محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4663 - 2014 / 12 / 15 - 10:45
المحور:
الادب والفن
يشهد الله، أن كلّ شيء قد تمّ في وضح النهار حينما كانت البنت عائدة من الحمّام، تحمل في يدها اليمنى ملابسها التي اتسخت، وتقود بيدها اليسرى أخاها الصغير الذي لا يعرف حتى الآن شيئاً من شرور هذه الدنيا، فيمضي معها بكل براءة وهو يثرثر في وداعة واطمئنان.
والرجل – يشهد الله – يمضي خلفهما، خلف البنت والطفل، مثل ذئب جائع، يتلفت حوله في حذرٍ، خوف كل العيون اللئيمة، والبنت تلوي عنقها بين الحين والآخر، ترمق الرجل بعينين ملهوفتين كي لا يضلّ الطريق وتضيع الصفقة في الزحام.
والطريق – يشهد الله – تضيق ثم تضيق، تتلوى في أحشاء المدينة وتتعرج مثل أمعاء بهيمة جرباء، وتخفّ حركة الخلق فيها، ثم تكثر البيوت الواطئة والروائح العطنة والنفايات، والبنت تمشي مسرعة ومن خلفها الرجل الذئب، والطفل يمشي لصق أخته دون أن يدري شيئاً مما يدور في الخفاء.
يشهد الله، أن البنت خافت من الكلب المربوط قرب مدخل البيت الكئيب، والطفل خاف، والرجل كذلك خاف، لأن الكلب تهيأ للعضّ والنباح، لولا أن صاحبة البيت الشمطاء تدخلت في الوقت المناسب ومنعته من النباح المباح وغير المباح.
يشهد الله، أن الطفل بكى حينما افترقت عنه أخته إلى غرفة أخرى يتبعها الرجل بملامحه التي لم ترق للطفل منذ أن رآه، يشهد الله أن أحداً لم يأبه للطفل، يشهد الله أن البنت تعرّت أمام صورة السلطان الحاكم بأمره المعلقة على الحائط الحزين، والابتسامة الواثقة لم تفارق مُحيّا السلطان. يشهد الله، أن الطفل غصّ بالبكاء، وأن الكلب أطلق نبحة مكتومة، فيما المرأة الشمطاء تقف فوق رأسه المهيض، ريثما يغادر الرجل المنطفىء البيت، حيث البنت وأخوها وصورة السلطان والكلب.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟