احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1301 - 2005 / 8 / 29 - 10:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صار يرى الدنيا من خُرم الابرة قد ما تراكمت الهموم على رأس "نوح العواد". ظهر الى الوجود مع علامة نحس محفورة على جبينه، فابتهاجًا بولادة الذكر بعد سبع بنات ماتت امه من فرحتها وهي تشاهد "حمامة" الوافد وصرخة الحياة. وما ان بدأ يدرج الخطوات المتمايلة من المشي على المسطبة في دارهم حتى اجبرت قوات الصهيونية نوح وعائلته واهل قريته على الركض هرولةً في دنيا المجهول خوفا من مجازر الغزاة. استقرت عائلته في قرية جليلية مجاورة، سترت نفسها في براكس من الزنك. بالحاح نوح تزوج والده من امرأة اخرى، خاصة وان اخواته السبع تزوجن، كل واحدة لحقت نصيبها الى قرية زوجها.
انهى نوح دراسته الثانوية بدرجة ساقط في مختلف المواضيع، ميله منذ الصغر كان الميكانيك، ايام العطل المدرسية كان يقضيها في كراجات تصليح السيارات، تعلم الصنعة واتقنها سريعا، قال بدعاسات السيارة سأدوس على النحس. عمل في احد كراجات القرية بعد التخرج رأسا. بعرق جبينه اشترى شقفة ارض وعمر دارا احاطها بجنينة تفرفح قلب الناظرين. تعرّف على صبية من بنات القرية المجاورة التقى بها صدفة في عيادة المرضى. وبدون طول سيرة خطبها من اهلها، سألته مرة، هل تحبني فعلا يا نوح! تنهد وقال: "لو تعلمي كم احبك يا "رسمية" "شنيورك بنشر عجال سيارتي" اول مرة شفتك قبل التقائنا في عيادة صندوق المرضى، كان في مظاهرة اول ايار، كنت مع احدى صديقاتك، شعرك كان على الموضة وكنت تلبسين بلوزة زهرية، شنيورك كان مثل البلانة، لفت انتباهي، غمازات خدودك سلبوا قلبي، قلت في نفسي، ان ما طاردك النحس يكون هذا الغزال من نصيبك، سرت بسيارتي الهوينا بمحاذاتك، اخذتِ عقلي، لم انتبه ان السيارة داست عجلاتها على خشبة تبرز منها المسامير، نفست عجلات السيارة الامامية، ضحكتِ يومها، قلت لك يومها: "اضحكي، شنيورك بنشر العجال".
رزق نوح ورسمية بخمسة اولاد، وعاشوا حياة مستورة شعارها: القناعة كنز لا يفنى، ولكن حتى حياة السترة القنوعة لم تعد تتوافر، اصيبت نوح بعطل جسدي في العمل واصبح مصدر رزق عائلته متوقفا على الله وعلى مخصصات التأمين الوطني، اولاده الكبار يعملون ويتعلمون في الجامعة، جاءني قبل يومين ليشاركني همومه، علني اخفف عنه حمله الثقيل. قال، يا صديقي بعد اسبوع تفتح المدارس ابوابها، حتى الآن لم اشتر لاولادي لوازم المدرسة، والحكومة المنبوطة خفضت مخصصات التأمين التي لم تعد تكفي لسد احتياجاتنا من الاكل والشرب ولاكمال الشهر بسترة. تصور زوجتي "ام ياسر" التي ستّتتها في البيت شمرت عن سواعدها ونزلت الى سوق العمل "تنظف البيوت، قالت العمل شرف ومش عيب ومسؤولية "ويشتغل الانسان في الحزا ولا يحتاج الحزا" مهمتي مثلك يا نوح ان نتعاون لتعليم ابنائنا.
- قلت، ام ياسر امرأة اصيلة، ومن قال ان المرأة اقل مسؤولية وقدرة من الرجل على مواجهة ظروف ونوائب الحياة؟ بلغها تحياتي، وليكن صباحها وصباح جميع النساء والعائلات والمناضلات في شتى المجالات منورا دائما.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟