أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الإختبار ..!














المزيد.....


الإختبار ..!


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4668 - 2014 / 12 / 21 - 18:08
المحور: الادب والفن
    




حدث كل شيء بغفلة من الزمن. كان يحرث قطعة أرض يملكها، أحس بالعطش الشديد، فتح باب البئر.. بعدها لا يعرف ما حدث.. لا يذكر حتى كيف تعلق بهذا الجذع النابت داخل البئر.
يبدو انه سقط في البئر. كيف سقط؟ كم مضى من الوقت وهو متعلق بجذع نابت داخل البئر؟ كل ما يعرفه انه متمسك بقوة بجذع نابت داخل البئر مما اوقف سقوطه المؤكد الى حتفه .
نظر الى أعلى فرأى فتحة السماء الزرقاء عبر فتحة البئر الدائرية. اطلق صرخة استنجاد وعينية معلقتان بفتحة البئر. هل انتبه احد لسقوطه؟ جيرانه يواصلون حرائة قطع اراضيهم؟ لعل احدهم شاهد ما حدث له. هل يحاول ان يطمئن نفسه؟ لكن لا احد يقترب من فتحة البئر. صرخ بقوة مرات عديدة.. لعل احدهم يحتاج الى شربة ماء فيأتي ويرى ما هو به.. بقرته غير مربوطة .. لا بد ان تلفت انتباهم.. يصرخ بكل قوة: انقذوني!!

لم يدرك آلامه للوهلة الأولى ، عندما عرف وضعه بعد ان استعاد وعيه من صدمة السقوط، بدا يشعر بأوجاع ذراعيه ويديه وصدره وساقيه ... هل ضربه شخص ما ودفعه لداخل البئر؟ لا يذكر وجود شخص قربه، كانوا عددا من الفلاحين كل واحد غارق بفلاحة قطعة ارضه.. فجأة وجد نفسه يتهاوى، لا يعرف كيف حدث ذلك.. حتى لا يعرف كيف استطاع التمسك بهذا الجذع النابت داخل البئر.. لا يذكر نفسه الا معلقا متمسكا به.. ترى هل انتبه أحد لسقوطه؟ عاد يصرخ بكل ما في صوته من قوة. لا بد أن يسمعوه .. كانت الثواني رهيبة وطويلة، طويلة كأنها دهر كامل... يشعر بالألم في حنجرته.. وذراعيه .. بل كل جسمه يؤلمه.

واصل الصراخ طلبا للنجدة ويداه تقبضان بقوة على الجذع النافر داخل البئر. كان ا7لألم في ذراعية وقبضتيه يشتد، أيقن انه لن يصمد طويلا إذا لم يسارع أحد ما لإنقاذه وأشد ما يرعبه أن لا يصمد الجذع أمام ثقل جسده.

صرخ صراخا جنونيا طلبا للنجدة.

هل أصيب الناس بالطرش ؟

نظر إلى قطعة السماء المرئية عبر فتحة البئر راجيا ربه أن يرسل من ينقذه، أن يلفت انتباه من هم فوق لغيابه، أو يجعل آذانهم تلتقط صراخه.. أو يجعل ما هو به حلما مرعبا يستيقظ منه فورا ممددا على سريره، أو تحت ظلال أشجار الزيتون، أو مغميا عليه فوق أرض صلبة ...

خاطب ربه برجاء يصل حد البكاء متوسلا القدير بأنه مؤمن ويقوم بكل الفرائض ولم يدع نفسه تجره إلى المعاصي ، يذكر اسمه الاف المرات في يومه ، لا يفوت عملا صالحا إلا ويقوم به ، لدرجة انه تزوج من الجارة الصبية التي توفى الله زوجها فلم يتركها لحظها التعيس ، رغم معارضة زوجته وأولاده بحجة أنها أصغر من أحفاده .. لكن العمل الصالح لا يوقفه الجيل. هل سيحرمها الله من احتضانه لها، يرملها مرة أخرى ويجعل حياتها مليئة بالحرمان وهو الغفور الرحيم ؟

عاد يصرخ لعل الله يرسل من يسمعه وينقذه من أجل تلك الزوجة الجديدة وخلاصها من قسوة الترمل، أو يجعل ما هو به حلما مرعبا، فهو على كل شيء قدير.

الألم لم يعد يحتمل ولكنه يشد قبضتيه بقوة وتصميم حتى لا يهوى إلى موته.

يصرخ بكل ما في صوته من قوة ورجاء لرب العالمين ولمن يمكن أن يسمعه من الموجودين فوق... أو من يرسلة رب العالمين ليقوم بواجب إنقاذه.

هل أصيب الناس بالطرش؟

كان اليأس يصارع يقينه بأن الله سد آذان الناس الذين فوق.. وانه في تجربة صعبة .. أو هو المسجل له منذ ولدته أمه وحان وقت تنفيذه. يا للهول، في رقبته هم إعالة زوجة طرية لا قدرة لها على مصارعة الحياة ، قال في نفسه ان الزوجة الأولى لا خوف عليها يضمنها اولادها الكبار.. وهمس : رحمتك يا الله بالزوجة الصبية ، انقذني من أجلها.

فكر: هل يكون القدر بمثل هذه القسوة ، بأن يرى الإنسان نهايته ويعيش تفاصيلها المرعبة ؟هل يكون الله الذي يدعو للرحمة وعمل الخير للناس ما جعله يضم الأرملة الصغيرة إلى حمايته بمثل هذه القساوة وغلاظة القلب ؟ أليس الموت بدون معرفة ساعة النهاية أكثر رحمة ؟

مئات الأسئلة هاجمته في لحظاته الحرجة.. كانت ثقته برب العالمين كبيرة .. على الأقل إذا لم يشفق عليه، يشفق على الزوجة الصبية من الترمل مرتين في سنة واحدة.

عاد يصرخ طالبا نجدته بصوت يضعف شيئا فشيئا... ويتوسل للقدير طالبا مساعدته ورحمته... كان واثقا ان المساعدة لن تتعوق.. وعليه الصمود بالتمسك بالجذع، تماما كما يتمسك بإيمانه الذي لا يتزعزع برب العالمين.

فجأة.. توهج ضوء هائل أضاء البئر لدرجة أعشت عينيه عن رؤية أي شيء عداه .. كان ضوءا يبهر الأعين وكأن الشمس بكل وهجها وقوة ضوئها قد دخلت البئر .

شعر بأن يد الله تمسه .. فازداد تمسكه الصلب بجذع الشجرة متوقعا نهاية لهذه التجربة التي لم تزعزع إيمانه بالله ورحمته...

عبر الضوء الذي أعشى عينيه انطلق صوت جهور تطرب لسماعه الآذان، ملأ الفضاء وأجواء البئر، كأنه صوت جوقة كاملة متناسقة الأصوات يقول له : اترك الجذع يا بني ، لا خوف عليك، نهايتك لم تحل بعد .. لن أحرم الأرملة من حنانك!!

كان واثقا انه صوت رباني.. لكنه تردد ، فكر: ما الضمانة اذا ترك الجذع أن لا يسقط الى حتفه؟ لماذا لا يمد له وسيلة للخروج بدل الوعد الذي يرفضه يقينه ؟

نظر الى فوق ليتأكد من يقينه . فلم يشاهد الا قطعة السماء الزرقاء عبر فتحة البئر.. فصرخ بأعلى صوته يائسا : هل من شخص آخر فوق ؟!


[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات نصراوي: حكايتي مع الفلسفة
- حتى ابن الله ...!!
- الحاجز
- يوميات نصراوي: أوراق قديمة لسالم جبران
- بدأ الشوط الأول من لعبة الانتخابات
- ملاحظات فكرية للحوار: لماذا نهتم بمستقبل اليسار؟
- يوميات نصراوي: personae non gratae
- يوميات نصراوي: لذكرى أمي...
- هل تفقد اللغة العربية مكانتها في اسرائيل؟
- سياسة التوحد البيبية
- دراستان علميتان رصينتان حول اليهودية والتلمود
- بروفسور سليمان جبران في حوار ثقافي شامل
- يوميات نصراوي: وطنيون بالمراسلة!!
- معضلة العالم العربي
- في ذكرى رحيل صاحب اعظم تجربة تحررية:
- اليوم آرامي .. غدا أسكيمو؟!
- الاحتلال يطبق سياسة -هنود حمر- مع بدو الأغوار
- العنصريون عابرون واللغة العربية باقية
- اطلالة على العالم القصصي للقاص المغربي عبده حقي
- لإعادة اللحمة للنخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية


المزيد.....




- من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الإختبار ..!