علي أحماد
الحوار المتمدن-العدد: 4618 - 2014 / 10 / 29 - 17:59
المحور:
الادب والفن
من مذكرات معلم بالجنوب المغربي/ تازناخت1987
لايتعب من الجري والركض حول مدرسة القرية بجلبابه الأبيض الناصع وعلى صدره تتدلى تمائم من شتى الأحجام. طفل في عمر الزهور، شديد بياض البشرة، فارع الطول جميل المحيا وباسم الثغر.كم يحز في نفسي أن يبقى هذا الغلام خارج مقاعد الدراسة ، المكان الطبيعي لأقرانه وأترابه.
أكد لي فقيه القرية أن الطفل أبان عن ذكاء خارق ولكنه لايداوم على الحضور الى الكتاب وإن فعل فهو شارد البال، كثير الحركة. أطفال القرية يصرون على أن به مس شيطاني وجنة. يقضي المسكين جل نهاره وهو يطوف بالقرية، لايترك مكانا إلا وداسته أقدامه الصغيرة الحافية. أقدام لاتدميها الأشواك ولاترسم الأحجار الحادة جروحا عليها.. بذلت جهدا مضنيا لأن أجتذبه بشتى وسائل الإغراء والترغيب الى مقعد الدراسة ، ليشارك أطفال قريته شغفهم للتعلم ، ولكنها محاولات ذهبت سدى .
تألمت في صمت لأن لاسلطة لي على أسرته التي قابلت دعوتي وإلحاحي بفتور شديد ولم تأخذ طلبي على محمل الجد. خليت بيني وبين الصبي وتركته يمارس عاداته ولم أمنعه يوما من مخالطة الصبيان/ التلاميذ إبان فترات الإستراحة أو أثناء إلقاء الدروس، وقد أبدى شغفا شديدا بمتابعة المشهد من نافذة حجرة الدرس المشرعة على الفضاء الرحب ، لأن الساحة غير محاطة بسور يحميها من فضول الغرباء أو تسلل الحيوانات!
كم كانت دهشتي كبيرة لما لمحته يوما - وأنا أجول بأطراف القرية - يصطاد الجراد ويلتهمه وهو يرفرف بجناحيه بين فكيه الصغيرين، ولكن دهشتي ستزول لما أسر الي تلامذتي أن هذا الصبي يلتهم العقارب السوداء بشراهة وشهية لاتوصف.لم يتأذ من صنعه أبدا، لهذا يقف الأطفال على مسافة منه ولايخالطونه إلا نادرا. يحترم الأهالي في الصبي هذه الهبة الربانية وقد تركته أسرته يهيم على وجهه حرا طليقا بين دروب القرية وقفارها كالمجذوب.
#علي_أحماد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟