|
الأرمن المصريون والسياسة المصرية-4
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 09:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ومهما يكن من أمر، فقد أدرك الرأي العام المصري حجم الخطأ الذي ارتكبه المتظاهرون المتعصبون ضد الأرمن ونتائجه السيئة علي القضية المصرية. ومن ثم، بدأت محاولات بلسمة الجروح الأرمنية ورأب الصدع منذ اليوم التالي لأحداث العنف؛أي منذ 10أبريل وحتي نقل الأرمن اللاجئين من أفنية الكنائس والمدارس إلي مخيم مصر الجديدة في 20أبريل. في الابتداء، ثمة محاولات قام بها بعض المصريين لتطييب خواطر الأرمن وتهدئة نفوسهم والاعتذار لهم ودعوة العوام والمتعصبين إلي عدم التعريض بهم من خلال نداءات علي صفحات الجرائد. من هذه المحاولات علي سبيل المثال: رسالة بعنوان " من أخ حر إلي أخوة أحرار" لمحمد عبد الفتاح أبي الذهب من علماء الأزهر. ورسالة ثانية من شفيق يونان السنباوي بعنوان " رسالة المصريين إلي الأرمن". وثالثة لأحمد حلمي " ألا فاطمئنوا" ورابعة إلي " إخواننا الأرمن" من عبد الرءوف عبد المتعال الطالب بمدرسة المعلمين العليا الذي أنهي رسالته قائلا:".. والسلام علي كل أرمني يشرب من ماء النيل من كل مصري قاطن في وادي النيل إلي يوم القيامة". وبجانب الأفراد، بذلت محاولات جماعية من شرائح متباينة لكبح جماح العامة ضد الأرمن . ففي 10 أبريل 1919 " اهتم الغيورون علي سمعة البلاد ببذل المساعي السريعة في توقيف الحوادث التي حدثت... بين بعض الأرمن وبعض الغوغاء" . ولذا ، طافوا علي القهوات والمحال العمومية والأندية لنصح الناس بمنع هذه الحوادث والتوسط بقدر ما يمكن في حسمها ومنع الغوغاء من إتيان أي عمل عدائي ضد أحد من الأجانب لتطهير سمعة مصر مما عسي أن يلصق بها من التهم إزاء هذه الحوادث". وفي 12 أبريل 1919 أرسل طلبة المدارس العالية والخصوصية والابتدائية في جميع أنحاء القاهرة ينادون:" أيها المواطنون كل من يعتدي علي أرمني أو رومي أو أي أجنبي آخر لا يكون وطنيا ولو كان مصريا . إن من يفعل ذلك هو باليقين متشرد أو لص نهاب. فالواجب عليكم كلما رأيتم شخصا من هذا القبيل أن تسرعوا وتعتقلوه وتسلموه إلي أقرب نقطة من نقط البوليس". وثمة نداء إلي طلبة المدارس الثانوية بالإسكندرية :" نناشدكم بحق حبكم لمصر وحق حبكم لبسط الحرية والسلام علي ربوع النيل .. وأن تبذلوا كل ما عندكم من القوة الأدبية خطابة وحثا ونصحا بعدم التعرض للأرمن حتي نبرهن علي كرم أخلاق المصري". وفي 13 أبريل ، ذهب وفد من المحامين والأطباء والتجار إلي كنيسة الأرمن الأرثوذكس بالإسكندرية لتصفية النفوس بين الأرمن والمصريين . وتمخض اللقاء عن نداء إلي ( المصريين إخواننا في الوطنية " نص علي :" مصر تناديكم بما لها عليكم من الحقوق المقدسة أن تفهموا إخوانكم في الوطنية بكل وسيلة أن الشعب الأرمني الممثل في رجال الدين وكبار التجار والمحاماة والدكاترة أكد أن ما وقع بالقاهرة وإسكندرية يتبرأ منه هذا الشعب، لذا ، نرجو منكم.. أن تبادروا بإفهام الجمهور هذه الحقيقة وتنبثوا بين طبقات الشعب في المساجد والكنائس والطرق والمحلات العمومية لتقنعوهم بان أكبر جريمة توجه إلي مصر العزيزة هي الاعتداء علي النزلاء فتسوء سمعة البلاد ويتحرج موقف زعمائكم في الخارج الذي يجب ألا يشغلهم شيئا غير خدمة الوطن وألا يصلهم منكم إلا أنباء التشجيع والثبات ". أكثر من هذا ، وجه أئمة المساجد نداء في خطبة يوم الجمعة 18 أبريل 1919 إلي المتظاهرين المتعنتين يدعونهم إلي المحافظة علي العلاقة الودية القديمة التي تربطنا مع النزلاء جميعا. لا فرق بين أرمني ويوناني وإسرائيلي، لأنهم جميعا ضيوفنا . وقد أوصتنا شريعتنا المحمدية بإكرام الضيف والإحسان إليه". وأكد الأئمة الخطباء إلي جمهور المصلين بأن هذا أيضا في مصلحة مصر وقضيتها. وأيضا ،أصدر نادي الاتحاد السكندري الرياضي برئاسة محمد شاهين أفندي القرار التالي :" بما أن لإخواننا الأرمن ناد رياضي بالثغر وتجمعنا بهم رابطة رياضية ، وجب علينا أن نقوم بواجب الرابطة وواجبنا الرياضي لخدمة مصر وتمسكنا بالمبدأ ( كرماء لضيوفنا ) ، فعلي كل عضو بالنادي حض الجمهور علي منع التجمهر بالمرة والنصح لهم بالتزام السكينة التامة وتعريفهم أن ما حصل واتهم به الأرمن ما هو إلا سوء تفاهم فردي محض". وفي المقابل، علي الجانب الأرمني ، أحدثت وقائع8-9 أبريل ردودا سريعة في الدوائر الأرمنية الرسمية . ففي اليوم التالي مباشرة ، أصدر الأب آفيديس شاغويان وكيل مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة بيانا أكد فيه ( براءة الأرمن)، وقد نص هذا البيان علي ما يلي:" وصل إلينا أن حوادث يؤسف لها عزاها الرأي العام إلي الأرمن فأحزننا ذلك جدا. بل إن دهشتنا كانت فوق ذلك كثيرا من الأرمن الذين تمتعوا في كل وقت بأوسع وأكرم الضيافة في مصر ولا يمكنهم أن يخالج صدورهم إلا عرفان الجميل والمحبة الصادقة للمصريين- يقدمون علي ارتكاب أفعال لا تكون إلا أعظم نكران للفضل والمعروف. فجميع الأرمن في القطر المصري يأملون أن تكون الإشاعة غير صحيحة. وهم في كل حالة يعلنون أنهم ينكرون معرفة كل أرمني مجرم يرتكب مثل هذا المنكر ويتبرأون منه. ويجهرون بأعلى أصواتهم أنهم لا يزالون وسيظلون إلي الأبد الأصدقاء المخلصين للمصريين يعترفون لهم بالجميل والفضل ويتمنون لهم من صميم أفئدتهم النجاح والتوفيق في أمانيهم الحقة المشروعة". كما أصدر المطران كوزيان مطران الأرمن الكاثوليك في اليوم التالي لأحداث العنف هذا المنشور:" أشاع بعضهم أن نفرا من الأرمن اعتدوا علي المتظاهرين. وبالتحري ثبت أنه لم يقع اعتداء مطلقا من أفراد طائفتنا علي أحد. وقد أعلنت مرارا باسم الطائفة علي صفحات الجرائد ميلنا ومحبتنا للشعب المصري الكريم واشتراكنا وتضامننا معه في كل ما يسره وفي كل ما يسيئه. والآن أدعو كل فرد من أفراد طائفتنا ليس فقط أن يحترم عواطف هذه الأمة الكريمة..بل أن يبتهل معي إلي المولي سبحانه وتعالي أن يحقق أماني مصر القومية ، وان يؤيدها بروح منه وأن يكتب لها السعادة والخير والهناء أبد الآبدين والداهرين". وردا علي المحاولات المصرية خلال العشر الأواسط من إبريل لإزالة ما أطلق وقتذاك "سوء التفاهم" ، زار وفد أرمني برئاسة وكيل المطران الأزهر بصحبة وفد يهودي ، حيث استقبلهم جمهور كبير من المشايخ والقساوسة والطلبة، وقد تصافحت الوفود بعد أن ألقيت بينهم الخطب الودادية الداعية إلي الائتلاف والمحبة. واعتقاد الجميع بان مصالحهم تتوقف علي مؤاخاة المصريين". ووزع كبار الأرمن منشورا أعلنوا فيه براءتهم مما يعزي إلي رعاع الأرمن المأجورين لأصحاب الغايات الدنيئة وأنهم يعطفون علي مطالب المصريين. كما نشر المطران الأرثوذكسي منشورا آخر يتبرأ فيه من كل أرمني ارتكب أو يرتكب منكرا في هذه الديار ويعترف للمصريين بالجميل والفضل. وفي هذا السبيل أيضا ، زار وفد أرمني بالإسكندرية مكنا من رجال الدين وأعيان الجالية الشيخ عبد المجيد اللبان- أحد علماء مشيخة الإسكندرية- ومعه باقة من العلماء والمحامين والأعيان المصريين مسلمين وأقباط. وخلال هذه المقابلة أوضح الوفد الأرمني " ما للأمة المصرية من حسن ضيافة الأرمن وما لهم من العطف علي الأماني القومية. وأكد أن سوء التفاهم الذي وقع ليس إلا من تدبير أهل السوء وذوي الأغراض الذين لا يحبون المصريين ولا ضيوفهم". ورد الشيخ اللبان مؤكدا أن المصريين " لا يضمرون سوءا لأحد ولا يبدأون أحدا بالأذى، وأن فيهم من التسامح وإكرام النزيل ما يشهد به الناس جميعا". ثم أوصي بعضهم بعضا بان يفهموا عامة المصريين والأرمن حقيقة ما كان ويوصونهم ألا يطيعوا " دعاة السوء الذين يعملون لتسويء سمعة الأمة وضيوفها ". بيد أن محاولات فض سوء التفاهم لم تسفر عن تحول العامة من الاعتداءات الدامية ضد الأرمن إلي الاكتفاء بالسلب والنهب. ولذا ، في ظل هذا المناخ القلق ، آثر الأرمن منذ 20 أبريل 1919 الإيواء إلي المخيم البريطاني والاحتماء به. وغدا هذا المخيم دليلا بريطانيا أمام العالمين علي عدم أهلية المصريين في الحصول علي استقلالهم. كما أضحي في الوقت ذاته نقطة مريرة في حلق الوفد المصري بباريس. ومن ثم، بات علي الدوائر الوطنية والسياسية المصرية تسوية هذه الأزمة لصالح القضية المصرية، وهو ما سعت إليه هذه الدوائر خلال العشر الأواخر من أبريل 1919.
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن المصريون والسياسة المصرية -3
-
الأرمن المصريون والسياسة المصرية -2
-
الأرمن المصريون والسياسة المصرية
-
الصراع الحزبي الأرمني في مصر-2
-
الصراع الحزبي الأرمني في مصر-1
-
الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-3
-
الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-2
-
الأرمن المصريون وأرمينية السوفيتية-1
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-7
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-6
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-5
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-4
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-3
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-5
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-4
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-3
-
الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-2
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: هل الصين مستعدة لحرب تجارية ضد أمريكا بعد فرض ت
...
-
المتمردون يعلنون وقف إطلاق النار في الكونغو الديمقراطية -لأس
...
-
الولايات المتحدة تطالب بانتخابات في أوكرانيا
-
من سيحصل على القارة القطبية الجنوبية
-
سحب القوات الأمريكية من سورية يطلق أيدي تركيا وإسرائيل
-
خطوات باشينيان العمياء: صبر موسكو ينفد
-
مرئي بالعين المجردة.. -موكب كوكبي- نادر يزين السماء طوال فبر
...
-
مواصفات الهاتف الجديد من Asus
-
OpenAI تطلق نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي مجانا
-
ترامب يعلق الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا لمدة شهر إثر تو
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|