وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4660 - 2014 / 12 / 12 - 10:01
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تحالف بابك الخرمي مع ملك بيزنطية
ظهرت البابكبية في اذربيجان
هل خان الافشين الخليفة العباسي المعتصم بالله؟
كان بابك الخرمي يطلق سراح الاسرى ويعامل النساء بالحسنى
لم يكن بابك الخرمي يدعو الى تحليل المحرمات
الثورةالبابكية ثورة علمانية بمفاهيم عصرها
كانت حركة بابك الخرمي تهدف الى اسقاط الدولة العباسية واقامة دولة العدالة الاجتماعية , دولة مشاعية , تكون الاموال والاراضي مشاعا للجميع وليست حكرا على طبقة بعينها .
كان برنامج الحركة البابكية برنامجا ثوريا تحرريا , يهدف الى تحرر الانسان والارض معا وعلمنة المجتمع بحسب مفاهيم ذلك العصر بالوقوف على الحياد بين الاديان واحترامها .
لقداستمرت الثورة البابكية بحدود (22 ) عاما , وتميزت بالتنظيم الدقيق وبالسرية وباقبال الاهالي على الحركة اقبالا كبيرا .وشارك فيها الكرد والروم وغيرهم .
كتب الباحث بندلي جوزي في كتابه : ( من تاريخ الحركات الثورية في الاسلام ) – تقديم حسين مروة – دار الاداب , ان من المحقق ان ضعف الدولة العباسية وبوادر سقوطها اخذت تظهر في اواخر خلافة المعتصم ( 833 – 843) وقائد جيوشه , القائد التركي ( حيدر الافشين ).وقد كان مركز الدعوة الخرمية في اذربيجان .
لقد قام بابك الخرمي بعقد تحالفات مع ملك بيزنطية ثيوفيل ( 829 – 842 )وسلفه .يؤكد الباحث بندلي جوزي انه لما ساءت امور بابك في القتال بعد عشرين سنة , برز لمساعدته امبراطور بيزنطية وحاول بمناوراته على الحدود العربية ان يصرف قسما كبيرا من الجيش العباسي المرابط في اذربيجان عن بابك .وان فئة كبيرة من اصحاب بابك حاربت عام 831 تحت قيادة رجل ايراني ( ثيوفوب –Theophobe ) في جانب البيزنطيين , وان قسما كبير من جيش بابك اجتاز الحدود البيزنطية بعد فشل حركته ونزل في ارض بيزنطية وهناك تنصر .
حاول بابك الخرمي ان يستميل الكرد والارمن الا ان الارمن رفضوا الدخول في التحالف معه الا فئة صغيرة منهم . لقدانضم رؤوساء القبائل الكردية في همذان وكرمنشاه وغيرهما من المقاطعات الشرقية لايران الى دعوة بابك الخرمي . وبعد ان تم القضاء على بابك الخرمي تمت محاكمة قائدالجيوش العباسية ( حيدر الافشين ) بتهمة الخيانة العظمى وتم قتله .
يرى كاتب المقال ( وليد يوسف عطو)ان مقتل الافشين لاتزيد عن محاولة عزل وابعاد وقتل باقي قادة الفتوجات الاسلامية .
مقالتنا ( وحشية انسان الحضارة ) وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=407724
او عن اعدام صدام حسين لثلث قيادته عام 1979 بتهمة ( الخيانة بالنوايا ). ويقول المؤرخ اليعقوبي ان عمال الخليفة العباسي في اذربيجان هم الذين اوعزوا الى بابك بالخروج على الخليفة , وان من بين المحرضين ( حاتم بن هرثمة ) . ان الظروف التي رافقت حروب البابكيين مع الدولة العباسية كانت , انشغال الخليفة المامون باخماد الثورات في العراق ومصر وغيرها من البلدان , ورد هجمات الروم والذين اجتازوا الحدود .
لقد كان البابكيون يعاملون اسراهم ولا سيما العسكر منهم بالحسنى . فكانوا غالبا يطلقون سراحهم على شرط ان لايشتركوا مرة اخرى في قتالهم . وقد كانوا يحسنون معاملة نساء اعدائهم واولادهم ممن كان يقع في ايديهم ايام الحرب .
ذكر الطبري انه لما اسرببابك وجيء به مع اخيه الى بغداد للمحاكمة : (كانت النسوة اللواتي اطلق سراحهن قبلا من الاسر يضرين على وجوههن ويبكين) حزنا وشفقة عليه , فلما سالهن حيدر الافشين عن سبب بكائهن اجبنه بان بابك ( كان يحسن الينا ).
اما عن معاملة بابك واتباعه للمسلمين , فقد ذكر ابو منصور البغدادي وهو عدو للبابكيين , ان بابك واتباعه , واكثرهم على دين زرادشت , لم يكونوا يمنعون المسلمين المقيمين بينهم من اقامة شعائرهم علنا , بل كانوا يساعدونهم على بناء مساجدهم . اي ان برنامج الحركة البابكية كان برنامجا اجتماعيا علمانيا ولا علاقة له بالصراع بين الاديان .
يقول بندلي جوزي ان برنامج الحركة البابكية هو نفسه برنامج الحركة المزدكية , وهم اتباع مزدك .كتب ابو منصور البغدادي :
( ان الخرميين كانوا على مذهب مزدك ) .ذكر صاحب معجم البلدان ان فئة من اصحاب مزدك اختبات بعد محنته في جبال اذربيجان حيث حافظت على مبادئها الى ايام بني سلجوق وخلفائهم الاقربين لانها وجدت هناك وسط ميالا اليهم .
بقيت آراء مزدك تنتشر بسرية تامة بين سكان اذربيجان والبلاد المجاورة ,تستميل اليها العناصر الغير راضية عن اوضاعها الاجتماعية . ولقد ساعد على حفظ هذه المباديء عناصر مدربة ومنظمة في ايدي اناس خبراء بطرق الدعوة يتناقلها بعضهم عن بعض الى ان وصلت الى رجل يدعى ( جاويدان بن سهل )توفي في عام (816 )استاذ بابك وصديقه فسلمه قبل وفاته زعامة الحركة المشاعية في اذربيجان .
وقد برهن بابك مدة ( 22 ) عاما انه ذاك ( المهدي )الذي تنتظره الشعوب الايرانية .
من الاسباب التي ساعدت على نشوء الحركات المشاعية في ايران , ومنها اذربيجان مثل المزدكية والبابكية والاسماعيلية هي مسالة ملكية الارض الزراعية , حيث كان يملكها كبار الملاكين من الدهاقين . وكانت تستغل اراضيها بواسطة الفلاح المحلي واسرى الحروب .فكان الفلاح يعمل كالرقيق تماما لايملك شيئا حتى حق الزواج , لم يكن يتمتع به الا برضا سيده .
لقد ابقت السلطة العباسية هؤلاء الملاك يحكمون اراضيهم , ولم يكن يهمها الا تادية الجزية من قبل هؤلاء الملاك الى الدولة العباسية . وهذا مادعى الدولة العباسية الى ابقاء اكثر الاسر المالكة القديمة والعائلات الكبيرة في وظائفها القديمة .
وقد حافظت اذربيجان على نظامها الساساني المبني على تقسيم الناس الى طبقات . واستمرت اذربيجان متمسكة بهذا النظام الى سقوط الدولة العباسية .
ان الفلاحين الذين لايملكون الاراضي , اي الاجراء , كانوا يثورون باستمرار .لقد كان الحجاج عامل عبد الملك على العراق وفارس يجمع (18 ) مليونا من الدنانير كضرائب , فصاروا يجمعون منها بعد خمسين سنة (32) مليونا . ثم اخذت تتصاعد الى ان بلغت قبيل ظهور بابك الخرمي ( 35 ) مليونا . اي ان الضرائب تضاعفت في مائة عام مع بقاء الارض على حالها .
لقد كان المصلحون من مزدك الى بابك يلحون في طلب نزع الاراضي من ايدي الملاك وتوزيعها على الفلاحين , وذلك لانهم ادركوا ان في تحرير الاراضي تحرير للفلاح نفسه .
لقد كانت هذه النقطة الاساسية في برنامج بابك المشاعي . وكانت النقطة الثانية هي تحرير المراة الايرانية .حيث لم يطرا تغيير على واقع المراة الايرانية من ايام مزدك وربما زرادشت الى زمن بابك .ولقد كتب الكثير من المؤرخين مغالطات واخبار كاذبة عن حركة البابكيين وعلاقتهم بالنساء ( وتناسوا ان بابك واتباعه يدينون بدين زرادشت مع تغيير طفيف طرا عليه تحت تاثير النصرانية والاسلام , وان هذا الدين لم يكن ليمنع الزواج بين الاخ واخته كما كانت الحال عند البطالسة في مصر مثلا وبين الاقربين ممن حرم الاسلام الزواج بينهم .
ولما كان هذا النكاح ( رجسا من عمل الشيطان ) في نظر المسلمين , كانوا ينسبونه دائما الى التهتك والخلاعة ).ويظهر , بحسب بندلي جوزي ,ان جماعة من اللصوص انضمت الى حركة بابك ايام الحرب وكان هدفها السلب والنهب باسم البابكيية والبابكية منها براء .
لقد اخذ البابكيون بتعاليم مزدك وماني يتحريم قتل وذبح واكل لحوم الحيوانات . واوصى ماني اتباعه من طبقة ( المختارين )العليا ان لايدخروا من المؤونة الا لما يكفيهم يوما واحدا ومن اللباس مايكفيهم لمدة سنة واحدة .وكانت المزدكية تعمل على شيوع الاموال بمصادرة املاك الاغنياء واعطائها للمحتاجين .
لقد انصف بعض الكتاب المسيحيين والمسلمين الحركة البابكية , ومنهم المقدسي صاحب كتاب ( البدء والتاريخ )حيث وجد البابكيين يتحرون عن النظافة والطهارة والتقرب الى الناس بالملاطفة . وكان البابكيون يتساهلون في المسائل الاعتقادية , وتتسع صدورهم في امور الدين : ( ويزعمون ان الرسل كلهم على اختلاف اديانهم وشرائعهم يحصلون على روح واحد وان الوحي لاينقطع ابدا . وكل دين مصيب عندهم اذا كان راجي ثواب وفاشي عقاب ).
بداية الثورةالبابكية
ابتدات الحركة البابكية في صيف 816 او 817 على حدود جمهورية اذربيجان . فكان عدد من انضم الى حركتهم ثلاثمائة الف مقاتل من اذربيجان والديلم فقط . فلما شعروا بقوتهم هبطوا من الجبال واخذوا يزحفون على البلاد المجاورة , وينضم الاهالي اليهم .
كانت الدولة العباسية مشغولة باخماد الثورات المضادة لها و لم تلتفت الى البابكيين الا في عام 819 , اي بعد ثلاث سنوات من ابتداء الحركة .
توفي المامون وفي قلبه حسرة من الفشل في حروبه مع بابك , فلما شعر بدنو اجله دعا اليه اخاه المعتصم وطلب اليه ان يستمر في محاربة البابكيين .فلما تولى المعتصم الحكم راى من الحكمة ان يعقد هدنة مع امبراطور بيزنطية , ثم استدعى من افريقيا حيدر الافشين , بطل برقة وسلمه قيادة الجيش وتم تدريب الجيش على الحروب الجبلية .
وبينما كان الافشين يهيء الجيش جاءت الاخبار ان اسحاق بن ابراهيم بن مصعب احد قواد الخليفة العباسي كسر جيش بابك ,واضطر فلوله الى الهرب الى بلاد الروم حيث تنصروا ودخلوا في خدمة ملك القسطنطينية . الا ان هذه الضربة لم تكن قاضية لان القسم الاكبر من جيش بابك كان في اذربيجان .
لقد زحف الافشين بجيشه عام 835 الى عاصمة بابك ومضى على وصوله سنتين وهو يراقب حركات جيش بابك وكاد يقضي على بابك عام 836 الا ان بابك انسحب الى الصحراء ومنها الى هشتادسر حيث انقض في العام التالي على مقدمة جيش الافشين . ولما بلغ الخبر الافشين زحف على بنفسه على بابك واخذ يتعقبه فكانت بينهما موقعة انكسر فيها بابك . ثم لحق حيدر الافشين باحد قواد بابك المدعوة طراخان فقتله .
وفي عام 837 قتل قائد بابك الثاني فكانت هذه اعظم الضربات على بابك , فاضطر ان ينسحب الى قلعته في ( بذين ) ودافع عن نفسه واصحابه عدة اشهر الى ان نفدت مؤونته فانسحب ليلا وحاول طلب مساعدة ملك القسطنطينية , الا ان بطريارك الارمن قبض عليه وسلمه الى رسول الخليفة العباسي .
حوكم بابك وتم صلبه ,ثم انزلوه عن الصليب وقطعوه اربا , على الطريقة الساسانية ,وارسلوا راسه الى سائر البلدان وجاؤوا باخيه واصحابه فقتلوهم شر قتلة .لم يمضي زمن طويل حتى قبض الخليفة العباسي على قائد جيوشه حيدر الافشين بتهمة الخيانة العظمى وتم قتله .
من اسباب فشل الحركة البابكية انهم حصروا دعوتهم بالامة الايرانية ولم يشركوا العرب وغيرهم من الامم في حركتهم . الا ان البذور التي غرسها بابك لم تمت , بل ظهرت لاحقا في الفرق الاسماعيلية , ومن الفرق الاسماعيلية ظهر القرامطة والذين اسسوا دولة مشاعية في البحرين .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟