|
اطر النص الشعري وعلاقاته الاحالية / مقترح قرائي لنص (مالم يقله الرسام) للشاعر عارف الساعدي
أمجد نجم الزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4630 - 2014 / 11 / 11 - 01:26
المحور:
الادب والفن
يمارس علينا نص (مالم يقله الرسام) للشاعر عارف الساعدي سطوة جمالية، لانه يحشد ابياته بتلوينات شعرية باذخة من خلال كسر المألوف والانزياح عن الصور النمطية المركبة، ولكن ما يثيرنا في قراءتنا هذه هو الاحالات الدلالية المضمرة في النص، والمتشكلة والمنتظمة في تركيبة بنائية؛ يمارس عليها العنوان او العتبة النصية الجامعة هيمنة تحكم بناء التصورات والاحالات داخل النص، فالعنوان يفترض زمنين للتحقق النصي الافتراضي للدلالات، وهما زمن ماقبل فعل القول – اي قول الرسام- وزمن مابعد قوله، وهذا التقسيم وزع الدلالات وبنى افقها الاحالي وفق هذا المرتسم، ليس بمعنى انه جعل اللوحة فاصلا بين فعلين لتحقق هذه الدلالات، وانما جعلها جزءا مفصليا من بناءها، وذلك انه -اي الناص- قد جعل اللوحة هي ما قاله الرسام بالمقابل مع النص الذي لم يقله، بينما الرسام هنا هو الناص الذي رسم اللوحة، والنص برمته هو اعتراف بما لم يقله الرسام/ الناص في لوحته، والتي هي هنا القانون او الاطار القار، الذي يحكم الدلالات التي تجسدت في النص بالغيم والطين. يفتح النص فضاء الاحالات اذ تتحول الدلالات من مدار العلاقات السطحية، المبنية على علاقات بلاغية وتراكيب لغوية، تبني تصورا ربما يحكمها في رؤية او سياق بنائي معين، الى فضاء اخر افتراضي، بالاستفادة من القيمة الاحالية للدلالة، ولكن ليس بصيغتها المنغلقة، وانما ضمن المدى الذي تخلقه العلاقات القائمة بينها وبين الدوال الاخرى، فمثلا قول الشاعر: رسمت غيماً ولم ارسم له مطرا لكنه كسر اللوحات وانهمرا
يرينا بإن هناك صورة اولى مبنية على العلاقة بين الغيم والمطر واللوحات بوساطة (انا) الفاعل المحرك، او المحرض الضمني لاحتدام الفعل داخل البيت، بينما ضمن المدى الافتراضي الاخر؛ تخرج هذه الدلالات من اطارها في هذا المستوى، الى تأويل اخر مبني على الاحالات التي تشكلها وعلاقاتها، ويتكشف هذا المدى لنا عندما نجمع الدلالات في مدارات خاصة مستلة من الاحالات المفترضة، ضمن علاقتها بالدلالة الاخرى كما اسلفنا. تنتظم الدلالات لهذا البيت وفق هذا السياق ( رسم "الفعل"، انا، غيم، المطر، الكسر "الفعل"، هو، اللوحات، الانهمار)، حيث ان الفعلين داخل البيت، لايمكن عدهما بأي صورة كانت؛ فعلين متقابلين، وهما فعل (الرسم) وفعل (الكسر)، حيث يفترقان من حيث الدلالة، فلا يؤدي فعل الرسم الى الكسر، ولايكون الاخير ناتجاً عن الاول، ولكن بتجريدهما من دلالتيهما السطحيتين داخل متن البيت، والاستفادة من الاحالات التي يفترضانها ان وضعناهما في مدار واحد، وهو مدار تداولي، يمارس فيه فعل الرسم تعسفاً دلالياً مقترنا بهيمنة الانا المنتجة له، اي ان كل التشكيلات الدلالية التي تشير الى مفردات اللوحة انتجتها تلك الانا، والاحالة الى دلالات تداولية ترتسم في محيط هذا المدار كالاحالة الى الخطاب الاشهاري وتعابيره كـ (رسم السياسات، رسم القوانين.. الخ)، بينما تمثل الدلالات الاحالية للفعل الاخر تمرداً ضمنياً على هذه الاطر السلطوية (اللوحات) التي انتجها الفعل الاخر (الرسم)، ليحقق المقموع (المطر) فعله المغيب وهو الانهمار، ولكن دلالة (المطر) محكومة بكونها دلالة وقتيه، حيث ان (المطر) محكوم بزمنية فعله، وسنشير لاحقاً لتأثير هذه الدلالة ووضعها في سياق النص وعلاقاته الاحالية. اما البيت الثاني من النص:
وفزز الماء طيناً كان مختبئاً في لوحتي، ناطراً في صمتهِ المطرا
حيث ان وقوع هذا البيت بالترتيب بعد البيت الاول الذي اجترحنا تأويلا لدلالاته ومداراتها، يجعل الاحالات الدلالية وكل اشارات البيت محكومة بذلك التأويل في مستوى علاقاتها السطحي، لكونها محكومة بهيمنة دلالات البيت الاول واحالاتها، فدلالة الفعل (فزز) استمرارية لفعل التمرد (الانهمار)، بينما دلالة الفعل (ناطراً) السكونية تدفع بفعل التمرد، وتعضد هيمنته بعد ان تحقق ذلك التمرد في البيت الاول على سلطوية فعل الرسم و (أناه) المنتجة، ولكن العلاقات الاحالية بين البيتين يحددها المدار الذي يمكننا ان نجترحه، وهو العلاقة بين ثلاث فضاءات دلالية وهي؛ فضاء الغيم (المتعالي، السماوي، البنية الفوقية)، وفضاء الطين (الوطن الانسان، البنية التحتية)، والفضاء الاخير فضاء المطر (الوسيط الوقتي الذي يكسر صمت الفضاء الثاني المستكين المنتظر له ليربطه بالفضاء الاول، لينتج الحياة التي تتمرد على الاستكانه للوحات والاطر والقوانين التعسفية)، واعتقد ان البنية المعرفية واحالاتها المرجعية واضحة لهذه العلاقة. لن اسهب في تفصيل دلالات النص، انما يمكننا قراءة باقي اشارته وفق هذه الرؤية التي اجترحتها، وهذه المدارات التي تحكم دلالاته، حيث انها قد تنامت داخل الابيات وكونت وجهة نظر خاصة بالنص، إن كانت مع او ضد، ولكن ما يهمني هنا فقط التركيز على الجانب الفني والشكلي لكيفية انتظام دلالات النص واحلاتها، التي اخرجته من مدار التشكل السطحي الى فضاء احالي يحرض تلقينا للنص على فتح فضاءات واسعة لهذه العلاقات.
#أمجد_نجم_الزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كسر السياق الجملي في النص الشعري- ديوان (عصافير الجوع) للشاع
...
-
ضياع المثقف بين النخبويه ودور الداعية
-
قراءة في كتاب (مقتربات قرائية لاشعار اماراتية) للناقد وجدان
...
-
(كزار حنتوش.. الشعر مقابل الحب!) في مدار النص السيري
-
أفق القراءة والعلاقات الإحالية للنص
-
وعي القراءة وفعل التأسيس / قراءة في مدونة (حسون 313) للكاتب
...
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|