غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 12:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ماذا أصــاب ربــيــعــكــم.. يـا عـــرب؟؟؟!!!...
من منا لا يتذكر بداية البدايات, من انطلاقة ما سمي "الربيع العربي" من أرض تونس.. وهذا "البوعزيزي" الذي أحرق نفسه, ليلفت انتباه العالم كله لضيق حياته, ولنظام يحرمه حتى من التنفس والصراخ والاعتراض على فقره وآماله المفقودة... من منا لا يتذكر هذا الرجل التونسي الشائب قبل الأوان.. بعد موت البوعزيزي وانفجار الشارع التونسي, صارخا أما كاميرات تلفزيون قطري, أصبح حينذاك بمخطط تحضيري مدروس C N N العالم العربي كله, لتهيئة غسل الأدمغة... هل تذكرتم هذا الشائب الذي رددت صرخته هذه المحطة مئات المرات : تـعـبـنـا.. هرمنا.. هرمنا.. تعبنا... حتى أصبحت هذه الصرخة علامة انطلاقة الربيع العربي من المحيط إلى الخليج.......ولـــكـــن!!!...
عدة سنين فقط مضت منذ " هرمنا.. تعبنا "... ولكنني أنا هرمت بعدها كأنني اجتزت خمسين سنة على هذا الطريق... حيث اجتزت من الأمل الإيجابي.. إلى التشاؤم واليأس السلبي القاتل... ورأيت كيف تحول هذا الربيع.. وما زال.. إلى خريف أســود.. كل ما أنتج أسود.. وأينما عبر خراب وقتل وموت وتهجير ويباس.. ويأس أســود بلا حدود.. والأخ يقتل أخاه... وتحولت كل مبادئ الدين والسلام.. إلى شــريـعـة قــتــل مفتوحة على السبي والغزو والاغتصاب.. كل هذا تحت أعلام تحمل توحيد الله واسم رسوله إلى بلاد العرب... دون أن يتحرك هذا الإله من عرشه, ليرأف بملايين القتلى والمنكوبين والضحايا.. طيلة سنوات الخريف.. والتي ما زالت حتى هذا المساء تقتل وتسحل وتذبح باسمه.. وحسب أحدث أســالـيب شريعته... دون أن يـجرؤ أحــد ممن يسمى " معتدل " من غالب أصدقائي الذين واكبتهم وعشنا معا سنوات مريرة أو هنيئة.. أن يــصــرخ.. كـــفـــا!!!... لا هذا هو الربيع الذي حلمنا بـه.. ولا هذا هو الإســلام... وكم يحزنني ألا يصرخ معي أصدقائي "المعتدلون" : يا بشر.. يا قوم.. ما هكذا هو الإســلام... والــســلام!!!...
أهذا ما كنتم ترغبون بربيعكم العربي, والذي تحول إلى جــهــنــم داعشي.. ولا أقول " خــريــف " لأن في الخريف ــ نوعا ما ــ من ضروريات الطبيعة.. ولكن ما قبلتم, وما وافقتم, وما تآمرتـم, وما بايعتم باسم وحدة الأمة الإســلامـيـة, أبعدكم وأبعدنا, عن كل حقائق الدنيا ومطالب الإنسان العاقل. لأننا وقعنا في جورة الذئاب.. وهربنا من الدب حتى نقع في الجب.. بلا خلاص.. بلا أمل.. نحن اليوم أبشع أمة في الأرض.. وليس أفضل أمة عند الله كما تدعون.. وما هذا الإله الذي تقتلون وتذبحون باسمه.. سوى صورة معكوسة من لحاكم المغبرة وشرائعكم المزورة... ألا ترون كيف ينظر العالم إلينا؟؟؟.. ويصنفنا.. وأسامينا على مفارق الطرقات والحواجز والحدود مكتوبة : إرهـــاب!!!... نقتتل بين بعضنا البعض.. كالذئاب الجائعة.. كالذئاب المجنونة.. كالذئاب المريضة... ولست أدري إن عدنا نصنف بين البشر.. حتى أننا صرنا نستقطب ذئاب الأرض الجائعة كلها.. عــنــدنــا تجذبهم رائحة الدم والموت والقتل الــمــشــرع... فأتوا واجتمعوا وتسلحوا وتدربوا وتسابقوا على طريق الموت والموات ونهش القلوب وتفجير صدورهم.. أقصر طريق للجنة.. الموت للوصول إلى الجنة.. هذا آخر ما انتجوا من علم وثقافة وحضارة... وأعادوا الخلافة.. ولم يعد في العالم كله أيـة خلافة...يعني توقف الزمن.. وعدنا بمسيرة الزمان والحضارة خمسة عشر قرنا إلى الوراء.. إلى غياهب البدايات والعتمة...
وأنا أيضا هرمت.. تعبت.. وتعبت وهرمت من الصراخ والتفسير والشرح والنقاش.. مع أصدقائي.. مع موالين.. مع حياديين.. مع معارضين راديكاليين.. ومع معارضين بالأمس وموالين اليوم.. وحتى مع فرنسيين لا يفقهون أي شــيء من الغرائب العجائب الداعشية.. أو مما تتركه سلطات دمشق وقمتها من آثار سلبية على غالب وسائل الإعلام الأوروبي التي تسيطر عليها غالبا جهات معادية كليا لبشار الأسـد وأبيه.. وأشرح وأشرح.. كأنني أكتب على رمال سرعان ما تغمرها مياه البحر... والبلد مقسم مــجــزأ... حتى اصبح مواطنوه يهللون... إن استطاعوا السفر بأمان ما بين اللاذقية وطرطوس... كأنه انتصار وحدث عالمي... يعني أنهم اعتادوا على الأمان المحدود.. تقنين الأمان أصبح كتقنين الماء والكهرباء والماء والتنقل...هذا ما يثيرني ويقلقني ويحزنني... كما يثيرني ويقلقني ويحزنني.. مناظر الأطفال تشاهد رجم امرأة أو صلب مواطن لم يبايع أمير داعش.. أو جلد بريء اتهم زورا تعاطي منكر... أي جيل سوف يــورث هذا البلد الممزق, والذي انهار بعد أن نام على أقدم حضارة في الدنيا.. واستيقظ على جماعات لا تنشر سوى الرعب والجهل والموت... قادمين من غياهب الرعب والجهل والموت... رافعين أعلام الرعب والجهل والموت......
صــرخة إضــافـيـة في وادي الــطــرشـــــــان........
***********
عـلى الــــهـــامـــش :
ــ نشرت جريدة لوموند الفرنسية Le Monde بنشرتها التي تبث على النت للمشتركين فقط تحقيقا موسعا, شارك فيه عديد من الصحفيين المختصين بصفحتها عن الشرق الأوسط, بعنوان :
« L’enfer secret des otages de l’Etat Islamique «
"جهنم السرية لرهائن الدولة الإســلامية"
يتكلم هذا التحقيق بصفحات موسعة عن الرهائن الأوروبيين والأمريكان والسوريين في سوريا, وفي مدينة حلب والرقة, مع العدد القليل الذين دفعت دولهم لــفــك اٍسرهم واشترتهم من المنظمات الإسلامية التي خطفتهم.. وكيف بيعوا من منظمة إسلامية إرهابية.. إلى منظمة أوسع.. حتى وصلوا إلى أيدي داعش.. يعني جــهــنــم برعبها التيولوجي الأسطوري الكامل.. مارسه عليهم سجانون بريطانيون أو فرنسيو الجنسية.. بلا إي إحساس بشري. وكيف ذبح العديد من الصحفيين الذين لم تقبل دولهم المفاوضة عليهم ودفع عدة ملايين أورو, لفك أسرهم... مثل James Foley الأمريكي الذي شاهدنا فظاعة ذبحه مباشرة على اليوتوب, كما سبقه وتبعه العديد من الضحايا الذين ذبحوا.. رغم اعتناق غالبهم الإســلام, أثناء فترة اختطافهم وأسرهم الطويلة.. واستمرار تعذيبهم يوميا ولفترات طويلة.. ثم تحويلهم إلى بضاعة للبيع لأهاليهم أو لدولهم... كما يذكر التحقيق.
سلسلة من الرعب الوحشي اللاإنساني...
ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية, والتي نعرف كلنا أنها هي خالقة أولى نوايا هذه المنظمات الإسلامية الإرهابية.. والتي تدعي أنها (سوف) تحاربها وتفككها.. والتي ما زالت تنتفخ وتكبر.. وترعب وتقتل.. حتى أنها صــارت خلافة... ولها عــلــم وشــريـعـة...
وما نرى من تطورات على الأرض السورية, وفي مدينة عين العرب Kobané أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها وطيرانها, لا يحاربون داعش ولا يصيبون مناطقها وأسلحتها.. بالعكس ما زالوا يزودونها بالخبراء والعتاد والسلاح والمعلومات.. حتى أن آخر تقرير ورد من منظمات أممية مستقلة, نشرته جرائد بريطانية وأمريكية... أن خمسة عشر ألف مقاتل جديد قد انضموا إلى داعش, قادمين من تركيا والأردن, خلال شهر أكتوبر الماضي من هذه السنة...
عمليات الكذب والخداع والمماطلة والتمويه... مستمرة... كما عمليات الترويع والقتل والتهجير في العديد من المناطق السورية والعراقية......
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأكارم الأحبة.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق وأطيب تحية مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟