أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - أحداث في ذاكرتي/ الحلقة السادسة















المزيد.....

أحداث في ذاكرتي/ الحلقة السادسة


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 4621 - 2014 / 11 / 1 - 11:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


1/11/2014

تشكيل الجبهة الوطنية لخوض الانتخابات

رداً على سياسة السلطة الحاكمة المتجاهلة لإرادة الشعب دعت الأحزاب والقوى السياسية، وكافة المنظمات الديمقراطية والنقابات، إلى لقاء يهدف إلى تشكيل جبهة موحدة لخوض الانتخابات النيابية المزمع اجرائها.

وبالفعل تم اللقاء الذي حضره ممثلون عن الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي وحركة أنصار السلام ومنظمات الطلاب والشباب، والنقابات العمالية والمهنية كنقابة المحامين والأطباء، وممثلي الفلاحين، وتدارس الجميع موضوع ضرورة إقامة جبهة وطنية لخوض الانتخابات العامة، وقد تم التوقيع على الميثاق في 12 أيار 1954، وكان لهذا الميثاق وقع الصاعقة على الفئة الحاكمة بالنظر لما تضمنه الميثاق من البنود وهي:
1ـ إطلاق كافة الحريات الديمقراطية كحرية الرأي، والنشر، والاجتماع، والتظاهر والإضراب وتأليف الجمعيات وحق التنظيم السياسي والنقابي.
2 ـ الدفاع عن حرية الانتخابات.
3 ـ إلغاء معاهدة 1930، والقواعد العسكرية، وجلاء الجيوش الأجنبية، ورفض جميع التحالفات العسكرية الاستعمارية بما فيها الحلف التركي الباكستاني، وأي نوع من أنواع الدفاع المشترك .
4 ـ رفض المساعدات العسكرية الأمريكية التي يراد بها تقييد سيادة العراق، وربطه بالتحالفات العسكرية الاستعمارية.
5 ـ العمل على إلغاء امتيازات الشركات الأجنبية الاحتكارية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنهاء دور نظام الإقطاع، وحل المشاكل الاقتصادية القائمة، ومشكلة البطالة المستفحلة، وغلاء المعيشة، ورفع مستوى معيشة الشعب بوجه عام، وتشجيع الصناعة الوطنية وحمايتها.
6 ـ العمل على إزالة الآثار الأليمة التي خلفتها كارثة الفيضان عام 1954، بإسكان جميع المشردين من ضحايا تلك الكارثة، وتعويض المتضررين، وتأليف لجنة نزيهة محايدة لتحديد مسؤولية المقصرين، واتخاذ كل ما يلزم لدرء أخطار الفيضان في المستقبل.
7 ـ التضامن مع الشعوب العربية، في كفاحها العادل من أجل استقلال البلاد العربية، وتحرير فلسطين .
8 ـ العمل على إبعاد العراق والبلاد العربية عن ويلات الحرب
وقد وقع على الميثاق كل من :
1ـ ممثل الحزب الوطني الديمقراطي
2 ـ ممثل حزب الاستقلال
3 ـ ممثل الفلاحين، نايف الحسن
4 ـ ممثل العمال ـ كليبان صالح
5 ـ ممثل الشباب ـ صفاء الحافظ
6 ـ ممثل الأطباء ـ د . احمد الجلبي
7 ـ ممثل المحامين ـ عبد الستار ناجي
8 ـ ممثل الطلاب ـ مهدي عبد الكريم

وطبيعي أن الخمسة الأخيرين كانوا يمثلون الحزب الشيوعي، بسبب الحظر المفروض على الحزب وملاحقة أعضائه ومؤيديه، فقد جرى الاتفاق على تمثيل الحزب الشيوعي بهذه الطريقة .

أحدث إعلان ميثاق الجبهة الوطنية في 12 أيار 1954 زلزالاً كبيراً لدى السلطة الحاكمة، التي أقلقها أشد القلق اللقاء الذي تم بين الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال، والحزب الشيوعي بهذا الشكل العلني الواسع الذي ينم عن التحدي، وأخذت هذه السلطة تبذل قصارى جهدها للحيلولة دون نجاح مرشحي الجبهة الوطنية في الانتخابات بكل الوسائل والسبل، من إرهاب وتزوير ورشاوى وغيرها.

وفي المقابل نشطت الجبهة الوطنية في تعبئة الجماهير الشعبية لخوض المعركة الانتخابية، وتحدي إجراءات السلطة مهما كلفها الأمر.

ونشطت القوى المؤيدة للبلاط، وبضمنها حزبا نوري السعيد وصالح جبر [الاتحاد الدستوري] و[حزب الأمة الاشتراكي] وشيوخ الإقطاع الموالين للبلاط ، مكونين جبهة واحدة على الرغم من التنافس بين البلاط وكتلة نوري السعيد، والذي بدا واضحاً عند تأليف وزارة ارشد العمري التي لم يدخلها أحد من حزب نوري السعيد، لكي يضمن عبد الإله أغلبية موالية له في الانتخابات.

تم تحديد يوم الأربعاء المصادف 9 حزيران للانتخاب، وكان النشاط من قِبل الطرفين يجري على قدم وساق، ولازلت أذكر ذلك اليوم الذي جرت فيه تلك الانتخابات، والأيام التي سبقته، حيث كانت القوى الوطنية تعمل متكاتفة كخلية نحل في أعداد وتعبئة الجماهير للمشاركة في الانتخاب، والتصويت لمرشحي الجبهة الوطنية في الموصل.
وكان لي شرف المساهمة النشطة بتلك الحملة الانتخابية، حيث عملنا المستحيل من أجل فوز كافة مرشحي الجبهة الوطنية، وإفشال مرشحي الحكومة والبلاط، رغم كل المحاولات التي بذلتها الإدارة، والأجهزة الأمنية للتلاعب في الانتخابات حيناً، وفي التهديد وإخافة الناس البسطاء حيناً آخر.

لقد كان ذاك اليوم عيداً وطنياً كبيراً لدى أبناء الشعب في الموصل، فقد فاز مرشحو الجبهة الوطنية بالمقاعد الخمسة المخصصة لمدينة الموصل، وفشل كافة مرشحي السلطة، وخرجت الجماهير الشعبية في اليوم التالي لتوديع النواب المنتخبين في طريقهم إلى بغداد لحضور الجلسة الأولى للمجلس النيابي، وقابلتنا الشرطة بالهراوات، وأخذت تلاحق جماهير الشعب، وتم اعتقال أعداد منا، واستطعتُ الهرب من أيدي شرطة نوري السعيد قافزاً فوق سياج المقبرة التي على يسار الطريق الذي سلكته المظاهرة لكني سقطت على الأرض، وكان فيها بقايا زجاج قنينة مكسورة فأصبت بجرح في ساقي واستطعت ربط الجرح بمنديل والسير في المقبرة على عكس الطريق لكي أصل إلى منطقة بعيدة عن أنظار الشرطة حيث خرجت للشارع واستأجرت عربة[ ربل] وعدت إلى البيت، وكان هربي قد أنقذني من الفصل من وظيفتي، حيث كنت آنذاك مديراً لمدرسة الحضر، وساعدتني الصدفة على التخلص من الاعتقال.

لكن الانتخابات التي جرت في بقية المناطق كانت بعيدة كل البعد عن التمثيل الحقيقي لإرادة الشعب، وذلك بسبب هيمنة الإقطاعيين الواسعة، وبسبب تدخلات السلطة، وخاصة في بغداد، والمدن الرئيسة، فكانت النتيجة فوز 11 نائباً من الجبهة الوطنية من مجموع عدد النواب البالغ 135 نائباً، فيما فاز حزب نوري السعيد [ الاتحاد الدستوري] بـ51 مقعدا، وفاز حزب صالح جبر [ الأمة الاشتراكي] بـ 21 مقعداً،فيما فاز 38 إقطاعياً من أعوان السلطة الحاكمة بالتزكية دون منافس.

رفعت الجبهة الوطنية مذكرة إلى الحكومة، وموجهة بالذات إلى وزير الداخلية، في 1 حزيران 1954، تحتج فيها على الانتهاكات الصارخة، والتدخلات غير المشروعة للسلطة في الانتخابات، وحرمان مرشحي الجبهة الوطنية من حق الدعاية الانتخابية، وعقد الاجتماعات الانتخابية والاتصال مع جماهير الشعب، وإشاعة الخوف والإرهاب بين الناس، واعتقال مؤيدي الجبهة الوطنية، وزجهم في السجون، بشكل سافر أمام أعين الجماهير الشعبية لإرعابهم ومنعهم من التصويت لمرشحي الجبهة الوطنية. وجرى إبعاد مرشحي الجبهة الوطنية في الحلة والكوت عن مناطقهم الانتخابية مخفورين، حيث تم نقلهم بالسيارات المسلحة للشرطة. كما جرت مذبحة في مدينة الحي عندما حاول أبناء الشعب تقديم المرشح المنافس للإقطاعي الكبير[عبد الله الياسين]، حيث قام رجاله البالغ عددهم أكثر من 100 مسلح بالاعتداء على أبناء الشعب، وقد ذهب ضحية الاعتداء المسلح أحد المواطنين وجرح 15 آخرين.

أثارت المذبحة هيجاناً شديداً لدى الجماهير الشعبية، وهبت المظاهرات المنددة بالإقطاع والسلطة الحاكمة، وقد شارك في المظاهرات سائر أبناء الحي نساءً ورجالاً، وقد تصدت لهم قوات الشرطة بكل الوسائل القمعية، حيث وقع المزيد من الجرحى، وألقت الشرطة القبض على 74 مواطناً، حيث أحيل 52 فرداً منهم إلى المحاكمة، وحكم على المناضل الشيوعي [علي الشيخ حسين] بالإعدام، وعلى الباقين بالسجن لمدد مختلفة.
بهذا الأسلوب، وبهذا الجو الإرهابي أجرت السلطة الحاكمة الانتخابات، كي تضمن فوز مرشحي النظام، في محاولة مستميتة منها لمنع وصول أي معارض إلى قبة البرلمان.

ومع أن عدد الفائزين من مرشحي الجبهة الوطنية كان 11 نائباً فقط، فقد أقلق ذلك العدد السلطة الحاكمة كثيراً، وهالها أن ترى نخبة مثقفة واعية على مقاعد البرلمان، تقف بالمرصاد للمخططات الإمبريالية التي يراد بها ربط العراق بالأحلاف العدوانية، وبدأت تفكر بالتخلص منهم ومن هذا البرلمان منذ أن أعُلنت نتائج الانتخابات.

ولم يعقد المجلس الجديد سوى جلسة واحدة فقط، في يوم الاثنين 26 تموز 1954، لسماع خطاب العرش، فقد صدرت الإرادة الملكية بتعطيله حتى تم حله على يد حكومة نوري السعيد التي خلفت حكومة أرشد العمري بعد الانتخابات، وصدرت الإرادة الملكية بحله في 3 آب 1954، لكي يجري نوري السعيد انتخابات جديدة، يحول فيها دون وصول أي معارض إلى البرلمان، فكانت النتيجة المجئ بمجلس التزكية المعروف، والذي سأتحدث عنه فيما بعد .

تخرجي من معهد المعلمين وتعييني في محافظة ديالى
في حزيران 1953 تخرجت من معهد المعلمين، حيث جرى توزيع وجبتنا على مختلف المحافظات العراقية، وكان نصيبي محافظة ديالى، ففي 21 أيلول 1953 تم تعيني معلماً في قرية الحويش التابعة لقضاء الخالص، وهي أقرب قرية إلى بغداد حيث تبعد عنها مسيرة حوالي نصف ساعة بالسيارة، مما مكنني من السفر إلى بغداد في نهاية كل أسبوع، حيث الملل والضجر، والابتعاد عن الأهل من جهة، وعن العمل الحزبي من جهة أخرى، ولذلك لم استطع الاستمرار في العمل في تلك القرية سوى شهر واحد فقط، حيث قدمت استقالتي إلى مدير التربية.

لكن مدير التربية حاول إقناعي بالعدول عن الاستقالة، وأصدر لي أمراً للنقل إلى قضاء مندلي، مهددا أياي في حالة الإصرار على الاستقالة بأن يطلب من محافظة الموصل عدم إعادة تعييني فيها مرة أخرى. فكرت في الأمر برهة، ثم قلت في نفسي لماذا لا أجرب الذهاب إلى مندلي؟ وعليه وافقت على السفر حيث وصلت مندلي مساء ذلك اليوم، واستقبلني مدير المدرسة، وأّمنَ لي غرفة للمبيت فيها ريثما يجد لي سكناً دائمياً.

في صباح اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة وأنا أعيش في دوامة، فلقد ابتعدت كثيراً في مدينة مندلي الواقعة على الحدود الإيرانية في أقصى الشرق، وابتعدت عن بغداد التي كنت أزورها كل أسبوع، وشعرت أن الدنيا قد ضاقت بي، فقررت العودة إلى بعقوبة لتقديم استقالتي مرة أخرى، وقابلت مدير التربية، وأبلغته أنني مصر على الاستقالة، وأنه حر في الكتابة إلى محافظة الموصل، والطلب إليها عدم إعادة تعييني مرة أخرى.

وصدر كتاب الاستقالة، وأعطى مدير التربية صورة منه إلى محافظة الموصل طالباً عدم إعادة تعييني عندهم، وغادرت بعقوبة عائداً إلى بغداد ومنها إلى الموصل، وبمجرد وصولي إلى الموصل تنفست الصعداء، فقد عدت إلى مسقط رأسي وأهلي، وبين رفاقي وأصدقائي، وعدت إلى ممارسة عملي السياسي من جديد.

حاول أهلي إبعادي عن العمل السياسي بسبب القلق والخوف من أن أتعرض للسجن والتعذيب إذا ما انكشف أمري، حيث كانت السلطة الحاكمة تلاحق الشيوعيين، ويجري تعذبهم أشنع تعذيب للحصول على الاعترافات عن تنظيمات الحزب، وقد أقنعوني بدراسة الهندسة في دمشق، وكانت هذه هي رغبتي الشديدة، وبالفعل قدمت طلباً لجامعة دمشق، وتم قبولي فيها، وسارعت بإرسال رسالة للحزب طالباً الموافقة على سفري، لكن الحزب رفض طلبي وابلغني برسالة جوابية تضمنت التالي: { يجب إخضاع كافة المصالح الشخصية للحزب دون قيد أو شرط، نمنعكم من السفر}.

وبسبب اندفاعي للعمل الحزبي التزمت بقرار منظمة الحزب وألغيت مشروع دراستي للهندسة في دمشق، وقررت التشبث بالتعيين في محافظة الموصل على الرغم من طلب مدير معارف محافظة ديالى، وتوسط أحد أصدقاء والدي في الأمر، وكان مديراً للتحريرات في المحافظة، حيث استصدر قراراً من المتصرف [المحافظ ] بتعييني من جديد على ملاك محافظة الموصل.

تلقفت القرار وأسرعت إلى مديرية معارف الموصل، وقدمت لوكيل المدير التربية قرار تعيني من المحافظة، حيث أصدر قراراً بتعيني في منطقة الحضر التاريخية المشهورة، وطلب مني افتتاح أول مدرسة فيها. وهكذا استلمت أمر التعيين، وسافرت إلى الحضر في 20 كانون الأول 1953، وتم افتتاح المدرسة في اليوم التالي، وكنت في تلك الحالة معلماً ومديراً للمدرسة، وأقوم بتدريس جميع المواد للصف الأول.

كانت ظروف عملي في الحضر صعبة للغاية، حيث أنها تقع في وسط الصحراء، وبعيدة عن مدينة الموصل مسافة 160 كيلومتر، وطريقها غير معبد، وعند هطول الأمطار ينقطع الطريق لبضعة أيام، وكان سكان المنطقة هم شرطة البادية، حيث كانت الحضر مقراً لمديرية شرطة البادية، وكان سائر طلابي من أولاد الشرطة، وكان مدير الشرطة العقيد [حسين قزاز] يتمتع بسلطة حاكم مطلق بموجب قانون العشائر السيئ الصيت في العهد الملكي، ويستطيع الحكم بالسجن لسنوات طويلة، وكان أفراد شرطة البادية يهابونه كثيراً جداً.
وبسبب تلك الظروف الصعبة كان ينبغي أن أكون حذراً جداً من انكشاف أمري كشيوعي ملتزم، فكنت حذراً من إقامة أية علاقة معهم، ومع ذلك كان البعض منهم يزورني في المدرسة التي أسكن فيها في الوقت نفسه، وأذكر مرة كنت أقرأ للكاتب والعالم الأزهري خالد محمد خالد كتاب [الديمقراطية أبداً] وفاجأني دخول مأمور المركز والكتاب على المنضدة حيث تعذر علي إخفائه، فالتفت إليَّ مأمور المركز قائلاً:
{ أستاذ حامد هذا كتاب شيوعي}.
لكنني أجبته على الفور أن الكتاب يعود لعالم دين أزهري يدعى خالد محمد خالد، غير أنه أصر على موقفه قائلاً:
{هذا الكتاب ممنوع في العراق، وأضاف أنا عملت لسنوات عديدة في الشعبة الخاصة [الأمن ] وأنا متأكد أن الكتاب ممنوعاً }.
حاولت السيطرة على موقفي، وسألته على الفور كيف يكون رجل الدين الأزهري شيوعياً فأنا لم أجد فيه ما يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى الشيوعية، وطلبت منه أن يتناول الكتاب ويريني أي كلمة أو عبارة تشير إلى ذلك، لكنه أجابني على الفور:
{أستاذ دعك من هذا، وأنا أخاف عليك من الأذى، الرجاء التخلص من الكتاب كي لا تعرض نفسك للخطر}.
شكرته على كلامه، ووعدته بالتخلص من الكتاب، لكنني في قرارة نفسي كنت قلقاً جداً منه، فهؤلاء هم شرطة لا يمكن الاطمئنان إليهم، وما أن خرج من الغرفة حتى سارعت إلى إخفائه في مكان أمين.

ومنذ تلك الحادثة بدأت أشعر أنني مراقب من هؤلاء، وتغير موقف بعضهم مني، وخاصة مدير شرطة البادية، فصممت على الانتقال من الحضر حتى لو اقتضى الأمر الاستقالة مرة أخرى.
وفي السنة التالية، وقبل صدور قرارات النقل السنوية قابلت مدير المعارف، وكان رجلاً طيباً جداً ومن عائلة مشهود لها بالوطنية هو السيد [ عوني بكر صدقي ] أحد أعضاء أول الخلايا الماركسية في العراق في العشرينات، وشقيق الصحفي المعروف [ لطفي بكر صدقي] حيث عرضت عليه الأمر، وطلبت منه نقلي إلى أي مدرسة أخرى، وأبلغته في حالة تعذر نقلي فسوف لن أبقَ في الحضر حتى لو اضطررت للاستقالة .

كان موقف الأستاذ عوني بكر صدقي نبيلاً، فقد ابلغني أنه سينقلني إلى مدرسة كبيرة وقريبة من الموصل مديراً لها، وقد أثنى على جهودي خلال المدة التي عملت فيها في الحضر معتبراً نقلي مكافئة لي.

وبالفعل صدر في أوائل أيلول 1954 أمر نقلي مديراً لمدرسة المنار الواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي الموصل ودهوك، على بعد 34 كيلومتراً عن مركز الموصل، وقد استطعت شراء سيارة مستعملة، وكنت أعود كل يوم إلى الموصل مع بقية المعلمين بعد نهاية الدوام، ونحضر في الصباح الباكر معاً قبل الدوام، مما أراحني ذلك كثيراً، حيث استطعت مواصلة عملي السياسي في الموصل.

كانت العلاقة التي ربطتني بالمعلمين والطلاب، ومع أهالي المنطقة طيبة جدا وإلى ابعد الحدود، وقد استطعت كسب محبة واحترام أولياء أمور الطلاب، مما مكني من الشروع بتكوين الجمعيات الفلاحية في المنطقة والقرى المجاورة لها، وقد ضمت تلك الجمعيات أعداد غفيرة من رجالات المنطقة، وسارعت إلى فتح صف لمكافحة الأمية بعد استحصال موافقة مديرية المعارف [مديرية التربية] بالتعاون مع كافة زملائي المعلمين، وقد لبى أولياء أمور الطلاب الدعوة للانخراط في تلك الدورة، وتعليمهم القراءة والكتابة، مما وطد العلاقة التي ربطتني بهم من خلال الجمعيات الفلاحية، وكنت أتحدث إليهم في كل فرصة مؤاتية عن الظروف السياسية والاجتماعية التي يمر بها العراق لزيادة وعيهم.



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الخامسة
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الرابعة
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الثالثة
- أحداث في ذاكرتي / الحلقة الثانية
- احداث في ذاكرتي / الحلقة الأولى
- رسالة إلى قارئاتني وقرائي الاعزاء كافة
- داعش، وما أدراك ما داعش؟
- معالجة محنة المواطنين المسيحيين في الموصل مهمة وطنية ودولية ...
- ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم والصراعات الحزبية
- ثورة 14 تموز والصراعات الحزبية واخطاء الزعيم عبد الكريم قاسم ...
- العراق يُغتصب وزعماء الكتل يتصاعون على المناصب!!
- حذار: العراق بات على شفير الحرب الأهلية الطائفية المدمرة
- الانتخابات البرلمانية القادمة وحلم الشعب بعراق ديمقراطي
- شهادة للتاريخ/ انقلاب العقيد الشواف في الموصل والاحداث التي ...
- شهادة للتاريخ: انقلاب العقيد الشواف بالموصل والاحداث التي را ...
- من أجل تحرر المرأة العربية وتمتعها بحقوقها الديمقراطية
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط واغتيال ثورة 14 تموز/ الحلقة الثا ...
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط الفاشي واغتيال ثورة 14 تموز
- دروس وعبر من انقلاب 8 شباط الفاشي واغتيال ثورة 14 تموز/ الحل ...
- من ذاكرة التاريخ : وثبة كانون الثاني المجيدة عام 1948


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - أحداث في ذاكرتي/ الحلقة السادسة