|
هذا ليس من الدين
زاغروس آمدي
(Zagros Amedie)
الحوار المتمدن-العدد: 4626 - 2014 / 11 / 7 - 07:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هذا ليس من الدين
لماذا عندما نرى شيئاً دنيئاً أو قبيحاً يرتكبه متدين ما، يقول أغلب المتدينين وبشكل عفوي أن هذا ليس من الدين؟ الجواب ببساطة،لأن المتدين العادي يظن أن الدين شيء جميل، وبالتالي لا يمكن أن يفرز شرّا او عملاً قبيحاً. لكن الحقيقة يمكن أن تكون غير ذلك تماماً، كيف؟ لأنك تحمل في ذاتك قدرة ذهنية تستطيع بها التمييز بين الخير والشر، والجمال والقبح، والفضيلة والرزيلة.. إلخ. والدليل على ذلك أنك عندما تصدر حكمك "بأن هذا ليس من الدين" تصدره بعفوية تلقائية دون الرجوع إلى مراجع الدين. فالغزو والسبي وإغتصاب النساء على سبيل المثال، مثبت في التوراة والقرآن والسنة وبعض رسل بني إسرائيل والإسلام إرتكبوا مثل هذه الأعمال. وعندما تعرف ذلك بالدليل القاطع لاتريد أن تصدق ذلك، والسبب هو لأنك لم تربط بين الدين وبين مبادىء الأخلاق الإنسانية فحسب، وإنما أيضاً قدمت الدين على منطقك الذاتي العفوي. وهذا برهان بيّنٌ بأن المسألة الأخلاقية مسألة إنسانية بحتة لاعلاقة لها بالدين كما يعتقد أكثر المتدينين. بل يمكن أحياناً أن يكون العكس ، أي أنّ الدين يمكن أن يحرض أو يدفع المتدين إلى إرتكاب أعمال قبيحة. وهذا ما نشاهده بأم أعيينا هذه الأيام. لكن مع ذلك يظل الانسان المتدين غير مصدق بأن ذلك من الدين أو بأن أنبياء بني إسرائيل ومحمد (ص) وأصحابه فعلوا ذلك أيضاً، والسؤال هنا لماذا قمت بربط الدين بمسألة الأخلاق؟ والجواب هو لأنك قدمت الدين على العقل وبذلك وظَّفتَ قدراتك الأخلاقية والتميزية لخدمة الدين. وعندما يرتكب قائد ماركسي أو نازي أو بعثي أو أي قائد صاحب أيديولوجية ما جريمة أو مجزرة أو إبادة ضد شعب ما، يبرر أتباع أمثال هولاء جرائمهم أو حتى أن فيهم من ينكرها. هناك ثمة تشابه كبير جداً وقد يصل أحياناً إلى حد التطابق بين أتباع الديانات وأتباع الأيديولوجيات، ولتوضيح الفكرة أكثر أضرب لك مثلاً من حياتنا الواقعية المعاشة، هناك دائما فئة (كبيرة او صغيرة) تساند الديكتاتور أو تخضع لسطوة الدين، من ضمن هذه الفئة هناك أشخاص مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل هذا الديكتاتور، أو من أجل هذا الدين، لأنه تشكل لديهم مبدأ أو مفهوم او قناعة لأسباب متعددة، بأن هذا الديكتاتور قائد نبيل وذكي ومخلص للأمة والدولة ولايمكن بدونه أن تزدهر وتتقدم الدولة،بالنسبة للفئة الأولى. وبالنسبة للفئة الثانية ترى خلاصها وإزدهارها وتقدمها في دينها. هؤلاء الأشخاص يصدقون أي شيء يقوله قائدهم أو كتبهم دون النظر والتفكير بما يقول القائد او بما تدلي به الكتب كل حسب فئته، ولا يتشكل لديهم أدنى حرج عندما يدلي القائد بتصريح وبعكسه، أو بتناقضات الكتب بالنسبة للمتدينين، والسبب لأن قدرتهم التميزية تابعة وخاضعة لمشيئة الديكتاتور او لسطوة الدين. ومن الشخصيات المستبدة التي إستطاعت إخضاع قدرات الناس العقلية إلى مشيئتهم أدولف هتلر وستالين وماو تسي تونغ بشكل أساسي وصدام حسين وحافظ الاسد وابنه إلى حد ما لفئات معينة. يعلل علماء الإجتماع هذه الظاهرة بقولهم بأن نزعة البقاء على قيد الحياة لديهم إرتبطت بإحكام (لارجوع عنه) ببقاء الديكتاتور، لذلك فهم مستعدون دائما تنفيذ أوامره دون تردد، ويذرفون الدموع بحرارة أثناء مرضه او موته، وقد ينتحر بعضهم من أجله،ولذلك أيضاً يصفق لهم الجمهور دائما، بغض النظر فيما يقوله صح أو خطأ، معقول أو غير معقول. أما في حالة الدين فإن خضوع العقل إلى سطوة الدين أعمق وأقوى، وإذا كانت نزعة البقاء تدفع الناس إلى تأليه الديكتاتور، فإن الخوف لما بعد الموت هو الذي يدفع الناس إلى قبول الخضوع الكلي أو الجزئي للدين.
هنا يلح علينا سؤال كبير وهو لماذا يربط معظم الناس مصيرهم بديكتاتورٍ ما أو بدين ما؟ أعتقد بأن معضم الناس بسطاء، أي أن قدراتهم العقلية والنفسية لاتستطيع أن تعتمد على نفسها في المسائل الكبيرة، كمسألة الوجود والمصير والأخلاق والأمن النفسي. لذلك فهم بحاجة دائما إلى من يركنون إليه في هذه المسائل. في بعض المجتمعات نجد أن السياسة نافست الدين وتغلبت عليه أيضاً، لكن المؤسف أن الناس خضعت لهذه السياسة أكثر مما خضعت للدين، وبدا ذلك جلياً عند جمهور هتلر وماو ، فهتلر في وسط أوروبا إستطاع إخضاع الألمان والنمساويين والسويسريين الألمان وبنسبة عالية جداً إلى أفكاره الشوفينية بما في ذلك الكثير من الأدباء والفنانين والمفكرين والفلاسفة أيضاً، كالموسيقي ريتشارد فاغنر والفيلسوف مارتن هايدغر. وعلى الطرف الآخر من العالم خضع مئات الملايين من الصينيين لماو واعتبروا كتابه الأحمر عن الثورة الثقافية توراة مقدسة لهم. ويذهب بعض علماء النفس والإجتماع كغوستاف لوبون إلى القول: "الجماهير مجنونة بطبيعتها .. فالجماهير التي تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل او لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة و جنون .. والجماهير المهتاجة التي تهجم على شخص لكي تذبحه دون أن تتأكد من أنه هو المذنب هي مجنونة ايضاً .. فاذا ما أحبت الجماهير ديناً ما أو رجلاً ما تبعته حتى الموت كما يفعل اليهود مع نبيهم و المسيحيون المتعصبون وراء رهبانهم والمسلمون وراء شيوخهم .. والجماهير اليوم تحرق ما كانت قد عبدته بالأمس و تُغير أفكارها كما تُغير قمصانها." راودني هنا حدث يظهر صحة مقولة لوبون، ففي خطاب لجمال عبدالناصر القائد المصري الذي إستحوذ على قلوب الملايين من العرب، أعلن بأنه أرسل قواته البحرية لإعادة الوحدة بين مصر وسوريا، فقاطعه الجمهور بتصفيق حادٍ استمر بضع دقائق، ولما أكمل خطابه، أردف يقول: لكني عدلت عن موقفي وأمرت بعودتها لإجتناب حرب بين الأخوة، فقاطعه الجمهور أيضا بتصفيق حادٍ إستمر أيضا بضع دقائق. يقول الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون الذي خاض عميقا في علم النفس: "من يعرف إيهام الجماهير يصبح سيداً لهم، ومن يحاول قشع الإوهام عن أعينهم يصبح ضحية لهم". وهو في هذا مصيب لدرجة كبيرة، فأكثر الناس تميل إلى الفكر الأسطوري القادر على تحقيق المعجزات،وتعشق القوة والجبروت حتى لو كان وهماً، لأنها تنال أمنها وتسد ضعفها الذاتي، وبنفس الوقت فهي تنفر من الفكر المنطقي الذي يظهر عجز الإنسان على تحقيق مثل هذه المعجزات. لذا نجد أن معظم الشخصيات التاريخية كانت تعد الناس بأهداف كبرى عظيمة، وأن تحقيقها لايطالها الشك. وكان ينال تصديق الناس بسهولة. عندما تجتمع مجموعة مؤمنة يكون لها إلهاً واحداً (سماوي أو أرضي)، وعندما تتفرق، يصبح لكل واحد منهم إلهاً، ولذلك تحرص الأديان وكذلك الإيديولوجيات على وضع طقوس أو نظام معين لإجتماعات مستمرة وبصورة منتظمة، لتجديد إعطاء الأنزيم الديني أو الأيديولوجي لضمان إستمرار خضوع الناس. ويتمثل هذا الأنزيم عبارات في كتب معينة أو صور ثابتة أو تماثيل أو أيقونات رمزية. فحاذري عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ في أن تنزلا إلى صفوف الجماهير كيفما إتفق، لأن ذلك قد يعيداكما قليلاً إلى الخلف إذا صح ما فكر به غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير: "مجرد أن ينطوي الفرد داخل صفوف الجماهير فإنه ينزل درجات عديدة في سلم الحضارة"
#زاغروس_آمدي (هاشتاغ)
Zagros__Amedie#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حينها سأرحل عن هذه الأرض مطمئناً على مستقبل شعب....
-
هل يمكن تجنّب وقوع الفأس في الرأس؟
-
مقدمة الجزء الثالث من تأريض الإسلام
-
عِندَما يَرَىَ الشَّيْطانُ رَجُلَ دِينٍ، يَكَادُ يمُوتُ ضَاح
...
-
العقل الممنوع من التصرف
-
رؤى سياسية مختصرة (تجاهل الحقائق يعمق تعقيد العلائق)
-
مقالات في كلمات
-
بشار عل عرش يزيد، لكن ما من جديد
-
تأريض الإسلام (14)
-
الكلاب فقط تتجول بحرية
-
تأريض الإسلام (13)
-
فتاة كردية تغزو عرش الطرب العربي الأصيل
-
تأريض الإسلام (12)
-
لا بدّ من ثمن إضافي لنجاح الثورة السورية
-
تأريض الإسلام (11)
-
إلى من يتغنى بالفسيفساء الجميلة في سوريا
-
الضربة الإسرائيلية الأخيرة ومفارقات مضحكة
-
هل جاء الدور على غوّار بعد البوطي على مذبح الفداء ؟
-
سوريا الجديدة بحاجة إلى أسلحة كيميائية ؟
-
فلتحترق سورية، ولا للتدخل الأجنبي؟
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|