهره أمام الناس, فهو ذلك اليتيم, الذي رعى الغنم وإشتغل بالتجارة, وذلك الصادق الأمين الذي لم يعرف عنه الكذب قد ولا دعابةً أو تسامراً,, بينما باطنه مع عظم ما يجب عليه أن ينجزه بكامله خلال عقدين من الزمن وبضع سنين, يحمل هموماً كثيرة لا قبل لأحد بها,

2. لم يغير ثوبه ولباسه وزيَّهُ إلى ما يتناسب مع هذا الدور والمقام الذي سيواجه به الكبير والصغير, والغني والفقير, بل ظل كما هو لا يميزه سوى ضياء وجهه وصفاء سريرته ونقاء قلبه, وشموخ هامته "دون كبر ولا تكبر", وسعة صدره وبحر كرمه ومروءته.

3. لم يغير مكانه الذي كان فيه قبل الرسالة,, بل ظل حيث كان دون أي تغيير, فلم يتخذ لنفسه قصراً أو حرساً أو مساعدين بل ظل زوجاً لإمرأة أكرمه الله تعالى بها وحباها الله به, فكانت أسرته وزويه وهي كل مملكته البسيطة المتواضعة, التي لا تتناسب مع الدور العظيم الذي أُوْكِلَ له, وهو تغيير وجه الدنيا بتشريع كامل مكتمل من رب السماوات العلا, وغايته إيقاف التدهور الخلقي والعقدي للبشرية جمعاء وإرساء أصول الخلق وأساس التوحيد كلياً وليس جزئياً,, شاملاً وليس مرحلياً.

4. لم يغير بطانته وجلسائه, أو حتى معاملاته الخاصة والعامة ولا إسمه أو لقبه, فكان قومه ينادونه "يا محمد" أو "يا أبا القاسم", فلم يطلب منهم أكثر من ذلك, ولم يفرض عليهم لقبه الحقيقي "رسول الله", إحتراماً لخيارهم لعدم الإيمان به عن قناعة ويقين, ولم يقهرهم عليه, أو على غيره قط,

5. لم يغير طعامه وشرابه الذي إعتاده قبل الرسالة, كيف لا,,, وقد عشق التواضع وشَرَّعَ له وأشاد بفضل وكرم أهله فقال: (مَنْ تَوَاضَع لله رَفَعَهُ),

6. صدع لأمر ربه بالرسالة والنذارة مبتدءاً بعشيرته الأقربين, فآمنت به خديجة وإبن عمه علي بن أبي طالب, وصديقه أبو بكر الصديق وآخرون ,,

7. سمع قومه بدعوته التي جاءت بتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك بكل أنواعه وألوانه, فجَنَّ جنونهم, وتحرك سفهائهم وكبرائهم من المنتفعين من ذلك الشرك بخداع الناس فكانت الدعوة مهددة لهذا الكيان الفاسق الفاسد, فلم يتوانوا في الدفاع عن مصالحهم بكل شراسة وإصرار.

فبدأوا معه بالمراجعة والزجز, ثم بالإغراء بحطام الدنيا, فعرضوا عليه الملك والسيادة, عليهم حتى لا يكون فيهم من هو أكبر منه ولا أغنى ولا أكرم.,, كل ذلك,, بجانب إغداق الأموال عليه حتى يصير أغناهم مالاً وأكثرهم وأعلاهم جاهاً وسلطاناً, ثم حاولوا إغوائه وإغراءه بأجمل وأكرم النساء وذلك بتزويجه من أعلاهن نسباً, وأكرمهن حسباً ومكانة وفضلاً,, فلم يحرك كل ذلك شيئاً في وجدانه الذي لا يقبل بالتوحيد بديلاً ولا لشرع الله ومنهجه ثمناً, فلم يستطيعوا إغرائه لتغيير موقفه,

8. لم يبق لهم خيار حياله سوى حمله قسراً على التراجع عن دعوته تلك, فقصدوا عمه ليراجعه في ذلك, ولكنه رفض رفضاً قاطعاً, وهو يعرف أنه أصبح في خطر, فقال قولته المشهورة لعمه (والله ياعم،، لو وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِيْنِي والقَمَرَ في يَسَارِيْ عَلَى أنْ أتْرُكَ هَذا الأمْرَ, مَا تَرَكْتُهُ حَتَّىْ يُظْهِرَهُ اللهُ أوْ أهْلَكَ دُوْنَهُ), فعلم عمه ألَّا طَائل من المحاولات معه فأمره بأن يمض في دينه.

فتطور المشهد من قومه, فدخل مرحلة التهديد, بل والسعي الجاد إلى قتله والتخلص منه, فساوموا فيه عمه ومربيه أبي طالب, أن يُسَلمَهُم محمداً ليقتلوه, ويعطوه أفضل صبي لدهم ليكون إبناً له بدلاً عن إبن أخيه,,, فإستهجن أبو طالب هذا المسعى السخيف, كيف يعطيهم إبنه ليقتلوه ويأخذ إبنهم ليربيه لهم, فرفض وهو يعلم ما ينتظره من شر توعدوه به من مقاطعة له ولأهله كاملة شاملة,

فرفض ولم يبالي بما ينتظره من ويلات ومقاطعات, ومن حرب شرسة, مفتوحة على مصراعيها مع كل قومه الذين أوقفوا كل تعامل معه تجارياً وإقتصادياً وإجتماعياً،،، الخ, فلم يهز هذا الموقف شعرة في رأس المصطفى الصادق الأمين محمد.

إذاً,, لم يكن الجاه ولا السلطان ولا المال ولا حتى الدنيا بحذافيرها تعني شيئاً بالنسبة له سوى أن يُنفِّذ ما أمر الله تعالى به "عبداً وليس سيداً"، حتى لو كان الهلاك والعذاب والكبد هم الثمن.

ثالثاً: دخل معهم في مرحلة الإستفذاذات والمضايقات له "من طرف واحد", والتعدي عليه بكل الوسائل المادية والمعنوية القبيحة وتسليط سفهاءهم للتصدي له والإساءة إليه, بما في ذلك السخرية والسباب,,, الخ, ولكنه لم يكن يرد عليهم بالمثل, بل ظل على سجيته السمحة الفريدة, يرى ويسمع ويتلقى ما يأذيه ويأذي أهله وعشيرته بصبر وجلد وإحتساب، وهو يتألم كثيراً لذلك السلوك الذي فرض على أهله وعليه وهو ما لا يستحقه, ومع ذلك يذوب قلبه خشية على قومه من عقاب الله لهم في الدنيا, وضياع الفرصة عليهم في الآخرة, فيعرض عن الدعاء عليهم,, فيتجلى الله عليه بالصبر حتى صار سيد وإمام أولي العزم من الرسل قاطبة.

ولكنه مع كل ذلك لم يتوانى في مواصلة مهمته وسط هذه البيئة الطاردة لكل خير وحق, والهمجية والغلظة والصلف في كل شيء وسلوك,, فكانت الدعوة في باديء الأمر سراً, وهو يعلم بأن مهمته العالمية ليست مقتصرة فقط على قومه في مكة وما حولها،، بل بدأها وهو يعلم أنها "يجب" أن تعم مشارق الأرض ومغاربها,,, فكيف سيكون له ذلك وهو في هذه البيئة الخانقة التي تضيق حلقاتها كل لحظة وتتأزم الأمور أكثر فأكثر.

وعلى القاريء أن يتدبر أول سورة نذلت على هذا النبي الأمي الذي لا يملك من حطام الدنيا شيء, فكيف سيحقق هذا المشروع الرباني العلوي, الذي بلا شك يحتاج إلى قرون وقدرات وقيم وقواعد وتمويل, ,,؟ قال الله تعالى له في سورة العلق:
1. أمره بالقرآءة, وهو يعلم انه أمِّيٍّ, لا يعرف القراءة ولا الكتابة, قال له: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1)، فما دام أن القرآءة بإسم ربه الذي خلق, فإنه سيقرأ بلا شك, علماً بأنه لم يكن يعرف أنه سيفعل,, غير أنه قد فعل بأمر ربه, فقرأ كما أمر, فكان خير من قرأ,

2. إنَّ ربك الذي « خلق الإنسان » من علق, قادر على أن يجعلك تقرأ بقوله "كن,,, فيكون", قال: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2)، وهذا فضل من الله تعالى عليك.
3. إنَّ ربك - من كرمه عليك وعلى الإنسان قاطبة - جعلك تقرأ, قال: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3)، فإنطلق لسانه بالقراءة التي لم يسمع مثلها من قبل.

4. وقد ميز الله « الإنسان » عن غيره بأن جعله يتعلم بالقلم, وليس كسائر المخلوقات التي علمها الله بالفطرة فقط, لذا قال له: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4)،

5. ثم قال سبحانه (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5), إذ أخرج الله تعالى « الإنسان » أفراد وجماعات من بطون إمهاتهم لا يعلمون شيئاً فجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة, وهي أهم الأدوات التي يتعلم بها هذا المخلوق دون سواه من الخلق, كما قال الله تعالى: (الرَّحْمَٰ-;-نُ1), هو الله الذي: (عَلَّمَ الْقُرْآنَ 2),, لكل المخلوقات من دون الإنسان, ... ثم بعد ذلك (خَلَقَ الْإِنسَانَ 4), وهو جاهل بكل المقاييس, لا يعلم شيئاً حتى عن نفسه والوسط الذي هو فيه, وخصوصياته ,,, وبالتالي تعوزه أدوات العلم والمعرفة ليستطيع التعامل مع المخلوقات التي علَّمَهَا الله القرآن "بالفطرة", فضبط به حركتها وسكونها وأدائها,,,.

لذا قال بأنه قد: (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ 5), ليتدبر ويعرف العلم بهذا البيان), ومن ثم, نجد أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتزايد علمه بإستمرار بالتجارب والدراسة والتفكر والتدبر وبالأبحاث والإفتراضات,,,, التي يضيفها إلى تراكمات العلوم والتجارب الموروثة من الأمم والأجيال التي سبقته, ويتنبأ في نطاق ضيق للغاية بالمستقبل القريب نسبياً دون البعيد, وإصابة تنبؤاته الواقع يعتبر نادراً وصدفة.
ألا رحم الله إمرئٍ عرف قدر نفسه, فتواضع ونبذ الكبر الذي هو وهم في نفسه "ما هو ببالغه".

وكثيراً ما يتعلم هذا الإنسان من الكائنات الأخرى أو بالصدفة المحضة,,, فإنْ لَّمْ ير الطير والحيتان ما صنع الطائرات ولا الغواصات ولا السفن, بل إن لم ير الأسماك تسبع في الماء ما عرف السباحة في الماء،،، الخ ومع ذلك فهو يطغى بإستمرار,, لذا فقد أعلم الله نبيه من البداية إنَّ هذا « الإنسان » قد جُبِلَ على الطغيان والكفر ونكران الجميل بدلا عن الشكر لمن ميزه وعلمه بالقلم فَعَلِمَ وتَعَلَّمَ ما لم يكن يعلم، قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ-;- 6).

فالملاحظات في هذه الآيات القليلة كثيرة ومتنوعة, ولكن نذكر منها ما يلي:
(‌أ) فالآية الأولى، قوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي « خَلَقَ » 1), نأخذ منها عالمية الدعوة التي تشمل كل المخلوقات, وإستمراريتها حتى نهاية الخلق بقيام القيامة فستكون القراءة بإسم الرب الذي « خلق », فما دام هناك خلق جديد, فإن القراءة والعلم والقلم هم الذين يدللون على ذلك الخلق, لأنه صنعة الله تعالى وليس للإنسان "الواهم" شرك فيه.

(‌ب) والآية الثانية في قوله: (خَلَقَ « الْإِنسَانَ » مِنْ عَلَقٍ 2)، تكلمت عن الإنسان, كل الإنسان بصفة عامة, ويتضح ذلك من قوله لنبيه الكريم: (... خلق الإنسان ...), إيعازاً إلى أن رسالة محمد هي لكل إنسان منذ أن أوحاها الله تعالى لنبيه وإلى أن تقوم الساعة, فلن يقبل الله تعالى لها بديلاً, وقد أكد عالمية الدعوة لكل إنسان. ثم قال في الآية الرابعة "عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ".

وقد صاغ النبي هذه الحقيقة بقوله (كلكم لآدم, وأدم من تراب,,, لا فضل لعربي على أعجمي, ولا لأبيض على أسود إلَّا بالتقوى).

رابعاً: ما هي مهمة النبي محمد, وما هي حدودها, وما هدفها الإستراتيجي؟
1) مهمته "تحديداً" هي (إصلاح الكون كله), بدءاً بإصلاح ذات البين مع الله تعالى بتوحيده بعد أن أفسده وأفسدها من سبقه من البشر بصفة عامة, واليهود والنصارى بصفة خاصة، لأنهما على منهجي التوحيد والوحي الرباني, فأدخلوا الشرك والإنحراف عن الحق بإتباع أهوائهم, فاشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً, وعمدوا إلى تحريف وحي الله إلى موسى "توراةً", وإلى عيسى "إنجيلاً", فبات الشرك هو الرابط الوحيد الذي يربط أضلاع المثلث الثلاثة (يهود, ونصارى, ومشركين).

فصار الناس أمةً واحدة كما كانت قبل إرسال الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين فإنقسم الناس إلى مؤمنين وكافرين, قال تعالى في سورة البقرة: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً - فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ - « مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ » وَ « أَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» - وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ « بَغْيًا بَيْنَهُمْ » ←-;- فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ «« وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ-;- صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ »» 213).

ولكن الكتب التي أنزلها الله مع رسله السابقين لم يتكفل بحفظها (لحكمة يعلمها هو)، فعبث بها العابثون الذين يبغونها عوجاً فحرفوها وفق أهوائهم, واشتروا بآياته ثمناً قليلاً (فشهدوا على أنفسهم "عملياً" أنهم غير أمينين على حفظ كتب الله تعالى من تلقاء أنفسهم), فحرفوا كتبه, حتى أصبح ضَرُّها أكبر من نفعها, فإجتمع الناس وتواطئوا على الكفر والشرك مرة أخرى فأصبحوا أمةً واحدة كما كانوا قبل إرسال الرسل. لذا كان لا بد من تتدخل السماء بمنهج جديد شامل لكل البشر "كآخر فرصة لهم", وبعدها الساعة,, والساعة أدهى وأمر.

وما دام انها آخر فرصة, وآخر وحي من السماء إلى الأرض, كان منطقياً وضرورياً وبديهياً أن يتولى الله حفظ هذا المنهج بنفسه, بل ويجعل وصول يد العابثين والمحرفين إليه أمراً يفوق المستحيل إستحالةً فقال بكل صراحة ووضوح في سورة الحِجْر: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » 9), وقد برر ضرورة وحتمية ذلك الحفظ من لدنه, فقال لنبيه الكريم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ « فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ » 10), فما كان منهم إلَّا التكذيب والإستهذاء بالدين والرسل بصورة مستمرة, ومنهجية ثابتة, قال: (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ - « إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ » 11).

لذا فهذا السلوك ليس فقط عند أولئك الأولين, وإنما هذا حال المكذبين المجرمين أينما ثقفوا, لذا قال له: (كَذَٰ-;-لِكَ « نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ » 12), لأن المجرمين من قومك سيفعلون ما فعله أسلافهم الأولين, فقال له: (لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ - « وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ » 13). فهؤلاء المجرمين لن يؤمنوا لك مهما فعلنا معهم, حتى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ 14), لن يؤمنوا أيضاً, بل: (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ 15), فالعيب والخلل ليس في الأدلة والبراهين الدامغة, وإنما تكمن في قلوبهم الكافرة المكذبة الضالة والمضلة.

فأنزل الله تعالى بياناً من السماء في سورة كريمة سماها "سورة البينة", أبان فيها الموقف "بعد أن حلل عناصر الأمة الواحدة تحليلاً دقيقاً, بين فيه سبب إرسال النبي محمد بدين جديد, وبتشريع بديل, ناسخ لما قبله من صحف وكتب لما إعتراها من تحريف أفسدها تماماً بقدرٍ جعلها غير صالحة للتداول والإستعمال, ومهيمناً عليها، وذلك بعد أن تعذر وجود توحيد خالص بالله تعالى عبرها.

فأتى لهم من السماء "بالبينة" المفحمة, وذلك بعد أن جعلوا الشرك مُرَكَّباً حتى تطاول على ذات الله تعالى نفسه, إذ نسب اليهود "عذيراً (عزرا), إبناً لله, ونسبت النصارى "المسيح" إبناً لله، بل وتمادوا في ذلك طغياناً وكفراً وإنحرافاً حتى جعلوه شريكاً, بل وبديلاً لله ربه وربهم, ورب كل شيء,, رب العرش العظيم (تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً).

أما المشركين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن "بناتاً", وإختصوا أنفسهم بما يحبون ويشتهون من البنين, وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً, وجعلوا الأصنام والأوثان أرباباً معه وشركاء له, فسبحانه الله وتعالى عما يصفون.

بين الله تعالى في سورة البينة, أنَّ الكفار وأهل الكتاب – قبل أن يبعث محمداً بدين جديد - لم يكونوا منفكين عن بعضهم أو متمايزين, بل كانوا أمةً واحدة من الناس متواطئة على الشرك, مترابطة به, ولا أمل في التوحيد منهم, لذا لا بد من أن تأتيهم البينة, قال سبحانه مفصلاً ذلك: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا - « مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ » وَ « الْمُشْرِكِينَ » - مُنفَكِّينَ ←-;- حَتَّىٰ-;- تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ 1).

وهذه البينة من الله لا بد من أن تكون رسولاً منه, يتلوا عليهم صحفاً مطهرة هي "سور القرآن الكريم", قال: (رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً 2), فيها كتب قيمة هي عبارة عن "تجارب الأولين" وخلاصة وزبدة الرسالات السابقة, قال تعالى: (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ 3), وذلك الرسول من الله هو عبده ونبيه ورسوله محمد خاتم الأنبياء والمرسلين. فماذا حدث لهذه الأمة الكافرة من الناس, والمفقود فيها الأمل؟؟؟

لقد أحدثت هذه البيِّنةُ خلخلةً عنيفةً صاعقةً على مكونات هذه الأمة الضالة, فأهل الكتاب عرفوا أن هذه البينة هي الحق من ربهم, وهي التي قد بشر بها موسى في التوراة وعيسى في الإنجيل, وخاب رجاءهم في أن النبي المنتظر لم يكن من بني إسرائيل كما كانوا يأملون ويستفتحون به على غيرهم, فإنفصلوا عن أمة الشرك وأرادت كل فرقة منهم أن تعود إلى سابق عهدها,, ولكن هيهات,,, فقد أفسدوا مرجعيتهم تماماً بتحريفها والتفريط في الأصل منها.

فهم لم يجدوا أصل التوراة التي نزلت على نبي الله ورسوله موسى عليه السلام, نقية صافيةً كما تركها لهم, بل وجدوها قراطيس يبدون بعضها ويخفون البعض الآخر وفق أهوائهم ومصالحهم, ولا الإنجيل الذي جاء به عبد الله ونبيه ورسوله المسيح عيسى بن مريم, الذي أوصاهم بتوحيد الله تعالى والإخلاص له, وبشَّرَهُم برسول يأتي من بعده "إسمه أحمد", ولكنهم ضلوا وألَّهُوهُ وأمَّهُ, وأنكروا بشارة عيسى, وإذا بهم يرونه أمامهم عياناً بياناً فطاش صوابهم,, فعادوا إلى خلافاتهم وإنقساماتهم السابقة "فتفرقوا وإختلفو", وقرروا ألَّا يتفقوا إلَّا على محاربة ومناهضة هذا الدين الجديد وهم يعلمون أنه الحق من ربهم, قال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ - « إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ » 4).

هذه أول خطوة ناجحة تمخضت عنها تلك البينة, فإستطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدراته التي فطره الله عليها "دون سائر خلقه", وبما لديه من آيات بينات محكمات أن يكسر ذلك الرباط الشركي الوثيق "فإنفكوا" بنجاح إلى فرقتين "أهل كتاب مختلفين متشاكسين", و"مشركين, مرجعيتهم تراث آبائهم الخالي من الدليل والحجة والبرهان والمنطق", وبهذا أصبح التعامل مع كل فرقة على حده أسهل بكثير من التعامل معهما مرتبطين معاً.

وقد بين لهم الرسول الكريم أن المطلوب منهم ليس بغريب على أهل الكتاب, فهم في الأصل موحدون قبل أن تتفرق بهم السبل ويدخلهم الشرك والوثنية في دهاليز اللف والدوران والمماحكة،,,, إذ لم يأمرهم الله بأكثر مما أمروا به من قبل,, قال تعالى في ذلك: (وَمَا أُمِرُوا ...),
‌أ) (... إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...),
‌ب) (... وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ...),
‌ج) (... وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ...),
وَذَٰ-;-لِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ 5), فلماذا قابلوا هذا الدين بكل هذه الجفوة والمجابهة والعدوان؟؟؟

أما التعامل مع المشركين,, فأمره كان اسهل بكثير من التعامل مع أهل الكتاب, الذين لهم مرجعيات سماوية, ولكنها مشوهة بالزيادة عليها والنقصان منها والإخفاء, هذا بجانب ما إعتراها من "تحريف" أفسدها وأتى عليها وشكك فيما سلم منها. أما أولئك المشركين فإنما تعوزهم وتكفيهم إقامة الحجة عليهم, وتقديم البرهان لهم, ومجابهتهم بالمنطق, ودعوتهم للتفكر فيما هم عليه من وثنية لا تصلحهم ولا تضرهم ليعيدوا النظر في موقفهم الشركي البين الضلال والفساد,, وبالفعل كان من بين هؤلاء المشركين الصحابة الكرام, ثم دخل الناس منهم في دين الله أفواجاً.

2) وحدودها, الكون كله مكاناً وميداناً, وعمر الكون كله كفترةً إستراتيجيةً, تكون حساباتها الختامية مرة واحدة يوم القيامة على يد الخالق نفسه سبحانه.

3) أما هدفها الإستراتيجي هو "توحيد الله تعالى" وإنكار وإسقاط كل معبود دونه من آلهة إفك وبهتان. ثم إصلاح ذات البين للبشر كلهم ومعاملتهم بالعدل, بل وبالقسط,, قال تعالى في سورة الرحمن: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا - « وَوَضَعَ الْمِيزَانَ » 6).

ثم شدد وحذر من مغبة إخسار الكيل والميزان بالغش فيه, فقال للبشر: (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ 7), ثم أمرهم بإقامة الوزن "بالقسط" وهو "العدل المؤكد المغلظ", فأمرهم بوضوح وحسم: قال: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ « بِالْقِسْطِ » - وَ « لَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ » 8), كيف يخسرون الميزان وقد أغناهم الله عن ذلك بأن جعل لهم في الأرض كل ما يحتاجون إليه, قال منبهاً لهم: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ 9), كل الأنام دون تمييز.

ثم بين لهم بأن فيها كل ما يشتهون, وبدأ بتعديد أصناف الفواكه والطيبات, فقال: (فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ 9), هذا بجانب ضرورات الحياة, قال: (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ 10).

فما دام أن مهمة النبي محمد, وحدودها, وهدفها الإستراتيجي بهذا التحديد وهذا المنهج الدقيق الكامل المكتمل, وما دام أنه مُلْزِمٌ "لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً", وما دام أن الإنحراف عنه وإتخاذ غيره مهلكة وضياع,,, فمن البديهيات المنطقية أن يتضمن هذا المنهج (وبمنتهى الوضوح والبيان القطعي) كل عناصر ومقتضيات التصديق به, والتي لا تدع مجالاً للشك لا في الرسول ولا في المرسل به معه.

وأن تكون هذه الخطة الإستراتيجية السماوية متضمنة "توثيقاً" لكل ما يؤكد بأن الذي قَدَّمَ هذه الخطة للناس – على مر السنين والعصور– هو صادق فيما قال, ومُكَلَّفٌ فعلاً من واضع هذه الخطة ومعد برامجها بصورة وبقدر لا يتركان مجالاً للشك في شخصه وصدقه وأمانته. وبغير ذلك يكون واهماً من إعتقد بأن هناك من يصدق بقول دون سند أو دليل وبرهان يدعمه ويؤكده, خاصة إذا كان هذا القول يبعد عن السامع به آلاف السنين.

فإذا كان ذلك كذلك,, ومن هذا المنطلق, فلا بد لكل شخص من البشر وفي أي جيل وأي زمان ومكان على الأرض أن يشاهد بعيني رأسه ويسمع بأذنيه ويصدق بقلبه بأن الدليل المقدم له "موثقاً توثيقاً لا يعتريه تغيير ولا تحريف ولا إضافة ولا حذف على مر العصور والدهور.

فإن لم يوجد مثل هذا التوثيق, وبكل هذه الشروط والتوصيف,, فلن يصلح لأن يقيم الحجة على أحد... أليس كذلك؟؟؟ ..... وهذا هو المأخذ الرئيس على أهل الكتاب اليوم,, فإنهم يقولون بما لا ولن يستطيعوا تقديم الدليل والبرهان على صدقه وصدق من راوه ووثقه.

جاء النبي محمد, في جيل من الأجيال, عايش أهل جيله ونشأ بينهم وعرفوا ما سمعناه عنه في السيرة, فصدقوه لما رأوه وسمعوه منه وشهدوا بأنه يمتاز عن البشر, وأنه لا بد وأن يكون نبياً ورسولاً,, ولكن:
1) هل هذه المشاهدة والمعاصرة والتصديق من قومه ومن عايشه تكفي أحداً من الأجيال التي جاءت بعد جيله والأجيال التي تلتها؟,, وهل تكفي أحداً من المعاصرين الآن ومن سيأتي بعدهم إلى يوم القيامة, دون الحاجة إلى برهان معجز قاطع .... ؟؟؟ أكيد الجواب المنطقي سيقول "لا", فالذي يصدق بدون برهان, ما أسرع تراجعه عن تصديقه فيما بعد.

2) وهل التوثيق البشري الذي تتضمنه كتب السيرة والتفسير والدراسات العلمية المبنية على هذه المصادر فقط يمكن أن تكون حُجَّةً على أحد "إن رفضها" وطالب بغيرها الذي يمتاز بالدليل البرهان, أو تكون كافية للإيمان "الذي هو أغلى شعور لدى الإنسان", فإن قبلنا "جدلاً" وسلمنا بأنه أدَّى إلى إيمان البعض, فهل هذا الإيمان سيكون كاملاً خالياً من شك أو فتور أو لربما تراجع فيما بعد,,, كما حدث للتعس القصيمي وغيره من أقرانه أشقياء الدنيا والآخرة ... ؟؟؟

3) وهل القرآن الكريم - إذا لم يصرح الله تعالى بأنه "قد حفظه", وضمن ألَّا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – وإذا تركه للعبث والتحريف, كما حدث مع التوراة والإنجيل, أيكون حجةً على نفسه أو على من أوحى الله له به,,, أو حجة لغيره أو عليه ... ؟؟؟

4) وهل خَلَىْ القرآن من التوثيق الدقيق والقطعي الدالالة على صدق رسالة النبي محمد, وصدق النبي نفسه بما يكفي ليكون يقيناً وحجةً على كل من أراد الحق والحقيقة, وحجة على من كفر به وتمارى؟؟؟

إذاً,, لعله من المنطق ألَّا نأخذ صدق الوحيِ, والمُوجَى نفسه, والمُوجَى إليهِ من مصدر آخر سوى القرآن الكريم "حصرياً", بل ومن المنطق ألَّا يكون توثيق السيرة "الذي لم يقل الله إنه قد حفظها كما قال عن القرآن", رغم أن الذي قاله الرسول وسمعه منه أحد مباشرةً لا يقل صدقاً عن القرآن, وقد أكد ذلك الله نفسه في كتابه حيث قال عن نبيه الكريم في سورة النجم: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ-;- 3), (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ-;- 4), (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ-;- 5).

ولكن هذا شيء وسماعه منقولاً عنه عن طريق "العنعنة" شيء آخر "ما لم يكن الناقلون كلهم معصومون" وهذا بالطبع غير متوفر, وهذا لا يعني أن السيرة لا دور لها, ولكن يأتي دورها بعد مرحلة الإيمان, الذي لا ولن يأتي إلَّا عبر التسلح بالقرآن الكريم الذي يستحيل أن تأتي السنة بمثقال ذرة من خردل بمخالفة له أو إختلاف معه, فهي تمثل الجانب العملي التطبيقي للقرآن "في الحياة العملية in the real life.

إذاً معنى هذا أن القرآن الكريم لا بد وأنه قد تضمن "حقاً وحقيقةً" كل التوثيق اللازم, والتوصيف المفصل, والتحليل العلمي والفني المتخصص والتفنيد المنطقي لصدق كل ما جاء به هذا النبي الكريم, ولصدق كل من أوحي إليه به, بل وصدق ما وصى الله به غيره من الأنبياء والمرسلين, وقد تضمن أيضاً كل المعايير اللازمة لتوصيف كل شخص وفقاً لسلوكه ومعتقداته التي إختارها لنفسه بنفسه, وضمن له أن يُحترم إختياره ويصان حتى إن كان شركاً وكفراً, ما لم يتجنى به على غيره, حينئذ سيأخذ على يده ليعود إلى خياراته لنفسه فقط.

خامساً: ما هي هوية النبي محمد؟؟؟
1) هل هو إمبراطور؟ ..... إن كان كذلك لحكى التاريخ عنه سيرته مع الأباطرة الذين مروا بهذه الدنيا وجعلوا نهارها ليلاً,,, ظلماً وعدواناً وتجنياً على خلق الله وإستعبادهم,

2) هل هو ملك؟؟ ..... إن كان كذلك لتضمنت سيرته ترفاً وترفهاً وسلطاناً وبطش ملوكٍ, أو على الأقل لذكر مع الأنبياء الملوك مثل داود وسليمان ويوسف,,, ولكان له قصرٌ وعرشٌ وبلاطٌ وحاشية, وللبس تاجاً وحلياً وجواهر.

ولكن في الواقع كان قصره هو مسجده اللبن البسيط المتواضع, يصلى فيه ويُعلِّمُ ويُحل مشاكل رعيته الذين هم أصحابه, فهو يجالسهم على الأرض, ويؤاكلهم ويسامرهم ويناجيهم,, ولا يتميز عنهم بشيء, حتى الغريب الذي يأتي ليقابله يقول لجمعهم: (مَنْ مِنْكُم مُحَمَّد؟), أو (أيُّكُم مُحَمَّد؟),

3) هل كان حاكماً أو أميراً؟؟؟ ..... لم تأت رواية واحد أو شهادة تاريخية من عدو أو صديق تقول بأنه كان كذلك, بل كان يعد نفسه فرداً من بين جمع وإن كانت مهمته تحتم عليه أن يلزم القيادة والنصح والإدارة والتوجيه,

4) هل أمر الناس بعبادته لذاته, والصلاة إليه, وتقديسه تقديساً إلهياً, وتقديم القرابين بين يديه,,, وهل كان يترفع عن الناس ويحتجب عنها كبراً وغروراً شأنه في ذلك شأن الأمراء والمؤمرين على غيرهم ...؟؟؟

فما دام ذلك كذلك,, هذا يعني أن هويته ليست نابعة عن حب للدنيا, وسعي لسلطانها وجاهها ومباهجها. وحقيقةً لقد كانت أحب الأسماء وأقربها إلى نفسه أن يُقَالَ له (رسول الله), أو (عبد الله ورسوله), بل وكان يحذر الناس من إطرائه,,, فعنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ).

وقال له الله تعالى في سورة الكهف آمراً: (قُلْ « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ » - يُوحَىٰ-;- إِلَيَّ - « أَنَّمَا إِلَٰ-;-هُكُمْ إِلَٰ-;-هٌ وَاحِدٌ » ←-;- فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ « فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا » وَ « لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا » 110) .... لاحظ أن هذا النبي دائماً "مأمور" في كل سور وآيات القرآن, ولم يكن آمراً على الإطلاق، والآمر له دائماً هو "واحد أحد صمد" هو "الذي خلق كل شيء".
وفي سورة النجم قال الله تعالى: (فَأَوْحَىٰ-;- إِلَىٰ-;- «« عَبْدِهِ »» مَا أَوْحَىٰ-;- 10), (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ-;- 11).

سادساً: ما هي أهدافه الشخصية ومطامحه:
1) لم يكن يطمح للسلطان ولا للجاه,, لأنه إن كان كذلك لظهر جلياً في سنته وسيرته وفي التاريخ السياسي بصفة عامة, ولوجدنا له آثار تاريخية من صولجانات وتيجان وحلي, وإهرامات وأسوار عظيمة, وتماثيل وأنصبة, وجفان,،، فهل له من كل ذلك شيء؟؟؟

2) لم يكن يطمح للتفاخر بالمكانة وبالنسب,, لأنه إن كان كذلك لوجدنا ذلك واضحاً وموثقاً بالقرآن الكريم سوراً وآيات بينات وأساطير, وهو ليس بأقل من كل الذين ذكرت سيرتهم وأعمالهم بالقرآن الكريم من أنبياء ورسل وصالحين وملوك,,,

ولعمل جاهداً على رفع والديه مكاناً عليَّاً, ولمجَّدَ نفسه وأطراها وزكاها كثيراً وهو الأليَقُ والأحَقُّ من كل الخلق بالمدح والإطراء والتبجيل, ولكنه لم يفعل،،، بل وقد نهى الناس بشدة وإصرار عن إطرائه وأن يكتفوا بقولهم عنه (عبد الله ورسوله) لا أكثر. وكل سيرته تؤكد والمؤرخون يجمعون على تواضعه الجم, علماً بأنه لو كانت مفخرته فقط "القرآن الكريم" لكفاه بأن يتربع على عرش التفرد والعبقرية والنبوغ التي لم يبلغها غيره من قبل ومن بعد.

3) هل إدعى علم الغيب, أو نسب القرآن وفضله وتفرده إلى نفسه؟؟؟ .... لا!!! والذي نفسي بيده, لقد نفى عن نفسه علم الغيب تماماً وأكد بشريته وأنه ليس ملكاً,, فعن جرير، أنَّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه، فاستَقبَلتْهُ رَعْدَةٌ، فقال النَّبِيُّ له: (هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإنِّيْ لَسْتُ بِمَلِكٍ إنَّمَا أنَا ابْنُ إمْرَأةٍ مِنْ قُرَيْشَ، كَانَتْ تَأكُلُ القَدِيْدَ).

كما أمره الله تعالى في سورة الكهف بأن يقول: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا « لِّكَلِمَاتِ رَبِّي » - لَنَفِدَ الْبَحْرُ - « قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي » ←-;- وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا 109), (قُلْ «« إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ-;- إِلَيَّ »» - أَنَّمَا إِلَٰ-;-هُكُمْ إِلَٰ-;-هٌ وَاحِدٌ - فَمَن كَانَ « يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ » ←-;- « فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا » وَ « لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا » 110),

وقال له فيها مشفقاً عليه من إجتهاده المضني والقاسي عليه وهو لا يبالي لشدة حرصه على إنقاذ الناس "كل الناس" من عذاب يوم عظيم, قال الله له: (فَلَعَلَّكَ « بَاخِعٌ نَّفْسَكَ » - عَلَىٰ-;- آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰ-;-ذَا الْحَدِيثِ - « أَسَفًا » 6).

كما حذره في نفس السورة من القول بعمل أي شيء في المستقبل "في علم الغيب" قبل أن يقدم المشيئة, وهذا دليل على أن النبي نفسه لا يعلم الغيب إلَّا ما علمه الله له وأوحى له به,, قال تعالى له: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ « إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰ-;-لِكَ غَدًا » 23), («« إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ »» - وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ – وَقُلْ « عَسَىٰ-;- أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰ-;-ذَا رَشَدًا » 24). إذاً فهو عبد لله ربه ورب كل شيء, مأمور بأمره ومنهي عن هواه, ومؤدب بأدب خالقه وباعثه للناس كافة بشيراً ونذيراً وبين يديه عذاب شديد يوم الحساب. لذا فهو لا ينطق عن الهوى, إن هو إلَّا وحي يوحى,, عَلَّمَهُ شديد القُوى.

وقد كان تماماً كما أراده الله تعالى أن يكون, حتى قال له في السورة نفسها: (« وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ » ←-;- لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ – وَ « لَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا » 27), (« وَاصْبِرْ نَفْسَكَ » - مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ - يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ « لَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا » وَلَا تُطِعْ - « مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا » وَ « اتَّبَعَ هَوَاهُ » وَ « كَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا » 28).

ثم قال له: ( وَقُلِ - الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ - « فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن » وَ « مَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ » ←-;- «« إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا »» وَ «« إِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ »» ←-;- بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا 29). فهل هناك أي دور لرسول الله أكثر من "التبليغ من ربه", و "النذارة من عاقبة الإختيار الحر"؟؟؟

وبالمقابل, يكتمل دوره "بالبشارة" وحسن العاقبة لمن أراد الإيمان "حراً مختاراً",, قال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ «« إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا »» 30), ثم بعد هذا الإحكام, فصل حسن العاقبة تفصيلاً,, قال: (أُولَٰ-;-ئِكَ ...),
(1) (... لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ...),
(2) (... يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ...),
(3) (... وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ...),
(4) (... مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ...),
(... نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا 31).

فهل توجد هناك مع هذين الخيارين قائمة عقوبات تُنفذ في الدنيا على يد هذا الرسول الكريم, أو حتى قائمة أسعار ورسوم وجبايات وأجور تدفع له مقابل هذه البشارة التي يسيل لها اللعاب؟؟؟ ..... إذاً, ما هو العائد المادي أو المعنوي عليه سوى أداء حق العبودية والطاعة والإزعان لرب العالمين, وتبليغ ما أمره به, عسى أن يبعثه مقاماً محموداً؟

ألم يقل لأهل بيته وعشيرته المقربين الأقربين, وأحبته ألَّا يعتمدوا ويركنوا إلى قرابتهم له, وحثَّهُم على إخلاص العمل للنجاة من يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من شدة ما فيه من الأهوال والمخازي, فقال لهم صراحةً وبكل جلاء ووضوح وحسم: "لنْ أُغْنِ عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئاً".

وتأكيداً على عدم علمه بالغيب, قال الله تعالى له في سورة الأعراف: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ ...),
1. قل لهم إنك لا تعلم عنها شيئاً, لذا قل لهم: (... إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ...),
2. وقد بلغ حالها أنها: (... ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ...),
3. (... يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ...), أما أنا فلا أعلم عنها شيئاً,
(... وَلَٰ-;-كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 187).

ثم أمره الله تعالى قالئلاً: (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي « نَفْعًا » وَ « لَا ضَرًّا » - إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ - وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ « لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ » وَ « مَا مَسَّنِيَ السُّوءُ » ←-;- إِنْ أَنَا إِلَّا « نَذِيرٌ » وَ « بَشِيرٌ» - لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 188).

ألم يقل تعالى له أيضاً: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ « تَضَرُّعًا » وَ « خِيفَةً » وَ « دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » - بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ – وَ « لَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ » 205)، وذكره بأن الملائكة المقربون يفعلون ذلك عبادةً لربهم الذي خلقهم وخلق كل شيء, تقرباً إليه وخشية, قال: (إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ « لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ » وَ « يُسَبِّحُونَهُ » وَ « لَهُ يَسْجُدُونَ » 206).

سابعاً: ما هي القرائن الدالة على أن القرآن ليس من عند محمد؟؟؟
1) هل يوجد في الدنيا "عبر التاريخ البشري كله" السياسي, والفني, والأدبي, والعلمي,,, مَنْ جاء بنصٍّ شبيهٍ بالقرآن أو حتى قريب منه ولو بسورة واحدة فقط؟ ..... فإن كان هناك مثله من أي جهة كانت فإن هذا يمكن أن يكون حجةً لمن يدعي ذلك, ولكن عليه أولاً أن يشير إليه ويدلل عليه ويقدم حجته وبرهانه الذي يؤيد إدعاءه, أما إن لم يوجد, ولن يوجد أبداً, فعلى ماذا يدل هذا التفرد؟؟؟ سوى على أحد إحتمالين لا ثالث لهما:

(‌أ) فإما أن يكون من تأليف محمد كما يدعي المبطلوب الأفاكون, وفي هذه الحالة لا يشك إثنان في أن مؤلف هذا الكتاب الفريد – الذي حير العلماء والمفكرين والباحثين عبر القرون – لا بد أن يكون أعظم مُفَكِّرٍ ومُؤلِّفٍ وعالمٍ وُجِدَ في هذه الدنيا كلها, ولكن,, ألَاْ يختلف أسلوبه في الحديث النبوي وتركيبه وبيانه تماماً عن أسلوب القرآن الكريم؟ مع انهما بُلِّغَا من نفس المصدر ونطق بهما نفس الفم الشريف؟؟؟ .... فما تبريد هذا إذاً ؟؟؟

وعليه,,, لو كان هذا القرآن من تأليفه كما يدعي المبطلون الأغبياء, فما هي مصلحة مؤلفه "الفذ" من أن يزهد فيه ويتبرأ منه تماماً بهذا القدر من الإصرار والتصميم, ثم ينسبه لغيره؟؟؟ ..... ليس ذلك فحسب, بل ويعلن نفسه عبداً لهذا الغير ورسولاً وعبداً وخاضعاً له لا أكثر من ذلك؟ وما الضير في أن ينسبه لنفسه مباشرةً فيفوز بفضله الذي لا يختلف حوله إثنان إن كان حقاً وصدقاً ما يدعيه ويأفكه المرجفون السذج ... ؟؟؟

(‌ب) أو أن يكون هذا القرآن الكريم وحياً من عند "خالق السماوات والأرض", خالق كل شيء, من رب العالمين,, وهذا موافق للمنطق, ويستقيم تماماً مع العقل, ويؤكد صدق النبي في أن ينسب الحق والفضل إلى صاحبه, ويعترف بأنه ليس لديه أي فضل في هذا الوحي الذي أوحاه له سيده وخالقه، الذي كلفه بأن يكون كامل العبودية له بتبليغ رسالته التي أرسله بها "نبياً ورسولاً" خاتماً وشهيداً, ليس لقومه وعليهم فقط ولكن للعالمين وعليهم "بشيراً" و "نذيراً" بين يديه عذاب شديد. فكان أميناً صادقاً في تبليغ ما أمر بتبليغه, وسنأتي بالشواهد والبراهين الموثقة في حينها لاحقاً,

2) هو أقل أنبياء الله ورسله "ذكراً بإسمه" في القرآن الكريم,, فقد ذكر بإسمه أربع مرات فقط, تحديداً وحصراً في الآيات التالية:
‌أ. قال تعالى في سورة آل عمران: (وَمَا « مُحَمَّدٌ » إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ « أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ » ←-;- وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا « وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ » 144), إذاً فهو يعرف انه ليس خالداً ولا مخلداً في الدنيا, وأنه سيموت يوماً ما,, وأن الذي أرسله حيٌ, باقٍ,, لايموت ولا يفوت, ولا ينعس فتأخذة سنة, ولا يغفوا فيأخذه نوم.

‌ب. وفي سورة الأحزاب: قال: (مَّا كَانَ « مُحَمَّدٌ » أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن «« رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ »» ←-;- وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 40), فهو الخاتم بلا منازع ولا مشابه.

‌ج. وفي سورة محمد, قال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ « وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ » ←-;- وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ 2(، إذاً فهو منزل عليه الوحي, وليس مبتدعاً أو مفترياً للقرآن الكريم.

‌د. وفي سورة الفتح, قال: (« مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ » - وَالَّذِينَ مَعَهُ - أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ - تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا - « سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ » ←-;- ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ - كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ - وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا 29).

فلو نظرنا إلى غيره من الأنبياء والرسل الآخرين لتأكدت لنا هذه الحقيقة الموثقة التي لا ولن يستطيع أن يماري فيها أحد, مثلاً ترتيب الأنبياء حسب عدد المرات التي ذكر كل واحد منهم فيها بالقرآن كما يلي:
1. موسى عليه السلام جاء ذكره 136 مره,
2. ابراهيم عليه السلام ذكر 69 مرة,
3. نوح عليه السلام ذكر 43 مرة,
4. لوط عليه السلام 27 مرة,
5. عيسى عليه السلام 25 مرة,
6. آدم عليه السلام 25 مرة,
7. هارون عليه السلام ذكر 20 مرة,
8. اسحاق عليه السلام ذكر 17 مرة,
9. سليمان عليه السلام ذكر 17 مرة,
10. يعقوب عليه السلام ذكر 16 مرة,
11. داود عليه السلام ذكر 16 مرة,
12. اسماعيل عليه السلام ذكر 12 مرة,
13. شعيب عليه السلام ذكر 11 مرة,
14. صالح عليه السلام ذكر 9 مرات,
15. أما محمد صلى الله عليه وسلم ذكر 4 مرات فقط,

فإذا كان هو الذي قد ألف هذا القرآن, فلماذا لم يشرع لنفسه ويخلد ذكر إسمه على الأقل مثل موسى إن بالغ في زهده ولم يضاعف ذكر نفسه على ذكر موسى أضعافاً كثيرة؟؟؟ أليس هذا دليل على أن الأمر ليس بيده, ومن ثم,, لا ولن يستطيع أن يُدْخِلَ فيه هواه لأنه وحي يوحى, لا يملك حياله سوى السمع والطاعة بكل الرضى والحب والقبول والتسليم والشكر والثناء .....؟

ولنا هنا ملاحظة, مفادها:
أولاً: أنَّ المرات الأربع اليتيمة التي جاء فيها ذكر النبي بإسمه "محمد",, لم تتضمن أي تفصيل عنه سوى ذكره فقط وفق مقتضيات بيان وإبيان الآية لا أكثر, بينما أي من الأنبياء والرسل الآخرين غيره كانت هناك تفاصيل كثيرة قد تصل إلى القصة الكاملة كما في سورة يوسف, وسورة طه عن موسى عليه السلام, وسورة آل عمران عن عيسى ويحي وزكريا عليهم السلام وكذلك سورة مريم تكملة لسورة آل عمران. إذاً... ما هو السبب (إن لم يكن تأييده بالقرآن كله أكبر وأوثق من أن يحتاج إلى ذكر إسمه كغيره من الرسل,,,,

كما أن الأنبياء والرسل السابقين الذين جاءت سور بأسمائهم "مشفرة" بحروف مقطعة, في أغلبها, خاصةً الذين كان حولهم شك من آهل الكتاب, وقد سبق أن خاضوا فيهم, فكان لا بد من أن تعالج مسألة صدقهم ودرأ الشبهات عنهم عبر القرآن بصورة أوثق بحيث تقضي على كل المماحكات والإختلافات والإفتراءات في حقهم,,, وقد جاءت هذه المعالجات وحياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولأنهم مذكورون في كتب اليهود والنصارى المحرفة جاءت مشفرة تأكيداً على كذبهم وصدق وحي الله إلى رسوله الخاتم. أما محمد نفسه فلا يحتاج إلى مثل هذه التأكيدات لأن الله تعالى هو الذي سيتولى تأكيد صدق نبوته ورسالته ووحيه له بصورة دائمة لا تتغير ولا تتبدل عبر الزمن, ولا يمكن إنكارها إلَّا كفراً وجحوداً لا برهان لصاحبه ولا دليل سوى الكبر والكفر والكذب والكيد. وسنؤكد ذلك في وقته عندما نتحدث عن سورة "يس".

ثانياً: أغلب قصص الأنبياء جاءت مشفرة بحروف مقطعة مثل (الم ... آل عمران), و (الر .... إبراهيم), و(الر .... يوسف), و(ص ... داود),,,, الخ, بينما سورة "محمد" لم تأت بها حروف تشفير مقطعة, فلماذا كل هذا التواضع لخاتم الأنبياء والمرسلين وإمامهم إن لم يكن وحياً من عند الله تعالى, وإلَّا فمن البديهي والمنطقي أن يميز نفسه عنهم "إن كان له هوىً", بكل سهولة ويسر, ولكان عملاً مستساغاً ومقبولاً لأنه يتناسب مع هامته وقامته, ورفعة قدره المتميز.

أيضاً نلفت النظر إلى أن السورة التي جاءت بإسمه "سورة محمد" هي من أقصر السور من بين مثيلاتها التي جاءت بأسماء أنبياء ورسل,, فمثلاً نجد أن:
(1) سورة آل عمران 200 آية، - الم,
(2) سورة لقمان 34 آية - الم
(3) سورة هود 123 آية - الر
(4) سورة يوسف 111 آية – الر
(5) سورة يونس 109 آية - الر
(6) سورة إبراهيم 52 آية – الر
(7) سورة الروم 60 آية - الم
(8) سورة ص 88 آية - ص
(9) سورة مريم 98 آية- كهيعص

أول الأنبياء والمرسلين, وخاتم الأنبياء والمرسلين لم يأت تشفير بالحروف المقطعة في السور التي جاءت بإسميهما, وهما:
(10) سورة محمد (خاتم الأنبياء والمرسلين), بها 38 آية,
(11) سورة نوح (أول المرسلين), بها 28 آية,

(12) سورة طه التي بها 135 آية – "مشفرة", وقد بدأت بـ 8 آيات منها تخاطب النبي محمد, ثم ما لبثت أن تحدثت بعد ذللك عن نبي الله موسى في 91 آية, ثم عادت تخاطب النبي محمد مرةً خرى في 36 آية أخرى خاتمة.
(13) سورة يس بها 83 آية – يس, "مشفرة", وقد وضعت النقاط على الحروف في تأكيد صدق النبي محمد في رسالته, وقد ربط الله تعالى هذا الصدق بظاهرتين كونيتين لا تتغيرات على مر الزمن,, ومن ثم "تحدى الكون كله بإنسه وجنه" وسنأتي لهذا التحدي المعجز لاحقاً بإذن الله تعالى,

وهناك سور جاء فيها ذكر أحداث لأنبياء وغيرهم يلزم لفت النظر إليها وهي:
(14) سورة الأنبياء 112 آية,
(15) سورة الكهف 110 آية,
(16) سورة المؤمنون 118 آية,
(17) سورة النساء 176 آية,
(18) سورة الهمزة 9 آية,
(19) سورة عبس 42 آية,

3) تضمن القرآن الكريم شخصيات ليست من الأنبياء ولا من المرسلين, فمثلاً إمرأة نوح, وإمرأة لوط, وإمرأة إبراهيم, وإمرأة العزيز, ومريم إبنة عمران, وأم موسى, وإمرأة فرعون, والمجادلة التي كانت تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها الذي ظاهر منها ,,, الخ, فالسؤال المنطقي هنا يقول,, إن كان هذا القرآن من تأليف محمد كما يدعي المبطلون الأغبياء:
‌أ. فلماذا لا توجد سورة كاملة لأم النبي محمد تُخَلِّدُها وهي أم هذا الرسول الكريم, على الأقل كما ذُكرت أمهات بعض الأنبياء والمرسلين والصديقين, مثلاً: أم موسى, وأم إسماعيل, وإسحاق, وأم عيسى عليهم السلام؟

‌ب. لماذا لا توجد بالقرآن سورة على الأقل لإمرأته الأولى وحبه أم المؤمنين خديجة خاصة وأنها قدمت له العون وآزرته ونصرته, وكانت لها مكانة خاصة في قلبه, على الأقل كما ذكرت إمرأة عمران وإمرأة العزيز, وإمرأة نوح وإمرأة إبراهيم وإمرأة لوط وبناته,,,؟

‌ج. لماذا لم يذكر في القرآن أبنائه وبناته كما ذكر أبناء إبراهيم, وأبناء يعقوب يوسف و(الأسباط), الخ,,,؟

‌د. لماذا لم يُكَرِّم أبويه ويخلدهما بسورة يرفع فيها قدرهما ويصفهما بما هو ليس فيهما, ويقول عنهما إنهما في الجنة, بل في الفردوس الأعلى, مع العلم بإنه رغم سكوته عنهما, لم يسكت عن غيرهما, وقد ذكر الحبر ورقة بن نوفل بخير فقال عنه إنه رآه في المنام على بياض, وعلل ذلك على أنه ليس من أهل النار لأنه إن كان كذلك لرآه على غير ذلك؟؟؟

‌ه. لماذا لا نجد في القرآن الكريم سورة لكل واحدة من نسائه أو على الأقل سورة لخديجة وأخرى لعائشة وثالثة لإبنته فاطمة الزهراء؟؟؟ وهم أعلام في الإسلام, ولهم أدوار عظيمة وجاءت فيهم تشريعات كثيرة؟؟؟

‌و. لماذا لم يخص نفسه بسورة من السور الطوال تبين مسار حياته منذ ميلاده أو قبل ذلك,, وإلى آخر حياته, وإكتفى فقط بذكر إسمه أربعة مرات "عرضاً" بالقرآن الكريم؟؟؟

هذا بلا شك دليل منطقي ومادي على أن الذي أوحى إليه الكتاب لم يشأ ذكر هؤلاء لحكمة يعلمها هو, ولا حق لأحد في أن يسأله عما يعمل وهو يسألون. وهذا وذاك كله يؤكد على صدق النبي وأمانته, وقيومية مُنَزِّل الوحي عليه وهيمنته على كل شيء.

4) لم يَدَّعِ لنفسه المقام المحمود الذي يكاد يكون قد وُعِدَ به من ربه وقد ورد بقوله تعالى له في سورة الإسراء آمراً إياه بالعبادة وقيام الليل وتلاوة القرآن تقرباً إلى الله ربه, حتى يفوز بقدر أكبر من الخير والفضل, فقال له: (أَقِمِ الصَّلَاةَ « لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ-;- غَسَقِ اللَّيْلِ » وَ « قُرْآنَ الْفَجْرِ » ←-;- إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا 78).

ثم أنظر كيف حفذه للإستذادة من العبادة لينال الفضل الأكبر والمقام المحمود, أجراً وفيراً على تهجده بالليل,, فقال له بمنتهى الصراحة والوضوح: (وَمِنَ اللَّيْلِ «« فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ »» ←-;- « عَسَىٰ-;- أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا » 79), "لاحظ هنا انه لم يقل بعثك مقاما محموداً,, ولم يقل له سيبعثك مقاماً محمودا,,, وإنما قال له (... عَسَىٰ-;- أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا).

ليس ذلك فحسب, بل, حفذه لأن يلهج لسانه بالدعاء, والعبادة ورجاء الله والإستزادة من فضله عليه, قال له: (وَقُل رَّبِّ « أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ » وَ « أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ » وَ « اجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا » 80),, وهذا بالطبع لا يكون إلَّا من سيد مالكٌ لناصية عبده وهذا دليل قطعي على صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

هذه مقدمة تمهيدية, ولا يزال للموضوع بقية

تحية طيبة للقراء والقارآت الكريمات,,,

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عِنْدَئذٍ يَمُدُّ أبُوْ حَنِيْفَةَ رِجْلَهُ ... تكملة (6):
- عِنْدَئذٍ يَمُدُّ أبُوْ حَنِيْفَةَ رِجْلَهُ ... تكملة (5):
- عِنْدَئذٍ يَمُدُّ أبُوْ حَنِيْفَةَ رِجْلَهُ ... تكملة (4):
- عِنْدَئذٍ يَمُدُّ أبُوْ حَنِيْفَةَ رِجْلَهُ ... تكملة (3):
- تكملة ... عِنْدَئذٍ يَمُدُّ أبُوْ حَنِيْفَةَ رِجْلَهُ (2):
- عِنْدَئذٍ يَمُدُّ أبُوْ حَنِيْفَةَ رِجْلَهُ (1):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13س (ملخص آل عمران ومريم):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13ع (ألم، كهيعص2):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13س(ألم، كهيعص1):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13ن (آل عمران):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13م (رد على تعليقات):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13م (طس، طه):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ل):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ك) رد على تعليقات بعض القر ...
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13 (ياء):
- حوار العقلاء2 (ردود):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ط):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ح):
- حوار العقلاء:
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ز):


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟ (أ):