|
مشهد في السديم 1988 للمخرج اليوناني ثيو انجيلوبولوس:اليد الآلهية
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 4635 - 2014 / 11 / 16 - 00:33
المحور:
الادب والفن
إذ اردنا احتساب المسافة التي تفصل بيننا وبين اعمال هذا المخرج الكبير،الذي يشكل فيلمه هذا(مشهد في الغسق) أو مشهد في السديم تحفة فنية كبيرة تذكر باسماء كبرى في التاريخ الاخراجي الأوروبي العام،لوجدنا ان المسافة التي تفصلنا عنه لهي كبيرة جدا،لأن فيلم مشهد في السديم هو الفيلم الوحيد لهذا المخرج الذي تسنت لنا مشاهدته ووجدنا فيه حالة فنية كبيرة تستحق الدراسة والتمحيص من كل الجهات،وهذا ان لم يكن الأن فسوف يكون لاحقا انشاء الله. معتمدين على المقال النقدي الذي وضعه الأديب والناقد السينمائي البحريني أمين صالح من اجل التعرف على عوالم هذا المخرج،وعلى ان يبقى التحليل النقدي هو من قبلنا نحن. إذا كان هذا الفيلم هو احد أجزاء ثلاثية وضعها المخرج وسماها بالصمت،فنحن نكتفي هنا بالحديث عن هذا الفيلم كوحدة واحدة من دون اعتماد اي مقاطعة أو تسلسل خارجي... من الجيد التقديم للجوائز التي حاز عليها الفيلم،فالفيلم حصل على جائزة فينيسيا لأفضل مخرج،وحائزة النقاد العالميين في نفس المهرجان،وجائزة مهرجان شيكاغو كأفضل فيلم وافضل تصوير وافضل فيلم أوروبي عام 1988. ولكن المعلومة الأهم بالنسبة لنا شخصيا هو أن الفيلم كتب مشاركة مع كاتاب السيناريو (تونينو غوييرا) وهو شخص الفناه في افلام مخرجين كبار وتعاملنا معه لأكثر من مرة...فعن ماذا يتحدث فيلم مشهد في السديم؟ الفيلم هو عن مسار شاعري انساني بحت لطفلين في خضم رحلة من اليونان الى المانيا للبحث عن والدهما المشكوك بوجوده اصلا،وهي لعبة مارستها أمهم المختفية من احداث الفيلم لتتجنب ان تقول لهما بأنهما طفلين غير شرعيين.. إذا المسار خارج لحظات الفيلم غير معروف بالنسبة لنا،فما السبب انهما الآن يبحثان عن والد غير واضح المعالم...هل السبب هو قسوة أم أو ربما موت هذه الأم...لماذا يبحثان عن مشهد ضبابي في السديم؟ الوالد فعليا متكون في ذهن (فولا) احد عشر عاما والكسندر (خمسة أعوام)،فهما يخاطبانه في المونولوج بل ويرياه كثيرا في احلامهما...إذا قد تكون رحلة للبحث عن الجذور أو عن الأصول...قد تكون عبارة عن حنين خفي لاواعي ولكن في النهاية فهذه الرحلة محركها الأساسي هو الحاجة...الحاجة الى الوالد... تتحقق احداث اعجازية...هناك شيء خفي يسرده المخرج في القصة...سقوط الثلج تجعل كل شخصيات الفيلم ومن ضمنها الكادر تتسمر متأملة في حدث وكأنه لم يكن في موعده (سقوط الثلج)،وهذا يتيح للطفلين الفرصة للهرب وبكل سهولة وكأنه حدث الهي مدبر...ولكن هذا العالم الذي يخوضان فيه هو بداية الخوض الحقيقي في عالم يبدو أحيانا بأنهما غير قادرين على فهمه على انه بالرغم من ذلك لايدفعهما كثيرا للتساؤل. في مشهد،تطل الكاميرا على مبنى يبدو كفندق بالنسبة الينا...تخرج منه فتاة بثياب الزفاف وهي تبكي...شخص ما يعيدها الى الداخل...بشيء من القسوة يظهر الطفلين مع شاحنة تجر حصانا على وشك الموت... تقول فولا:أنه على وشك الموت...تظهر كوادر المحتفلين بالزفاف من خلفهما ومن ثم تقول فولا:لقد مات والكسندر يهم بالبكاء من الواضح ان انجيلوبولوس ينسج القصة في عالمين مختلفين...العالم الروائي كهذه اللقطة التي تعيد الى الذهن أنتونيوني بشكل أو بشكل آخر،في عالم تشكيله غريب لا يفصح المخرج عن كنهه ابدا... ولا نبالغ ان قلنا أن العالم الآخر هو عالم الواقعية الذي لا يختلف بدوره كثيرا عن العالم الأول من حيث صمته أولا،وقابليته السهلة للزوال ثانيا،على شاكلة الفرقة المسرحية التي يتوقف مطولا عندها وهي تبدو كفرقة مفترضة أصلا. الشاب الطيب (أورنيستو) يضمهما الى عالمه الذي يعمل كسائق لفرقة مسرحية تبحث عن مسرح لتؤدي عليه أدوراها. ولكن فولا تغتصب وتفقد عذريتها من قبل سائق شاحتة وهي الآن تخضع للكثير من المعطيات هي اكتشفت حقيقة الرغبات واكتشفت قسوة الحياة والأهم من كل ذلك بأنه لن تعود مثل السابق أبدا... يعمل المخرج على تكثيف درامي للحدث بحيث يعتمد على حدث مركزي غاية في البساطة يصوغه باسلوب شعري جمالي عالي المستوى يدخل من ضمنه عالم أنتونيوني السينمائي وكيسلوفسكي أيضا وحتى شيئا من كائنات كيم كي دك ولنقل أيضا ان شعرية تاركوفسكي حاضرة ايضا في هذا الفيلم. الفراغ الشديد من خلف الشخصيات...تلك الشخصيات التي تبحث عن عالم حقيقي هو ليس عالمها،ونأتي لموضوع مشوق آخر في الفيلم....اليد الآلهية: يقول المخرج في اقتباس عن المقال النقدي الذي قدمه امين صالح: البنية الأساسية للفيلم مماثلة للحكاية الخرافية التي تعطيك حرية اكبر في ايلاج عناصرها خارج منطق الحبكة ولكن لاينبغي للمرء أن يحاول كشف معانيها على نحو نظامي ذلك لأنها تجازف بفقد تدفق السرد... إذا انجيلوبولوس يقول اته حتى لم يقصد الكناية،وهو على شاكلة المخرجين الكبار الذين تحدثنا عنهم سابقا،لا يقول ما يريده بصراحة ولا يوضح ايضا،بحيث تنتهي هذه اللقطة [ان تحضر طائرة وترفع هذه اليد وكأن شيئا لم يكن ثم تعود احداث الفيلم الى مجراها الطبيعي... ولكن هذا ليس مقنع بالنسبة الينا.... انجيلوبولوس أراد ان يقول شيئا وكأنه اراد ان يخبر شيئا على شاكلة رفع العدالة الألهية من هذا العالم الدنيوي...وكأنه اراد ان يقول ان الأقدار على هذه الأرض حرة،تسير وفقا لصدف ومسارات منطقية بناءا على هذه الصدف...هذه الأحداث ينقصها التوجيه وهي فكرة عبر عنها بيرغمان ذات مرة غاية في الصراحة. النهاية لن تكون مفتوحة ابدا...لن نفهمها نحن بهذه الطريقة لأن التوجيه الألهي يكمن في التحول في البحث من هذا العالم إلى عالم آخر قد تكون المشيئة الألهية فيه غير موجودة،ولكن الأقدار تسير فيه هناك بشكل أكثر منطقية،والمهم أيضا أنها تسير بشكل أوضح من مشهد عابق في السديم.... بلال سمير الصدّر 10/7/2014
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عناقات محطمة 2009(بيدرو ألمودفار):عن الشخصية الالمودفارية ال
...
-
عودة-Volver 2006-بيدرو ألمودفار:عن عالم ليس فيه للرجل اي ضرو
...
-
تحدث لها 2002(بيدرو المودفار):عن الميلودراما الرائعة
-
كل شيء عن امي1999(بيدرو المودفار): هو فيلم يكافح بين الدراما
...
-
اللحم الحي 1997(بيدرو المودفار):الرمز الأول للخفة البشرية
-
الشريك1968(بيرناردو برتولوتشي):عن السينما والأدب والاسقاط ال
...
-
زهور اسراري 1995 لبيدرو المودفار:التحولات
-
شبق 2013(لارسن فون تراير):النقطة الفينومينولوجية
-
مصارع الثيران1986(بيدرو المودفار):خليط مشوش
-
بيدرو المودفار:عن مخرج يلتقط مشاعر المرأة في اقسى الظروف
-
قبل الثورة 1962 (برناردو برتولوتشي):شخصيات مفعمة بالهم الوجو
...
-
البريء1976(لوكينو فيسكونتي): ليس هناك محكمة على وجه الأرض قا
...
-
قائمة شندلر1993(ستيفن سبيلبرج):تتويج المذبحة
-
عنف وعاطفة 1974(قطعة محادثة)لوكينو فيسكونتي:اقتحام
-
موت في البندقية1973(لوكينو فيسكونتي):عن الانسان في اقسى لحظا
...
-
الملعونون 1969 (لوكينو فيسكونتي):تشكيل انتقادي حاد لمجتمع نا
...
-
الغريب 1968 لوكينو فيسكونتي: اليوم بالنسبة لي هو شيء للمرور
...
-
فيلم الموت1962(برناردو برتولوتشي):بين برناردو برتولوتشي وبيي
...
-
Sandra1965(لوكينو فيسكونتي):عقدة اوديب الأنثوية
-
الفهد 1963(لوكينو فيسكونتي
المزيد.....
-
في قطر.. -متى تتزوجين-؟
-
المنظمات الممثلة للعمال الاتحاديين في أمريكا ترفع دعوى قضائي
...
-
مشاركة عربية في مسابقة ثقافة الشارع والرياضة الشعبية في روسي
...
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|