|
كيف نفهم ظاهرة التخلف فى مجتمعاتنا ؟
ممدوح مكرم
الحوار المتمدن-العدد: 4652 - 2014 / 12 / 4 - 21:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التخلف ظاهرة موضوعية فى المجتمعات الطرفية ( مجتمعات العالم الثالث)، و للتخلف مستويات عديدة و معقدة و متشابكة ؛ فهناك التخلف الاقتصادى؛ وهو الجذر الرئيس ، و السياسى و الاجتماعى و الثقافى و الفكرى ، ثم التقنى/ التكنولوجى. قلنا التخلف ظاهرة موضوعية؛ أى مرئية بشكل مباشر وملموسة ، لأنه متضمن فى البنى الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الفكرية ؛ بمعنِ آخر هناك بنية تخلف قابعة فى كافة أوجه حياتنا. هناك تفسيرات عديدة لظاهرة التخلف ، فى أدبيات العلوم الإنسانية، وبشكل خاص علم الاقتصاد ، لكن تبقى مدرسة التبعية ( مدرسة من أهم مدارس الاقتصاد السياسى ) الأكثر إسهاماً فى فهم علمى دقيق و محدد لظاهرة التخلف، انطلاقاً من التحليل الماركسى الجدلى من ناحية ، وواقع مجتمعات العالم الثالث من ناحية أخرى ؛ عبر دراسة عيانية لكيفية تطورها ؛ فى علاقته بالخارج الإستعمارى ، ثم الإمبريالى ، فالإمبريالية بشكلها الجماعى الحالى ( العولمة : كما يطلق عليها أستاذنا الراحل الرفيق عيداروس القصير) ومن هنا أصبح التخلف بنيوياً و موضوعياً ؛ هذه البنية تحتوى فى الداخل على الرأسمالية الكبيرة ( تسمى بالكمبرادور فى الاقتصاد السياسى و الاجتماع) ويشير المصطلح فى مفهومه إلى تلك الفئات / الشرائح الرأسمالية المتماهية مع رأس المال العالمى (الإمبريالية) مثل وكلاء التصدير و الإستيراد ، و المضاربون و السماسرة ...إلخ، ولذلك يعرف هؤلاء بوكلاء الإمبريالية (المحليون)، وهم يمثلون النواة الصلبة للطبقة للرأسمالية الكبيرة ( هذا يكذب وهم بعض اليساريين حول وجود رأسمالية وطنية ) .. ومن ثم تنبثق من العلاقة بين الوكلاء المحليين و رأس المال العالمى ؛ ظاهرة التبعية للخارج بكافة صورها لتكون مترابطة و مترافقة مع التخلف بشكل طردى؛ أى كلما ازداد التخلف ، ازادات التبعية ، و الطرف الآخر من هذه البنية رأس المال العالمى و المجسد فى الظاهرة الإمبريالية ؛ التى حللها لينين بعبقرية فى كراسه" الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " ..فالإمبريالية تشير فى مفومها المبسط لتماهى العلاقة بين رأس المال المالى و الصناعى ، الذى يُؤرخ به فى أدبيات الاقتصاد إلى التخلى عن نظام المزاحمة/ المنافسة الحرة ؛ إلى الإحتكارات ، و التى تمظهرت فى التروستات ، و الكارتيلات ، و السندديكات، من هنا تجسدت الإمبريالية مع حركية و ديناميكة رأس المال المسافر إلى المستعمرات متلازماَ مع النزعة الكولونيالية( بتعبير المناضل الشهيد مهدى عامل) ..و نتج عن ذلك ايجاد او خلق طبقة متماهية مع رأس المال الغازى ، وهذا أدى بدوره إلى تكميم و تثبيط التطور الطبيعى للمجتمعات المُستعمرة، وإجهاض تجاربها كما حدث لمصر محمد على ، تم شن حرب ضروس ، حطمت دولة محمد على الفتية و التى هددت مصالح الإستعمار تهديداً مباشراً ، وكانت الطريقة إغراق مصر بالديون ، وهى الذريعة التى مهدت للتدخل الأجنبى ، ثم الإحتلال الإنجليزى ، و إجهاض الحركة الوطنية بقيادة عرابى ، بمساعدة الخديو ورجاله وطبقة كبار الملاك ذات المصالح مع رأس المال الأجنبى ، وهى ذات جذور إقطاعية على مستوى السلوك و الثقافة وقبلاً طريقة الحصول على الدخل ، و هى تمثل الجذر أو السلف للرأسمالية المصرية ، التى تحمل جيناتها المورثة بنية التخلف ، وهو يفسر عجزها و تبعيتها ، و عدم قدرتها على إكمال مشروع ثورة وطنية ديمقراطية ناجزة، للخروج من ربقة التبعية و التخلف لأفق أعلى و أوسع للإرتقاء ، وعلى مستوى الفكر يظهر التردد و الميوعة و التلفيقية المصاحب لمدرسة الإصلاح أو النهضة ، كتعبير عن التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التى حدثت فى القرن 19 م فى مصر عصرئذٍ. فهى لم تحسم أمرها حسماً تاماً، فانشقت إلى أفندية و معممين ، انتهت بإنتصار المعممين( محمد رشيد رضا، حسن البنا= الإسلام السياسى ) وذلك اضاف مستوأ آخر للتخلف ( ردة على مستوى الفكر و الثقافة ) فى لحظات قصيرة وبسبب ظروف الحرب الإمبريالية الأولى ، و أزمة الكساد الكبير فى ثلاثينات القرن الماضى ؛ استطاع الاقتصاد المصرى النمو ، و تجرأت الراسمالية المصرية ، و رفعت شعار الإستقلال ، وظهر رجل الاقتصاد طلعت حرب غداة ثورة 19 المجيدة ، و حدثت نقلة لا باس بها ، لكن لم تستمر طويلاً ، حيث كانت الراسمالية العقارية هى المهيمنة ، وتحصل على دخلها من ريوع العقارات، و مرتبطة بشكل بنيوى مع رأس المال الانجليزى و الأجنبى بشكل عام ، ومدعومة من السراى و الإنجليز ، و القوى الرجعية ( الإخوان ، وأحزاب الأقلية ، و الشرائح الكمبرادورية فى حزب الوفد) كانت مصر قبيل تموز/ يوليو 1952م قد وصلت لإنسداد كامل ، و كان الصراع ضارياً ، وهو ما أعطى مبرراً للجيش للتحرك لإستلام السلطة ، ولفترة قصيرة ؛ استطاع ناصر أن يحدث نقلات نوعية ملموسة ، بعد أن تخلص من الطبقة الرسمالية الكبيرة ( الرأسمالية العقارية ، الزراعية = كانا يمثلا العائق الأكبر أمام إحداث اى تطور لطابعهما الرجعى و المحافظ ، و ارتباطهما بالسراى و الاحتلال) عبر قوانين الإصلاح الزراعى ، و التأميمات. لكنَّ ناصر لم يمش الطريق لنهايته، فبقى جين التخلف الاقتصادى قابعاً فى البنية الاقتصادية ، عاد لينشط بعد هزيمة حزيران ، واصبح من أيام السادات التخلف أمراً واقعاً، و التبعية منطلقاً للسادات و مبارك ، و نظام السيسى الحالى ، وبينهم خط الإسلام السياسى الذى هو انعكاس لهذا التخلف ؛ وهو يعيد إنتاج رأسمالية تابعة و متخلفة بشكل دينى!! من هنا يجب فهم بنية التخلف عبر تطورها ، ولا يتم ذلك بدون فهم و تحليل للإمبريالية و اقنعتها، وربط ذلك بطبيعة البنية الطبقية فى الداخل ، و هياكل النظام السياسى المعبر عنها ، وهذا تأكيداً و بداهة لا يتم بمعزل عن دراسة / دراسات اقتصادية معمقة تمدنا بالأسباب القابعة وراء هذا التخلف و هذه التبعية . نشير هنا إلى المحهود الكبير ، الذى بذله المفكر العالمى الدكتور سمير أمين خاصة: كتابه نظرية التطور اللامتكافئ، دراسة فى التشكيلات الاجتماعية للرأسمالية المحيطية ، وكذلك كتاب الدكتور رمزى زكى : التاريخ النقدى للتخلف، وهناك أيضاً كتابات الدكتور محمد دويدار ، ومهدى عامل . وفى مصر تهتم وتنطلق حركة الديمقراطية الشعبية المصرية ( التى انتمى إليها) بفهم ودراسة بنية التخلف و التبعية ،كمنطلق للفهم ، ثم التغيير كما عبرت أدبيات الحركة و برنامجها عن ذلك ، و أفردت فيه حديثاً تحليليا عن التخلف و التبعية ، وهذ بفضل مؤسسها وزعيمها الراحل الأستاذ عيداروس القصير الذى قدم العديد من الإسهامات، منطلقاً من الواقع المصرى التابع و المتخلف ، و عليه يصبح التناقض الرئيسى كما تراه الحركة بين الطبقات الشعبية ( العمال و الفلاحون الفقراء ، و الحرفيون ، و الطبقة الوسطى فى شرائحها الدنيا و المتوسطة ) من جهة ، و الإمبريالية ومرتكزها الداخلى ( الكمبرادور) من جهة ثانية .. وهذا بمثابة البداية لإجتثاث التخلف ؛ لإستكمال الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ؛ التخلف و التبعية هما الجذر و الأساس لكل الشرور التى تعيشها مصر و عموم المنطقة . فالنضال هنا على مستويين :- نضال وطنى من أجل التحرر من التبعية و التخلف ونضال اجتماعى من أجل انتزاع حقوق الطبقات الشعبية ، ومن هنا يتمازج النضالين ، و يتجادلا فى وحدة ديالكاتيكية .
أبنوب فى : 4 كانون أول / ديسمبر 2014 م
#ممدوح_مكرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة الريعية
-
محاولة لفهم الوضع الطبقى الراهن فى مصر
-
د. نصر حامد أبو زيد و تاريخانية النص ( جدل النص و الواقع )
-
العراق من التقسيم ؛ إلى تقسيم التقسيم
-
عمال أسمنت أسيوط ( سيمكس ) : العودة للمربع صفر( متابعات )
-
التطرف اليمينى هو سمة أساسية للعقود المقبلة
-
تثوير الفن ، و تنوير التثوير
-
خطاب الهزيمة ، وهزيمة الخطاب ( سبعة و أربعون عاما على هزيمة
...
-
بنية التخلف فى مصر
-
مع هادى العلوى الذى جمع بين الماركسية و التراث الاسلامى و ال
...
-
حول إعادة الإعتبار للجيو-بو لتيكس
المزيد.....
-
كييف تتحدث عن تقدم قواتها في كورسيك وموسكو تعلن التصدي لها
-
واقعة مثيرة للجدل داخل مستشفى في مصر.. ومسؤول يعلق
-
زاخاروفا: الهجوم على محطة زابوروجيه عمل إرهابي كشف خطورة نظا
...
-
حماس: موافقة واشنطن على صفقة أسلحة جديدة لإسرائيل تؤكد أنها
...
-
خبير عسكري أوكراني يحذر من سقوط مدينة هامة بيد الجيش الروسي
...
-
مقتل 5 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على الضفة
-
احتجاز مواطن أمريكي في موسكو لاعتدائه على شرطي
-
إيلون ماسك يصف -الغارديان- بأنها -قمامة- وسائل الإعلام
-
الجيش الإسرائيلي يعلق على مقتل التوأم في غزة
-
مغامرة نظام كييف في كورسك بدأت فعليا في التحول إلى كارثة محق
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|