أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والسياسة المصرية-6















المزيد.....

الأرمن المصريون والسياسة المصرية-6


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4639 - 2014 / 11 / 20 - 18:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعرض سعد زغلول إبان وزارته الشعبية (28 يناير-24 نوفمبر 1924) إلي محاولة اغتيال في 12 يولية 1924 علي أيدي طالب الطب المصري بجامعة برلين عبد اللطيف عبد الخالق. ورغم القبض علي الجاني ، انتهز بعض دعاة السوء فرصة وقوع هذا الحادث فجعل يملأ الأندية شائعة بان الجاني الأثيم أرمني. وأشاع الوشاة بان الجاني الأرمني أراد الإساءة إلي قضية مصرن وصاحب هذه الشائعة تيار متطرف مواز لها يري في الأرمن عدو لدود. كما كان التيار يرمي إلي بلبلة الجالية الأرمنية والزج بها في هاوية المخاوف والقلاقل.
وعندما علم سعد زغلول بان محاولة الاغتيال التي تعرض لها قد تم تلفيقها للأرمن، أصدر أوامره بسرعة إلي وزير داخليته بالإنابة توفيق نسيم لطمأنة الجماهير الغاضبة وكبح جماحها إزاء الأرمن ونفي شائعة الجاني الأرمني. ولولا ما بذلته حكمدارية القاهرة من الجهد لإفهام الجمهور الحقيقة ساعة غليانه لحادث أسوأ الأثر في الأذهان وأدي إلي عواقب ذات بال ما كان أحوجنا إليها في هذه اللحظة.
وأرسل مطران الأرمن في مصر توركوم كوشاجيان رسالة إلي سعد زغلول أوضح فيها براءة جاليته من هذا الحادث الفظيع. ورد سعد:" إنني متأثر جدا بخطابكم لما أبديتموه من دهشة وغضب للحادث الذي تعرضت له. ولأنني أود أن أعبر عن امتناني الشديد لأرمن مصر علي تضامنهم معي ". وقد قرأ رؤساء الجالية هذا الرد الصلوات من أجل الشفاء العاجل لزعيم الأمة.
واتفق الرأي العام آنذاك علي أن محاولة اغتيال سعد واتهام الأرمن بهذه المحاولة تعدان جريمتين خطيرتين. وجدير بالذكر أن هاتين الجريمتين قد أحدثتا ردود استنكار واستنفار في مختلف الدوائر السياسية والشعبية والإعلامية .
في الابتداء ، وصف مكرم عبيد – حواري سعد – هاتين الجريمتين في حفلة مجلس الشيوخ والنواب بكازينو سان إستيفانو بقوله :" .. هل يمكن أن تكون هذه الجريمة إلا من عمل فرد أو أفراد كل الحقد كل الحقد صدورهم ونبش الجسد قبورهم، أرادوا ان يتخلصوا من سعد.. فوجهوا إلي صدر أبي الشعب ، وهو بين أحضان الشعب رصاصة لم يكد يطلقها الجاني حتي أذاعوا في طول البلاد وعرضها أن القاتل أرمني . ولم يكن غرضهم إلا إذكاء نار الثورة ليرقصوا علي لهيبها .. وهدم معالم النهضة ليقيموا قصورهم علي أنقاضها ...".
أيضا استهجنت عامة الشعب جريمتي الاعتداء والاتهام ، فقد نشرت جريدة " الأفكار" مقالا لمواطن مصري اسمه حسين محمد تحت عنوان " الدسيسة الدنيئة " جاء فيه ما يلي :" لقد شاءت الأقدار أن تحمي مصر من شر تلك الدسيسة الدنيئة التي كان قد دسها وقت وقوع الحادث المؤلم من تطربهم الدسائس..أن مرتكب الجريمة الشنعاء أرمني. وكيف يدور بخلد مصري أن الجاني من الأرمن الذين اتخذوا مصر وطنا ثانيا وأصبحوا لطول مقامهم بها ولعدد مصالحهم فيها ونماء ثروتهم بين ربوعها شركاء المصريين في السراء والضراء" . كما ذكر بان الأرمن حريصون أن يعتبرهم المصريون إخوانا لهم.. فكيف يكون منهم من تحدثه نفسه بإحداث اكبر الشرور".
وكذا ، أعربت الصحافة المعاصرة عن استيائها إزاء الجريمتين فتساءلت جريدة "وادي النيل " عن ".. منشأ تلك الإشاعة الغريبة التي طارت إلي جنبات القطر بسرعة البرق حاملة إلي الأذهان صورة غير صحيحة عن جنسية الجاني... فما هو السبب فيما ذاع وشاع وملأ الأسماع من مطلق النار أرمني . حتي اضطر ولاة الأمور لتدارك الحالة بإصدار بلاغ رسمي ينفي هذه الإشاعة الباطلة ويدفع ما عسي أن تؤدي إليه من العواقب الوخيمة".
وحمدت جريدة " الوطن" الله أن وقي الكنانة شر اعتداء المجرم الأثيم من الإضرار بحياة الزعيم، ووقاها في ذات الآونة شر مصيبة أخري كاد مجرم آخر أن يرتكبها فلا يقل ضررها عن الأولي، وهي الإذاعة بين العامة أن المعتدي هو أرمني، ولو طال الوقت ولم تكذب الإشاعة حالا ... لساءت العاقبة واستفحل الشر". ولفتت الجريدة أنظار الشعب إلي أن يكون أكثر حكمة وتبصرا في مواقفه الفجائية العصيبة. ولا يتأثر بالإشاعات السيئة التي يروجها "أصحاب الغايات السيئة وذوو المآرب الفاسدة".
أما الأرمن، فقد استنكروا بشدة ارتكاب هذا الحادث، فنشرت جريدة " المحروسة" رسالة من آرتين آفيديسيان – الموظف بقلم التوزيع في بوسطة مصر- عنونها ب" استنكار الأرمن" جاء فيها :" .. ما انتشر حبر هذه الحادثة الفظيعة حتي استنكرها الجميع وتألمت معها قلوب المصريين بين مسلم وقبطي ورومي وأرمني..إلخ. لكن هناك صوتا عدائيا أراد التفريق.. ليعطي العدو حقا وهميا ليتدخل في شئوننا. ذاك الصوت الخبيث أعلن أن القاتل أرمني. وسرعان ما انتشر الخبر فغضبت الأمة من الأرمن، ولها الحق في ذلك، لكنني أقول ماذا جناه سعد علي الأرمن حتي يقصد أحد منهم أذاه؟ وماذا يجني الأرمن من أذي سعد؟ والأرمني المصري يعرف قبل سواه أن لا حياة له إلا بسعد. فهذه مصر كانت ولم تزل تتألم من حكم الأجنبي وما نالت استقلالها إلا بفضل جهاده. وذاك المهاجر الأرمني ما اتخذ هذه البلاد موطنا إلا لثقته بكرم أبناء هذه البلاد وحسن ضيافتهم للغريب.. فارحموا هذه الطائفة البائسة ولا تتهموها بما هي منه براء".
وأخيرا ، أعلن وزير الداخلية توفيق نسيم في 3 أغسطس 1924 أن الأرمن رجال عمل واجتهاد وسلام، وقد قدموا خدمات كثيرة لمصر. وأعرب عن أمله بان يواصلوا هذه الخدمات مستقبلا في جو خال من تكرار سوء التفاهم.
ورغم تسريحات نسيم وبراءة الأرمن من تهمة محاولة اغتيال الزعيم ، إلا أن هذه الحادثة قد عمقت مخاوفهم لقاء التطورات السياسية المصرية. ولذا ، اتسمت العلاقات الأرمنية- المصرية بالتوتر خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. ومن ثم بات علي مثقفي الأرمن والمصريين العمل علي اقتلاع هذه المخاوف او تخفيفها علي الأقل.
فعلي الجانب الأرمني، شرع فريق منهم في تأسيس " الاتحاد القومي للأرمن المصريين" عقب حوادث ثورة 1919 بهدف توثيق الروابط بين الأرمن والمصريين. وقد جاء في حيثيات تأسيسه:" .. فقد تعلمنا من هذه الويلات أن أخلاقنا لم تتأثر من حالة الاستعباد التي تحملناها طوال القرون الغابرة مثلما أصيبت في المدة الأخيرة الوجيزة في الاستغلال السياسي الذي أسأنا فهمه..إننا نعلم علم اليقين، بل متأكدون فعلا بان الويلات التي حلت بالطائفة الأرمنية لم تكن إلا نتيجة لسوء تقديرها والجهل بالمصالح الحقيقية التي تربطها بالأقطار التي تقطن بها. ومن رأينا بأنه لو قامت كل جالية من الجاليات الأرمنية بما تفرضه عليه مصلحة القطر الذي تنتمي إليه وتقيم فيه لكان ذلك مما يساعد في تقوية حياتها القومية".
كما جاء في هذه الحيثيات أيضا :" وفي اعتقادنا أن تآلف الثقافة الأرمنية والمصرية لا بد وان يؤدي حتما إلي روح المدنية الحديثة . فنحن الأرمن المصريين الوطنيين مهما اختلفت الطائفة أو الملة المنتمين إليها لسنا ضيوفا في هذه الديار ، بل نحن أولادها المتبنون فيها. نحن الأرمن المصريين نصرخ بأعلى أصواتنا بأن لا نزاع سياسي لنا ضد أي حكومة كانت وعلاقتنا بالأرمن القاطنين بالخارج لا يمكن أن تتعدي دائرة الأمور الدينية والثقافية والأدبية المحض".
أما علي الجانب المصري، فقد أسس أحمد السيد أبو السعود- رئيس تحرير جريدة الشعوب- مؤسسة لنشر " الدعاية لمصر والأرمن" . وأصدر كتيبه الغول مخاطبا فيه المثقفين وطارحا عليهم جملة أفكار تقدمية تحت شعار" الحب والوفاء والإخلاص بين مصر والأرمن، وهو خير دعاية لتثبيت علاقة الصداقة بين الشعبين الصديقين منذ القدم- المصري والأرمني". وتدور أفكار هذا الكتيب حول الموضوعات الرئيسية التالية:
أولا : توطيد العلاقات الأخوية الحميمة بين الأرمن والمصريين التي يرجع تاريخها إلي قرون خالية.
ثانيا : شجب الاضطهادات الممقوتة التي تعرض لها الأرمن.
ثالثا: محو التعصبين الجنسي والديني بين الطرفين وإشاعة الأثرة بينهما.
رابعا : دعوة الأرمن إلي تعلم اللغة العربية- لغة المصريين – حتي يزداد التفاهم بينهما.
خامسا : تأسيس جمعية صداقة أرمنية مصرية تعمل علي إفهام كل طرف للآخر وتدعيم الصلات الثقافية والاقتصادية بينهما.
وهكذا ، نجح نسيا هذا التيار الخافت إبان الأربعينيات في تخفيف وطأة المناخ الأرمني الملبد والمشبع بالتوجسات والارتجافات من تداعيات السياسة المصرية وعواقبها. والتزم الأرمن الصمت الرهيب والرؤية المترقبة الحذرة والمغمورة بطوفان مكبل من القلق نحو تقلبات الواقع السياسي المصري. وتأرجح ميولهم السياسي بين التأييد البريطاني والتعاطف الوطني. وإن غلبت الكفة البريطانية الأقوى والأنفع حتي نشوب ثورة يولية 1952.



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرمن المصريون والسياسة المصرية-5
- الأرمن المصريون والسياسة المصرية-4
- الأرمن المصريون والسياسة المصرية -3
- الأرمن المصريون والسياسة المصرية -2
- الأرمن المصريون والسياسة المصرية
- الصراع الحزبي الأرمني في مصر-2
- الصراع الحزبي الأرمني في مصر-1
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-3
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-2
- الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-1
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-7
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-6
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-5
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
- الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
- الجمعيات الأرمنية في مصر-5
- الجمعيات الأرمنية في مصر-4
- الجمعيات الأرمنية في مصر-3


المزيد.....




- سارة نتنياهو تتهم الجيش بمحاولة تنظيم انقلاب عسكري ضد زوجها ...
- كوريا الجنوبية.. ارتفاع عدد القتلى إلى 23 شخصا في أحد أسوأ ح ...
- .بالفيديو.. مراسم تسليم مفتاح الكعبة المشرفة للشيخ عبدالوهاب ...
- نجم عالمي شهير يصفع يد معجب يحاول لمس ذراعه (فيديو)
- غالانت لأوستين: إيران أكبر خطر على العالم مستقبلا
- الأسباب المحتملة للشعور بالتعب معظم الوقت
- روسيا تحوّل صاروخ -توبول – إم- الاستراتيجي إلى صاروخ فضائي م ...
- سياسي بريطاني يحمّل رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون مسؤولية ...
- جوليان أسانج يقر بذنبه والمحكمة تأمره بتدمير المعلومات على م ...
- أسانج يقر بالذنب أمام محكمة أميركية تمهيدا لإطلاق سراحه


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عطا درغام - الأرمن المصريون والسياسة المصرية-6