|
صراع على يهودية الدولة
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 4648 - 2014 / 11 / 30 - 09:20
المحور:
القضية الفلسطينية
إنَّ الاشتباكات الكلامية بين سياسي إسرائيل، إثر مشروع قانون يهودية الدولة، وتهديد بعض أعضاء الحكومة بتفكيك حكومة نتنياهو، ليس غايته الخوف على ديمقراطية إسرائيل ،كما يتبادر إلى أذهان كثيرين، ولكن الحقيقة هي أن بقايا يسار إسرائيل أُصيبوا بالرعب من القانون، ويتمثل خوفهم من وقوع إسرائيل في قبضة الحارديم المتزمتين، ممن ينادون بشعارهم الأزلي: (الدين اليهودي هو الحل)، وليست الحركة الصهيونية الغابرة!! بعد سبعة وستين عاما من إدارة الحركة الصهيونية لسياسة إسرائيل، تمكَّن اليمين الديني (الحريدي)، أو التيار الديني الصهيوني من الوصول أخيرا إلى الهدف الرئيس، وهو أرض الميعاد، أرض اليهود، وعلى اليساريين وأشباههم من الصهيونيين إخلاء مواقعهم السياسية! هذه الحقيقة أدركها رفاقُ مؤسسي إسرائيل الأوائل، مثل الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرس، عندما وقف يوم 27/11/2014 على قبر بن غريون لتخليد ذكراه ، ومعه رئيس الدولة الجديد رؤوفين رفلين ونتنياهو، وهناك حدثت المبارزة، بين تيارين، تيار الصهيونية القديم ، ويمثله بيرسن وتيار اليمين الجديد ويمثله نتنياهو، مما قاله بيرس: "إن مشروع قانون التهويد هو استغلال لمبادئ إعلان الاستقلال، الذي أعلنه بن غريون 14/5/1948 لغرضٍ حزبي سياسي، وهو يؤذي صورة الدولة في الداخل والخارج، ويُسيء إلى صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية، ها نحن نجتمع على قبر، بن غريون، وقد ظهرت شقوقٌ على جسد إسرائيل تهدد بالانقسام، فكيف تميزون بين اليهودية والديمقراطية في دولة إسرائيل؟ كان بن غريون تواقا لترسيخ الأمن الأخلاقي، كما لو كان هو الأمن الوجودي، فهو لا يتحقق بالقوة فقط، ولكن بالسلام والسياسة والصداقة مع جيراننا". أما نتنياهو فقال: "لوكان بن غريون حيا لوافق على قانون يهودية الدولة، كان بن غريون رسولا تاريخيا، ولم تكن وثيقة الاستقلال هي آخر كلمة قالها بن غريون، ولكنها مرحلة في رحلة تحقيق الحلم الصهيوني، فقد كان بن غريون يركز على وجود إسرائيل، قال بن غريون 1948 : إنه يدعم الديمقراطية اليهودية ، فالديمقراطية الغربية لا تكفي، فأنت كيهودي لست كائنا بيولوجيا، بل إنسانٌ أخلاقي، كانت أمنيات بن غريون أن تكون إسرائيل وطنا للشعب اليهودي، أنا أعارض دولة ثنائية القومية، فإسرائيل هي دولة اليهود وحدهم"!!! ما دار في الكنيست أيضا من نقاشات، يُبرز هذا الرعب المستولي على بقايا اليسار ،ممن لم يستوعبوا بعد تسونامي الانقلاب الديني الأصولي في إسرائيل، فبعد إقرار قانون الالتحاق بالجيش على الطلاب الحارديم، في المعاهد الدينية، أصبحت نسبة الحارديم في الجيش أكثر من ثلاثين في المائة، وموت كبار الحاخامين المعارضين له، وتشكيل حاخامية جديدة لتسهيل التهويد، فلم يبقَ سوى خطوات قصيرة على تأسيس دولة الشريعة، الدولة التي ترفع شعارا يقول: "الحل هي الشريعة اليهودية" ودولة اليهود الكبرى! من محاضر جلسة الكنيست: صرخ الوزير يعقوب بيري، من حزب الحركة، في اجتماع الكنيست 25/11/2014 أثناء جلسة مناقشة القانون: "هذا القانون يهدف لتحطيم ديمقراطية إسرائيل، أنتم تريدون دولة دينية!" أما وزير المالية، يائير لابيد، من حزب(هناك مستقبل) فقال لنتنياهو: "سيدي الرئيس حتى مناحم بيغن وجابوتنسكي، لم يفكرا في إصدار مثل هذا القانون، ما مصير ثلاثمائة ألف روسي يعيشون في إسرائيل؟ إنهم سينتقلون إلى مرتبة مواطن من الدرجة الثانية"!!!!! يصرخ نتنياهو: "كيف ننعش الصبغة (اليهودية) في الدولة؟ هناك من يحاول تأسيس كانتونات في إسرائيل، في الجليل والنقب"، دولة إسرائيل هي منشأ ووطن الشعب اليهودي، وحق تقرير المصير هو حق حصري لليهود!! أما أوري أرئيل، من حزب البيت اليهودي، وزير البناء، داعم القانون يقول: "إسرائيل تتعرض للطمس، فبواسطة هذا القانون سنقول للفلسطينيين وغيرهم: لا لتحويل إسرائيل إلى دولة واحدة ، ثنائية القومية"!! أما زئيف إلكن ،الليكودي، وهو عرَّاب مشروع القانون، فيقول:"لا تنسوا التاريخ والتراث اليهودي، القانون (خطوة) !!! لتوحيد الشعب اليهودي، لتعزيز رموز الدولة: العلم، النشيد الوطني، وشعار الشمعدان بسبعة فروع"!! أما تسيبي ليفني ، وزير العدل رئيس حزب الحركة، فهي تخشى على مكانة اليسار تقول: "يجب أن يتضمن القانون المساواة التامة في الحقوق، أمام القانون، لكل مواطني إسرائيل"!! وكذلك قالت وزير الصحة، ياعيل جيرمان، من حزب هناك مستقبل: "سيظل المشروع معلقا إذا لم يحتوِ على نص (المساواة للجميع)"!! لم يُعلن حتى معظمُ من عارضوا مشروع القانون؛ أن المستهدف من القانون هم في الأساس الفلسطينيون الصامدون منذ عام 1948، ولم يجرؤ أحدٌ على التصريح بذلك، ما عدا بعض الصحفيين اليساريين ورئيس حزب ميرتس، السيدة، زهافا غالؤون، قالت: "كفوا عن اختبار الفلسطينيين في ولائهم لإسرائيل، أنصفوهم وأعطوهم حقوقهم!" كشف عوفيد كلينبرغ في يديعوت 27/11/2014 الحقيقة بكاملها حين قال: " قانون يهودية الدولة، ليس هو المشكلة، المشكلة الحقيقية هي العرب في إسرائيل، هناك خوف من أن يطلبوا حقهم في تقرير مصيرهم، وتحويل ذلك إلى حقيقة، فالمشكلة ديموغرافية وأمنية وثقافية، إسرائيل تنظر للعرب بطرق مختلفة، فهم ليسوا شركاء، وليست لهم حقوق متساوية، وظننا أنهم سيقبلون بالقول السائد: ما دمنا لم نهجّرهم ونرحلهم من إسرائيل، فعليهم أن يشكرونا على ذلك.. إن قانون يهودية الدولة، قانون يهدف لتحويل هذا الرأي السائد إلى واقع قانوني"!!! فقد كان معظم اليساريين يُدركون بأنهم سيكونون مستهدفين بعد الفلسطينيين، في مرحلة لاحقة، عند إعلان قيام الحكومة الإسرائيلية الثيوقراطية الدينية القادمة! أشار وزراء ميرتس والعمل، من معارضي القانون إلى النقطة الرئيسة التي تهدد وجودهم، وهي أن كلمة الديمقراطية في نص القانون( إسرائيل دولة اليهود الديمقراطية) هي كلمة غامضة، لأنها تأتي بعد اليهودية، ولم تعد هي الكلمة المركزية!! وبهذا التعريف الجديد، فإن إسرائيل ستخسر شعارها الأزلي: " واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط"!! أما أعضاء الكنيست الفلسطينيون، فقد أشاروا إلى الحقائق المختفية، حين قالوا: مشروع القانون ، مشروعٌ عنصري من الدرجة الأولى، لأنه يستهدف الفلسطينيين، فاللغة العربية ستصبح لغة ثانوية، وكانت قبل ذلك لغة رسمية في الدولة، كما أن الفلسطينيين الصامدين لن يحظوا بحقوق مشابهة لليهود في الملكية والعمل والقضاء وسبل الحياة المختلفة.كما أن هذا القانون سيُمهِّد الطريق أمام مجموعة من القوانين العنصرية الأخرى، وقد بدأت في الظهور بالفعل، مثل قانون سحب الهويات من الفلسطينيين الإرهابيين !!، وتدمير بيوتهم، ومعاقبة عائلاتهم، ورفض تسليم جثامين القتلى لذويهم، ويستعد الكنيست أيضا لإصدار قانون باسم، حنين زعبي، يسمح القانونُ لأعضاء الكنيست بطرد أي عضو كنيست يُحرض على الإرهاب، وهو ينطبق على حنين زعبي، وأعضاء الكنيست العرب فقط. إن قانون يهودية الدولة، هو أيضا بمثابة رصاصة الرحمة على حلِّ الدولتين، والدولة الواحدة، ثنائية القومية. وأخيرا... فهل سيتمكن الفلسطينيون وإعلامهم، والعرب ودبلوماسييهم من إبراز وجه إسرائيل المستقبلي الجديد، وجه إسرائيل الدولة الأصولية التي تهدد السلم العالمي، بمواصلة الاحتلال والقمع والقتل والتدمير؟!! وهل سيتمكن إعلامنا، من الاستفادة من قانون( إسرائيل الوطن القومي للشعب اليهودي) من بلورة قوالب إعلامية قانونية بلغات العالم، لدحض ادعاءات إسرائيل التقليدية، وهي: إسرائيل تُشرك الفلسطينيين في الحياة السياسية، وتدمجهم في الكنيست، بعكس الحقيقة، فهم ديكورات، وأقلام روج، لتجميل سياسة القمع والتنكيل، في المحافل الدولية، والدليل على ذلك، أنَّ إسرائيل توقع عليهم العقوبات بالنفي والسجن، جيش إسرائيل هو أطهر جيوش العالم سلاحا، فهو عندما يقتل ويُدمر، ويمحو غزة وجنين والقدس، وعندما يغتصب الأرض، ويطرد السكان الأصليين، إنما يقوم بذلك حفظا على أمنه، وخوفا على زوال الدولة الديمقراطية!! مستوطنو إسرائيل، ليسوا مغتصبين لأراضي السكان الفلسطينيين الأصليين، بل هم مُعمرون، يبنون أرض الميعاد، وهم عندما يقتلعون أشجار الزيتون ، ويحرقون بساتين الفلاحين الفلسطينيين الفقراء، فإنهم يبنون حضارة جديدة في أرض الميعاد، تمهيدا لعودة الماشيح المنتظر! أليس هذا القانون نقيضا في نصه وروحه للديمقراطية؟أليس تغيير طابع مدينة القدس الديني والأثري، دليلٌ قاطع على تحول هذه الدولة إلى دولة قمعية ديكتاتورية أصولية متطرفة؟ ألم يحن الوقت لكي يبلور القانونيون الفلسطينيون والعرب صيغة لمطاردة هذه الدولة، التي كشفت عن سوأتها بمشروع القانون الجديد، في كل المحافل الدولية والدبلوماسية؟!!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب الصحف في إسرائيل
-
المعلمون بين غوركي وتشيكوف
-
عاموس عوز الخائن والمسيح وحماس
-
سجود البعير وعجين السمبوسه
-
مستقبل القدس بعد حادثة شايا
-
أغلفة البضائع أثمن من البضاعة
-
المقدس الرجل والمدنس المرأة
-
الأعياد بين الدين والدولة
-
احذروا داعش على أبوابكم
-
من قصص الإعمار في غزة
-
الهجرة النفسية والإحباط
-
شهادات متمردي وحدة 8200
-
جرائم بيئية في غزة
-
قصة الطفل دانيال وقصة أطفال غزة
-
لاتفخروا بنضالكم على أهلكم
-
زراعة نُطف جنود غولاني
-
جامعات العباءات وجامعات الإبداعات
-
تيمورلنك يعود إلى العراق
-
أطفال غزة فرائس الصحفيين
-
الفرق بين دعم الخطة ودعم الشفقة
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|