|
داعش هى الحركة التصحيحية للوهبنه السعودية
حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4625 - 2014 / 11 / 6 - 23:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد صدم الصعود السينمائى الدرامي لداعش على الساحة العراقية العديدين في الغرب....وأصابت مجازر داعش الكثيرون بالحيرةٍ والرعبٍ بسبب عنفها، وجاذبيتها الواضحة للشباب المتأسلم السني...... ولكن الحيرة الكبرى تكمن فى التناقض السعودي في مواجهة هذه الظاهرة إشكاليًا ..... "ألا يفهم السعوديون أن داعش تمثل تهديدًا لهم، أيضًا؟".... الجدير بالذكر أنه يبدو أن النخبة الحاكمة في السعودية - حتى في هذه اللحظة - منقسمة..... فالبعض سعيدٌ بأن داعش تواجه "النيران" الشيعية الإيرانية بـ "نيران" سنية؛ وأن هناك دولةً سنية جديدة تتشكل في قلب ما يعتبرونه إرثًا سنيًا تاريخيًا؛ كما أنهم مأخوذون بإيديولوجية داعش السلفية المتشددة.....بينما السعوديون الآخرون أكثر تخوفًا، ويسترجعون تاريخ الثورة التي قام بها الإخوان الوهابيون ضد عبدالعزيز ، الأمر الذي كان سيتسبب في انهيار الوهابية وآل سعود بأواخر العشرينيات من القرن العشرين......لذلك يشعر العديد من السعوديين بالانزعاج بسبب العقيدة المتطرفة لداعش ويتشككون الآن في وجهة وخطاب المملكة العربية السعودية.... داعش تكشف بجلاء مدى الازدواجية السعودية فى مواجهة الإرهاب بكل صوره واشكاله !!!... لذلك لا يمكن فهم الخلافات والتوترات الداخلية السعودية بخصوص داعش إلا باستحضار الازدواجية الكامنة (والمستمرة) التي تقع في صميم البنية العقدية للمملكة وأصولها التاريخية....مما لاشك فيه أن أحد أهم الخطوط المهيمنة في الهوية السعودية يرتبط بشكلٍ مباشرٍ بمحمد بن عبد الوهاب (مؤسس المدرسة الوهابية) واستخدام بن سعود لتزمته الفكري المتطرف والإقصائي..... (وقد كان الأخير وقتها مجرد زعيمًا بسيطًا - من بين عديدين - في سياقٍ من السجال المستمر والغارات التي تشنها القبائل البدوية على مواطن الكلأ في صحراء نجد المقفرة).....ويتعلق الشق الثاني لهذه الازدواجية المربكة تحديدًا بالتحول الذي قام به الملك عبدالعزيز لاحقًا نحو تأسيس الدولة بنهاية العشرينيات من القرن الماضي من خلال كبحه للعنف الإخواني (بغرض الحصول على مكانةٍ دبلوماسية كدولةٍ قومية بجوار بريطانيا وأمريكا، (وتأسيسه للاندفاع الوهابي الأصلي) و ما تلى ذلك من سيطرةٍ لاحقة على صنابير البترودولار المتزايدة في سبعينيات القرن العشرين، الأمر الذي مكنه من إبعاد التيار الإخواني المتحمس عن البلاد بتصديره للخارج - من خلال نشر ثورة ثقافية، بدلًا من الثورة العنيفة، في أنحاء العالم الإسلامي....
إلا أن هذه "الثورة الثقافية" لم تكن ذات منحى إصلاحيٍ معتدل..... فقد كانت ثورةً قائمةً على فكر محمد بن عبدالوهاب الذي يشبه فكر اليعاقبة في كراهيته لكل ما يعتبره انحطاطًا وبعدًا عن الصواب، لذلك قامت دعوته على تطهير الإسلام من كل ما ارتبط به من بدعٍ ووثنيات....لقد كتب الكاتب والصحفي الأمريكي، ستيف كول، كيف احتقر محمد بن عبدالوهاب - التابع المتزمت والناقم لعالم القرن الرابع عشر ابن تيمية – "النبلاء العثمانيين والمصريين الذين يتزينون ويضربون على الدفوف ويدخنون التبغ والحشيش وهم يسافرون عبر جزيرة العرب كي يصلوا في مكة....."ففي نظر محمد ابن عبدالوهاب، لم يكن هؤلاء مسلمين؛ بل كانوا دجالين يتخفون في زي المسلمين..... كما أنه في الحقيقة لم يجد سلوك البدو المحليين أفضل كثيرًا...... فقد أثاروا محمد ابن عبدالوهاب بتقديسهم للأولياء وبنائهم الأضرحة ومعتقداتهم الخرافية (على سبيل المثال؛ إجلالهم للمقابر والأماكن التي كان يُعتقد أنها على اتصال خاص بالإله).....فقد نهى الله عن إتيان هذا السلوك - الذي ندد به عبدالوهاب واعتبره بدعًة....وكابن تيمية من قبله، اعتقد عبدالوهاب أن فترة إقامة النبي محمد في المدينة هي النموذج المثالي للمجتمع المسلم (أفضل القرون) الذي يجب أن يسعى المسلمون لمحاكاته (هذه هي السلفية بشكلٍ أساسي)....
مما لاشك فيه أن ابن تيمية أعلن حربًا على الشيعية والصوفية والفلسفة الإغريقية..... وتكلم بصراحةً أيضَا عن رفضه لزيارة قبر النبي والاحتفال بيوم مولده، مصرحًا بأن كل هذه السلوكيات ليست إلا تقليدًا لعبادة المسيحيين للمسيح باعتباره الرب (أي؛ سلوكيات وثنية)..... استوعب عبدالوهاب هذه التعاليم المبكرة، وأشار إلى أن "أي شكٍ أو تردد" من جانب المؤمن فيما يتعلق بهذا التفسير الخاص للإسلام من شأنه أن "يحرمه من الحصانة القائمة على حرمة ممتلكاته وحياته".....هذه القاعدة أصبحت إحدى المبادئ الرئيسة لمذهب محمد ابن عبدالوهاب العقدي المنطلق الأساس للتكفير ...... ففي ظل المذهب التكفيري، استطاع محمد ابن عبدالوهاب وأتباعه اعتبار المسلمين كفارًا إذا ما انخرطوا في أنشطة يمكن الزعم بأي شكلٍ أنها تتجاوز سيادة السلطة المطلقة (التي تتمثل في الملك).... كذلك فقد ندد عبدالوهاب بكل المسلمين الذين يقدسون الموتى أو الأولياء أو الملائكة...... واعتبر أن هذه المشاعر تنقص من الخنوع الكامل لله فقط..... فالإسلام الوهابي، بالتالي، يمنع الصلاة عند الأولياء والموتى المحبوبين، والحج إلى مقاماتٍ ومساجدٍ بعينها، والاحتفالات الدينية بالأولياء، وتقديس يوم مولد النبي محمد، بل وحتى يمنع استخدام شواهد القبور عند دفن الموتى....لذلك كتب يقول : يجب أن يُقتل أولئك الذين لا يمتثلون لهذه الرؤية، وأن تُنتهك أعراض زوجاتهم وبناتهم، وأن تُصادر ممتلكاتهم ....على صعيد أخر طالب محمد ابن عبدالوهاب بالامتثال التام .... الامتثال الذي كان لزامًا أن يتم التعبير عنه بطرقٍ ماديةٍ وملموسة..... فقال أن جميع المسلمين يجب أن يتعهدوا بشكلٍ فرديٍ بالولاء لقائدٍ مسلمٍ واحد (الخليفة، إن وُجد)..... وكتب: يجب أن يُقتل أولئك الذين لا يمتثلون لهذه الرؤية، وأن تُنتهك أعراض زوجاتهم وبناتهم، وأن تُصادر ممتلكاتهم. وهكذا اشتملت قائمة المرتدين الذين يستحقون الموت على الشيعة والصوفيين والطوائف الإسلامية الأخرى التي لم يعتبرها محمد ابن عبدالوهاب مسلمةً على الإطلاق..... وهنا لا يوجد ما يفصل بين الوهابية وداعش..... إذ ينشب الخلاف بعد ذلك فقط: من التأسيس اللاحق لمذهب محمد بن عبدالوهاب العقدي القائم على "حاكم واحد، وسلطة واحدة، ومسجد واحد" ..... فهذه الركائز الثلاث تشير بنفس الترتيب إلى الملك السعودي، السلطة المطلقة للوهابية الرسمية، وسيطرتها على "الكلمة" أو (المسجد).....ويظهر الخلاف من خلال رفض داعش لهذه الركائز الثلاث التي تقوم عليها حاليًا السلطة السنية بأسرها ...وهذا ما يجعل داعش، التي تتطابق مع الوهابية في كل الجوانب الأخرى، تمثل تهديدًا عميقًا للمملكة العربية السعودية....
لقد أدت دعوة محمد ابن عبدالوهاب لهذه الآراء شديدة التطرف بالطبع إلى طرده من مدينته - وفي عام 1741، بعد زمنٍ من التيه، وجد ملجأً تحت حماية بن سعود وقبيلته.... فما أدركه آل سعود في تعاليم عبدالوهاب الجديدة هي أنها وسيلةٌ لقلب نظام العادات والتقاليد العربية.... لقد كانت طريقًا للاستيلاء على السلطة....لقد قامت استراتيجية آل سعود على نفس استراتيجيات داعش اليوم .... استراتيجية تقوم على إخضاع الشعوب التي يغزونها، فقد كانوا يهدفون إلى زرع الخوف...عند هذه النقطة، استطاع آل سعود - متسترين تحت عباءة العقيدة الوهابية - أن يفعلوا ما اعتادوا على فعله دائمًا، أي شن الغارات على القرى المجاورة وتجريد أهلها من ممتلكاتهم..... كل ما في الأمر أنهم كانوا لا يفعلون ذلك الآن في إطار التقليد العربي، وإنما تحت راية الجهاد.... كذلك فقد أعاد كلٌ من آل سعود ومحمد ابن عبدالوهاب تعريف فكرة الشهادة في سبيل الجهاد، والتي تضمن لأولئك الذين اُستشهدوا دخولًا فوريًا إلى الجنة....في البداية، داهموا بضعة مجتمعات محلية وفرضوا حكمهم عليها.... وقد كان الاختيار محدودًا أمام السكان الذين تمت مداهمتهم : إما التحول إلى الوهابية أو الموت.... وبحلول عام 1790، سيطر التحالف السعودى الوهابى على معظم شبه الجزيرة العربية، وشن مرارًا غاراتٍ على المدينة وسوريا والعراق.... فقد قامت استراتيجيتهم - كما هي استراتيجية داعش اليوم - على إخضاع الشعوب التي يغزونها، فقد كانوا يهدفون إلى زرع الخوف..... في 1801، هاجم الحلفاء مدينة كربلاء المقدسة بالعراق، وقاموا بذبح آلاف الشيعة، بما في ذلك النساء والأطفال..... وتم تدمير العديد من الأضرحة الشيعية، بما فيها ضرح الإمام الحسين، حفيد النبي محمد الذي تم قتله.....
وقد كتب المسئول البريطاني، ليوتينانت فرانسيس واردن، الذي كان يتابع الموقف في ذلك الوقت "لقد سرقوا المدينة (كربلاء) كلها، ونهبوا قبر الحسين... وقتلوا خلال اليوم - بوحشيةٍ من نوعٍ خاص - أكثر من خمسة آلاف من السكان …"....وقد كتب أيضًا أسامة بن بشر النجدي - مؤرخ الدولة السعودية الأولى - أن آل سعود ارتكبوا مذبحة في كربلاء عام 1801. وسجّل هذه المذبحة قائلًا، "لقد استولينا على كربلاء وذبحنا واتخذنا أهلها (عبيدًا)، فالحمد لله رب العالمين، ونحن لا نعتذر عن ذلك، بل نقول: ’وللكافرين : نفس المعاملة‘"...وفي عام 1803، دخل عبدالعزيز المدينة المقدسة "مكة"، التي استسلمت تحت تأثير الإرهاب والخوف (نفس المصير الذي لاقته "المدينة" أيضًا). وهدم أتباع محمد ابن عبدالوهاب المعالم التاريخية، ومن بينها كل المقابر والأضرحة.... وفي النهاية، دمّروا قرونًا من العمارة الإسلامية التي كانت تجاور المسجد الحرام....إلا أنه في نوفمبر من العام 1803، قتل رجل شيعي الملك عبدالعزيز (انتقامًا منه لمذبحة كربلاء).... خلف الملك ابنه، سعود بن عبدالعزيز، وواصل غزو الجزيرة العربية..... إلا أن الحكام العثمانيين لم يعودوا قادرين على الجلوس وهم يشاهدون امبراطوريتهم يتم التهامها قطعةً قطعة.... في 1812، طرد الجيش العثماني، المكون من المصريين، الحلفاء خارج المدينة وجدة ومكة.... وفي 1814، مات سعود بن عبدالعزيز متأثرًا بالحمى.... وقد أٌسِر ولده عاثر الحظ، عبدالله بن سعود، وتم اقتياده إلى اسطنبول حيث أُعدم بشكلٍ مروِّع (ذكر أحد زوار اسطنبول أنه رآه وهو يتم إذلاله في شوارع اسطنبول لثلاثة أيام، ثم شُنق بعد ذلك وقُطعت رأسه وتم إطلاقها من فوهة المدفع، ثم استُئصل قلبه وقُطِّع وغرست أجزاؤه في جسده) .....وفي 1815، سحق المصريون (الذين كانوا يقاتلون في جانب العثمانيين) القوات الوهابية في معركةٍ حاسمة. وفي عام 1818 استولى العثمانيون على العاصمة الوهابية "الدرعية" ودمروها..... وبذلك انتهت الدولة السعودية الأولى..... وانسحبت الأعداد القليلة الباقية من الوهابيين إلى الصحراء لإعادة ترتيب صفوفهم، وبقوا هناك في سكون لمعظم القرن التاسع عشر....
ليس من الصعب إذن أن نفهم كيف أن تأسيس "الدولة الإسلامية" بواسطة داعش في العراق اليوم قد يعيد أصداءً تاريخية بين أولئك الذين يتذكرون هذا التاريخ فالتاريخ يعيد نفسه مع داعش.... وفي الحقيقة، فإن روح وهابية القرن الثامن عشر ما زالت مقتصرةً فقط على نجد، ولكنها عادت مرةً أخرى إلى الحياة عندما انهارت الامبراطورية العثمانية في خضم الفوضى التي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى.....فقد انضوى آل سعود - في فترة نهضتهم بالقرن العشرين - تحت لواء عبدالعزيز - الرجل الهادئ والمخضرم سياسيًا - الذي قام، في سياق توحيد القبائل العربية العنيدة، بإطلاق حركة "الإخوان" السعوديين بنفس الروح القتالية التبشيرية المبكرة لعبدالوهاب وبن سعود.....لقد كان "الإخوان" نسخةً أخرى للحركة الطليعية الشرسة شبه المستقلة المبكرة "للأخلاقيين" الوهابيين المسلحين الذين كانوا قد نجحوا تقريبًا في الاستيلاء على الجزيرة العربية بأوائل القرن التاسع عشر..... ومثلما حدث سابقًا، نجح "الإخوان" في الاستيلاء على مكة والمدينة وجدة بين عامي 1914 و1926..... وبالرغم من ذلك، فقد بدأ عبدالعزيز يشعر بأن "اليعقوبية" الثورية التي يظهرها "الإخوان" تمثل تهديدًا لمصالحه الواسعة..... وبالفعل، ثار الإخوان عليه - مما أدى لحربٍ أهلية استمرت حتى ثلاثينيات القرن العشرين عندما أخمدها الملك بالانتصار عليهم: حيث أطلق عليهم النار باستخدام الأسلحة المتطورة.....
في عهد الملك (عبدالعزيز)، بدأت الحقائق البسيطة للعقود الماضية في التآكل.... إذ كان النفط يتم اكتشافه في شبه الجزيرة، وكانت بريطانيا وأمريكا تغازلا عبدالعزيز، وإن لم يزلوا حتى ذلك الوقت أقرب لدعم الشريف الحسين كحاكمٍ شرعيٍ وحيدٍ لجزيرة العرب..... ومن هنا احتاج السعوديون أن يطوروا موقفًا دبلوماسيًا أكثر تعقيدًا....لذلك تم تغيير "الوهابية" بالقوة من كونها حركة جهادٍ ثورية قائمة على التطهر الديني التكفيري، لتصبح حركة دعوية محافظة اجتماعيًا وسياسيًا ودينيًا (الدعوة الإسلامية) وأن تعمل كمؤسسةٍ تبرر الالتزام بالولاء للعائلة السعودية المالكة ولسلطة الملك المطلقة....بظهور الثروة النفطية تمثلت الأهداف السعودية في "إيصال ونشر الوهابية في جميع أنحاء العالم الإسلامي… أي العمل على "وهبنة" الإسلام، وبالتالي اختزال "الأصوات والآراء الدينية المتنوعة في "عقيدةٍ واحدة" - الحركة التي كان من شأنها تجاوز الانقسامات القومية.... وقد تم - ولا يزال يحدث - استثمار مليارات الدولارات في هذا الشأن تعبيرًا عن القوة الناعمة للسعودية....
لقد كان مزيجًا مُسكرًا من تصاعد القوة الناعمة المدعومة بمليارات الدولارات، والرغبة السعودية في السيطرة على الإسلام السني على حدٍ سواء مع العمل على تعزيز مصالح الولايات المتحدة، فقد رسخت، بالتزامن، الوهابية دراسيًا واجتماعيًا وثقافيًأ في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وهو بدوره تحول إلى جزءٍ من سياسة الاعتماد الغربية على السعودية، سياسة الاعتماد التي بدأت منذ اجتماع عبدالعزيز مع روزفلت على سفينة حربية أمريكية (أثناء عودة الرئيس من مؤتمر يالطا) و حتى اليوم....لقد ركًز الغرب اهتمامه على المملكة، ونظروا إليها من منطلق الثروة، والتحديث الظاهري، والقيادة المزعومة للعالم الإسلامي.... واختاروا الافتراض بأن المملكة ستخضع أمام ضرورات الحياة الحديثة، كما أن إدارتها للإسلام السني ستثنيها عن تشددها وتُخضعها أيضًا للحياة الحديثة.... لايختلف اثنان أن داعش حركةً وهابية بشكلٍ عميق، ومن جانبٍ آخر، فهي شديدة التطرف بطريقة مختلفة، ومن الممكن أن ننظر إليها جوهريًا باعتبارها حركةً تصحيحية للوهابية المعاصرة....
ولكن رؤية "الإخوان السعوديين" للإسلام لم تمت في ثلاثينيات القرن العشرين.... لقد تراجعت، ولكنها بقيت مسيطرةً على بعض مفاصل النظام وهذا هو مصدر الازدواجية التي نلاحظها اليوم في الموقف السعودي تجاه داعش.....فمن جانبٍ تعد داعش حركةً وهابية بشكلٍ عميق. ومن جانبٍ آخر، فهي شديدة التطرف بطريقة مختلفة..... ومن الممكن أن ننظر إليها جوهريًا باعتبارها حركةً تصحيحية للوهابية المعاصرة....فداعش هي حركة "ما بعد المدينة": إنها تنظر لأفعال كلا الخليفتان الأولان، بدلًا من النبي محمد نفسه، كمصدرٍ للتقليد وللمحاكاة، كما أنها تنكر بقوةٍ ادعاء السعوديين بحقهم في تولي السلطة....ومع تطور الملكية السعودية في زمن النفط لتصبح مؤسسة أكثر تضخمًا، كسبت دعوة الإخوان مزيدًا من الأرض (برغم الحملة التحديثية التي قام بها الملك فيصل). فقد تمتعت "رؤية الإخوان الوهابيين " - ولا تزال تتمتع - بدعم من العديد من الرجال والنساء والمشايخ البارزين. وبمعنى من المعاني، كان أسامة بن لادن تمثيلًا دقيقًا للازدهار الذي حدث مؤخرًا لدعوة الإخوان.....لذلك لا يبدو أن تقويض داعش لشرعية الملك إشكاليٌ، بل يمكن اعتبار ذلك عودةً للمشروع السعودي - الوهابي الأصلى....فخلال الإدارة التنسيقية المشتركة للمنطقة من قبل السعوديين والغرب، وفي سياق تنفيذ المشروعات الغربية (مواجهة الاشتراكية والفكر البعثي والناصرية والنفوذ السوفيتي والإيراني)، سلّط السياسيون الغربيون الأضواء على عناصرٍ انتقائية تؤكد قراءتهم لموقف السعودية (الثروة والتحديث والنفوذ)، ولكنهم اختارو تجاهل المكوّن الوهابي.....
وفي نهاية المطاف، كانت أجهزة الاستخبارات الغربية تنظر إلى الحركات الإسلامية الأكثر تطرفًا باعتبارها أكثر فاعلية في دحر الاتحاد السوفيتي في أفغانستان - وفي قتال بلدان وزعماء الشرق الأوسط المغضوب عليهم....فلماذا يجب أن نندهش إذن من أن التفويض الغربي - السعودي للأمير بندر في التعاطي مع التمرد في سوريا ضد الرئيس السورى كان من شأنه أن يؤدي لنشوء طبعة إخوانية جديدة في صورة حركة عنيفة تعتمد على زرع الخوف: هى داعش؟ ولماذا يجب أن نندهش - إذا كنا نعرف القليل عن الوهابية - من أن المتمردين "المعتدلين" في سوريا أصبحوا أكثر ندرةً من أحادي القرن الأسطوري؟ لماذا كان ينبغي علينا أن نتخيل أن الوهابية ستخلق معتدلين؟ أو لماذا تخيلنا أن المذهب العقدي القائم على "زعيم واحد وسلطة واحدة ومسجد واحد: تعترف بهم أو تٌقتل" كان بإمكانه أن يؤدي بنهاية المطاف إلى اعتدالٍ وتسامحٍ؟....أو ربما لم نكن نتخيل من الأساس...
حمدى السعيد سالم صحافى ومحلل سياسى
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلدك بتناديك : اطردوا الفلسطينيين من مصر
-
محمد الدوانسى بطل مصر وافريقيا والعالم فى الفنون القتالية يش
...
-
جندى مصرى
-
متعيطيش بقى يا أمه
-
لا تضعوا السلطة فى أكواب حزب النور السلفى
-
طلقة حبر
-
داعش والأمريكان إيد واحدة
-
دير سانت كاترين أحد قلاع الوطنية المصرية
-
لا تعاطف ولا رحمة مع الخونة والعملاء
-
مشروع ممر التنمية مشروع فاشل
-
فكروا تصحوا
-
مرسى الجاسوس
-
خد فشار يا وزير التعليم
-
أنا
-
عقلية الثرى العربى
-
داعش فرقعة اعلامية امريكية
-
موتوا بغيظكم ايها الخرفان
-
ورحل البطل المثال : علي عثمان بلتك
-
الإخوان وخلخلة النظم الاقليمية لصالح امريكا
-
وساخة سياسية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|