|
أوان الذبول
عباس يونس العنزي
(عèçَ حونَ الْيïي الْنٍي)
الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 17:04
المحور:
الادب والفن
( يا له من عمر ..!! ما أقصره ) قالت الوردة الهرمة ذات الورقتين الحمراوين اللتين تتعلقان بجسدها المنحني كأنه قامة ملك جميل طوقته الهزيمة .. بعد أن أيقنت أن لون الرماد الذي يدفن الجمر حتى الموت راح ينشر عباءته المحزنة لتغطي كل الالوان ، كانت الورقتان آخر ما تبقى لها من معنى أن تكون وردة ولذا فهي تقتحم المحال لئلا يغادرانها .. تغريمها بما لديها من زاد أو ما تبقى عندها من عطر رغن أنها تدرك عبث ما تحاول ، فبعد حين لن يكون هناك زاد ولا عطر وكما فعل الجميع ستهجرانها للأبد . كانت الحديقة العامة تمتليء بالعشاق المنزوين تحت الاشجار العالية ، وبين الفينة والأخرى تمتد يد لتقطف وردة أو يدنو البعض ليشم أخرى ، وثمة عاشقان كانا يتغزلان طيلة يوم امس بالوردة ذات الورقتين الحمراوين عندما كانت ممتلئة وتضج بالحياة والجمال ، لكنهما اليوم لم يكترثا بها وراحا يلاطفان غيرها وهما يظنانها ذاتها وردة الامس ، كان الامر كالكابوس بل واقسى من آلام الذبول ..(لقد ضاع كل شيء ) ..فكرت الوردة الحزينة وظلت مطرقة لا تقوى على رفع رأسها الصغير . قبل يومين ابتدأت رحلة حياتها ..تفتحت اوراقها ..فاح العطر منها ..ونمت الاحلام والآمال واشتد جمال الألوان ، كأنما الأبدية تعزف نغمها المؤكد الوحيد ..وهي تردد ..( مجدا للحياة ..مجدا للجمال ) ، كان الاطفال يمرون من قربها يمرحون ويهزون ساقها الطري فتتساقط قطرات الندى وتأخذ النسمات الباردة تلاطف اوراقها لتنتشر في كيانها نشوة الحياة ، كانت أصواتهم وقففزاتهم الرشيقة مصدر سعادة لا توصف تغمرها فينطلق شذى الروائح العطرة ، فمن ذا الذي يمكنه أن يفكر بالذبول إذن ..؟ ..( آه ..لقد انتهى العمر بغتة ..) تحسرت الوردة اليائسة وراحت تتذكر ساعاتها الجميلة ، ذات مرة كاد فتى ان يقطفها ، مستها يده كانت ناعمة كيد فتاة مدللة ، ارتعبت الوردة ودون قصد للإيذاء ( وفي حقيقة الامر هي لم تعرف معنى الأذى حتى هجرتها أوراقها ) احتمت بشوكة فاندلقت قطرة دم من إصبع الفتى الذي سحب يده بقوة قائلا لفتاته الجالسة قريبا منه : ــ يا له من جمال جارح ..كجمالك تماما . تبسمت الفتاة وقالت : ــ الجمال قوة وليس ضعفا كما تظن ..فكن حذرا كانت الواقعة عظيمة عليها ولم يكن لها ان تلوم الشوكة بل هي لا تقدر على اللوم ، لكنها تعلمت منذ تلك الساعة ان جماها هو مكمن كل قوتها ووجودها فإن فقدته ستحل النهاية حتما ، إنه الاشتراط المقلق ..الجمال مقابل الحياة ، ونحن هذا الهاجس قضت كل لحظات عمرها القصير وظن كل منم في الحديقة أنها لاتحسن سوى التباهي وما فهموا الامر قط . ذات مرة قالت لها زهرة الرمان بحنق : ــ من تظنين نفسك ؟ إن انت إلا عقيمة مغرورة تافهة وعندما حاولت ان تقول شيئا لم تستطع فاستمرت زهرة الرمان بانفعال متعاظم : ــ تبا لك ولجمالك ..لماذا يهتم الناس بك ويهملوننا ألا يعلمون من يعطيهم الثمر أدارت الوردة رأسها بغنج أصيل في طبعها قائلة : ــ لأنك في المكان الخطأ وليس أي شيء آخر فأنت رائعة حتى في قسوتك . كان الحب ينجذب إليها من كل صوب لأنها مجبولة به ، لكن رذاذا من كراهية غبية أو لعله سوء الفهم كان يهز سور الأمان الرقيق حولها ، بيد إنها لاتمتلك إلا بعدا واحدا ..البراءة حسب .. لذلك ظلت تحب الشمس وتتمتع بالنهار وأيضا تعشق القمر وتتغنى بالليل ولم تميز العاشق عن اللص ، أو البستاني عن عابر السبيل ، ولهم كلهم كانت تبعث لذة الجمال ..وحدها أحست بالجميع يتطهر من الضغينة والشر وهم ينظرون إليها .. لقد آمنت أن كل شيء جميل بطبيعته والقبح حال طاريء لايدوم ، فعندما قست عليها زهرة الرمان رأتها جميلة بلونها الناري وعندما أدمت أشواكها اليد التي أرادت قطفها تألمت لذلك ، حتى ذلك الغراب الاسحم الذي نهش منها وريقة لم تحقد عليه ، فقط نظرت إليه فاستحيا من الجمال وطار بعيدا . لقد بدأت المأساة في أوج ساعة للفرح ..إذ غادرتها أول وريقاتها ولم تبلغ اليومين من عمرها بعد .. مالت نحوها وارادت أن تمسكها لكنها أخفقت وراحت الوريقة تتقلب في هبوطها الذي يشبه مشهدا تراجيديا بطيء الحركة وألقت بها نسمات باردة بعيدا نحو الشارع الاسفلتي القاسي ، أما الوردة فقد اجتاحها ألم مفاجيء لا يحتمل في المكان الذي هربت منه الوريقة ..صبرت وما كفت عن ارسال شذاها المنعش الى كل من حولها ، لكنها قالت بذات الرقة : ــ لماذا ايتها الوريقة الحبيبة ..؟ لقد كنا معا أجمل .. كادت تبكي وعرفت لآول مرة معنى الحزن وقبل أن تبدأ رثاء وريقتها الفقيدة تساقطت منها أخريات ..ذهلت .. ولم تدرك ما يجري لها ..توجعت كثيرا وعند الصباح اكتشفت ان وردة قريبة منها كانت تشبهها ولطالما حدثها عن الغد قد اختفت ، سألت زهرة الرمان عنها فضحكت وقالت بازدراء ــ ألا تعلمين إنها رحلت ..؟ يا لك من صلعاء مغفلة . امتلآت الحديقة بالعشاق ، وأنكرها من تغزل بها من قبل .. وعند الغروب داخلها إحساس مخيف وأخذ غصنها ينتفض ، و ألقى بها الى المجهول ..فظلت تهوي ..ثم تهوي ..ولحظة لامست الأرض ماتت وما فهمت قط ..أنها الحياة .
#عباس_يونس_العنزي (هاشتاغ)
عèçَ_حونَ_الْيïي_الْنٍي#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وكلمه تكليما ..
-
أغنيتي الأخيرة الى شط العرب
-
كبت للأبد ..
-
مقدمة في بنية التقديس العقلية اللاواعية
-
الابنية العقلية اللاواعية والتكوين البنيوي لوعي الذات
-
ألنص وحرية القراءة التفكيكية
-
دراسات في التشاؤم - عن معاناة العالم - لآرثر شوبنهاور
-
عن تفاهة الوجود - شوبنهاور
-
الخلود - محاورة لشوبنهاور
-
الحشاشون
-
إيجاز في السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي
-
أوهام ظل ...
-
الصفحة الأولى من روايتي - متاهة الحب الأول -
-
خريبط وحلمه الضائع - قصة قصيرة
-
تحية الصباح الأخيرة - قصة قصيرة
-
هلوسات ..
-
السلاطين لن يتعظوا ... استذكارا للدكتور علي الوردي
-
دلو اللبن ...
-
ومضة في أزمة الحقيقة
-
مناقشة اولى لمنطلقات الفكر الصهيوني - 7 -
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|