أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: صمت النوافذ














المزيد.....

قصة: صمت النوافذ


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4668 - 2014 / 12 / 21 - 12:12
المحور: الادب والفن
    


من طرف الستارة يتسلل ضياء شاحب، فركت عينيها، وحينما لاحظت أنه غير موجود بالقرب منها، أقلعت عن فكرة النوم من جديد. غادرت السرير، أزاحت الستارة قليلاً: الطرقات خالية والنهار لم يبدأ بعد، وغلالة الفجر تحيل العالم إلى مساحة من الغموض.
فتحت باب الغرفة، رأته ممدداً في الصالة كعادته منذ ليالٍ، من حوله كومة الصحف، وفي متناول يده المذياع. إنه يترقب أولى الإذاعات في قلق ولهفة. رمى في اتجاهها نظرة، حمّلها شحنة من عدم الاكتراث كي يقطع عليها سؤالاً ثقيلاً: ألم تنم بعد؟ فعلت ذلك في بداية الأمر عدة مرات، ثم كفّت عنه حينما انتبهت إلى أنه لا معنى لهذا السؤال.
اتجهت إلى المطبخ، فتحت صنبور المياه، سمعت فحيح الهواء، كادت تيأس لولا أن الماء اندلق من الصنبور بعد لحظة انتظار، ارتاحت نفسها، فالماء منقطع منذ أيام. هل تزفّ إليه البشرى؟ تراجعت، إذ ما قيمة ذلك؟ فهو لن يكترث، ثم إنه بالتأكيد سمع صوت الماء.
لم يأبه بالأمر، هو يعرف أن تلك واحدة من مباهجها الصغيرة، دائماً تقول: البيت بلا ماء كالمزبلة. نهض على عجل وانتقل نحو الشرفة حتى لا تفاجئه بكلام عابر، هاله الصمت الذي يخيم على العالم، حدّق لحظات في نوافذ البيوت المجاورة، فلم ير سوى ستائر رمادية تنسدل على توقعات مبهمة.
عاد إلى الداخل، سمع تلاطم الماء في أوعية الحديد، فأدرك أنها صعدت إلى سطح البيت، وعادت تقول إن الماء لن يصل إلى الخزان. اقترب موعد الأخبار، ازداد توتره، تمنى لو ينقطع الماء حتى لا ينغّص عليه متعة الإصغاء، تلفت حوله، تنحنح معبراً عن تذمره، أغلقت باب المطبخ، فكأنما قرأت مزاجه، اطمأنت نفسه قليلاً، قال المذيع: هدوء حذر يسود محاور القتال بعد اشتباكات عنيفة دامت تسع عشرة ساعة.
شقّت الباب في حذر، ووقفت على مقربة منه، حدّق فيها منتشياً، كاد يقول لها إنهم ما زالوا صامدين. لكنه آثر الصمت، فلا بدّ من أنها استنتجت ذلك دون أن يخبرها به.
بدأت جفونه ترتخي، تمدّد على الكنبة، شعر بخدر لذيذ يسري في أطرافه كالمدمن بعد أن يتناول وجبة المخدر، إنه مدمن إذاعات، أبهجه التشبيه وهو يتجه نحو مملكة النوم، ثم فكّر لحظة: ترى هل يحدث ذلك صدفة، حيث لا يفعل شيئاً سوى الاستماع إلى الإذاعات؟ كاد السؤال أن يطرد سلطان النوم من عينيه، غير أن صوت المذيع أنقذه، فاختلطت الصور في وعيه، ثم غاب في إغفاءة طويلة.
واصل المذيع والمرأة تصغي إليه: اعتصمت نساء المدينة في المسجد احتجاجاً على قطع الماء والكهرباء. فطنت فجأة إلى أنها نسيت صنبور المياه مفتوحاً على الوعاء، فلا بد من أنه امتلأ والماء يفيض على جوانبه الآن. سارعت إلى المطبخ، حدقت في الصنبور مندهشة، رأته صامتاً لا تنزّ منه نقطة ماء، حدّقت في الوعاء، فإذا به لم يمتلىء، حركت مفتاح الصنبور يميناً وشمالاً، فأيقنت أن الماء انقطع من جديد، شعرت بالأسى، وأشفقت على المدينة المحاصرة التي تبعد عن بيتها مئات الأميال، واعتقدت أن هذا الذي يجري هنا لا يحدث صدفة، فاستبدت بها الوساوس، واتجهت نحو الصالة، تأملت وجه زوجها: إنه ينام الآن في طمأنينة قد تمتد بضع ساعات. أحضرت غطاء دثرته به، ثم أغلقت المذياع، وسارت نحو الشرفة، وقفت فيها لحظة، ارتاعت للصمت الذي ما زال يملأ الأرجاء، ثم جلست تتخيل الناس في المدينة التي يلفّها الحصار منذ شهرين.
فجأة رن جرس الباب، وجدت ثلاثة من جاراتها يتأهبن للذهاب إلى المسجد للاعتصام فيه مع حشد من النساء، تلبستها الحيرة بعض الوقت، هل توقظ زوجها لتخبره أنها ستذهب معهن؟ حينما رأت العجلة مرتسمة على وجوههن، غادرت البيت دون إبطاء، وقدّرت أنه سينهض من نومه بعد ساعات بحثاً عن نشرة أخبار أخرى.
غير أن الزوج لم ينهض من نومه أبداً، عادت زوجته إلى البيت بعد انتهاء الاعتصام، عجبت من استغراقه في النوم حتى هذه الساعة، حينما هزّته من كتفه لتوقظه، أدركت كل شيء. صرخت في ذهول وهي تعتقد أن هذا الأمر لم يحدث صدفة على أية حال.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: قطة
- قصة: طعنة
- تحولات القصة القصيرة في تجربة محمود شقير/ د. محمد عبيد الله
- قصة: شكوك
- قصة: غابة
- قصة: كلب
- قصة: البيت
- قصة: الأغنية
- الكلب
- قصة: اشتباك
- قصة: وديدة
- قصة: التمثال
- قصة: حالة
- قصة: العلم
- سطوح الأشياء
- قصة: الراقصات
- قصة: إقليم الحليب
- قصة: منال
- قصة: خروج
- مروان


المزيد.....




- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
- صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
- رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: صمت النوافذ