|
أزمة العقل وسؤال المعرفة
أحمد محمد أنور
الحوار المتمدن-العدد: 4618 - 2014 / 10 / 29 - 23:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أزمة العقل وسؤال المعرفة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هل ينقشع الحُلم فى بناء عقلٍ يدرك نسبية الحقائق وغياب الأحكام الإطلاقية فى أمورنا الحياتية اليومية، أم يحدونا الأمل نحو بحث إشكالية من أهم مشكلات حياتنا المعاصرة، ماذا يمكن أن نقرأ أو نسمع فى حاضرنا المُثقل بإهتزاز كثير من المُسلمات المنطقية التى طالما ارتكزنا على وجودها وسلمنا بها، هل يمكن أن نساير واقعاً سوسيولوجياً حاداً كالسيف يتلون كالحرباء فى كل لحظة، يتغير ويتماوج فى هوسٍ فى كل إتجاه، يمارس ضروباً من الجنون التى تكاد تتشابه وهستيريا الحربين العالميتين والحراك الصهيونى الدموى الصارخ، معدلات جنونية من القتل والقتل المُضاد فى منطقة مُستباحة كتلك التى نسكنها من العالم، تبدل المفاهيم وتغير القيم وتخليق صراعات جديدة، أصبحت الثنئيات الحالية هى مصر وحماس ، اسرائيل وحزب الله ، ايران والغرب ، الولايات المتحدة وداعش ، وكأنَّ بناءً جديداً يتم تمريره ليعيد قراءة حسابات الواقع الحالية، دونما اكتراث بمقولات جغرافية أو ثوابت تاريخية، فهل نمضى بخطواتٍ منتظمة نحو عالم ما بعد التاريخ، ومجتمع ما بعد العقل. كثيراً ما يجد الواحدُ منا عناءً فى قياس المعرفة التى ترِد إليه، وبخاصة فى عصرٍ كالذى نحياه، وفى مُجتمَعٍ كالذى نعيش فيه، عصرُ يشهدُ كثافة غير مسبوقة فى إرسال واستقبال المعلومات، وسرعة تدفق الأفكار وتداولها، وكمَّاً ضخماً من مُعدلات الإستهلاك – محلياً وعالمياً – بحيث أصبح الإنسان فى وقتنا الحالى يستهلك من أجل سد الفجوات الناتجة عن إنهمار شلال من المُتع وسيل من اللذات، والإنسان وهو يسد هذه الفجوات التى يصبِح تجاهلها مُعاناة، فإنه يقوم بعملية حيوية – يصوغ مكوناتها المجتمع ما بعد الحديث عبر مراحل عدة – تستهدف إشباع الإستهلاك لا إشباع الحاجات الإنسانية العادية التى يقوم عليها علم الإقتصاد التقليدى. وفى مُجتمَعٍ كالذى نعيش فيه من مجتمعات نصف الكرة الجنوبى، الغارقة فى التبعية الإقتصادية والسياسية، والمُنهمكة فى حروب اصطناعية وصراعات بلا جذور حقيقية تفرضها خرائط جيوسياسية – إثنية – دينية، يصبح البُعد المَعرفى- الإعلامى ذا قيمَة غير محدودة وبخاصة عند التماس مع القاعدة العريضة من الجماهير التى صارت تواجه طوفاناً معلوماتيا مُتبايناً ولا تتسول المعرفة كما كان فى السابق، ومن ثمَّ يصبح جوهر القول هو ما هى الكيفية التى تريد بها تشكيل الوعى الجمعى أو شبه الجمعى فى عصر تخلى طواعيةً عن الفرضيات، بل يغدو التساؤل المطروح "ما هى الكيفية التى تريد من خلالها خلق أنماط جديدة من الوعى، وبخاصة الوعى القومى، والوعى الدينى ؟" لم تعُد القضية حُلمَاً عبثياً مشروعاً أو غير مشروع لجيل يبحث عن حقِه فى الحياة، وإنما القضية الأساسية هى كيف يمكنك أن تشكل هذا التراكم الإرادى المدفوع من الوعى الجديد، هذا الوعى الذى لم يكن مُفارِقاً للوعى القدديم ذاته، كيف يمكنك أن تخلق زنازين جديدة من نفس الأسياخ الصدئة القديمة، كيف يمكنك أن تُسَوِق لها هكذا ضمن نهرٍ عريض مُتدفق من المعلومات والأفكار. فى مثل هذا الوقت يصبح القياس مُهمة شاقة تكشف أزمتنا العقلية، ويصبح التقييم ضرباً من الجنون ، ذلك أنك تتغيا السير فى عكس اتجاه الجاذبية مُخترقاً الناموس الطبيعى، بينما أحداً لا يسائل ذاته عن مدى صدقية (الناموس البشرى) من عدمها، فأنت مُخطىء فى سيرك فى الإتجاه الصحيح طالما الجميع يسير فى الإتجاه الخاطىء. يصبح النقدُ ذاتاً أخرى، رؤية يوتوبية، تعبير أفلاطونى، لا ولن يصمد أمام تياراً من الشوفينية التى تنصب فسطاطها فى كل شبر، وهى بالمناسبة شوفينية برَّاقة لكنَّها تعانى من الإفلاس الفكرى وعدم الإتساق مع سياساتها الإقتصادية التى تكشف عن نفسها بلا مواراة أو حياء، وتُصبح المعرفة القادمة إليك فى هذه الحالة، لتقتحم عليك غرفة نومك، هى ضرب من الأفكار التى تتبلور عبر مَخاض أليم من الجماع الفظ لرأس المال مع السُلطَة المُتمركزة حول أهدافها المُقدسة لتمارس سيادتها على الأطراف، والأطراف المُتضخمة نتيجة تثوير الطليعة الشابة، سوف يتم تحييدها أكثر فأكثر نحو الهامش، ثم يتم الإمعان فى الضغط عليها بمَنطق شد الأطراف، وهى فى الأساس نظرية صراعية بأمتياز. الى هنا لا يبقى للجماهير سوى تسول المَعرفة المُتاحة والقادمة إليهم هذه المرة فى شكل ما بعد حديث، نتاج منظومة ضخمة من اتحاد الثقافة مع الإقتصاد، وتماهى القيم مع رأس المال، ولن يبقى أمام الطليعة الثورية الشابة سوى الدخول فى جيتو مُظلم، قابعة فى نفس الهامش مع (الأطراف)، وقد تمارس هذه الطليعة أو ما يتبقى منها أقصى أمنياتها فى الإعداد لسيل موازٍ من الأفكار والمعلومات، ميديا بديلة وإعلام ظل، وينبغى أن ينججحوا فى ذلك بحيث لا يظلوا قابعين فوق أحرف الكيبورد أسرى فضائهم الإفتراضى الذى لا ينفذ لكثير من الجماهير التواقة للتغيير والحياة الكريمة دون مقايضتهم بأمنهم ومقدراتهم وأرزاقهم.
#أحمد_محمد_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحليل السياسى لنظام ما بعد 30 يونيو
-
البُعد الاقليمى للمشهد السياسى المصرى الداخلى
-
فلسطين .. قضية الأمس واليوم
-
الفن والمجتمع: نظرة موجزة على الحالة المصرية
-
قبة الأمير يونُس الدوادار 783 ه - 1382 م - دراسة تاريخية وأث
...
-
المكون الثقافى للشخصية المصرية
-
الأثر الاقتصادى على تطور المجتمع من وجهة النظر الماركسية
-
فى المعادلة السياسية المصرية ، الدم يساوى ماذا؟
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|