أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو زيد - قتلة بالفطرة















المزيد.....

قتلة بالفطرة


محمد أبو زيد

الحوار المتمدن-العدد: 4630 - 2014 / 11 / 11 - 11:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في أول مشهد من فيلم "قتلة بالفطرة" الذي كتبه كوينتن تارانتينو، وأخرجه أوليفر ستون، يقتل الزوجان السفاحان "ميكي ومولي" جميع رواد المطعم ثم يتركان شاهداً واحداً، لأنه هو من سيوصّل ما حدث للإعلام، وهو ما ظلا يفعلانه في كل جرائمهما فيما بعد، في إدراك منهما لأن الصحافة ستحولهما إلى نجمين أكثر شهرة من أوبرا وينفري.
الفيلم الذي أنتج عام 1994 وأثار الجدل مطولاً، يبدو هو الأقرب لوصف المشهد العربي الحاضر، من احتفاء بالعنف، سواء من الإعلام الذي يقوم بذلك، أو من القتلة أياً كان تصنيفهم، فبإمكان من يتابع وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومواقع إخبارية أو قنوات فضائية أو مواقع تواصل اجتماعي، أن يدرك كم الجرائم التي ترتكب من شائعات وخلق مجرمين، والمساعدة على أن يصبحوا نجوماً يخطفوا الأنظار، وأن يصبح الدم مشهداً عادياً عادية المياه في الحياة اليومية، لا يلفت الانتباه أو يثير الاهتمام.
ولأي لعبة قتل طرفان، قاتل وقتيل، لكن في هذه اللعبة يقوم الطرفان بالقتل الممنهج. يقومان به وهما يعرفان ما الدور الذي يقوم به، يعرف الصحافي أن ذلك سيساعده لكي يكون أكثر شهرة، ويعرف القاتل أن ذلك سيجلب له أتباعاً، ومتابعين وتابعين، عشاقاً، وخائفين، وأن صورته ستحل في الصفحة الأولى من الصحيفة إلى جوار الصحافي الشهور "الذي يبيع ويشتري الخوف" بحسب وصفه في الفيلم.
من أبرز الجماعات الراديكالية التي اكتشفت أهمية الإعلام، كان "تنظيم القاعدة" الذي كان حريصاً على توصيل رسائل زعيمه الراحل أسامة بن لادن إلى قناة الجزيرة عقب أحداث 11 سبتمبر، ومن بعده سار تنظيم داعش على نفس الخط، وهو ما يفسره نشاطه الغريب، على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك وتويتر ويوتيوب)، وحرصه الشديد على نشر صور الرءوس المقطوعة، وإطلاق الرصاص على المدنيين العزل، وعمليات القتل الجماعي، والرجم، وقطع الأيدي، والإعدامات، ومن يراجع جلّ هذه التسجيلات سيجد أن من قام بنشرها هو التنظيم بنفسه على خلفية أناشيد حماسية متوعدة، ولم يكتف التنظيم بهذا بل أعلن عن نيته إطلاق قناة فضائية، كما لجأ أيضاً إلى إصدار مجلة إلكترونية حملت اسم "دابق"، باللغة الإنجليزية، وهو ما يدعو للتساؤل لماذا يلجأ تنظيم يقول إنه إسلامي ويسعى إلى إعادة الخلافة إلى إطلاق مجلة بالإنجليزية وليس بالعربية، والإجابة طبعاً في كلمة واحدة وهي "الإعلام". فكما شاهدنا في فيلم أوليفر ستون الناس من كل أنحاء العالم وهو يتابعون جرائم السفاحّين بشغف وحب لدرجة أن حولاهما إلى نجمَين تتصدر صورهما أغلفة المجلات، لدرجة أن هذا الجمهور "يتظاهر" احتجاجاً على اعتقال القاتلّين، نرى على أرض الواقع "الجهاديين الأجانب" الذين ينضمون إلى داعش، والجهاديات اللائي يسافرن بحثاً عن "رومانسية الحرب" بحسب تعبير إحدى الوكالات الإخبارية.
الأمر ليس متعلقاً بما تفعله التنظيمات الراديكالية فقط، فما شهدته المنطقة العربية، ولا سيما الدول التي شهدت تحولات سياسية جذرية، خلال الأربع سنوات الماضية، يكتشف أن للإعلام كانت اليد الطولى في الأمر، في إقامة المظاهرات، وإسكاتها، في الانحياز للنظام والصراخ ضده، في تحريك الشعوب وإخفاء صوتها. الصراخ الذي ينبعث من البرامج التلفزيونية يكشف عن أن كل ما يحدث من احتفاء بالدم أو سكوت عنه، ليس إلا لعبة في يد أفواه تتحرك ـ في أغلب الأحيان ـ كعرائس الماريونيت، تتبدل المواقف والآراء في ذات اللحظة، فهكذا تقتضي اللعبة التي تحتاج إلى مهارة في التعامل، وقدرة على التقاط الموجة الرابحة، سواء كان هذا لصالح رأس المال، أو لصالح شخصي، أو لصالح سلطة ما، أو رغبة في استمرار إضاءة الكاميرات التي تضيء في كل مكان، بحثاً عن تصريح لا قيمة له، من شخص يجلس ويخاطب الملايين، فلا يعرف "الجمهور"، مع التكرار اليومي، هل هو مجرد أراجوز أم خطيب مفوه.
في العام 2003 كنت أعمل صحافياً بجريدة الشرق الأوسط عندما احتلت الولايات المتحدة العراق، وكان عدد قتلى التفجيرات في العراق، يحتل المانشيت الرئيسي في الصفحة الأولى دائماً، في الصحيفة التي أعمل بها أو الصحف المصرية أو الأجنبية، لكن مع استمرار الأمر، تضاءل الخبر، وانتقل إلى طرف الصفحة، ثم انتقل إلى صفحة داخلية، ثم اختفي في صفحة تكاد تكون غير مقروءة بأقل عدد من الكلمات، لأن الناس اعتادت الأمر، وأصبح عدد القتلى مجرد "رقم" ليس أكثر، ولأن الإعلام ملّ الحدث، وبدأ يبحث عن ضحية جديدة يسلط عليها الضوء. كل هذا رغم استمرار القتل في العراق بصورة يومية طوال، تكاد أن تكون نمطية طوال تلك السنوات، ولكن دون اهتمام أو شغف إعلامي، إلى أن ظهر من جاء بالشغف بشكل جديد للقتل والتدمير والذبح والسبي وهو تنظيم داعش، فعادت الكاميرات مرة أخرى تنظر إلى هناك.
الإشكالية هنا في احتفاء الإعلام الذي يحول خبر القتل إلى خبر عادي، لم يعد مثيراً للشفقة ولا للغضب، ولا حتى للاستياء، ولا لأي مشاعر، وهو ما عبر عنه أوليفر ستون في مشهد رائع، عندما كانت السفاحة "مولي"، تحكي عن طفولتها وكيف أن زوج أمها كان يغتصبها، لكننا على خلفية هذه الحكاية المأساوية نسمع في الفيلم تصفيق الجمهور وضحكهم كأنهم يشاهدون مسرحية وليس جريمة بشعة.
في آخر فيلم "قتلة بالفطرة" يساعد الصحافي السفاحين على الهروب من السجن لكي يحظى بسبق صحافي، ثم يقتله السفاح "ميكي"، فهو لا يحتاج إلى شاهد على جرائمه، مكتفياً بالكاميرا التي تتابع تحركاته، وهو ما يمكن تفسيره بدلالات كثيرة، لكن قبل حادثة القتل يدور حوار مثير، فيقول ميكي: "قتلك وما تمثله هو تصريح علني، ففرانكشتاين قتل مخترعه"، في إشارة إلى أن السفاح من صنع الإعلام. فيرد الصحافي: "أنا مجرد طفيلي, ألستما بقاتلين؟ أنتم لنا، للملأ والإعلام، هكذا هي الأمور".
ما مضى ليس انتقاداً لدور الإعلام في كشف الفساد وجرائم القتل، بل لدوره في جرائم القتل، لاحتفائه بالموت، بتحويله إلى حدث مسلٍ وليس مأساوياً، بتحويله إلى حدث اعتيادي لا حرمة له، بسكب الجثث من شاشة التلفاز على موائد الأطفال.
غياب الإعلام لا يعني غياب الجريمة والقتل، لكن استخدام الإعلام مرة في يد رأس المال، ومرة في يد القاتل، ومرة في يد السلطة، ومرة بحثاً عن الشهرة والسبق يساهم في زيادة كل ما مضى.
لم يطلب أحد من الإعلام أن يكون محايداً تماماً، لكن الجميع يعرف أن الإعلام يجب أن يكون لديه ضمير، وإلا لن نعرف الإجابة الحقيقة على سؤال: "من هم القتلة بالفطرة؟" المجرمون أم وسائل الإعلام؟.



#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله الذي لا تعرفونه
- بلد بشريطة سودا
- الشاعر والروائي
- مصر تدخل الحلزونة
- هكذا تعلب سحر عبد الله بالألوان
- خريف الثقافة في ربيع الإخوان
- هل أصبح المصريون يكرهون غزة؟
- .. وما أدراك ما عبد الناصر
- كيف تصنع إلها؟
- الخروج إلى النهار
- لمن ستصوت والدة الشهيد مينا دانيال في انتخابات الإعادة؟
- 10 نصائح قبل اختيارك الرئيس القادم
- الصحافة المصرية بعد الثورة.. -أعطني حريتي أطلق يديا-
- برامج التوك شو .. -من يصرخ أعلى-
- سينما باراديسو
- الأول من أيار ..... عيد العمال العالمي
- ناصية باتا..لعبة اسمها الحياة
- رئيس لكل مواطن
- منصور حسن..رئيس في الوقت بدل الضائع
- رشح نفسك للرئاسة .. واكسب بالونة هدية


المزيد.....




- الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا ...
- شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
- استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر ...
- لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ ...
- ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
- قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط ...
- رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج ...
- -حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
- قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
- استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو زيد - قتلة بالفطرة