|
ليس للمقامر مايخسره
سعد محمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4656 - 2014 / 12 / 8 - 16:23
المحور:
الادب والفن
اعتقد ياأصدقائي وصديقاتي ان تلك القصة التي سأذكرها اليكم اليوم فلو عاصرها الفنان العظيم (شارلي شابلن) أو سمع بها في زمنه لجعل منها موضوع ومن الممكن أن يوظيفها في احدى افلامه لدى الكوميديا السوداء أوالقصص الساخرة التي كانت تنتقد المؤسسات الرأسمالية آنذاك. تذكرت في هذا المساء احد الاصدقاء والذي جاء معنا لاجئاً الى استراليا في منتصف التسعينات وكنا نعرف عنه انه كان شاب انيق وظريف وكان يبالغ بمظهره في مخيم اللجوء بصحراء رفحاء.. هذا المعسكر الذي فرضته أمريكا على حكومة آل سعود فوق أراضيها بعد حرب الخليج الاولى. كان (حنون الانيق) يدخر رواتب اللجوء البسيطة ويبيع حصصه من الارزاق التموينية في المخيم أيضاً طيلة فترة بقائه وهو ينفقها على شراء العطور وملابس جديدة ليرتديها في مخيم منسيّ يقع في صحراء الربع الخالي !! ....
في أعياد كريسميس ذهب اللاجيء حنون الانيق ذات ظهيرة مع صديقه الى (كازينو كراون )الشهيرة في مدينة ملبورن . وكان يرتدي بدشداشة أنيقة بيضاء وعقال وكوفية خليجية. وهو كان يتردد على طاولات القمار . بعد أن استلم راتب الضمان الاجتماعي والذي لم يكن يتجاوز حينها 350 دولار من المخصصات التي تمنح الى اللاجئيين والعاطلين عن العمل من كل اسبوعين. وقد حالفه الحظ في هذا اليوم وربح شيئاً من المال. لكن الكاميرات الخفية كانت تصور المقامر في الكازينو بملبسه الخليجي وهو يمنح الى صديقه بالدولارات كي يجلب البيرة من البار القريب من طاولة القمار. ظن المسؤولين في الكازينو ان هذا المقامر ربما هو أمير أو ثري قادم من احدى دول الخليج العربي وان الشخص الذي كان يرافقه هو حارسه الشخصي. تقرب مدير الكازينو من المقامر بعد أن رحب به بحرارة وقدم له نفسه وعرض عليه ان يقضي بضعة ليال في الفندق من الدرجة الاولى مع خدمات مجانية بصحبة حارسه الشخصي .. وأن يقامر في مكان خاص في الكازينو يدعى (مهوكني) . وقد أعجب المقامر مع صديقه بهذا العرض. دخل الضيف مع رفيقه الى قاعة مهوكني الساحرة والمليئة بالكثير من الاثرياء والسياسيين والمشاهير تخدمهم في هذا المكان السري أجمل الفتيات وهن يستعرضن بمفاتن أجسادهن . جلس المقامر كي يستريح ويستطلع بفضول كبير هذا العالم الغريب من احدى زوايا القاعة . فتقدمن نادلات بابتسامات مشرقة وهن يستمعن الى رغبات وطلبات حنون الانيق. بعد أن طلب أرقى نوعيات ويسكي جوني ووكر والنبيذ الفرنسي الفاخر مع أطباق طعام ايطالية ويابانية ولفائف السيكَار الكوبي. اندهش رفيق المقامر وهو كان يردد اكثر من مرة انها ضيافة رائعة ياحنون (خوش معازيب ذولي الاوادم). ثم أطلق حسرة وهو ينفث بدخان السيجار متذكراً السنوات التي عاشها مع المنفيين في خيام متهرئة وسط رمال الربع الخالي بعد حروب ومطاردات وسجون ثم انتفاضة ضد نظام رهيب وبعد ان قمعت الانتفاضة كانت النهاية في المنفى الذي تلاشت فيه الامال. ولم يكن حينها يتخيل صديق حنون نمط الحياة المغايرة والمختلفة في استراليا مقارنة بالجحيم داخل اسوار مخيم اللجوء المنسيّ. .... قامر حنون في العشرة آلاف التي ربحها فوق طاولات القمار فتصاعدت أرباحه حتى وصلت الى 30 الف دولار . حنون.. كفى توقف عن اللعب ودعنا نستمتع بالخمرة والموسيقى والطعام هذا مبلغ كبير ربحته .. طلب الصديق من المقامر مترجياً ذلك. لكن حنون أغرته الارباح فوق طاولة القمار واستمر بلعبة الروليت حتى الهزيع الاخير من الليل. وفي النهاية خسر جميع ماربح من أموال . ولم يتبقى له حتى دولار واحد. لقطع تذاكر العودة في قطار الصباح المبكر الى مسكنهم!! انسحب حنون من طاولة القمار وهو يجر اذيال الخسارة مترنحاً من السكر مع حارسه الوهمي الى بار مهوكني .. وقد طلب بأطباق جديدة من سلطة البحر مع قطع السالمون المقدد ونبيذ الشيراز الاحمر. ارتاب المشرف على صالة قمار مهوكني من الضيفين فتقرب منهم وسحب كرسي وجلس قرب طاولتهم . ثم سأل المدير بابتسامة مصطنعة في وجه الضيف حنون من اي بلد في الخليج العربي حضراتكم!! تناول حنون كأس النبيذ مرتشفاً بقاياه. ثم نفح بدخان السيجار بوجه المدير الذي كان وجهه المترف يشبه بالونة حمراء وصلعته التي تنعكس فوقها مصابيح بار مهوكني .
نحن لاجئيين عراقيين وصلنا الى استراليا قبل خمسة أشهر ونسكن الان في احدى البيوت الحكومية . انزعج المدير الرأسمالي البالوني من جواب اللاجيء .. وطلب منهم أن يتفضلوا بمغادرة المكان.. بعد أن أخبرهم بان فكرة ادارة الكازينو حول استضافتهم الى هذا المكان .. كانت على خطأ غادر اللاجيء المقامر صالة القمار .. وهو يردد مع نفسه ومع رفيقه .. ان كل الخسارات التافهة في الحياة لاتساوي شيئاً امام خسارة وطن.
#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جار وحديقة
-
مكالمات هاتفية عابرة في هذا الصباح
-
مابيني وبينك كان أكثر من عناق
-
ليس للمزاميرِ مواسمُ للرقصِ
-
تأملات في أبجديات الحرف والطين واللون
-
مرثية الرماد والرصيف
-
قارب الموت
-
نهاية شرهان وقدره المأساوي
-
وكأنك ليس سوى أنا
-
ثلاثية العشق والجنون
-
مذبحة سبايكر
-
غزوات ضد الفن
-
اغتيال الطفولة في قبائل العنف
-
الحرب تصادر أرصفة الاحلام
-
رثاء الى نخلة سومرية
-
قيامة فوق جبل سنجار
-
عاشق وقطار
-
الجزء الثاني
-
يوميات جندي معاقب
-
ضياع خارطة وطن
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|