في شهادته التي نشرت في مجلة فصول ( المجلد 11/ العدد 3/ 1992) ، وتحت عنوان " شيء عن تجربتي في مواجهة ظروف غير ديمقراطية " يقول الكاتب الفلسطيني : رشاد أبو شاور ]أن تكتب عن فلسطين ومأساة شعبها يعني أن تعود إلى الأسباب ، وأن تدرس حياة مجتمع بكامله . أنت لن تحمل مسئولية الكارثة للعامل الخارجي ، فالعامل الذاتي سرع وسهل في حدوث النكبة ، الجهل والتخلف عوامل موجودة في رحم الحياة الاجتماعية ، والروائي الذي لا يعرف ويقرأ جيدا حياة مجتمعه سيكتب أهجيه العدو ليس إلا ، وربما يحمل الظروف أسباب المآسي ، ويتهرب من سلبيات مجتمعه وتمزقه وخرابه [ويقول في موضع آخر من الشهادة " مادمت من جيل النكبة أقصد نكبة 1948 ، وما دمت من جيل الثورة ، جيل المنافي والرحيل والتشرد ، جيل الفداء والتضحية ، جيل الأحلام والآمال ، فلا بد أنني عشت مواجهات صعبة في سبيل حرية الإبداع ، ودحض الأوهام والأكاذيب وتحدي الخراب."
والروائي ( رشاد أبو شاور ) صدرت له ثلاث روايات : أيام الحب والموت ( 1972) البكاء علي صدر الحبيب ( 1974) الرب لم يسترح في اليوم السابع ( 1986) . وهو في رواياته ينطلق من الواقع الفلسطيني معبرا عنه ، متعرضا للظروف الاجتماعية والسياسية التي أثرت علي علاقات الأفراد داخل المجتمع الفلسطيني معبرا عن الثورة الفلسطينية بطريقة جلبت عليه المشاكل داخل فلسطين ، وإزاء التهديدات التي وجهت له بعد صدور روايته الثانية ( البكاء علي صدر الحبيب ) غادر وأسرته بيروت إلى سوريا وأقام في مخيم بير موك .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : ماذا قدم ( رشاد أبو شاور ) في روايته تلك حتى يتعرض لكل هذا ؟؟
انه يتعرض لموقف القيادة الفلسطينية تجاه القضية ، معبرا عن هذا الموضوع تعبيرا يتميز بالجرأة ، تلك الجرأة التي وجدناها عند الكاتب الفلسطيني ( غسان كنفاني ) في روايته " رجال في الشمس " والتي يتعامل فيها مع الواقع العربي بوضوح وجرأة في التصوير ، معبرا عن تلك المشاعر المكبوتة التي يعيشها الفلسطينيون في الأرض المحتلة وخارجها ، فأبطال الرواية يفرون بحثا عن وجودهم في مكان بعيد عن أرضهم ، ولكنهم في النهاية يموتون ضحية لموقف الحكومات العربية منهم .
وتلك وجهة نظر يطرحها ( كنفاني ) كواحد من الكتاب الذين حاولوا التعبير عن القضية الفلسطينية تعبيرا واقعيا ، وليس تعبيرا انفعاليا .
- إن غالي المناضل الفلسطيني في رواية ( البكاء علي صدر الحبيب ) يقول " كنتم تصدرون الأوامر من دمشق ودرعا وبيروت ، كانت أجهزة اللاسلكي هي وسيلتكم النضالية ، اللعنة علي الكذابين ص27 والإدانة تشمل قيادة التنظيمات الفدائية نفسها ، فالمقاتل ( أبو خليل ) يتم اعتقاله ، وتتم إهانته بواسطة قيادته رغم أنه شارك في عدد من المعارك الفدائية ، لرفضها لانسياق للأفكار التي أسماها ( الدروشة) والتي تدور داخل المعسكر و( زياد) يتحدث عن أزمته الحقيقية داخل تنظيمه الثوري ، فيحدد أن هناك تنظيما يلفظ الثوريين الحقيقيين ، وتنظيما آخر يمتص الثوريين الحقيقيين ويحولهم بدورهم إلى سفنجات تمتص غضب غيرها ، يقول : ( معهم المال ومعهم أيضا السلاح ، ومعهم أيضا الذين يدعمونهم ، كل واحد منهم وله دولة تدعمه ، وتحافظ علي وجوده فوق ، والذين ادعوا أنهم سيغيرون ثبت أنهم أكذب من الذين سبقوهم ، الذين جاءوا متأخرين فلعبوا بالشعارات التغييرية ، ادعوا العلمية ، سكتوا حين وصلوا ، صعدوا ثم استقروا بما فيهم ) ص20
وهذا هو نفسه ما تحس به ( نهاد) ، استشهد أخوها في حوادث لبنان عام 1969 حيث تحدد أن هناك من يتاجرون باسم تحرير فلسطين ، فهاهو الرجل يعرض عليها السفر إلى بلد أفريقي للقيام بعمل فدائي هناك مقابل مبلغ من المال ، بينما يسكن قصرا ويأكل أصنافا مميزة من الطعام – علي حد تعبيرها- فالكاتب يعبر عن موقفه من هؤلاء الذين يتاجرون بالقضية ، مركزا علي الجوانب السلبية داخل التنظيمات الفدائية ، علي الرغم من إيجابية الفعل الذي يقوم به الفلسطينيون أنفسهم ، فيصبحون ضحية لعدو اغتصب أرضهم ، وقيادة أهدرت ثورتهم .
وتعد رواية ( البكاء علي صدر الحبيب ) عملا فنيا علي قدر من الوضوح وثبات الرؤية ، ليس مباشرا في طرح قضيته ، فلم تجيء المعالجة زاعقة كعادة الأعمال التي تتعرض للقضايا حين تطرح موقفا ثوريا محددا ، بل نراها معالجة اعتمدت علي بساطة التوصيل وعمق التناول والتعبير عن المشاعر الإنسانية المختلفة التي تنتاب أبطال الرواية ، وتلك حسنة تضاف إلى رصيد العمل ، حيث إن الفلسطينيين الذين تركوا أرضهم ويعيشون خارجها ، ولا يعودون لتلك الأرض إلا من أجل تنفيذ عمل من الأعمال الثورية ، يموتون وينتحرون ، هؤلاء لهم مشاعرهم الخاصة ، يملكون طموحات للمستقبل ، ويحلمون ببيت وزوج ، يبحثون عن الحب ، يتشوقون للعواطف ، علي الرغم من الحصار الذي يعيشون داخله .
( زياد ) بطل الرواية يعيش في مخيم اليرموك ، يكتب المسرح ، يحاول أن يقدم عملا يعبر عن أزمتهم ، يعير عن واقعهم الذي يعيشون فيه ، فيكتب مسرحية ( سقوط أريحا) فنه يعكس موقفا محددا " إما أن نكون فنانين بجد ، أو أن نكذب ونهر ج ونغش انسجاما مع الواقع " يحاول مع زملائه عمل شيء مفيد ونافع .. فجر حبيبته تفقد عذريتها مع حبيبها السابق ، الذي ابتعدت عنه لاكتشافها أن هناك فصلا بين ما يقول وما يفعل ( وزياد شاب حسن الأخلاق ، طيب اللب آدمي يحتاج إلى زوجة ) ص18 وغالي يعيش تلك الحالة من العدمية يقول : " هربت قرفا من كل شيء ، هربي لأري العالم .. فماذا رأيت ؟؟ زنجي ضائع علي باخرة ، عاهرة من ترينداد تطالبني بثمن اللذة سلفا ، شرطي في مالطة يطارد شخصا بدراجته النارية ثم يضربه بالرصاص حين يحاول الهرب" ص33 . وهو لم يتزوج وله وجهة نظر فيمن يريدها زوجا له ( فتاة تشرب الخمر ، وتدخن وتجلس مع الناس وتذهب إلى السينما ، وتحمل السلاح وتقاتل ولا تكون نعجة ) ص45.. أبوه استشهد قبل أن يفهموا ما هو النضال ، جاع هو وأمه وكان يحلم بالوطن دائما ، وهم يريدون قتله حيا ص49 وهتا ء صديقة ( فجر ) أعطت جسدها للكثيرين ، وتشعر أنها لا تصلح أن تكون زوجة لأحد ، وعندما تحب يموت حبيبها ، وتلحقه شهيدة في عملية انتحارية وتنتهي الرواية بفجر وزياد يواصلين الحلم ، حلم الحياة ، رغم الموت الجاسم فوق كل شيء.
ولنا ملاحظة علي هذا العمل ، وهي أن الكاتب استخدم تكنيكا يعتمد علي عدة محاور : الأول تيار الشعور ، معطيا لانتقالات هذا التيار أرقام مسلسلة .
الثاني : تقديمه الشخصية لتصبح عنوانا للجزء الروائي .
الثالث: العودة إلى تيار الشعور وبقية الشخوص مع استمرار التسلسل الرقمي ..وأري أن هذا التكنيك يقلل من عمق التناول ، بمعني أنه يؤدي إلى تهلهل التجربة الروائية وهذا ما حدث بالفعل في أجزاء من الرواية ، واللغة علي الرغم من كونها إيحائية وفنية وذات دلالة إلا أنها في بعض المقاطع جاءت مباشرة ، وكمثال علي ذلك قوله : فيخرج عضوه ، ويأخذ في دهنه بشحمة الماكينات ، ويحركه حتى ينتصب ثم يجأر بوحشية – يا أمريكا يوما ما سأحاسبك ، سأغمد هذا في سفلك أيتها العاهرة ص 31 هامش :
يقول أبو شاور عن روايته : " عندما نشرت روايتي ( البكاء علي صدر الحبيب ) في بيروت ، ما هي إلا أيام حتى بدأت حملة ضدي .. فجريدة " المحرر" اللبنانية نشرت صورتي وقد غطاها السواد ، واتهمتني بتشويه الثورة ووجهها الجميل ، أما جريدة الصياد فقد أعلنت عن مصادرة الرواية وملاحقة المؤلف ، وفي الأسبوع التالي اتهمتني بالإساءة إلى سمعة عدد من القادة والمسئولين وأسهبت في تأويل الأسماء ومطابقتها مع أسماء حقيقية في مجلة ( الحرية ) كتب صحفي فلسطيني أنني" أؤسس لمرحلة السولجنتسينية في الأدب الفلسطيني