|
خروف العيد وخرفان أخرى
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4659 - 2014 / 12 / 11 - 19:50
المحور:
كتابات ساخرة
من منا في العراق يوماً لم يذبح ... خروف ؟ كان أهلنا ومنهم المرحوم والدي وأعمامي يقولون لنا أن الشاب منا أذا نجح لوحده بذبح (طلي) بمده قياسية وأستطاع تخليص الجلد بدون أخطاء وهي (أن لا يترك زيادات شحم ولحم معلقة فيه وان لا يخدشه أو يقطعه) يقولون له ... ـ هسّه صرت رجل ! ومقاييسهم للرجولة هنا صحيحة وتأخذ بُعد منطقي، وهي القدرة والقوة والإرادة واستعمال السكين بشكل صحيح والسيطرة على الضحية وتحمّل مشهد الدم ورائحة النفخ ... الخ. والأهم من هذا وذاك الالتزام بالمعايير الدينية، فكان علينا دائماً معرفة اتجاه القبلة وأن نغسل (نطمش) الأواني والسكاكين الخاصة بالذبح حتى بعد العملية وحفظها طاهرة، وأن نتأكد من كون الذبيحة فحل، والتأكد من حالتها الصحية وخلوّها قبل الذبح من عيوب محرّمة (زوئد وعيوب كونه أعور مثلاً) وهي طقوس تزيد أو تقل حسب إلتزام العوائل ودرجة تديُّن (عجايزها وشيابها) . × × × بعد وفاة المرحوم عمي أبو صباح (ناجي مريبط) عميد عائلة المبارك في عام 1997، شمّرَ ثلاث أولاد عم سواعدهم وكانوا (صلاح حياوي ونصير فائق وعدنان نعيم) لذبح ثلاث (كبوش) قبل يوم الثالث، وكنا نتوقع أن يأتي عدد غفير إلى داره في شارع فلسطين بعد قراءة الفاتحة (رواد هيي) بالمندي، فنصبنا خيمة كبيرة بحديقة البيت الواسعة، كانت أيام شتاء ممطرة. وبينما بدءوا تهيئة المكان ومعدات الذبح، تحركنا أنا وأخي صلاح لعلوة الخرفان في بغداد الجديدة ـ النعيرية ومعناالأخوة (حيدر يعقوب خصاف ـ أبو روز ، وصلاح صالح السيفي ـ أبو سرمد) . بعد معمعة وتمعمع بالوكفة (الجوبة) والبحث عن الأكبر والأصح وبعد فحص (ذكوري) دقيق، تم أختيار ثلاث كبوش، دفعنا الفلوس (للبياع شرّاي) ثم نصحنا بالتأني بعملية النقل ثم أشار لصاحب سيارة حمل (بيكب) فصعدوهم وربطوهم بحرص شديد، وعدنا حيث (الذبّاحين) وسكاكينهم الحادّة بالانتظار. ولما كان (صلاح) يسوق خلف البيكب، لفت نظره شيء ما مريب في حركة و(شخصية) الكبوش لا تبشر بخير ! فقال لنا : هاي يمكن مو طلياننا، هاي خِلقة وشخصية وسلوك (نعاج)، خلي نوكف السائق ونتأكد زين، وإلاّ ـ لا سمح الله ـ راح نتبهذل إذا طلعن مو فحولة. ومثلما توقع طلعت (نعاج) وقد قاموا يتبديلها بلحظة التحميل، طلبنا من السائق أن يرجع بسرعة، فضاعف الأجرة علينا فرضينا راضخين، ولكن الرجل أقسَمَ بأن يساعدنا حتى النهاية. لم نجد البائع حيث يبدو أنه قد فرّ من المكان، فتحيرنا بأمر الطليان، لكن السائق طلع شهم وابن عرب و(حلف) ما يتركنا بهكذا موقف، فأخذنا لمنطقة سكن البائع، وهي عبارة عن صرايف عشوائية وبيوت طين على طريق المعامل خارج منطقة المشتل، فوجدناه مع جماعته وعوائلهم، حيث أن الطليان تعيش معهم بنفس البيت، وبعد (تواسيل) لتبديلها طلب أن ندفع الفرق، مؤكداً لنا ـ بأغلظ الأيمان ـ أنه هو الآخر ضحية تحايل بشعة ! كان الفرق كبير بين السعرين، وهنا تدخّل السائق وفرّب السعرين وتوسل بالرجل أن يساعدنا بكل ما يستطيع في سبيل حل الأشكال مؤكداً أنها (نذور) للأئمة الصالحين! أخيراً نجح وتشكرنا السائق لوقفته ولشهامته معنا ولعدم تخليه عنا بمحنتنا، وأكرمناه ودعيناه أن يتغدة ثواب بالبيت في الغد، وأتفقنا فيما بيننا على كتمان الأمر على ربعنا خوفاً من (الفضيحة) ! جاء الرجل في اليوم التالي وأكل وشرب مع بعض الفقراء حول ميز خارج الخيمة، وتشكر منا وأسترحم فقيدنا ومضى بكل ممنونية. × × × بعد أشهر جاء العيد، وكانت أزمة طليان، ففضلت أذهب لصاحبنا السائق في النعيرية عله يساعدني بشراء طلي (فحل) مناسب. لم أجده فسألت شباب عنه : وين أبو فلان، سايق البيكب ؟ ـ أنهزم هو وكل ربعة، سألته : ليش ؟ قال : لازم أنت هم نصبوا عليك ؟ ـ شتقصد ؟ قال : باعولك فحل وبعدين بدلوه بنثيه ؟ أحسسني بخجل : ها ... لا ... لا لكنه يطلبني فلوس وجاي أعيدها له. ـ هل تريد أشوفلك فحل زين ؟ ـ لا اخويه آني اصلاً (نباتي) !
فعلاً تمنيت يومها لو أني نباتي، كنتُ لا أبحث عن الخرفان ولا أدوخ كل يوم دوخة. اليوم أرى نفسي بهولندا ضمن المؤيدون للذبح الرحيم، أي ذبح الدابة تحت التخدير، وأقول لو هذا القانون ببلداننا العربية، ربما يأخذ سنين وسنين بانتظار (فتوة) رجال الدين، أكون وبقية بنو جيلي في عداد الأموات والأمر لا يزال تحت الدراسة والنقاش حول (الحلال لو الحرام). وهكذا عدتً أحسب كم خسّرنا (صاحبنا) ... فلوس، وقت، جهد، والأهم الإحراج لو كنا قد أوصلناها أمام (الزلم) ونحن (خيرة) الرجال الذين تم اختيارهم لهذه المهمة ... المصيبة أننا أكرمنا (رأس) النصابين المدبر، الأفندي السائق، لا وهمين أطعمناه وشرب جاي وحلـّة بقلاوة ! إن شاء الله ياربي زقنبوت ببطنه، أدعي عليه فجر كل يوم عيد، آمين رب العالمين !
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيد فايف بيرسنت
-
واحد سبعة
-
حين لا ينفع اليمين !
-
سقف العالم
-
الرقة
-
جوزتو
-
وداعاً سنت كلاس
-
تيتي ... تيتي
-
بركاتك شيخ سلام
-
أنتوشات
-
شيخصملي
-
أرنبون
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|