|
بحر يمشي خلف بحيرة !
هناء محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4659 - 2014 / 12 / 11 - 20:21
المحور:
الادب والفن
فيما مضى كُنت أحاول أن أُغير العالم..* أما الآن وقد لامستني الحكمة، فلا أحاول أن أُغير شيئا سوى نفسي.
هكذا كان يترنح بين المُتغيرات والحقيقة، لا شئ سوى العجز عن الإدراك ، تُرى هل الروح كانت تسمو في أعالي الأبجديات السرمدية ؟ أم أن الطواف المستبق لحدود العقل يتألق في حضرته ؟!
الشاعر والمتصوف ، والشيخ العاشق لله ، والعاشق لكل الموجودات من نسيم وشمس وبر وبحر ونبات وحيوان وامرأة وطفل وشيخ ورجل.. الإنسان الذي لم يأخذ حقه حتى الآن في بلادنا العربية ، على عكس الحال تماماً في بلاد الغرب، وخاصة في أقسام الأدب بالجامعات الأميركية، التي يتمتع فيها بمكانة عالية كقامه لا يطولها أحد، فقد أصبح تخصصاً مستقلاً في حد ذاته.
ولد "محمد بن محمد بن بهاء الدين البلخي " في القرن الثالث عشر الميلادي في مدينة بلخ بتركستان، التي تقع حدودها الآن في أفغانستان ، في عصر كان يمور بالاضطرابات والصراعات الداخلية والخارجية، ولد جلال الدين الرومي؛ وكانت ولادته سنة 1207 م في مدينة بلخ التي نُسِبَ إليها كبارُ العلماء والفلاسفة والفقهاء، كالفردوسي وابن سينا والغزالي. وقد غادرها أبوه بهاء الدين وَلَد، الملقب بـ"سلطان العلماء" – وهو صوفي وعالم دين – سنة 1219 م هربًا من الغزو المغولي القادم من الشرق الذي دمَّر المدينة بعد عام وأتى عليها.
تتلمذ الرومي على يد برهان الدين محقِّق الترمذي، ثم توجَّه إلى حلب للدراسة، ومنها انتقل إلى دمشق، وكان الشيخ محيي الدين بن عربي يمضي بها السنوات الأخيرة من عمره.
عاد جلال الدين إلى قونية، فاستقرَّ في مدرسته وتولَّى فيها تعليم الشريعة ومبادئ الدين والتوجيه الروحي، حتى عرض له حادثٌ غيَّر مجرى حياته وجعله صوفيًّا محترقًا بالمحبة الإلهية.
ترجع بداية ذلك عندما التقى جلال الدين الرومي بشمس الدين التبريزي، الدرويش الجوال، الذي وصل قونية سنة 1244 م وأقام في أحد خاناتها منقطعًا إلى نفسه. وذات يوم، تعرَّض شمس لموكب الرومي ومريديه، وجرت بينهما محاورة قصيرة أغمي بعدها على "مولانا"! وعندما استعاد وعيه، اصطحب شمسًا إلى المدرسة، وهنالك اعتزلا الناس في خلوة مدة أربعين يومًا، صار بعدها شمس الأستاذ الروحي للرومي، الذي ظل يحتفظ لأستاذه طوال حياته بحبٍّ وعرفان للجميل لا حدود لهما. وبلغ من تأثير "شمس تبريز" أنه استحوذ على روح الرومي ومشاعره ولم يعد يصبر عنه، مما دفع مريديه، كما أُشيع، إلى اغتياله سنة 1247 م. وبعد اختفاء شمس، أنشأ الرومي الحفل الموسيقي الروحي المعروف بـ"السماع"، ثم نَظَم في ذكرى شيخه وأستاذه الروحي مجموعة من الأناشيد حملت اسمه: ديوان شمس تبريزي، وهي مجموعة أناشيد وقصائد تمثل الحب والأسى، وإنْ كانت في جوهرها تنشد الحب الإلهي المقدس.
أسَّس جلال الدين الرومي في تركيا الطريقة المولوية، ونظَّمها بعد وفاته ابنُه الأكبر سلطان وَلَد. ومن سماتها وخصائصها التي عُرفَتْ بها الرقص المعروف أو السماع، الذي أعطى الأعضاء اسم "الدراويش الدوَّارين" الذي عُرِفوا به في الغرب. كانت قونية المقر الأول للطريقة، ومنها انبثقت التكايا التي هي بمثابة فروع للمركز؛ وصار السلاطين والأمراء هم الذين يبنون التكايا منذ القرن العاشر الهجري. وفي عهد السلطان سليم الثالث، شهدت الطريقة أوج مجدها وانتشارها. ولم تكن المولوية تميِّز بين الأديان والمذاهب، بل ترفض التعصب وتنبذه. وكان أعضاؤها ينطلقون في جماعات إلى القرى لإسعاف الفقراء وإقامة حفلات السماع التي تعزِّي القلوب الحزينة. ولم تكن الطريقة في بداية حياة الرومي مركزية تمامًا: فهنالك المقر في قونية، وله فروع من التكايا في المناطق الأخرى. وكانت بطانة الرومي تتألف من الفنانين والحرفيين والصنَّاع المهرة الذين كانوا يقومون بالأعمال كلِّها. وبدءًا من القرن العاشر الهجري (السادس عشر للميلاد)، تغيرت الطريقة، فأصبح التنظيم مركزيًّا، وتولَّت الأوقافُ تنظيمَه والإشرافَ عليه وضبطَ الهبات والأعطيات المقدَّمة له، مما أفقده طابعه الشعبي، فصار أرستقراطيًّا، يبتعد شيئًا فشيئًا عن روح مؤسِّسه. ويبدو أن خوف السلاطين العثمانيين من مواقف بعض الفِرَق الصوفية جعلهم يدعمون المولوية في مواجهة الحركات والفِرَق الأخرى. ومن هنا أصبحت المولوية في القرن الثامن عشر جزءًا من مؤسَّسات الدولة العثمانية. وفي سنة 1925، قمع مصطفى كمال (أتاتورك) كلَّ الطرق الصوفية في تركيا، فأصبحت تكية حلب مركزًا للتكايا الأخرى بعد قونية. ثم استولت الأوقاف التركية على ممتلكاتها، وتحولت أكثر التكايا إلى متاحف. ومع ذلك، مازالت هنالك مراكز مولوية في مصر وقبرص وليبيا وغيرها.
فما إن بدأت الرحلة حتى إنتهت ففد توفي "جلال الدين الرومي" في (5 من جمادى الآخرة 672 هـ = 17 من ديسمبر 1273م) عن عمر بلغ نحو سبعين عامًا، ودُفن في ضريحه المعروف في "قونية" في تلك التكية التي أنشأها لتكون بيتًا للصوفية، والتي تُعد من أجلِّ العمائر الإسلامية وأكثرها روعة وبهاء بنقوشها البديعة وزخارفها المتقنة، وثرياتها الثمينة، وطُرُزها الأنيقة.
بعد أن ترك عددًا من المصنفات الشهيرة منها: المثنوي وديوان "شمس تبريز"
*هكذا أود أن أموت في العشق الذي أكنه لك. كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس ________ مولانا جلال الدين الرومي*
هناء محمد [email protected]
#هناء_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التجربة المتردية لعمالة الأطفال
-
ماذا عن التأمين الفكري ؟!
-
العمل الأهلي ... ومطرقة القانون
-
مكاشفة .... قراءة في رواية - المتهم - لكرم صابر
-
قطعاً من زخات الزمن
-
لا تتأنى هكذا كما رأيتك
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|