|
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 20
سلام ابراهيم عطوف كبة
الحوار المتمدن-العدد: 4611 - 2014 / 10 / 22 - 08:57
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!
-;- رمزي ادور و "استاذي ابراهيم كبة!" -;- موقع(المدرس العراقي) على الانترنيت http://www.moeiraq.com -;- من التفسيرات الاكاديمية للفكر الاقتصادي الاقطاعي/تحليل شومبيتر للفكر الاسكولائي -;- خطاب السيد ابراهيم كبة وزير الاقتصاد في الجمهورية العراقية/القاه في الجلسة الافتتاحية للمجلس الاقتصادي للجامعة العربية المنعقد في القاهرة بتاريخ 5 كانون الاول 1959
-;- كتب رمزي ادور في موقع المدى الالكتروني 29/7/2010 "استاذي ابراهيم كبة!":"في أواخر شهر تشرين الأول 1972 قبلت طالبا في كلية الإدارة والاقتصاد بالجامعة المستنصرية،وكان الراحل الكبير ابراهيم كبة استاذنا في مادة تاريخ الفكر الاقتصادي، وهي المادة التي كنت استمتع بها أكثر من بقية المواد!وكان يطلب منا أن نذهب لمكتبة الجامعة للاطلاع على المؤلفات المهمة في الاقتصاد السياسي وتاريخ الفكر الاقتصادي الا أن غالبية الطلبة والطالبات لم يكونوا يهتمون لذلك فقد كانوا يتعاملون مع المادة كما لو كانت قصيدة تحفظ عن ظهر قلب أو ما نسميه بالعراقي الدارج (درخ)! أما أنا فكنت أذهب للمكتبة وأبحث في مؤلفات الراحل ومقالاته في المجلات والدوريات المتخصصة فأعجب بذكائي وصار يهتم بي ويقدم لي نصائح ثمينة! وكان عندما يأتي للمحاضرة يكون معتمرا بيريه سوداء!كان الطلبة يهربون من أمامه خوفا منه فقد كان شديدا في مادته وما أن يراني حتى يمسك بيدي ويسير معي لغاية قاعة المحاضرات.. فكنت أشعر بإعجاب كبير يغبطني عليه الزملاء والزميلات ويسألني عن متابعاتي لكتاباته. وفي الامتحانات كانت درجاتي معه الأعلى، ولم يكن يسمح لأحد بالدخول بعده الى قاعة المحاضرة فقد كان يقدس وقت الدرس! كان أعضاء ما يسمى بالاتحاد الوطني لطلبة العراق يحاولون إغاظته أثناء المحاضرة، وبعضهم كان يفتح باب القاعة وبيده اعلان للطلبة لحضور ندوة أو اجتماع ما، فكان يرفض بشدة إدخال الطالب لقراءة الاعلان ،ويقول أن هذا العمل غير حضاري! ومرة دخل أحد اعضاء الاتحاد عنوة وبيده اعلان فما كان من الدكتور كبة إلا واخذه منه ومزقه وصرخ به يلعن أبوك وأبو الاتحاد .. أطلع برة. بصراحة خفت عليه جدا أن يتسببوا له بمشكلة لمعرفتي بتاريخه النضالي المشرف ومواقف الحزب البائد منه! لكن لم يحصل شيء ولم يعد أحدا بعد ذلك يقطع عليه سير المحاضرة. وبعد أشهر قليلة توفي والدي وكنت من سكنة البصرة فاضطررت للانتقال للجامعة المستنصرية في البصرة للدراسة المسائية والعمل نهارا لإعالة عائلتي! لكن ذكرى ابراهيم كبة لم تكن تفارقني حيث كان بعض الزملاء من بغداد ينقلون لي تحياته وأسفه لمغادرتي القسرية."
-;- في موقع(المدرس العراقي) على الانترنيت http://www.moeiraq.com وفي منتدى مدرسي الاجتماعيات دونت السيرة الذاتية للدكتور ابراهيم كبة وكالآتي: " الدكتور ابراهيم عطوف كبة/ ولد المفكر الاقتصادي المرموق ابراهيم عطوف كبة في مدينة النجف الاشرف عام 1919،وترعرع في بيئة وطنية دينية،تتلمذ على يد خاله الشيخ محمد مهدي كبة الذي لعب دورا مهما في تاريخ العراق الحديث،ومنذ سنوات شبابه الاولى تشرب ابراهيم كبة بالحس الوطني وتأثر بافكار جعفر ابو التمن والحزب الوطني قبل سفره خارج العراق،حيث درس دراسته الاولية والعليا في جامعات مصر وفرنسا،وبعد عودته الى العراق عام 1952،عمل في جامعة بغداد،وقد ناهضته السلطة الملكية وطاردته في العمل والسكن،واثناء ذلك ساهم كبة في صياغة ميثاق جبهة الاتحاد الوطني سنة 1957 وكان على صلة مباشرة بالحركة الديمقراطية العراقية استوزر ابراهيم كبة في اول حكومة في العهد الجمهوري بعد ثورة 14 تموز عام 1958،حيث تولى وزارة الاقتصاد،كما تولى حقائب وزارية اخرى كوزارة شؤون النفط ووزارة الزراعة والاصلاح الزراعي.وفي هذه الفترة كان له الفضل في صدور قانون رقم (80) الذي نظم علاقة الدولة بعمل الشركات النفطية العالمية العاملة في العراق،حيث ساهم هذا القانون بزيادة حصة الحكومة من عوائد النفط ،الأمر الذي زاد من قدراتها على احداث تنمية فعالة آنذاك،كما كان له دور فاعل في صياغة قوانين الاصلاح الزراعي،وتحسين قطاع الزراعة.استقال كبة في اواساط عام 1960 من وزارة عبد الكريم قاسم بسبب تردد السياسة القاسمية في حقل الحريات العامة وبناء اسس المجتمع المدني الحديث وتأخير تشريع الدستور الدائم.وبعد ذلك عاد كبة الى مزاولة عمله التدريسي بجامعة بغداد،حيث حصل على درجة استاذ مساعد في عام 1962،اضافة الى مشاركته في حركة انصار السلام. في الثامن من شباط عام 1963 واثر الانقلاب البعثي اعتقل إبراهيم كبة وحكم عليه بالسجن لمدة عشرة سنوات مع الاشغال الشاقة،غير ان الرئيس الاسبق المرحوم عبد السلام عارف قد اصدر عفوا رئاسيا عنه عام 1965.وفي بداية العام الدراسي 1968 تمت اعادته الى جامعة بغداد بناءا على اعماله العلمية،وفي نفس العام قدم الى الترقية لدرجة الاستاذية،وبالرغم من تأييد القسم العلمي وعمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية آنذاك غير ان لجنة الترقيات العلمية بجامعة بغداد رفضت الترقية بحجة عدم اكمال المدة القانونية،حيث اعتبرت فترة العزل السياسي خارج نطاق الخدمة الجامعية علما بأن ابراهيم كبة بعد ترقيته الى استاذ مساعد عام 1962 قد الف عشرة مؤلفات علمية وكتب العشرات من البحوث والدراسات المعروفة وعقدت جامعة القاهرة ندوة علمية خاصة لتثمين احد مؤلفاته العلمية.وبالتالي فهو يستحق اكثر من لقب استاذ لو قدم ترقيته الى جامعة تحترم العلم والعلماء في ذلك الوقت.وبالرغم من مضايقة النظام الدكتاتوري البائد له غير أنه استمر في عطائه العلمي،حيث كانت محاضراته في الاقتصاد السياسي وتاريخ الفكر والمذاهب الاقتصادية في جامعتي بغداد والمستنصرية تعد افضل زاد فكري لطلبة كلية الادارة والاقتصاد في النصف الاول من عقد السبعينات من القرن الماضي،حتى احاله نظام البعث المقبور الى التقاعد عام 1977. ورغم ضغوط هذا النظام غير ان كبة بقي وفيا لمبادئه في الفكر المادي الاصيل والاشتراكي العلمي والماركسي والديموقراطي حتى وافته المنية في السادس والعشرين من اكتوبر عام 2004 تاركا لتلامذته ولجيل الاقتصاديين العراقيين الشباب تراثا علميا غنيا بالمؤلفات والترجمات المهمة،حيث كان المرحوم كبة يجيد اللغات الانجليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية والايطالية،ومن اهم هذه المؤلفات هي:ازمة الفكر الاقتصادي (1953)،تشريح المكارثية (1954)،الاقطاع في العراق (1957)،انهيار نظرية الرأسمالية المخططة (1960)،البراغماتية والفلسفة العلمية (1960)،ماهي الامبريالية (1961)، دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي (1970)، الرأسمالية نظاما (1972)، مشاكل الجدل في كتاب رأس المال لكارل ماركس (1979)، كما نشر كبة العشرات من البحوث والمقالات العلمية في العديد من الدوريات العراقية والعربية منها الثقافة الجديدة ، مجلة الاقتصاد والعلوم السياسية ، الاقتصاد ، مجلة الجامعة المستنصرية ، الاقتصادي ، الاقلام ، الثقافة ، المثقف العربي وغيرها من الدوريات ..".
-;- "من التفسيرات الاكاديمية للفكر الاقتصادي الاقطاعي/تحليل شومبيتر للفكر الاسكولائي"نشرت هذه الدراسة في مجلة (الاقتصادي) العدد الرابع كانون الاول عام 1970،وهي مجلة كانت تصدر دوريا عن جمعية الاقتصاديين العراقيين في بغداد.فقد كرس شومبيتر فصلا ضافيا (الفصل الثاني)،(ص 73- 143)من مؤلفه الرئيسي (تاريخ التحليل الاقتصادي) لدراسة الفكر السكولائي و فلاسفة القانون الطبيعي.وبالنظر لأهمية الآراء التي سجلها هذا الاقتصادي الكبير في هذا الصدد،بالرغم من اختلاف د. ابراهيم كبة الجذري عن خطه العام،رأى – امانة للفكر – استعراض اهم تحليلاته فيما يلي:
اولا – الفجوة الكبرى The great Gap يرى شومبيتر ان هناك فجوة كبرى في تاريخ تطور التحليل الاقتصادي بين نهاية الامبراطورية الرومانية والقرن الثالث عشر الميلادي،تستغرق حوالي خمسة قرون لابد من القفز فوقها،وذلك بسبب عدم توفر آثار نظرية او تحليلية للمشاكل الاقتصادية والمالية الداخلية او الدولية المعقدة التي واجهت الامبراطورية الرومانية الشرقية او الممالك الاوربية الجرمانية.ان الفجوة المذكورة ،في رأينا،هي بالطبع فجوة (في معارفنا)عن الفترة المذكورة،وليست فجوة في تطور النظم الاقتصادية.ويخمن شومبيتر ان آثارا هامة في الفكر الاقتصادي تعود للامبراطورية الرومانية الشرقية،لابد انها فقدت بسبب الفجوة المذكورة،ولهذا لابد من عبور تلك الفجوة الى توما الاكويني 1225 – 1274 (1)الذي يحتل مؤلفه الرئيسي(المختصر او الخلاصة الآلهية) Summa Theologica في تاريخ الفكر نفس الدور الذي تحتله كاتدرائية شارتر في تاريخ الفن المعماري.
ثانيا – الاقطاع والسكولائية :-
يعرف شومبيتر الاقطاع تعريفا عسكريا صرفا،فيرى بأنه المجتمع الذي تسيطر عليه مرتبة عسكرية،والمنظم وفق مبدأ التبعية Vassalage في تسلسل مراتبي(هيراركي)من اللوردات والفرسان.ان التقسيم الاجتماعي القديم الى احرار وعبيد فقد اهميته في المجتمع الجديد،واصبح (الفارس)- حرا او عبدا-هو الشخصية المسيطرة،وهو الذي طبع بطابعه الثقافي الخاص مجموع حضارة الاقطاع. يقر شومبيتر بأن القاعدة الاقتصادية لهذا الهرم الاجتماعي تتألف من(الفلاحين)التابعين و(الحرفيين)الصناعيين،الذين يمدون المحاربين الاقطاعيين بمعين الحياة.ولكنه ينكر المفهوم (العضوي) للمجتمع بصورة عامة والمجتمع الاقطاعي على الاخص،ويرى انه بجانب النظام الاقطاعي بمعناه الضيق(المحاربون- الفلاحون)وجدت الفئات البورجوازية من سكان المدن التي كانت تمارس التجارة والصناعة والمال،والتي استطاعت الصمود امام الاقطاع وتجاوز اطره الضيقة بسبب حصانة المدن امام الفن العسكري البدائي للاقطاع،ولهذا يستنتج شومبيتر بأن ما نسميه الاقطاع لم يكن في الواقع الاجتماعي الا(خليطا من نظامين اجتماعيين مختلفين تماما ،بل متناقضين الى حد كبير ولكنه غير شامل).على ان الاخطر في آراء شومبيتر – والابعد عن الصواب في رأينا – هو انكاره اعتبار (الكنيسة الكاثوليكية)مجرد مؤسسة اقطاعية او اداة بيد الاقطاع،واصراره على طابعها المستقل تماما والمنفصل عن السلطات الاقطاعية،بدليل شنها على الدوام حربا مستمرة ضد الملوك واللوردات الاقطاعيين.واستنادا لهذا التحليل ،يسفه شومبيتر التحليل الماركسي في اعتبار الفكر السكولائي مجرد آيديولوجية لطبقة المحاربين المسيطرة في المجتمع الاقطاعي،بل يذهب الى حد اعتبار هذا التحليل مناقضا حتى لنظرية ماركس الاجتماعية،التي قد تسمح بأستنتاج اعتبار الفكر السكولائي آيديولوجية لطبقة الكهنوت،ولكنها لا تسمح،في زعمه،اعتباره آيديولوجية لطبقة المحاربين.ان الخطأ الاساسي في جميع هذه التحليلات في نظرنا هو مفهوم شومبيتر المبدئي للاقطاع.انه يعرف الاقطاع لا من زاوية القوى والعلائق الطبقية،لا من زاوية القاعدة المادية للبناء الاجتماعي،بل من زاوية بعض البنى العلوية،وخاصة العسكرية.ولذلك فأن استنتاجاته التفصيلية،ونقده للفكر الماركسي،تنهار مع انهيار منطلقاته الاساسية.ونعتقد ان تحليلاتنا للنظام الاقطاعي في بداية هذا الفصل (السابق)كافية للرد على شومبيتر. بعد هذا يؤكد شومبيتر على الطابع الدولي(الاممي)للكنيسة ولطبقة الكهنوت،ذات الثقافة الواحدة في جميع البلدان،واللغة الواحدة اللاتينية والتعاليم الدينية نفسها،والخضوع لنفس البابا.ان وطنها هو المسيحية ودولتها هي الكنيسة.وقد تعزز هذا الطابع الاممي للكنيسة ،بالطابع الاممي للاقطاع نفسه.فسلطة الامبراطورية هي الاخرى سلطة اممية من حيث المبدأ،ومن حيث الواقع لحد كبير.وفكرة(السلطة العليا)- الدولة العليا Super State الزمنية كانت فكرة مألوفة،كفكرة السلطة العليا الروحية.والتقسيمات القومية لم تعن لجماهير تلك العصور ما اصبحت تعنيه منذ القرن السادس عشر مثلا.ويستنتج شومبيتر من كل هذه الحقائق التاريخية الطابع الدولي تماما للحضارة الاقطاعية.فتوما الاكويني (الايطالي)،وحنا (الاسكوتلندي)- جون سكوتس- مثلا كانا يدرسان في باريس وكولونيا،بدون اية عراقيل،كهذه التي نجدها في عصرنا هذا،عصر الطيران.ومن النقاط التي يحاول شومبيتر ابرازها هو التمييز بين مسائل الايمان والمسائل الاخرى في الفكر الاسكولائي.ففي مسائل الايمان(اي المعتقدات والطقوس الدينية الرئيسية)يخضع الكهنوت- رهبانا او اخوانا(2)- لسلطة الكنيسة المطلقة وتعاليمها الثابتة.اما في القضايا الاخرى،وخاصة قضايا الفكر السياسي والاقتصادي،فلم تفرض الكنيسة اية آراء ثابتة على الكهنوت ولم تلزمهم بالدفاع عن شكل معين للحكم او نظام للفكر بذاته.ولهذا اطلقت لهم حرية الرأي في القضايا المذكورة.ويرى شومبيتر ان السكولائيين في العصور الوسطى،كانوا اقل عرضة للتدخل من قبل السلطات العليا،وخاصة السياسية،واقل خضوعا ل(الفئات الضاغطة)من المثقفين العلمانيين للعصور المتأخرة.ولهذا فهو يفند الرأي الذي يرى بأن خضوع الكهنوت لسلطان الكنيسة افقدهم القدرة على التحليل العلمي،ويستشهد بآراء توما الاكويني الذي اقر الاهمية الحاسمة للسلطة الدينية في مسائل الوحي ولكنه انكر السلطة المذكورة والحجج المستندة اليها في جميع الميادين الاخرى بما في ذلك طبعا القضايا الاقتصادية.ان الطابع الديني الاحتكاري للتعليم العالي،اذن،في المجتمع الاقطاعي لم يمنع حقيقة تمتع(الجامعات)الوسيطة،بمقدار واسع من الاستقلال والحرية الفكرية.لقد اعطت تلك الجامعات مبادرة اوسع للاساتذة والمعلمين من جامعاتنا في الوقت الحاضر،وكانت ملتقى لجميع طبقات المجتمع،كما كانت ذات طابع دولي اكيد.الا ان هذا الوضع المستقل للجامعات بدأ يتغير منذ القرن الرابع عشر،مع نشوء المؤسسات التعليمية الحكومية واستمرار تدخل الحكومات في شؤون الجامعات الخاصة،وخاصة فيما يتصل بالحرية الفكرية،وعلى الاخص في قضايا الفكر السياسي.وبوجه عام،تبدل الوضع تماما في الاتجاه المذكور،مع الانشقاق الديني الكبير في القرن السادس عشر. ان تعبير السكولائيين (المدرسيين)يعني ببساطة اساتذة الجامعات في العصور الوسطى،و(المختصر الآلهي)لتوما الاكويني،لم يكن – كما يخبرنا مؤلفه الكبير في مقدمة الكتاب- الا كتابا مدرسيا لطلاب الجامعات. اننا نعتقد ان التمييز بين مسائل الايمان او الوحي والمسائل الاخرى في الفكر السكولائي كان تمييزا نظريا صرفا لا يبرر الاستنتاجات الخطيرة التي يرتبها شومبيتر من زاوية الدفاع عن(علمية) الفكر المذكور.من المعلوم ان الكنيسة كانت تعتبر (الحكم في جميع القضايا التي تهم الانسان)كما يسلم شومبيتر نفسه بذلك (ص 76)فكيف يستقيم هذا المبدأ الذي مارسته الكنيسة،مع استنتاجات شومبيتر؟ان دفاع شومبيتر الحماسي عن الفكر الاسكولائي يتسم بالرومانسية البعيدة عن حقائق التاريخ.انه يهمل كل تاريخ (النزاع)الطويل،طيلة العصور الوسطى،بين المبدأ السياسي الاوغسطيني(نسبة للقديس اوغسطين)الذي يصر على اخضاع السلطة السياسية الزمنية لسلطة الكنيسة(ما يعرف بالمفهوم الكنسي للسلطة الملكية) Conception Mimisterielle du Pouvoir وعلى قصر دورها على مساعدة الكنيسة في تخليص البشر من خطيئتهم الاصلية،بمحاربة الهرطقة،وبين المبادئ العلمانية الجديدة التي ترفض التسلط الكنسي على الافراد والدول،وتجعل المقياس الوحيد لتقييم المؤسسات الاجتماعية هو السعادة العامة Felicita Publica.ان شومبيتر يتجاهل ان الدافع الحقيقي لكتابة(المختصر الآلهي)لتوما الاكويني هو بالضبط الدفاع عن المبادئ الكنسية ضد انتشار الروح العلمانية الجديدة التي انتشرت خاصة داخل الجامعات الاوربية(لنتذكر داسي Dacie وبويس Boece في باريس مثلا)بفضل الترجمات العربية لمؤلفات ارسطو الاصلية.وجوهر رسالة القديس توما هو بالضبط محاولة التوفيق بين تلك الروح الجديدة وانقاذ المسيحية.ان التعمق في هذه النقطة يخرج طبعا عن اطار هذه الدراسة ولكن لابد من التأكيد على ان فلسفة القديس توما كانت اساسا شكلا لاهوتيا خاصا من اشكال(المثالية الموضوعية)،هدفه الاساسي هو اخضاع العلم للايمان الميتافيزيقي،وذلك بتشويه وطمس الجوانب المادية لفلسفة ارسطو وابراز بعض مقولاتها المثالية،مع خلط ذلك بشكل مصطنع بالافلاطونية الجديدة،ذات الطابع الرجعي المتطرف.ان المبدأ الاساسي لفلسفة القديس توما،هو مبدأ(تدرجية- هيراركية – الوجود)،وهو يعكس بصورة جلية حقيقة تدرجية الكنيسة الكاثوليكية نفسها في العصور الوسطى،وتدرجية الهرم الاقطاعي في التحليل الاخير.ولجميع هذه الاسباب نجد التومائية الجديدة Neo – Thomisme (وهي الامتداد المعاصر لفلسفة توما الاكويني)من اهم الاسلحة الآيديولوجية في الوقت الحاضر لمحاربة الفكر العلمي والثقافة التقدمية وخاصة الاشتراكية.لنتذكر على سبيل المثال فقط مؤلفات ماريتان وكولسون في فرنسا،وريميكر في بلجيكا وغوستاف فتر في النمسا،حتى نعرف،كم هو بعيد عن الصواب تقييم شومبيتر للفكر التومائي خاصة والسكولائي بوجه عام.لنكتف بهذا القدر ونحيل القارئ للمراجع المعتمدة(3).
ثالثا – السكولائية والرأسمالية:- يرى شومبيتر ان العمليات التي زعزعت اسس المجتمع الاقطاعي يمكن تلخيصها بعبارة واحدة هي(نشوء الرأسمالية).لم يكن المشروع الرأسمالي غائبا بالمرة طيلة العصور الوسطى،ولكنه،ابتداء من القرن الثالث عشر،بدء يهاجم اطر النظام الاقطاعي الذي كان يحدد ويحمي في نفس الوقت فئات الفلاحين والحرفيين،ويطور اسس النمط الاقتصادي الذي عرف فيما بعد بالنمط الرأسمالي.ومن نهاية القرن الثالث عشر تكاملت اغلب الظواهر التي اعتدنا ربطها بالنظام الرأسمالي،بما في ذلك المشروع الكبير والمضاربة بالاسهم والسلع،والرأسمال المالي الكبير(4) Big Finance. ان المشروع الرأسمالي لم يبدل طبيعة المشاكل والانماط الاقتصادية فحسب بل خلق مواقف جديدة للنظر اليها،او حسب تعبير شومبيتر،ادى الى تغيير(روحه)،او ان شئت (حضارته).ان الطبقة الجديدة بدأت تركز على الدفاع عن(مصالحها)في المجتمع الجديد،ولم تكتف بذلك،بل بدأت تنقل عاداتها العقلية وقيمها الخاصة،الناشئة عن عملها في المشاريع الرأسمالية،الى جميع الطبقات الاخرى،والى جميع ميادين العمل والحياة المختلفة.وقد انفجرت تراكمات هذا الوضع الجديد في عصر التغييرات الكبيرة،الذي يسمى خطأ- في نظر شومبيتر- بعصر الاحياء(5) Renaissance.ويرى شومبيتر ان من اهم نتائج هذه الثورة الثقافية،هو ظهور المثقف العلماني Laic والعلم العلماني(العلماني هنا يعني الناشئ لدى الفئات غير الكهنوتية).وقد صبت 3 روافد في هذا التيار العلماني الجديد:الرافد الاول وهو رافد المحامين والاطباء العلمانيين،الذي كان قائما باستمرار طيلة العصور الوسطى،ولكنه اخذ في الطغيان على العنصر الديني في هذا الميدان منذ القرن السادس عشر.والرافد الثاني هو الرافد العملي او المهني،المتمثل في طوائف الحرفيين ورجال الاعمال والموظفين الحكوميين،الذين طوروا مجموعة من المعارف العملية وادوات التحليل المهنية(في التشريح والميكانيكا والمعارف الاقتصادية)التي كانت احد المصادر المهمة للعلم الحديث خارج الجامعات السكولائية.واحسن مثال على ذلك شخصيات من امثال ليوناردو دافنشي وغاليلو.اما الرافد الثالث فهو الرافد(الانساني) Humanist المهم،الذي انطلق من ترجمة ونقد النصوص اليونانية واللاتينية الى نقد شامل للمؤسسات والقيم والعادات الاجتماعية القائمة.وبالرغم من ان هذا التيار لم يساهم في اضافة اي جديد للاقتصاد التحليلي التقني(التكنيكي)،الا ان اهميته بالغة جدا،في خلق المناخ الفكري العام لذلك العصر الصاخب. وهنا يحلل شومبيتر طبيعة النزاع الذي نشب بين العلم السكولائي القديم والعلم العلماني الجديد،ويستبعد،منذ البداية،ثلاثة تفسيرات يعتقد انها خاطئة للنزاع المذكور:التفسير الاول هو التفسير الذي يركز على التناقض الجذري بين (نور)العلم الجديد و(ظلام)العلم القديم،ويعلل النزاع وكأنه نزاع طبيعي بين قوى النور وقوى الظلام.ان هذا التفسير،في رأي شومبيتر،بعيد تماما عن الواقع التاريخي،فالواقع يؤكد بأن الكنيسة الكاثوليكية لم تكن ضد الروافد العلمية الثلاثة المشار اليها سابقا،بل كانت على العكس تستخدم وتشجع المحامين والاطباء العلمانيين،وتعتبر نفسها(الحامية)للطوائف المهنية والحرفية.والكثير من كبار رجال الكنيسة انفسهم،بل حتى بعض البابوات كانوا من كبار الفلاسفة الانسانيين.كذلك يستبعد شومبيتر التفسير الثاني،الذي يخلط بين ظاهرة الثورة العلمية والثقافية وظاهرة(الاصلاح الديني)ويرى بأن الظاهرتين،وان قوت احداهما الاخرى،الا انهما كانتا من مصادر مختلفة،وان العلاقة بينهما لا يمكن اختزالها وتبسيطها بمجرد العلاقة السببية او العلمية.وكذلك يستبعد شومبيتر التفسير الثالث،الذي شاع بين اقطاب المدرسة التاريخية الالمانية(ماكس فيبر وتوني...الخ)،وهو التفسير الذي يبني(انماط)اجتماعية خالصة Ideal Types،كخطوة منهجية،لمقارنة التعارض الحاد بينها،وابراز الفروق الاساسية التي تميزها عن بعضها،ثم ما يلبث ان يجابه بمشكلة مصطنعة هي مشكلة تعليل الانتقال من نمط الى نمط آخر.ان ماكس فيبر مثلا بنى نمطين مثاليين متمايزين تماما،هما نمطا(الانسان الاقطاعي)و(الانسان الرأسمالي)،وعلل عملية الانتقال من النمط الاول الى النمط الثاني(الروح الرأسمالية)الجديدة- اي نظرة الرأسمالي للحياة والقيم – التي انتجها في رأيه الاصلاح الديني.هذا النموذج يسميه شومبيتر بالمشاكل المصطنعة Spurious Problems،اي المشاكل التي يخلقها المعلل العلماني نفسه بحكم منهجيته في البحث،ويتوهم انها مشاكل حقيقية قائمة في الواقع،ثم يحار في كيفية تعليلها،ويضع مختلف(النظريات التفسيرية)لحلها.وبالنسبة لانتقال المجتمع الاقطاعي الى المجتمع الرأسمالي،لا يرى شومبيتر في عملية الانتقال اية مشكلة تحتاج الى الحل.كل ما في الامر ان المجتمع الاقطاعي كان يضم جميع بذور العلم العلماني الجديد،بدليل ان شخصيات اسكولائية بارزة حتى في القرن الثالث عشر،من امثال البرت الكبير وروجر بيكون،كانت تفكر وفق الروح الجديدة للبحث الحر.بل يذهب شومبيتر الى حد اعتبار حتى نظرية نظرية ثورية كنظرية كوبرنيكس الفلكية،نشأت من داخل القلعة السكولائية ولم تكن قنبلة فجرتها النظرية من الخارج(6).وبعد استبعاد هذه التفسيرات (المتحيزة)الثلاثة،ينتهي شومبيتر الى تعليل النزاع بين الفكر الاسكولائي والفكر الجديد،بأسباب سياسية خالصة.ان العلماء العلمانيين الجدد،كانوا سياسيا ضد سلطة الكنيسة،ومن السهل طبعا على الكنيسة ان توجه ضد خصومها السياسيين تهمة(الهرطقة)الدينية،وان توسع نطاق هذه التهمة لتشمل،ليس فقط الآراء السياسية لخصومها،بل حتى لنظرياتهم ومناهجهم العلمية الخالصة.كما يرى شومبيتر،في تعليل ذلك،سببا آخر،وان كان محدودا في نظره،هو النزاع الطبيعي(المصلحي)بين فئات مختلفة من طبقة(المثقفين)،وهو نزاع نجد نظائر له في كل تاريخ الفكر الانساني. لقد سبق ان اوضحنا رأينا تفصيلا في عملية الانتقال من النظام الاقطاعي الى النظام الرأسمالي،وفي اعتقادنا ان نقد شومبيتر للمدرسة الفيبرية نقد صائب تماما،ولكن الغاءه للمشكلة اصلا،او تفسيره(الاصلاحي)- بالمعنى العلمي اي ضد الثوري- لتحول الاقطاع الى الرأسمالية،لا يقومان على اساس من العلم او الواقع.
رابعا – الاجتماع والاقتصاد السكولائيان(7): لم يفرد للسيوسيولوجيا والاقتصاد مكان مستقل في نظام تصنيف العلوم السكولائي.فمثلا قسم توما الاكويني العلوم الى صنفين:العلوم التي تعتمد العقل في بلوغ المعرفة واهمها(الثيولوجيا الطبيعية)،والعلوم التي تهتدي الى جانب العقل بالوحي،اسماها(الثيولوجيا فوق الطبيعية) Supernatural.وبموجب هذا التصنيف الاكويني الذي كان مقبولا بصورة عامة،اعتبرت الدراسات الاجتماعية والاقتصادية جزءا من(الثيولوجيا الاخلاقية)Moral التي تنتسب لكلا الصنفين الاساسيين السابقين من العلوم.ومنذ القرن السادس عشر اصبحت تعالج الموضوعات المذكورة ضمن(الفقه)السكولائي.وبالرغم من ان بعض القضايا الاقتصادية (كالنقود والفائدة مثلا)والقضايا السياسية،كانت تعالج احيانا على انفراد،الا ان الاقتصاد ككل لم يعالج كذلك.ويرى شومبيتر ان تطور الفكر الاقتصادي السكولائي مر بثلاث مراحل،حسب العناية التي اولاها للقضايا الاقتصادية،وذلك كما يلي: أ - المرحلة الاولى:من القرن التاسع الى نهاية القرن الثاني عشر: في هذه المرحلة التكوينية للفكر السكولائي،اقتصرت عناية السكولائيين على القضايا الدينية الصرفة(الثيولوجية)،وعلى القضايا المتصلة بنظرية او فلسفة المعرفة.ولا نجد في مؤلفات كبار اسكولائيي هذه الفترة(امثال اريجينا Erigena)وابلار Ablard والقديس انسلم St. Anselm وحنا السالسبري(اية اضافة للاقتصاد التحليلي)تستحق التسجيل الا ان ملاحظتين مهمتين جديرتان بالتفكير:الاولى ما يسميه شومبيتر بالاتجاه او الخيط الافلاطوني Platonist Streak والثانية:الاتجاه او الخيط الفردي.فبالنسبة للاتجاه الافلاطوني يلاحظ شومبيتر،بأن الفكر السكولائي انصرف كلية في هذه الفترة،تحت طغيان النفوذ الافلاطوني والافلاطوني الجديد،المباشر،او غير المباشر(عن طريق فلسفة القديس اوغسطين)الى معالجة مسألة الكليات والجزئيات،اي طبيعة المفاهيم او الافكار المجردة Univeraliea،وقد بقيت المدرسة (الواقعية) Realist- اي التي تعتقد بوجود المفاهيم العامة فقط دون افرادها،مثلا(الشجرة)كمفهوم،دون الاشجار الحقيقية- سائدة حتى القرن الرابع عشر،عندما بدأت تسود المدرسة الاخرى(الاسمية) Nominalist التي تنكر واقعية الافكار العامة والمجردة ولا تعترف الا بوجود الافراد.وقد حاول الاسكولائي الكبير ابلار (1179 – 1142)التوفيق بين الرأيين،وذلك بالتمييز بين الوجود الحقيقي للكليات في الذهن الآلهي،والوجود التجريدي لها في الذهن البشري.ان المناقشة المذكورة لا اهمية لها من زاوية الاقتصاد التحليلي،ولكن الاشارة اليها ضرورية جدا لارتباطها في العصر الحديث بمسألة اخرى اثارت مناقشة حادة في الفكر الاقتصادي في اوائل هذا القرن هي مسألة الفردية مقابل الكلية Universalism،باعتبارها منهجين متناقضين في العلوم الاجتماعية،ومنها الاقتصاد التحليلي،يكمنان وراء جميع الخلافات الكبرى في تاريخ الفكر الاقتصادي.ان المذهب(الكلي)يرى بأن (المجموعات الاجتماعية) Social Groups- كالمجتمع او الكنيسة او النقابة او الامة..الخ – لها الاولوية من الناحية المفهومية على اعضائها الافراد،وعليه فيجب ان تكون هي المحور لدراسة العلوم الاجتماعية ،والمنطلق لتحليلات هذه العلوم.ان السلوك الاجتماعي وليس السلوك الفردي هو محور العلوم الاجتماعية.ومن الواضح انه ليست هناك اية علاقة بين هذا المذهب الكلي الحديث ومسألة المجادلة(الواقعية – الاسمية)المشار اليها سابقا في الفكر الاسكولائي الوسيط.ان(الكليين)الجدد،ليسوا (واقعيين)بالمعنى السكولائي،لأن مدار اهتمامهم هو ليس العلاقة بين(فكرة)المجتمع التجريدية والمجتمعات الحقيقية القائمة في الواقع،بل العلاقة بين المجتمعات الحقيقية والاعضاء المنتسبين لها.والخطأ الذي وقع فيه اصحاب المذهب الكلي الحديث،بربطهم بين مذهبهم والمذهب الواقعي السكولائي،يعود بصورة واضحة للخلط في استعمال تعبير(الكلي):على الفكرة او المفهوم العام من جهة،وعلى المجموعة الاجتماعية القائمة في الواقع من جهة اخرى.وقد ساهم في هذا الخطأ واشاعه على الاخص (الكليون) الالمان(8). هذا بالنسبة للاتجاه الافلاطوني.اما بالنسبة للاتجاه الفردي،فيلاحظ شومبيتر بأن هناك تقسيما شائعا للحضارات البشرية يصنفها لحضارات(موضوعية)وحضارات(ذاتية).فالحضارة الموضوعية هي الحضارة التي تخضع الافراد ،بقيمهم واذواقهم ومبادراتهم واعمالهم الفردية،الى المجتمع،وتضعهم في اماكنهم الثابتة المناسبة،وتفرض عليهم مجموعة من القواعد الخلقية او الدينية او السياسية فوق الفردية.اما الحضارة الذاتية فهي التي تتميز بسمات وخصائص مناقضة،اي التي تفسح لكل فرد ان يبني قيمه الخاصة،وتستخدم هذه القيم والاذواق الفردية لخدمة الجميع.فما هي طبيعة الحضارة الوسيطة بالنسبة لهذا التصنيف؟ينكر شومبيتر بقوة تصوير الحضارة المذكورة بأنها حضارة موضوعية،ويزعم،على العكس،انها كانت من حيث الجوهر حضارة ذاتية شديدة الفردية،وان الكثير من اسباب فشلها يعود لهذا الطابع الفردي.ان الاقطاعي الفارس،او عضو نظام الطوائف الحرفية،او الفلاح التابع،في العصور الوسطى،لم يكن اقل فردية من الرأسمالي او عضو نقابة العمال او الفلاح في العصر الآلي الحديث.ويستنتج شومبيتر من ذلك،ان الاتجاه الفردي كان ابرز بكثير في الحضارة الاسكولائية مما يتصور الكثيرون،وان الاجتماع والاقتصاد الاسكولائيين كانا،على الاخص فرديين،بصورة حاسمة،بمعنى انهما بقدر ما انصرفا لمعالجة او وصف او تحليل الوقائع الاقتصادية والاجتماعية،كانا ينطلقان من السلوك الفردي والاذواق الفردية.وحتى عندما كانا يطبقان القوانين والعدالة الدينية والكنسية،كانت هذه القوانين والقواعد نفسها جزءا من نظام اخلاقي يعتبر الفرد كهدف مقصود بحد ذاته،ويقوم على فكرة محورية هي انقاذ ارواح الافراد. ان تعليقنا على هذه الفقرة من دراسة شومبيتر،يتلخص في تأييدنا لنفيه للارتباط بين الجدل(الاسمي – الواقعي)في الفكر الاسكولائي،والجدل (الفردي – الكلي)لدى مدرسة شبان الالمانية،وان كانت معالجته للمسألة في نظرنا لم تنفذ الى جذور المشكلة.الواقع ان الجدل الاسمي – الواقعي في العصر الوسيط كان التعبير النوعي الخاص للجدل المادي – المثالي،الذي ينظم تاريخ الفلسفة ككل.ان(اسميي)العصور الوسطى هم(ماديو)ذلك العصر،وكان جدلهم يدور حول المسألة الاساسية في الفلسفة،المسألة الوجودية(الانتولوجية)- علاقة الفكر بالوجود.اما الجدل الفردي – الكلي المعاصر،فهو جدل ثانوي،جزئي يدور على صعيد"المنهجية"في العلوم الاجتماعية،ومن الواضح انه لا تصح المقارنة بين المذهبين،لانهما يعالجان قضايا مختلفة(9). اما بالنسبة ل(فردية)الحضارة الاقطاعية(10)،التي ركز عليها شومبيتر فاننا نعتقد بعدم صواب محاولة التقريب بين تلك الفردية والفردية الرأسمالية المعاصرة.ان الفردية الوسيطة كانت موجهة ضد السلطات المقيدة للنظام الاقطاعي،بينما الفردية المعاصرة فردية موجهة ضد النظام المذكور،وقد سبق ان اشرنا الى هذه المسألة في مناسبة سابقة. ب - المرحلة الثانية : القرن الثالث عشر: يستحق ان يعتبر القرن الثالث عشر،العصر(الكلاسيكي)للفكر السكولائي بقدر ما يتعلق الامر بالثيولوجيا والفلسفة.لقد تحولا في الواقع الى نظام كامل(ثور)- اي احداث ثورة- العلوم اللاهوتية والفلسفية.واكبر من ساهم في هذه(الثورة)الفكرية من المدرسة الفرنسيسكانية،هم كروستست Grosseteste واسكندر الهيلسي والقديس بونافنثورا وحنا السكوتلندي،ومن المدرسة الدومينيكانية،البرت الكبير وتلميذه اللامع توما الاكويني.الا ان الفضل في بناء(النظام)الكلاسيكي نفسه،يعود بالتأكيد للقديس توما وحده.ان القرن الثالث عشر هو قرن انفصال(العلم)السكولائي عن كلا اللاهوت والفلسفة،ووضع اسس العمل اللاحق في ميدان العلوم الطبيعية والاجتماعية على السواء.ان الاهتمام بالرياضيات والفيزياء مثلا كان واسعا جدا(كروستست وروجر بيكون)،وسبب نسيان هذا الارتباط العضوي بين السكولائية والعلوم الجديدة هو تخصص العلماء في القرون الاربعة اللاحقة للقرن الثالث عشر في علومهم وحدها وعدم ابراز (جوهم)السكولائي العام.اننا نعرف فرانسسكو كافاليري Cavaglieri مثلا كعالم رياضيات ممتاز،الا اننا ننسى ان رياضياته (حساب التكامل مثلا)هي نتاج لثقافته السكولائية ولطائفته الجزويتية في نفس الوقت. يرى شومبيتر ان جانبا واحدا من هذه(الثورة)الفكرية للقرن الثالث عشر يهم تاريخ التحليل الاجتماعي والاقتصادي،وهو بعث الفكر الارسطوطاليسي.وقد ساهم الفكر العربي واليهودي،الى حد كبير،في تسرب الافكار الارسطوطاليسية بالتدريج،خاصة خلال القرن الثاني عشر،الى الفكر المسيحي العربي،وكانت مساهمة الطبيب الفيلسوف ابن سينا(980-1037)والفقيه الفيلسوف ابن رشد(1126- 1198)واللاهوتي الفيلسوف ابن ميمون(1135 – 1204)بارزة في هذا المجال.وبالرغم من ان بعض الشروح العربية لأرسطو،رفضت من قبل السكولائيين،خاصة فيما يتعلق باللاهوت ونظرية المعرفة،الا ان الفكر الارسطوطاليسي ككل،فتح لهم آفاقا جديدة واسعة،وسهل لهم عملية شق دروب جديدة،لا في ميدان الميتافيزيقا وحدها،بل على الاخص في ميادين بكر تماما،في العلوم الطبيعية والاجتماعية.ويؤكد شومبيتر على حقيقة اساسية،طالما اكدت عليها الفلسفة العلمية(الماركسية)واهملتها التفسيرات السطحية الاكاديمية،وهي ان الاثر الارسطوطاليسي لم يكن (السبب) الاساسي في التطورات الكبرى في القرن الثالث عشر.انه مجرد عامل خارجي (مساعد)،مجرد(حليف)للاسباب(الداخلية)التي ادت الى التطورات المذكورة.ان تطور الانماط الاقتصادية Patterns هو الذي خلق الحاجات الجديدة التي اقتضت شق طرق جديدة في المعرفة العلمية لاشباعها،ومن هذه الزاوية فقط،وليس من زاوية نظرية الاستقبال السلبي للفكر الارسطوطاليسي،يمكن تحديد العلاقة الحقيقية بين الارسطوطاليسية والاسكولائية.لقد خلفت افكار ارسطو (الفرصة)المناسبة لكبار الاسكولائيين المشار اليهم (سابقا)لعرض افكارهم الجديدة الخاصة،خلال شروحهم لأرسطو.لقد خلق الفكر الارسطوطاليسي(الاطار العام)والقوالب الفكرية،لصب المواد العلمية الجديدة،في جميع الحقول،خلال القرون الثلاثة اللاحقة للقرن الثالث عشر،ولم ينج الاقتصاد من هذا الاتجاه العام،حتى كادت ان تفقد المساهمات السكولائية في هذا المجال كل اصالة لها،لحساب الاشكال الارسطوطاليسية.وقد كان في هذا(الربط)بين السكولائية و الارسطوطاليسية ثمنه الباهض:فعندما نهض العلم العلماني في القرون اللاحقة،واشتدت الخصومة بين اصحابه وبين السكولائيين،وجه العلمانيون خصومتهم،ليس للفكر الاسكولائي القديم وحده،بل لوعائه الخاص،اي الفكر الارسطوطاليسي.وهذه الظاهرة لم تقتصر على العلمانيين وحدهم،بل تسربت حتى لبعض السكولائيين انفسهم.كما يتضح ذلك من اعمال الفيلسوف والرياضياتي والفيزيائي الكبير بيير كاسندي Gassendi (1592 – 1655)،الذي اتخذت اعماله العلمية ودفاعه الصريح عن المنهج الاستقرائي،بالرغم من طابعها التقني المحايد،وجهة نقدية شديدة ضد السكولائيين وضد الفلسفة الارسطوطاليسية،حتى انه استبدل بفلسفة ارسطو فلسفة ابيقور.الا ان العداء لأرسطو تجسم على الاخص لدى اعداء الكنيسة الكاثوليكية من(العلمانيين)الجدد،فاعتبروا ارسطو العظيم نموذج العقم وتجسيد الفكر القديم البالي.حتى ان الطبيب والكيمياوي الالماني باراسلس Paracellus (1490 – 1541)احرق كتب ارسطو قبل البدء بمحاضراته الطبية.وغاليلو،في محاورته الشهيرة مع ارسطو حول النظام الشمسي،جعل من خصمه شخصا هزليا لا اكثر،وفرنسيس بيكون(1561 – 1626)عارض علمه الاستقرائي بالتأملات السكولائية والارسطوطاليسية على السواء،مع ان المعروف تاريخيا ان اطلاع بيكون على اعمال السكولائيين كان محدودا جدا.واذا كان هذا الموقف العدائي تجاه السكولائيين غير عادل،كما يؤكد شومبيتر،فانه بالنسبة لأرسطو موقف صارخ في تجنيه وتعسفه.ان الدرس الاساسي الذي يمكن تعلمه من ارسطو هو بالضبط الدفاع عن المنهج التجريبي Empirical،وتدل الامثلة السابقة على ان كثيرا ما يحصل في تاريخ الفكر ان المفكرين لا يهاجمون الاشخاص والاشياء كما هي في الواقع،بل فقط يهاجمون اشباحها الكاريكاتورية (مثلا مهاجمة آدم سميث للماركنتيلين،او نقد شمولر للكلاسيكيين الانكليز). ينتقل شومبيتر،بعد عرضه الممتع هذا،للثورة الثقافية للقرن الثالث عشر واثر ارسطو فيها،الى استعراض فكرها الاقتصادي والاجتماعي التحليلي.ويسلم شومبيتر منذ البداية ان القرن المذكور شهد(بدايات)التحليل الاقتصادي فقط،ويعلل ذلك بأن المسائل الاقتصادية لم تشغل اهتمام السكولائيين بعد.وبالنسبة لتوما الاكويني على الاخص،فان اهتمامه الاساسي كان موجها الى القضايا اللاهوتية والفلسفية،وبالدرجة الثانية لقضايا السوسيولوجيا السياسية،اما اهتمامه ببعض المسائل الاقتصادية فقد كان مقتصرا على القضايا التي تمس اللاهوت الاخلاقي فقط،وقد عالجها عموما بصورة غير متحمسة،وبدون ان يستخدم عقله الكبير للنفاذ لجوهر الاشياء.ولهذا فقد اكتفى عموما(كالسكولائيين الآخرين)بآراء ارسطو،ونادرا ما تجاوزها في هذا الصدد،عدا تأكيده على الطابع الاخلاقي والديني،الذي يعكس الجو الفكري العام للعصر.ويضرب شومبيتر بعض الامثلة على ذلك من الفكر الاكويني:اعتبر القديس توما(العمل)المادي قرينة على التمسك بالفضائل المسيحية ووسيلة لتجنب الخطيئة.وهذا شئ بالطبع بعيد عن جو ارسطو.كذلك لم تعد (العبودية)نظاما اساسيا في العصور الوسطى،وتركز الاهتمام ب(الصدقات)وتشجيع الزهد.اما بالنسبة ل(التجارة والربح التجاري)فقد كرر السكولائيون آراء ارسطو المعروفة.رأى توماس الاكويني مثلا ان في التجارة بعض الشئ من (الضعة)،وان كان يقدم بعض المبررات للعمل التجاري،من قبيل ضرورة كسب العيش،واستخدام الربح في اعمال البر،وتحقيق النفع العام،واعتبار الربح تعويضا عن الجهد،وتحسين المادة المتاجر بها،واضافة قيم جديدة للسلعة بسبب اختلاف الزمان او المكان،وتحمل بعض المخاطر التجارية.ويلاحظ شومبيتر ان السكولائيين – عكس ارسطو – اكدوا في هذه المسألة على ربط الربح التجاري بالجهد الضروري اجتماعيا والمبذول من قبل التاجر،مما يجعلهم الرواد الحقيقيين لنظرية حق العامل(الادبي)في كل منتوج عمله.ولكنه يحذر من الرأي الخاطئ الذي يعتبرهم رواد نظرية قيمة العمل،اي النظرية التي(تفسر)قيمة السلعة بحقيقة العمل المبذول في انتاجها،لعدم وجود اية علاقة منطقية- في نظر شومبيتر – بين هذه النظرية التحليلية وبين الرأي الذي يؤكد على الضرورة(الادبية او الاقتصادية)لتعويض العامل عن جهده.اننا نؤيد شومبيتر في كلا هذين الاستنتاجين،وقد اشرنا الى ذلك عند استعراضنا السابق للفكر الاقتصادي الاكويني. ويهتم شومبيتر،بوجه خاص،بآراء توما الاكويني في (الاجتماع السياسي):اي سوسيولوجية المؤسسات السياسية،ويرى انها المصدر الحقيقي لمذاهب القرن التاسع عشر،وليس آراء لوك او النفعيين الانكليز او مفكري حركة التنوير.يرى القديس توما ان (المجتمع)مسألة بشرية صرفة،وانه مجموعة افراد تجمعهم محض حاجاتهم الدنيوية وان(الحكومة)تنبثق بالضبط عن هذه الحاجات الاجتماعية للافراد،وان دافع وجودها هو مجرد النفع العام،كما ان (السلطة)لا تنبع الا من الشعب وعن طريق التفويض،وان من حق الشعب عزل اي حاكم غير لائق.وقد اقترب حنا الاسكوتلندي جدا من نظرية(العقد الاجتماعي)كتفسير لنشوء الدولة،وان استثنيت حكومة الكنيسة من كل الآراء السابقة لطابعها الديني.يتضح من ذلك ان هذا التحليل السوسيولوجي،السكولائي،يتسم بالطابع الفردي،العقلاني،النفعي،الامر الذي يغري شومبيتر بربطه بالفلسفات السياسية العلمانية المعادية للكاثوليكية،التي ستسود في القرن الثامن عشر.ويستنتج شومبيتر من كل ذلك بأن السكولائية لم تكن ميتافيزية في معالجتها للنظم الاجتماعية والسياسية وانها بعيدة تماما عن مفهوم الدولة الكلية القدرة Omnipotent او الحق الآلهي للملوك،وهي آراء وضعها البروتستانت فيما بعد مع نشوء الدول والمذاهب الدينية القومية.يستشهد شومبيتر كدلالة على هذا الاتجاه الفردي والعقلاني في اجتماع توما الاكويني بنظريته في حق (الملكية).فلو جردنا هذه النظرية من ارديتها الثيولوجية،وارجعناها الى جوهرها البسيط،لوجدنا ان ما يريد ان يؤكده القديس توما ،هو ببساطة ان حق التملك الفردي لا يتعارض مع القانون الطبيعي،وان الملكية هي من اختراع العقل البشري،وان مبرراتها اجتماعية صرفة:شحذها للعمل الفردي،صيانتها للنظام الاجتماعي،تجنيبها للنزاع بين الافراد،الى غير ذلك من الاعتبارات التي تتصل بنظرية (الوظيفة الاجتماعية)للتملك،وعلى غرار ما فعل ارسطو سابقا،او ما سيفعله كتاب القرن التاسع عشر فيما بعد.وقد اكتفى القديس توما بصياغات ارسطو،في كل ذلك،لانه وجدها كافية للتعبير عن آرائه في هذا الموضوع. تنطبق هذه الملاحظة (اي علاقة توما الاكويني بأرسطو)على آرائه (الاقتصادية الصرفة)ايضا،وخاصة على نظريته في السعر العادل وفي الفائدة. ففيما يتعلق بنظرية(السعر العادل)يرى شومبيتر ان آراء توما الاكويني هي من ناحية الاساس،نفس آراء ارسطو.ان الاكويني لا يميز بين القيمة والسعر،وينكر وجود (القيمة الموضوعية)ذات الطابع المتافيزي باعتبارها متميزة جوهريا عن السعر،ولا يرى في القيمة الا(السعر التنافسي العادي) Normal Competitive Price.ان الفرق الذي يضعه القديس توما بين السعر والقيمة هو الفرق بين (السعر الفردي)اي السعر في صفقة انفرادية معينة،والسعر الذي يمثل تقييم الجمهور للسلعة.وفي حالة انعدام هذا السعر التنافسي العام،يدخل القديس توما عنصرا شخصيا هو تقدير البائع للسلعة،وليس تقدير المشتري،كما هي الحال في النظريات الذاتية في القيمة.ومن الملاحظ ان القديس توما لم يتوصل الى نظرية النفقة في تفسير السعر،اذ ان من المعروف ان السكولائي جون دون الاسكوتلندي هو الذي اكتشف ما اصبح يسمى بعدئذ ب(قانون النفقة)،اي شروط توازن الاسعار في وضع تنافسي،وذلك لربطه السعر العادل للسلعة بالجهد المبذول- نقدا او عملا – في انتاجها ،مما جعله يتجاوز ارسطو في نظرية السعر. اما فيما يتعلق بنظرية(الفائدة)الاكوينية،فان شومبيتر بعد استعراضه لحجج الاكويني المعروفة وتفنيدها،يؤكد – بحق – على ان نظرية القديس توما لا يمكن ان ترقى لمستوى(النظرية التحليلية)للفائدة،لانها لا تجيب على سؤال (لماذا)تدفع الفائدة فعلا،بل تكتفي باثبات عدم شرعية الفائدة فقط،الامر الذي لا علاقة له بالتحليل الاقتصادي.ان الذي طرح السؤال المذكور هم (السكولائيون)في المرحلة الجديدة،فقدموا بذلك المفاتيح الاولى لاجابة تحليلية مقبولة،استنادا الى ايحاءات القديس توما بالذات. ج – المرحلة الثالثة : من القرن الرابع عشر الى القرن السابع عشر: لاجل اختصار الجهد،يكتفي شومبيتر بتقديم بعض الاسماء الكبيرة من الاسكولائيين الذين يمكن اعتبار فكرهم الاقتصادي ذا طابع تمثيلي للاجاهات السائدة في المرحلة الثالثة من تطور الفكر السكولائي،التي تمتد من بدايات القرن الرابع عشر الى العقود الاولى من القرن السابع عشر.ويعتبر المؤلف ان هذه الفترة تستوعب في الواقع مجموع تاريخ الاقتصاد السكولائي بالمعنى التقني التحليلي،وان الفكر السكولائي فيها استوعب جميع بوادر الرأسمالية الناشئة حينذاك وبالتالي امكن استخدامه كأساس للعمل التحليلي اللاحق للاقتصاديين في المستقبل،بما في ذلك آدم سميث.يختار شومبيتر للقرن الرابع عشر جان بوريدان (1328 – 1358)الاستاذ في جامعة باريس ونيقولا اورزم(11)(1302 – 1382)اسقف مدينة ليزيو صاحب الرسالة الشهيرة حول التخفيض النقدي،ويرى شومبيتر ان دراسة اورزم وان كانت مكرسة لموضوع اقتصادي محدد،الا ان طابعها العام طابع قانوني وسياسي،وانها لم تحتو اي شئ جديد لم يكن شائعا جدا في عصر مؤلفها.كذلك اختار شومبيتر للقرن الخامس عشر القديس انطونين(12)اسقف مدينة فلورنسا،الذي عبر لأول مرة عن وجهة نظر كاملة لمجموع جوانب العملية الاقتصادية،وكابريل بيل(13) Piel (الاستاذ في جامعة توبنكن).اما عن اسكولائيي القرن السادس عشر،فقد وقع اختيار شومبيتر من بينهم على توماس مركادو(14) Mercado ثم على الفقهاء الجزويت المشهورين ليونارد ليزيوس (1554 – 1623) Lisius وغومث مولينا (1535 – 1600) Molina وخوان دي لوكو(15) (1583 – 1660) De Luge الذين كانوا موضع دراسة مستفيضة وقيمة للاستاذ دمبسي Dempsey في مؤلفه المعروف (الفائدة والربا)،1943،بالانكليزية. فيما يتعلق بالاجتماع وخاصة،الاجتماع السياسي،تابع السكولائيون المتأخرون نفس الاتجاهات الفردية والراديكالية والعقلانية لسكولائيي القرن الثالث عشر،وعمقوا الآراء والمواقف السكولائية التي سبقت الاشارة اليها بالنسبة للدولة والحكومة(16).وكذلك الحال بالنسبة للاجتماع الاقتصادي،وخاصة بالنسبة ل(نظرية الملكية)،فقد رأى السكولائيون في المؤسسات الاقتصادية عامة مجرد مؤسسات دنيوية يمكن تفسيرها او تبريرها بالاعتبارات الناشئة عن المصلحة الاجتماعية،والمتجسدة خاصة في فكرة الصالح العام.وبالرغم من انهم دافعوا عن الملكية الخاصة في المجتمعات المتمدنة اي التي تجاوزت الحالة الطبيعية التي تميزت بالملكية العامة للاموال- الا انه لم يكن هناك اي مبدأ نظري او اخلاقي يمنعهم من الوصول لنتيجة مخالفة في حالة ظهور حقائق جديدة لم تبرر ذلك،ويعتقد شومبيتر ان ليزيوس مثلا لو كان حيا اليوم،لدافع بالتأكيد عن الشيوعية الاقتصادية (لا السياسية)بدل الملكية الخاصة. وبالرغم من كون السكولائيين لم يعنوا بمشاكل الدول القومية الجديدة شأنهم في ذلك شأن لبراليي القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر فيما بعد – الا ان (مالية الدولة) حظيت منهم ببعض الاهتمام.انهم لم يعالجوا هذا الموضوع من الزاوية الاقتصادية(مثلا الآثار الاقتصادية للانفاق الحكومي،او عائدية الضرائب...الخ)او حاولوا اية محاولات تحليلية حتى عندما درسوا موضوعات هامة كتقييم الضرائب على الثروة او الاستهلاك،او مسألة القروض العامة،بل اقتصروا في هذا الصدد على دراسة(عدالة)النظام الضرائبي – من حيث توقيت الضريبة،ومداها،واهدافها،ووعاؤها واعباؤها..الخ - مع بعض النظرات الاجتماعية التحليلية التي تكمن وراء معالجاتهم المالية تلك،من قبيل العلاقة بين الدولة والمواطنين.وبالرغم من ان جميع هذه الدراسات السكولائية انتقلت لخلفائهم العلمانيين،الا انه يجب الانتباه الى ان علم المالية الحديث لم ينشأ عم مصادر اسكولائية، بل عن مصادر اخرى مختلفة(17). اما فيما يتعلق ب(الاقتصاد الخالص) Pure Econcmics فان السكولائيين المتأخرين هم الذين خلقوا هذا الاقتصاد بكليته،في رأي شومبيتر،ولهذا لا يتردد في وصفهم ب(مؤسسي الاقتصاد العلمي)- ص97 -.بل يذهب الى حد القول بأن جزءا هاما من اعمال الاقتصاديين في اواخر القرن التاسع عشر كان يمكن تطويره بالانطلاق من الاسس وادوات التحليل السكولائية بسرعة اكبر بكثير مما حصل فعلا بسبب اهمال التراث المذكور.ان تعليقنا على هذا الرأي،هو ان شومبيتر يعتبر المدارس الذاتية في الاقتصاد(المدرسة النمساوية،مدرسة لوزان،مدرسة جفونس..الخ)تجسيدا للاقتصاد العلمي،ولهذا كان من الطبيعي ان يعتبر السكولائيين المتأخرين مؤسسي الاقتصاد المذكور.ولكننا على العكس نعتبر المدارس المذكورة تتويجا للردة في الفكر الاقتصادي الحديث،وتعبيرا عن بداية المرحلة الامبريالية للنظام الرأسمالي،ولهذا فاننا نرفض جميع استنتاجات شومبيتر في هذا الصدد.ان هذه المسألة ستعالج في موضعها في الاجزاء التالية من هذا الكتاب. كذلك يشير شومبيتر الى ان(الاقتصاد التطبيقي للسكولائيين،كان يتركز،هو الآخر،حول فكرة(الصالح العام)،التي رأينا انها كانت محور الاجتماع الاقتصادي للسكولائيين المتأخرين،وانهم كانوا يفسرونها بروح فردية صرفة،اي بمعنى اشباع الحاجات الاقتصادية للافراد كما يكتشفها العقل السليم Ratio Recta،اي بنفس مفهوم(الرفاه)في اقتصاديات الرفاه الحديثة Welfare Economics المرتبطة بأسم الاستاذ بيكو Pigou مثلا.ويعتقد شومبيتر ان حلقة الوصل بين اقتصاديات الرفاه السكولائية واقتصاديات الرفاه الحديثة،هي اقتصاديات الرفاه للاقتصاديين الايطاليين في القرن الثامن عشر،وان مفهوم(عدم العدالة)بالنسبة للنشاط الاقتصادي والسياسة الاقتصادية لدى السكولائيين،يجب ان يفهم بمعنى مخالفة(الرفاه العام)بالمفهوم السابق،ويستشهد براي مولينا في عدم عدالة الاحتكار.اما الصلة بين(الاقتصاد التطبيقي)و(الاقتصاد الخالص)لدى السكولائيين المتأخرين،فقد حققها المفهوم الاساسي للاقتصاد الاخير وهو مفهوم(القيمة)الذي قام هو الآخر على(الحاجات واشباعها).لقد عمق هؤلاء التمييز الارسطوطاليسي بين(قيمة الاستعمال)و(قيمة التبادل) وطوروه الى نظرية ذاتية حقيقية،نظرية منفعة،لقيمة التبادل او السعر،على شكل لم يصله لا ارسطو ولا توما الاكويني،وان كان المفكران الاخيران وضعا(المؤشر)الى ذلك.ويستعرض شومبيتر النقاط الاساسية في مفهوم القيمة لدى السكولائيين المتأخرين على الشكل التالي: 1. اكد هؤلاء (وخاصة مولينا)في نقدهم لنظرية النفقة لدون السكوتلندي واتباعه،على ان النفقة وان كانت احدى العوامل المحددة لقيمة السلعة او سعرها،فانها لا يمكن ان تعتبر(سببا)لها او مصدرها المنطقي.وعليه فان نسبة نظرية النفقة للقيمة،او من باب اولى نظرية العمل للقيمة،لهؤلاء السكولائيين – كما يفعل المؤرخون من انصار هذه النظريات – نسبة خاطئة تماما في نظر شومبيتر.يجب ان نميز بوضوح بين الرأي الذي يؤكد على اهمية العمل في العملية الاقتصادية،والرأي الذي يفسر قيمة السلعة بالعمل(او الجهد)المنفق في انتاجها،وهذا الرأي الاخير وحده هو الذي يكون جوهر نظرية العمل في القيمة. 2. اوضحوا بجلاء تام نظرية المنفعة كمصدر او سبب للقيمة.ان ديلوكو او مولينا مثلا اشاروا الى ان المنفعة ليست خصيصة من خصائص السلعة او سمة من سماتها الداخلية،بل هي تعكس(الاستعمالات)التي يمكن ان تقوم بها واهمية هذه الاستعمالات بالنسبة للافراد.وقبل ذلك بقرن كامل،استعمل القديس انطونين كلمة دقيقة للتعبير عن القيمة هي كلمة Complacibilitas ويمكن ترجمتها ب(المرغوبية)،وهي نفس الكلمة التي استعملها فيما بعد الاستاذ (فيشر) Fisher لتحديد القيمة Desiredness. 3. ربطوا منذ البداية بين(قيمة)السلع و(ندرتها)فتجنبوا بذلك ما يسمى ب(مفارقة القيمة) V. Paradox – ليس للماء قيمة تبادلية بالرغم من منفعته القصوى-.ان المنفعة التي اكدوا عليها هي ليست المنفعة المجردة،بل منفعة مقادير معينة من السلع متوفرة او قابلة للانتاج في ظروف خاصة محددة. 4. اشاروا الى جميع العوامل المحددة للقيمة والسعر.وبالرغم من انهم لم ينجحوا في ربطها في نظرية متكاملة للعرض والطلب،الا ان جميع عناصر هذه النظرية كانت حاضرة لديهم،ولم ينقصهم الا الجهاز التكنيكي المطلوب(الجداول والمفاهيم الحدية للوصول لمستوى النظرية في القرن التاسع عشر(18). هناك ملاحظتان اخيرتان حول نظرية القيمة يسجلها شومبيتر لدى السكولائيين المتأخرين:الاولى،هي انهم لم يوحدوا بين(السعر العادل)و(السعر التنافسي الاعتيادي)،كما فعل توما الاكويني،ودون السكوتلندي فيما يبدو،بل رأوا في السعر العادل اي سعر تنافسي قائم في الواقع مهما كانت آثاره على المتعاملين،بشرط تكوينه بفعل آلية السوق التنافسية وليس بفعل تحديده من قبل السلطة العامة او المؤسسات الاحتكارية.ان مولينا مثلا،الذي ادان تحديد الاسعار من قبل السلطات العامة،ادرك بوضوح الوظائف العضوية للارباح التجارية ومسؤولية تقلبات الاسعار في شؤونها،مما يسجل خطوة كبيرة للامام في التحليل الاقتصادي ويجعل من امثال هؤلاء السكولائيين،الرواد الحقيقيين للبراليي القرن التاسع عشر.والملاحظة الثانية هي ان آراء هؤلاء السكولائيين لم تنبثق عن مجرد (التأمل)الذاتي،بل كانت نتاجا واضحا لملاحظة واختبار الاحداث والوقائع الاقتصادية نفسها،ومعززة دائما بالامثلة العملية.لقد راقب ليسوس مثلا اعمال البورصة في مدينة انتويرب،وحاور مولينا رجال الاعمال حول مناهجهم ونشاطاتهم الاقتصادية وكتب ما يشبه (الدراسات المستقلة) Monograph عن الكثير من الشؤون التجارية في وطنه اسبانيا.ان هذا المنهج الواقعي الذي تبناه،السكولائيون المتأخرون،يعود جزئيا لظهور بوادر الرأسمالية الناشئة في القرون الثلاثة موضوعة البحث. اما عن نظرية (النقود)في هذه المرحلة الاخيرة من تطور الفكر السكولائي فيبدي شومبيتر بشأنها الملاحظات التالية: 1. ان نظريتهم في النقود نظرية معدنية صرفة وتسير على نفس اسس النظرية الارسطوطاليسية،وهي من حيث الجوهر لا تختلف عن نظرية آدم سميث،ونجد فيها نفس الخصائص العامة.نفس التفسير التاريخي للنقود بعيوب المقايضة،نفس النظرة السلعية الخالصة للنقود..الخ.اننا نختلف عن شومبيتر في تفسيرنا لنظرية ارسطو النقدية،وقد اشرنا الى ذلك في حينه. 2. ان نظريتهم لم تكن ذات طابع نظري فقط،بل تضمنت نقدا متفاوتا في الشدة للسياسات النقدية في عصرهم،وخاصة للتخفيض النقدي واستغلاله من قبل الامراء.والواقع – كما ذكرنا من قبل – ان آراء اورزم ،كانت تعكس الرأي الشائع جدا في عصره والمقبول من اكثرية الناس،سكولائيين او علمانيين على السواء(19).على انه من الجدير بالملاحظة ان اولئك السكولائيين لم يتعمقوا في دراسة الآثار الاقتصادية المتعددة والمتنوعة للتخفيض النقدي،بل اقتصروا على اضرارها بحاملي النقود وبمقرضي الملوك.ان اثر التخفيض،او اية وسيلة اخرى لزيادة التداول النقدي،في انعاش التجارة او العمالة لم تخطر لهم ببال.ان تلك المسألة سوف تترك لمعالجة الماركنتيليين كما سنرى.وبالنظر لأن هذه المسألة اهملت تماما من قبل (الكلاسيكيين)الانكليز في القرن التاسع عشر،فاننا نجد هنا احدى نقاد الشبه الغريبة التي تجمع مثلا جون استيوارت مل بالأب مولينا. 3. انهم عرضوا بوضوح كامل،وعلى الاخص(ميركادو)الخطوط العريضة لما يمكن تسميته بالنظرية الكمية للنقود ،على الاقل بالمعاني التي تتضمنها نظرية بودان. 4. انهم عالجوا كثيرا من القضايا النقدية الاخرى،بشكل يستحق كل ثناء وتقدير.من ذلك مثلا،مسائل السك النقدي(20)،والتحويل الخارجي،وحركات الذهب والفضة الدولية،ونظام المعدنين النقدي،ووسائل الائتمان النقدي..الخ. بعد هذا يخالف شومبيتر بعض الآراء الشائعة عن الفكر الاقتصادي للسكولائيين المتأخرين،فينكر مثلا ما ينسب اليهم من وضع نظرية للرأسمال العيني Real Capital (اي معالجة الجانب المادي للانتاج).وان كان لا ينكر انهم – وخاصة منذ القديس انطونين – خططوا لنظرية تعالج دور الرأسمال النقدي في التجارة والانتاج.كذلك ينكر انهم وضعوا نظرية متكاملة للتوزيع،اي تطبيق جهازهم الجنيني للعرض والطلب على مسألة تكوين الدخول بصورة عامة.وتنطبق نفس الملاحظة على نظريتي ريع الارض والاجور،لانهما لم تشكلا بعد في عصرهم قضايا تحليلية تلفت الانتباه.فبالنسبة ل(الريع) ما كان يمكن ان يتميز في الاراضي المملوكة من قبل الفلاح نفسه،كما انه كان مختلطا بكثير من الالتزامات الاخرى بالنسبة للاراضي الاقطاعية،بحيث يختلط الريع الاقتصادي باشكال اخرى مختلفة الطبيعة.وكذلك الحال بالنسبة الى (الاجور) اذ اكتفى السكولائيون باصدار احكام قيمية(21)والتقدم باقتراحات تتعلق بالسياسة الاقتصادية،ولكنهم لم يطرحوا اسئلة تحليلية تتعلق ب(السبب)في دفع الاجور.على ان الامر مختلف جدا بالنسبة لنظريتي الربح والفائدة.يرى شومبيتر ان نظرية (الجهد والمخاطرة) Effort – Risk في تفسير الربح تعود للسكولائيين المتأخرين قطعا،ولعل من الجدير بالذكر ان ديلوكو،ومستفيدا من بعض ايحاءات القديس توما الاكويني،وصف الربح باعتباره (نوعا من الاجر)مقابل خدمة اجتماعية. اما بالنسبة لنظرية(الفائدة) فيؤكد شومبيتر على ضرورة اخراج ونزع(النواة التحليلية)في هذه النظرية من (قشورها الوجوبية) او القاعدية Normative (وخاصة الاخلاقية والدينية)التي غلفها بها السكولائيون،حسب الجو العام لعصرهم.لاشك ان (الدافع) لتحليل السكولائيين للفائدة لم يكن مجرد الاستطلاع العلمي،بل محاولة فهم الظاهرة التي كان يجب عليهم شجبها من وجهة النظر الدينية والاخلاقية.انهم كانوا يصدرون – كما يفعل الاقتصاديون المعاصرون – احكاما قيمية تتعلق ببيان مزايا المؤسسات القائمة،ولكن ما كان يثير اهتمامهم في التقييم المذكور هو ليس المؤسسات بحد ذاتها،بل هو السلوك الفردي ضمن اطار تلك المؤسسات.لقد كانوا،قبل اي شئ آخر،موجهين للضمائر الفردية،او بعبارة اخرى،موجهين لموجهي تلك الضمائر(اي القسس الذين يشهدون الاعترافات).ولهذا فكان لابد لهم اولا من تثبيت بعض المبادئ الاخلاقية الثابتة لأرشاد المسيحيين،وكان من الضروري لهم ثانيا تطبيق تلك المبادئ على آلاف القضايا الفردية المتطورة ابدا حسب تطور الظروف،وكان عليهم ثالثا ان يصدروا قرارات محددة،على الاقل بالنسبة لانواع القضايا العملية المهمة،حفظا لوحدة التطبيق بالنسبة لقضايا الاعتراف والغفران،وكان عليهم اخيرا ان يأخذوا بنظر الاعتبار العرف السائد في الظرف المعين،لتقرير خطيئة العمل المرتكب ومدى تلك الخطيئة.كل هذه الاعتبارات دفعت اولئك المفكرين بالتحقيق في انواع السلوك الاقتصادي السائد بين افراد المجتمع،والقيام بعمل تحليلي رائع في الظواهر الاقتصادية،وخاصة في ظاهرة شديدة التعقيد كظاهرة الفائدة(22).وهكذا نجد ان الدافع الاخلاقي هنا،وهو عدو التحليل العلمي في العادة،يهئ المجال ويجهز المنهج للمحللين السكولائيين.ان العمل التحليلي هنا يجب ان يميز تماما عن الاهداف الاخلاقية التي وضع في خدمتها.انه عمل علمي،لأنه يقوم على اختبار الحقائق وحدها ولا يتعدى تفسيرها.انه استنتاج (مبادئ)عامة من (قضايا)فردية،على غرار منهج الفقهاء الانكليز مثلا.اما اللاهوت الاخلاقي هنا فلا يتدخل الا (بعد)اكمال العمل التحليلي في كل قضية على حدة،لأخضاع نتائجه لاحدى القواعد اللاهوتية.وهنا يشجب شومبيتر بشدة الرأي الشائع في وصف الحجج السكولائية حول الفائدة بالحذلقة والسفسطة،وبافتعال الحيل المنطقية والشرعية لتغطية المواقف التراجعية للكنيسة بعد ثبوت استحالة الاستمرار في التحريم،بسبب الوقائع المستجدة،مع اعتبارها استسلاما امام (الامر الواقع).ويتهم شومبيتر اصحاب هذا الرأي بعدم الاطلاع الكافي على الادب السكولائي وبجهل النظرية الاقتصادية على السواء.ولكن المؤلف ما يلبث ان يناقض نفسه عندما يعترف صراحة بأن تطور الظواهر الرأسمالية دفعت الكثير من الناس لاستخدام الحيل الشرعية فعلا باستغلال الظروف الاقتصادية الجديدة،كما انها دفعت الكثير من البيروقراطية الدينية(جمهرة القسس)لتشجيع الحيل المذكورة وحتى التواطؤ مع اصحابها.ان الخطأ الاساسي في نظرية شومبيتر هذه – في رأينا – هو فصله التعسفي المطلق بين التحليل والآيديولوجيا ،بين(النواة)العلمية- حسب تعبيره- و(القشور)القاعدية التي تغلفها،مما يوقعه دائما في احكام تتناقض مع اوضح وقائع التاريخ.لقد سبق ان اوضحنا رأينا بتفصيل في الدور(التوفيق)للكنيسة الكاثوليكية بوجه عام،ولنظريتها في الفائدة بوجه خاص،مما لا حاجة لاعادته هنا مرة اخرى. يحدد شومبيتر العناصر التكوينية الاساسية في (نظرية الفائدة) او (الربا) لدى السكولائيين المتأخرين في النقاط التالية: 1. ان استغلال المحتاجين لا يكون عنصرا من عناصر النظرية المذكورة،او شرطا لوجود الربا. 2. لا يكفي لوجود الربا مجرد الالتزام باعادة المقترض لمبلغ اكبر من المبلغ الذي اقترضه.وهنا يورد شومبيتر الاستثناءات المعروفة في نظرية الربا السكولائية:- تعويض المقرض عن اخطار عملية القرض (خاصة تسليم النقود بأقل من قيمتها التوازنية) equilibrium،حالة القروض الاجبارية وحالة الربح المفوت،عندما يكون الحصول على الربح المذكور شيئا اعتياديا في المحيط الاقتصادي كما هي الحال بالنسبة للتجار مثلا،او في حالة وجود سوق نقدية اعتيادية تبرر تقاضي فائدة حتى بالنسبة لغير التجار،كما كانت الحال فعلا في القرن السادس عشر،وكذلك حالة عدم الرد في الاجل المحدد،وحالة انخفاض قيمة النقود في وقت التسديد،بالاضافة الى حالة الخسارة المتحققة. 3. ان نظرية الربا لا تأخذ بنظر الاعتبار الفوائد التي قد يحصل عليها (المقترض) من مبلغ القرض،بل تقتصر فقط،في تبريرها للفائدة على سبيل الاستثناء،على اعتبار الاضرار التي يتحملها (المقرض)من جراء عملية الاقراض. بعد قيام شومبيتر على هذا الشكل،بنزع الغلاف القاعدي عن النواة التحليلية لنظرية الفائدة السكولائية،وبعد استبعاده التعاليم الاخلاقية التي حفزت السكولائيين المتأخرين على دراسة الحقائق الاقتصادية،يعيد صياغة النظريات (التفسيرية)التي انتهت اليها تحليلاتهم،وفق التسلسل التالي،مع اعترافه بسعة وبتعدد التفسيرات المذكورة،واضطراره الى ذكر الاهم منها فقط:- 1. يرى السكولائيون في(الفائدة)ظاهرة نقدية من حيث الاساس بالرغم من صياغة نظريتهم ضمن الاطار العام لقروض السلع القابلة للاستهلاك دفعة واحدة Consumptibilis،ولا يرى شومبيتر في ذلك اية قيمة تحليلية،لأن السكولائيين قبلوا الرأي السطحي الشائع حول هذه النقطة منذ زمن ارسطو.ان بعض السكولائيين حاول قياس الفائدة على مدخولات بعض السلع القابلة للبيع بنقود وانتاج مدخولات نقدية صافية،كالاراضي وحقوق التعدين.الا ان هذا الاتجاه عديم القيمة التحليلية ايضا،لأن اثمان السلع المذكورة ،وبالتالي المدخولات الصافية التي تدرها،تفترض سلفا وجود الفائدة،فلا تساعد اذن على تفسير ظاهرة الفوائد النقدية. 2. ان الفائدة هي في الواقع عنصر في ثمن النقود،ولهذا فان اعتبار السكولائيين لها كمجرد ثمن ل(استعمال)النقود،لا يوضح شئ،بل هو على العكس يعقد المشكلة دون جدوى.كذلك يعتبر شومبيتر قياس الفائدة على التعويضات او الخصومات المدفوعة مقابل التغيرات الطارئة على قيمة السلع بسبب انتقالها في المكان Interlocal قياسا مع الفارق،لأن الفائدة الصافية،كظاهرة يجب تمييزها عن تعويض النفقات او الاخطار المكانية،ظاهرة ناتجة عن تغير في الزمان وليس المكان Inter temporal.ان اتجاه بعض السكولائيين فعلا في تفسير الفائدة هذه الوجهة الزمانية(مرور الوقت بين اجل القرض النقدي وتسديده)هو اتجاه – حسب رأي شومبيتر – في الطريق الصحيح،ويدل على ان السكولائيين – خلاف تسعة اعشار منظري الفائدة في القرن التاسع عشر – ادركوا المشكلة المنطقية الحقيقية،فاستحقوا بجدارة لقب(رواد)النظرية العلمية في الفائدة. 3. يستنتج شومبيتر من ذلك ان اي تفسير واقعي للفائدة يجب ان ينطلق من دراسة وتحليل الظروف الخاصة التي تتسبب في ظهور سعر ايجابي للفائدة.ومثل هذا التحليل يظهر بوضوح ان العامل الاساسي الذي يوجب دفع الفائدة،هو ظهور(ارباح)المشاريع Business Profits.ولأن السكولائيين وضعوا ايديهم على هذه الحقيقة،يعتبر شومبيتر مساهمتهم في هذه النقطة اضخم المساهمات التي تمخض عنها تحليلهم للفائدة.لقد كان القديس انطونين اعظم السكولائيين في هذا الصدد،اذ انه مع اعترافه بعقم المسكوكات النقدية،الا انه لم يعمم هذه القاعدة على(الرأسمال النقدي) Money Capital،لأن التصرف بهذا الاخير يعتبر شرطا لاقامة المشاريع وانطلاق النشاط الاقتصادي المربح.كذلك ايد مولينا وتلامذته هذا الرأي بالرغم من اعتبارهم للنقود غير منتجة بحد ذاتها ولا تكون احد عوامل الانتاج.لقد صاغوا العبارة الهامة وهي ان(النقود عدة التاجر)وكانوا مدركين امكانية تحول الفائدة،في حالة نشاط وحيوية مشاريع الاعمال،الى ظاهرة عادية وشاملة،وبذلك ساهموا لحد كبير في تحليل جانب العرض للسوق النقدية(23). الا ان شومبيتر يأسف لعدم تطوير السكولائيين لنظرية(الربح)بما فيه الكفاية بحيث يقطفون ثمرات اتجاههم في اعتبار الربح المصدر الحقيقي للفائدة.كما انهم لم يعبروا عن اتجاههم المذكور بصورة مباشرة ووضوح كامل،بل تعثروا في ذلك وتقلبوا ذات اليمين وذات الشمال،وكثيرا ما استخدموا في ذلك حججا خاطئة او صياغات غير دقيقة،ولكنهم – على كل حال – كانوا(الرواد)في هذا السبيل،ولاشك ان ايجابياتهم تطغي على سلبياتهم،خاصة اذا ما ادركنا فضلهم الكبير في اعمال الاجيال اللاحقة،والدروس التحليلية التي علموها حتى لأشد الخصوم. والمسألة الاخيرة التي يعالجها شومبيتر في نظرية الربا السكولائية،هي انكاره ل(المعركة)المزعومة التي نشبت حول النظرية بين السكولائيين وخصومهم في القرنين السادس عشر والسابع عشر.ان اشد اعداء السكولائية(امثال شارل مولينس Molineous وكلود سالماسيس Salomosius لم يأت بأي شئ تحليلي جديد.صحيح ان اللاهوتيين البروتستانت والفقهاء العلمانيين،اختلفوا مع السكولائيين حول مشروعية الفائدة،ولكن الخلاف كان محصورا على الصعيد الاخلاقي والديني،ولم يضف اية حجج جديدة من زاوية التحليل الاقتصادي الواقعي.ان المعركة التي كثيرا ما يشار اليها في هذا الصدد كانت معركة على الصعيد التشريعي والاداري،بسبب التحريم المبدئي للفائدة من قبل السكولائيين،وعدم تحليلها الا عند توفر الاستثناءات،وفي كل حالة على حدة.ان هذا الموقف السكولائي اصبح بالطبع لا يتفق مع شيوع الفائدة وتحولها لظاهرة اعتيادية وضرورية في المعاملات الجارية،ولهذا عمد البابوات (بيوس الثاني وغريغوري السادس عشر مثلا)الى تطبيق الاستثناءات في جميع معاملات الفائدة بسعرها السوقي.الخصومة اذن كانت تتعلق بالسياسة النقدية،وكانت مرتبطة عضويا بالخصومة الدينية والسياسية،اما على صعيد المبادئ والتحليلات (النظرية)فلم تكن هناك اية معركة في نظر شومبيتر. لا نستطيع في هذه العجالة نقد آراء شومبيتر في تقييم نظرية الفائدة للسكولائيين المتأخرين،ولكن من السهولة (تفسير)هذا الاعجاب المبالغ فيه بنظرياتهم.ان شومبيتر نفسه صاحب نظرية شهيرة في الفائدة،تتميز بالنظر اليها كمجرد ظاهرة(نقدية)خالصة،مقطوعة الجذور باية اجواء عينية Real او مادية.ولهذا فلا غرابة ان يعتبر الاتجاه السكولائي مساهمة ضخمة في اتجاه النظرية العلمية في الفائدة،ولكننا على العكس نعتبر اي تفسير(نقدي)للفائدة،مجرد مس سطحي للظاهرة الاقتصادية،لا ينفذ الى جذورها في العملية الاقتصادية نفسها،وفي النظام الاقتصادي(اي النمط الانتاجي)الذي يفرزها.ان ربط الفائدة بالربح خطوة صحيحة،ولكنها خطوة قاصرة تماما عن اعطاء الحل الصحيح للمشكلة.ان الحل يكمن في دراسة قوانين النمط الرأسمالي،وخاصة قوانين انتاج وتوزيع فائض القيمة،وهذا ما فعله مؤسسو الاقتصاد العلمي،من وليم بتي حتى كارل ماركس.
هوامش الدراسة
(1) من المعلوم ان تعاليم توما الاكويني الواردة في مؤلفه الرئيسي الذي لم ينهه منذ وفاته،مرت بتطورات عديدة خلال القرون،فمثلا اعتبرت بعضها (هرطقة)بعد وفاته بمدة قصيرة،ولكنه ادخل رسميا في عداد القديسين عام 1323،فبدأت آراؤه تكتسب سلطة متزايدة،الى ان التف الفكر الكاثوليكي وراءه بصورة حاسمة منذ القرن السادس عشر،واصبحت تعاليمه المذهب الرسمي للكنيسة الرومانية برسالة بابوية اصدرها البابا ليون الثالث عشر عام 1879 بعنوان Aeternis Patris. (2) الاخوان Friars هم المنتسبون،على الاخص،للطوائف الاربعة:الفرنسيسكان والدومينيكان والكرمليين والاوغسطينيين. (3) على سبيل المثال راجع:جورج لاكارد Lagarde (ولادة الروح العلمانية في منحدر العصور الوسطى،باريس،في عدة اجزاء بين 1934 – 1946،بالفرنسية).وكذلك البيردفورك Foureque(المسيحية والتنظيم الاقطاعي،طبعة 1932،بالفرنسية).وهنري دني(تاريخ الفكر الاقتصادي،1966،بالفرنسية).والقاموس الفلسفي السوفيتي،مادتا توما الاكويني والتومائية الجديدة،بالانكليزية،1967. (4) يعلق شومبيتر اهمية كبيرة على الجوانب النقدية والمالية للنظام الرأسمالي وخاصة على نشوء الورقة النقدية وخلق الودائع المصرفية،وهما ظاهرتا برزتا في بعض بلدان البحر الابيض المتوسط خلال القرن الرابع عشر. (5) المهم في عصر الاحياء هو ليس احياء الفكر اليوناني والروماني بحد ذاته،بل احياؤه بالضبط لأنه كان يقدم الاشكال او الاوعية المناسبة للحاجات والمعاني والمضامين الجديدة(شومبيتر،ص 79). (6) يعتقد شومبيتر ان محاربة الكنيسة للنظام الكوبرنيكي منذ اعدام جوردانو برونو عام 1600 لم يكن بسبب طابعه العلمي،بل بسبب دعوة اكثر انصاره لآراء هرطقية في الدين.والدليل على ذلك في زعمه هو ان آراء كوبرنيكس بقيت حرة طيلة العقود السبعة التي اعقبت اكمال مسودته الشهيرة عام 1530.اما حادثة غاليلو التي تثبت بوضوح بطلان نظرية شومبيتر،لانه حورب بصورة صريحة بسبب آرائه العلمية المرنة،فيعتبرها شومبيتر حادثة استثنائية ويرى ان (مزاج)غاليلو النفسي،وطبيعته المشاكسة،ساهمتا في مصيره المأساوي! (7) يشير شومبيتر بين المصادر الاساسية الى: آشلي:(مقدمة للتاريخ الاقتصادي والنظرية الاقتصادية)،جزءان 1888 – 1893،بالانكليزية،مشار اليه سابقا. اندرمان:(دراسات في النظرية الاقتصادية والقانونية الرومانية – الكنسية،جزءان 1874 – 1883،بالالمانية. جبرايو:(في الاقتصاد السياسي للعصر الوسيط،1839،بالايطالية). برانت Brandt:(الاقتصاد السياسي في العصر الوسيط،1895،بالفرنسية). بيرين Pirenne:(التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لاوربة الوسيطة). تومبسن Thompson:(التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعصور الوسطى،جزءآن،1928- 1931،بالانكليزية). اوبرين:(مقالة في التعليم الاقتصادي الوسيط ،1920،بالانكليزية)،مشار اليه سابقا. (8) بالرغم من ان المذهب الكلي يرتبط دائما باسم الاجتماعي الالماني شبان Spann الا ان مؤسس المدرسة هو بربرام Birbram في مؤلفه(نشوء فلسفة الاجتماع الفردية )1912.ويرى شومبيتر(حاشية ص 85)ان المذهب الكلي مفيد في القاء بعض الضوء على بعض جوانب تاريخ الفلسفة او الفكر الاقتصادي،الا انه غير مجد بالنسبة للاقتصاد التكنيكي والتحليلي. (9) من ابرز(الاسميين)في العصور الوسطى،في رأينا،هم هنا الاسكوتلندي(جون سكوتس)ووليم الاوكامي(وليم اوف اوكام)وروسلين.اما ابرز(الواقعيين)فهم انسلم الكانتربري وفلهلم الشامبوي،الى جانب القديس توما نفسه.ومن الجدير بالذكر ان الكاثوليكية ككل تستند الى المذهب الواقعي(اي المثالي). (10) سبق ان فندنا هذا الرأي الذي نسبه الاقتصادي الانكليزي(كرى) للاقتصادي الفرنسي(كونار)،ومن المؤسف ان شومبيتر لم يشر الى النصوص التاريخية التي تؤيد رأيه هذا،خلاف عادته في تفسيراته الاقتصادية على العموم. (11) كان الاسقف اورزم موسوعي المعارف،كتب في اللاهوت والرياضيات والفلك فضلا عن رسالته المشهورة في النقود التي كتبها بين 1350 و 1360(راجع مقتطفات واسعة منها في كتاب مونرو(الفكر الاقتصادي المبكر)ص 97 – 102،بالانكليزية).وبالرغم من نجاح الرسالة الكبير في زمن مؤلفها،الا انها نسيت تماما بعد ذلك الى ان اعاد اكتشافها واكد اهميتها الاستاذ الفرنسي مونييه Meunier(راجع مؤلفه:مقالة حول حياة واعمال نيقولا اورزم 1857،بالفرنسية)،والاقتصادي الالماني الكبير روشر(راجع دراسته:اقتصادي كبير من القرن الرابع عشر،بالالمانية،1863).ومن اهم المصادر الرئيسية عن اورزم،المؤلف اللاسيكي للاقتصادي الايطالي كونلياني Conigliani(المذاهب النقدية في فرنسا خلال العصور الوسطى)،1890،بالايطالية.ومن الجدير بالذكر ان بعض مؤرخي الفكر الاقتصادي يرى ان اورزم ردد في الواقع افكار استاذه(بوريدان).راجع شتافنها عن(تاريخ النظرية الاقتصادية،طبعة 1957،ص 17،بالالمانية). (12) يسمى احيانا (فورشليوني) 1389 – 1459،راجع عنه الكتاب الذي كرسه له الاستاذ جاريت Garett بعنوان(انطونينو والاقتصاد الوسيط،1914،بالانكليزية). (13) كان روشر قد اعاد اكتشاف هذا السكولائي الكبير 1425 – 1495 ،راجع مؤلفه(تاريخ الاقتصاد الوطني في المانيا،1874،بالالمانية)وقد اعتبره روشر آخر السكولائيين ،بدون سبب معقول. (14) ان اهمية مركادو 1468 – 1534 تنبع من نظريته الكمية في النقود،التي عبر عنها في رسالته(حول الصفقات التجارية والتجارة مع الهند،1569،بالاسبانية). (15) هؤلاء الفقهاء كتبوا جميعا دراسات مختلفة في القانون والعدالة،ضمنوها آرائهم عن الاقتصاد التحليلي .ومن الملاحظ ان الكتابات الاقتصادية في القرن السادس عشر كانت تعالج اساسا ضمن الدراسات القانونية. (16) تطرف بعض السكولائيين لحد كبير في الدفاع عن الحريات الفردية ضد الحكم المطلق،مثال ذلك السكولائي الاسباني الكبير خوان دي ماريانا De Marriana الذي كتب رسالة شهيرة حول مؤسسات الحكم باللاتينية سنة 1959.وحول الفكر السياسي السكولائي راجع مؤلف الاستاذ الن Allen(تاريخ الفكر السياسي في القرن السادس عشر،1928،بالانكليزية). (17) يشير شومبيتر الى ان السكولائي نيقولاس كوزانوس Cusanas وضع مشروعا شاملا لاصلاح مالية الامبراطورية الجرمانية،قائما على ضريبة عامة للدخل،ولم يؤخذ بهذا المشروع او فكرته في الرايخ الالماني الا في عام 1920. (18) يرى شتافنهاغن(المرجع المذكور ص 14 – 15)بأن نظرية القيمة السكولائية تضم عناصر من اغلب النظريات المعروفة في القيمة،بما في ذلك نظرية المنفعة(لدى البرت الكبير)ونظرية نفقة الانتاج،ونظرية قيمة العمل(لدى توما الاكويني)،ونظرية تقدير البائع،ونظرية التقدير الاجتماعي العام. (19) يستشهد شومبيتر للتدليل على هذا الرأي بعدد كبير من المؤلفين في المرحلة موضوعة البحث،منهم فرانسوا غريمودية Grimaudel (1576) وتيسورس Thesaurus(1907) وفريهر Freher (1605) ورينيه بوديل Baudel وجان اكيلا Aequilla وشارل ديمولان Desmoulin (1500 – 1566) ،وبالطبع جان بودان،الذي اشرنا الى بعض نظرياته سابقا(شومبيتر ،حاشية ص 100). (20) يشير شومبيتر الى رسالة كوبرنيكس حول سك النقود (1526) باللاتينية. (21) يستشهد شومبيتر ببعض السكولائيين الاسبان الذين عالجوا مشاكل الفاقة والاستجداء واعمال البر وقضايا العمالة،ومن بينهم دي سوتو De Soto صاحب رسالة (دراسة في سبب وجود الفقراء،1545،بالاسبانية)،وخوان دي مدينا Medina صاحب رسالة (نظام الصدقات،1545،بالاسبانية). (22) يستعرض شومبيتر باختصار تطور مواقف الكنيسة الكاثوليكية،المنعكس في تطور تشريعاتها بالنسبة لتحريم الفائدة.ففي عهد الامبراطورية الرومانية كان موقفها متحفظا بالرغم من كتابات ارسطو والقديس لوقا Luca الشاجبة للفائدة بشدة.وفي مؤتمر نيقيا (عام 325)اقتصر التحريم على رجال الدين،وان كان الطابع العام للتشريع يميل للتحريم بالنسبة للجميع.ثم اتت الخطوة الحاسمة في التحريم،بما في ذلك ابطال التشريعات العلمانية المخالفة،عام 1311(خلاف رأي توما الاكويني).وبالرغم من استمرار التحريم الشكلي،الا ان اهمية العملية تناقصت مع تناقص اهمية القضايا التي تدخل ضمن مواد التحريم،وقد اشير الى ذلك في الرسالة البابوية الصادرة عام 1745.وفي عام 1838 صدر منشور كنسي يطلب من قسس الاعتراف عدم الاصرار على تخطئة المرابين في حالة تعاملهم بالاسعار الجارية.(راجع شومبيتر حاشية ص 102).ولدراسة اوسع حول تطور التشريع الكنسي والعلماني المتعلق بالربا،راجع على سبيل المثال(موسوعة العلوم الاجتماعية)و(قاموس بالكريف Palgrave). (23) يعتبر شومبيتر هذا الرأي السكولائي مهاجمة وجاهية لنظرية(عقم النقود)الارسطوطاليسية،كما انه يرى ان القديس توما الاكويني مهد في بعض مقولاته لهذا الراي اذ اجاز دفع الفائدة في حالة ايداع القرض النقدي من قبل المقترض على سبيل الضمان او الكفالة،ولكنه لم يوسع استثناءه ليشمل الاستخدامات الاخرى للقروض.والذي فعل ذلك هو في الواقع يعقوب فراريوس Ferrarius في رسالة فقهية له عام 1623،حيث رأى ضرورة الفائدة في كل انواع القروض النقدية مهما كانت اغراضها المشروعة(شومبيتر،حاشية ص 105). -;- خطاب السيد ابراهيم كبة وزير الاقتصاد في الجمهورية العراقية/"القاه في الجلسة الافتتاحية للمجلس الاقتصادي للجامعة العربية المنعقد في القاهرة بتاريخ 5 كانون الاول 1959"
سيدي سيادة الرئيس المحترم حضرات الاخوان الافاضل
بأسم الجمهورية العراقية الفتية،بأسم حكومتها الوطنية الثورية،وبأسم شعبها البطل الجبار،بأسم المثل القومية والديمقراطية التي تشرب بها،وبأسم الدماء الزكية التي اراقها،بأسم الانتفاضات التي قادها والمعارك التحررية التي خاضها،بأسم ثورة 14 تموز الخالدة،ارحب بوفودكم وابارك جهودكم ومساعيكم واتمنى للجميع النجاح التام والفوز المبين. تتعرض بلادنا العربية اليوم الى مؤامرات استعمارية مشتدة مصوبة بالدرجة الرئيسية نحو طليعة الكفاح العربي التحرري،المتمثل بالجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة.والاستعمار يدرك انه اذا استطاع ضرب هذه الطليعة هان عليه بعد ذلك ان يبسط طغيانه على الامة العربية كلها.وخطة الاستعمار في الظرف الراهن تقوم على زرع بذور الجفوة والخصام بين الجمهوريتين العربيتين المتحررتين،بأمل احداث صدع كبير يستطيع من خلاله اختراق الجبهة العربية وضربة اخرى للعربية المتحدة وبالتالي اعادة سيطرته الاستعمارية على العالم العربي برمته. ان الاستعمار يدرك ان التضامن العربي قد كان الضمانة الاساسية في الانتصارات التي حققتها مصر في سياستها القومية التحررية واخصها رد العدوان الثلاثي الآثم.كما كان الضمانة في وقاية سورية من العدوان والمؤامرات،وكان بالتالي عاملا جوهريا في احباط خطط الاستعمار العدوانية التي اتخذت في اعقاب انتصار الثورة العراقية.وواضح ايضا ان هذا التضامن قد لعب دوره في اجلاء جيوش الغزو عن لبنان والاردن وبلوغ ثورة لبنان الشقيق نتيجتها المنطقية.كما لعب دوره في احباط مفعول مبدأ آيزنهاور وتقويض اركان حلف بغداد وتأمين الفاعلية الكفاحية لثورة الجزائر وعمان. والاستعمار الذي ادرك ويدرك خطر التضامن العربي على مصالحه ومشاريعه العدوانية والدور الذي يلعبه هذا التضامن في الانتصارات التي تحرزها القومية العربية- يعمل الآن بكل ما يملك من اسااليب ووسائل لحل عرى هذا التضامن وتقويضه.وهو لهذا الغرض يستهدف – كما بينا – طليعة الكفاح العربي، المتمثلة بالجمهورية العراقية المتحررة وتسديد ضربة للجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة.
ايها السادة
ان القومية العربية مثل سائر القوميات لابد ان تسلك سبيل تطورها التاريخي المعتاد.وكما توحدت امم كثيرة ستتوحد حتما امة العرب.تلك مسألة هي في اعداد الحقائق الموضوعية التي تشق طريقها الى الامام بفعل القوى الاقتصادية والاجتماعية وبمعزل عن الاهواء والنزوات.وهي بهذا الوصف لا يمكن ان تكون موضوعا للجدال او النقاش او النظرة الضيقة. ان الحركة القومية العربية هي حركة العرب اجمعين.ولذلك فهي تهم كل عربي يقطن العالم العربي الوسيع الممتد بين الخليج والمحيط.وهذه الحركة مثل اية حركة تاريخية مماثلة محكومة بشروطها الموضوعية التي ينبغي ان تؤخذ بنظر الاعتبار اثناء العمل على حث السير لهذه الحركة وبلوغها اهدافها الاساسية. من المعلوم ان الاجزاء المختلفة من العالم العربي لا تعيش في ظروف متماثلة،فلكل منها ظروف خاصة نشأت من التجزئة المصطنعة التي فرضها الاستعمار على الامة العربية.ولهذا السبب تطورت البلدان العربية تطورا غير متناظر سواء في اوضاعها السياسية والاجتماعية او في اوضاعها الاقتصادية والثقافية.وليس ثمة من حاجة للتدليل على هذه الحقائق المعروفة للجميع.ان هذا التباين ليس من صنع العرب انفسهم الذين ظلوا دوما يطمحون الى الحرية والوحدة،وانما هو حصيلة للتجزئة الاستعمارية التي فرضت على الامة العربية.لكن هذا التباين في ظروف البلدان العربية المختلفة ليس شيئا متأصلا وطبيعيا وانما هو شئ عارض ومؤقت.اما الشئ الاصيل الذي يحتفظ بشروط البقاء والتطور،فهو الخصائص القومية للامة العربية،وهي التي اخفقت كل جهود الاستعمار ومساعيه لطمسها او عرقلة نموها. فمن اجل معالجة قضية توحيد الامة العربية معالجة صائبة،ينبغي عدم اللجوء الى تبسيط هذه القضية الى حد تجاهل الظروف الخاصة للبلدان العربية.ان عملية توحيد الامة العربية هي عملية مركبة تعيش في ظروفها الموضوعية الخاصة.ولذلك فان حل هذه المسألة ينبغي ان يستند الى هذه الظروف بالذات.والواقع الذي تعيش فيه امتنا العربية المجزأة يدل على ان سير البلدان العربية نحو الوحدة لن يكون متناظرا من حيث الزمن كما يدل على ان الشعوب العربية ستسلك في طريقها نحو الهدف سبلا متباينة لا سبيلا واحدا.فقد تنضج بين بين بلدين او اكثر من البلدان العربية ظروف تستدعي قيام نوع معين من الارتباط ، كما تنضج بين بلدين آخرين او اكثر ظروف تستدعي قيام نوع آخر من الارتباط .ان تأسيس هذه الارتباطات التي تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخاصة بهذه البلدان هو رصيد ايجابي في حركة الوحة العربية.وفضلا عن ذلك فان العراق جزء لا يتجزأ من الامة العربية،وان العراق مرتبط بأمتن عرى التضامن والتآخي مع البلدان العربية الشقيقة وانه سيقدم دون مقابل كل ما بوسعه من عون لأشقاءه العرب.وهذا ايضا مااكده الدستور المؤقت واعرب عنه المسؤولون من قادة الثورة ورجال الحكم،واكدته بالقول والعمل كل القوى الوطنية والشعبية في العراق. ان راية القومية العربية المتحررة ترتفع خفاقة في العراق،والعراق الثائر يندفع قدما في طريق التحرر العربي ويشغل بجدارة موقعه التاريخي في صفوف الطليعة المقدامة للحركة العربية المتحررة. رغم كل ذلك ورغم قصر المدة التي ينصرف فيها الجهد لترميم الوضع الداخلي الذي افسده الحكم البائد نجد الاستعمار يجند ابواقه وصحفه واذاعاته واعوانه للنيل من السياسة القومية التحررية التي ينتهجها العراق والتشكيك بجوهرها الوطني الديمقراطي،وهو الذي كان بالامس يركز الجهد ذاته على سياسة مصر وسورية وبالتالي على سياسة الجمهورية العربية المتحدة وقائدها الرئيس جمال عبد الناصر. ان هذه الضوضاء المسعورة حول"مروق العراق"او"خروجه عن جادة القومية العربية"ليست في جوهرها ومغزاها الا مكيدة استعمارية هدفها دق اسفين في جبهة التضامن العربي وحل عرى وحدة الكفاح العربي ضد الاستعمار والصهيونية.ان هذه المكيدة ينبغي ان تبعث في نفوس العرب حيثما كانوا الحذر واليقظة وتدفعهم الى المزيد من التضامن ورص الصفوف. وعراق الثورة التي اعلن منذ البداية تمسكه بسياسة الحياد الايجابي وانتهاج سياسة التعاون الدولي المتكافئ،قد سلك في الواقع ذات الطريق الذي سارت فيه مصر وسورية من قبل،وبالتالي الجمهورية العربية المتحدة.وان الدعاية التي تثار حول سياسة العراق الخارجية تستهدف زرع بذور الشك بين العرب وتمزيق جبهة الكفاح العربي. ان العراق اذ ينتهج سياسة الحياد الايجابي ويأخذ بمبادئ باندونغ والتعاون الدولي المتكافئ ينطلق في ذلك من المبدأ القائل:نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا – آخذا بنظر الاعتبار مصلحته القومية والوطنية،ساعيا جهده لكي يوفر لثورته ولحركة التحرر العربي مستلزمات الانتصار في الكفاح ضد الاستعمار والمساهمة في اعداد شروط التقدم والازدهار للامة العربية. ان حكومة الثورة اذ تعمل بمثابرة ودأب على تصفية التركة المثقلة بالشجون والمآسي التي خلفها العهد البائد المندثر تجد من اولى واجباتها ان تحرر ارادة الشعب وان ترد له حقوقه.وما لم يدخل الشعب الى معركة البناء طليق اليدين من الاغلال .. حر العقل والارادة لا تستطيع الثورة ان تفلح في تحقيق اهدافها.هذا هو ما تفعله حكومة الثورة في العراق في عهد الانتقال.فهي تتخذ كل الاجراءات المناسبة لتحرير ارادة الشعب،مستهدفة من ذلك التعرف على ارادته الحرة في اصطفاء نوع الحكم الذي يريده،والسياسة التي يرتضيها،وهي في الوقت نفسه تسلك سياسة الحزم ازاء الاستعمار واعوانه،وازاء المتآمرين واعداء الثورة.اننا على يقين من ان هذه السياسة منسجمة مع روح وجوهر السياسة العربية التحررية،التي ولدت وترعرعت في معمعان النضال ضد الاستعمار ومظالمه. ان قوميتنا في العراق بخير- كما يراها ويلمسها ويعمل في سبيلها الشعب العراقي وحكومته الوطنية.ونحن في الظرف الراهن الذي يشن فيه الاستعمار هجومه علينا ويتفاقم فيه خطر المؤامرات على كياننا وقوميتنا العربية،نرفع عاليا شعار التضامن العربي ضد الاستعمار،ونتخذ كل التدابير لتعزيز وحدة الكفاح العربي.فالخطر لا يتهدد العراق فحسب،وانما يتهدد العالم العربي برمته- ولا سيما الجمهورية العربية المتحدة.اننا في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به امتنا ندعو الى مزيد من اليقظة ازاء دعايات الاستعمار وتهويشاته،التي تستهدف النيل من سياسة العراق وحكومته الوطنية،وندعو الى تعزيز الكفاح ضد الاستعمار ورص الصفوف العربية. ويبدو الآن واضحا ان المرحلة الاولى من خطة الاستعمار ترمي مبدئيا الى عزل العراق عن حضيرة التضامن العربي،وذلك عن طريق تأليب الرأي العام العربي عليه،والتشكيك بسياسته القومية التحررية،وبالتالي اعداد الذرائع للتآمر على نظامه الوطني الديمقراطي.والاستعمار في مسعاه هذا يعمل بمثابرة عجيبة على تحويل انظار الشعوب العربية عن عدوها الرئيسي المتمثل بالاستعمار والصهيونية،ومن يلوذ بهما من اعوان واذناب،وتوجيهها صوب العراق – باعتباره قد اصبح مبعث "الخطر" على الحركة القومية العربية.ومن اجل بلوغ هذا الهدف تبذل المساعي الآثمة للتقليل من اثر النتائج الايجابية الحاسمة للثورة العراقية على الحركة القومية التحررية- رغم ان ثورة العراق المجيدة كما هو واضح قد دكت بضربة ماهرة امنع حصن من حصون الاستعمار والرجعية في الشرق العربي،وقوضت اخطر مركز من مراكز الكيد والتآمر والعدوان ضد القومية العربية والبلدان العربية المتحررة.وثورة العراق كما يراها كل منصف ردت العراق عمليا وبقوة عظيمة الى الطريق العربي المتحرر،وقد تمثل ذلك بجلاء في مبادرة حكومة الثورة الى سحب القوات العراقية من لبنان والاردن،والاعلان عن وقوف العراق الى جانب الحركة التحررية في هذين البلدين الشقيقين،وكل بلد عربي مكافح،وكذلك مبادرة العراق الى عقد اتفاق عسكري مع الجمهورية العربية المتحدة- اعقبه بعقد اتفاقية الوحدة الثقافية،واتفاقيات التجارة والتعاون الفني والتكامل الاقتصادي.ولم يقف العراق عند هذا الحد وانما سارع عمليا الى ازالة كل العقبات التي كانت تحول دون تحقيق امتن عرى التضامن العربي- ولاسيما بين العراق والجمهورية العربية المتحدة.وقبل ان تبدأ حكومة الثورة بالاقتصاص من طغاة العهد البائد الذين اذلوا الشعب العراقي وارهقوه بالاذى والمظالم،عمدت قبل كل شئ الى فضح السياسة المعادية للقومية العربية،التي كان ينتهجها العراق،ووضعت الاستعمار واحلافه وزبانيته في قفص الاتهام،وانزلت بهم الاحكام الرادعة جزاء تآمرهم الاجرامي ضد سورية ومصر ولبنان والاردن،وجزاء كيدهم الدنئ للجمهورية العربية المتحدة وسياستها وقادتها،ولم يقف العراق عند هذا الحد وانما بادر الى تقديم العون للجزائر البطلة المكافحة،فاعترف فورا بحكومتها الثورية وقطع جميع علائقه الاقتصادية والتجارية مع فرنسا المستعمرة،ومد يد العون الى شعب عمان الشقيق واحتج اشد الاحتجاج على المؤامرة الاستعمارية في البحرين،واكد مرة بعد اخرى على لسان قائده عبد الكريم قاسم على ان هذه الارتباطات ليست اشكالا مؤبدة،وانما هي وسيلة لتيسير بلوغ الهدف شأنها شأن الروافد المختلفة التي ينتهي مجراها آخر الامر لتصب في النهر الكبير. ان تناولنا لهذه المسألة على هذه الصورة من الادراك الواقعي سيجنبنا الكثير من المزالق والوقوع في الخطأ،كما سيوجه نهجنا في السياسة القومية توجيها مثمرا صائبا يخدم قضية تضامننا الكفاحي،ويجلب معه كل الخير للقومية العربية.وبالعكس فان تناول المسألة على غير هذه الصورة لن يؤدي الا الى اثارة المتاعب وتأجيج الخلاف في معسكر الشعوب العربية،وبالتالي زعزعة وحدة الكفاح العربي والسير في منهج لا يعود بالخير على الامة العربية. ان معركتنا مع الاستعمار لم تنته بعد،فالى جانب البلدان العربية الشقيقة التي تكافح ضد الاستعمار من اجل تحررها لا تزال ثمة بلدان عربية اخرى ترزح في اسر العبودية الاستعمارية.انها معركة واحدة..معركة الامة العربية ضد الاستعمار.وفي الخط الاول من هذه المعركة تقف البلدان العربية المتحررة- الجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة.والى هذه الطليعة العربية المقدامة يصوب الاستعمار رأس حربته كما بينا.فالحفاظ على استقلال العراق والعربية المتحدة لا يزال في الظرف الراهن مهمة الساعة وضمانة الانتصار للقومية العربية المكافحة في شتى ارجاء العالم العربي.ولذلك يكون التفريط باستقلال اي منهما طعنة موجهة الى قلب القومية العربية وخسرانا فادحا لقلعة حصينة من قلاع الكفاح العربي ضد الاستعمار. ان طريق العرب الى وحدتهم القومية هو طريق وحدتهم في الكفاح ضد الاستعمار والصهيونية،هو طريق تضامنهم في الحفاظ على قلاع الكفاح التي انتزعوها من يد العدو والتي يستطيعون منها تصويب النار ضد هذا العدو.ذلك هو الطريق الوحيد،وتلك هي المهمة الاساسية التي تواجع العرب في كل مكان.اما الارتباطات العربية فينبغي ان يشار اليها وان تحدد- على ضوء الظروف-افضل واجدى اشكالها بالاساليب الديمقراطية المألوفة،وان تقرر في نهاية الامر على ضوء المصلحة القومية وبالاستناد على ارادة الشعب الحرة.على هذا النحو يعمل العراق حكومة وشعبا،وفي هذا الاتجاه تسير الجمهورية العراقية باتزان واقدام. على ضوء ما تقدم من تبيان لظروف التطور غير المتناظر لمختلف البلدان العربية نستطيع ان نحدد الموقف الصائب من جميع المسائل المطروحة على هذا المؤتمر،وفي مقدمتها الدعوة الى السوق العربية المشتركة.ان تحقيق هذه السوق المشتركة بأكمل اشكالها مرتبط ببلوغ ارتباط سياسي ديمقراطي للبلدان العربية المتحررة يأخذ بنظر الاعتبار ظروف هذه البلدان ومصالح مختلف فئات المجتمع العربي ولاسيما الجماهير العربية الغفيرة.وبدون مسعى اولي لرفع مستوى البلدان العربية المتخلفة اقتصاديا وتقليص التفاوت بينها وتحقيق حد ادنى من الكفاءة والاكتفاء الذاتي لهذه السوق لا يمكن التعويل على بلوغ نتائج ايجابية ملموسة من تكوين هذه السوق.وطبيعي ان هذا لا يمكن ان يتحقق ما لم تنشأ الصناعة الوطنية الثقيلة والخفيفة حيثما وجدت الظروف الملائمة لانشائها،وما لم تحرر التجارة والاقتصاد والعملة من القيود الاجنبية،ويجري التخلص من تحكم الاحتكارات الاجنبية،وما لم يصف الاستثمار الاقطاعي تصفية نهائية،وتؤسس علائقنا التجارية والاقتصادية مع الدول الاجنبية على اساس النفع المتبادل. اما السبيل الى تحقيق الحد اللازم من التناظر الاقتصادي فهو اقامة اوسع العلائق التجارية والاقتصادية وتبادل العون المالي وتقديم القروض والخبرة الفنية لكي يستطيع البلد الاقل تقدما بلوغ مستوى معين يؤهله للمشاركة في هذه السوق وفق ظروف عادلة.وعند ذلك يمكن ان تقام هذه السوق على اسس نامية وطيدة تضمن مصالح الاقطار العربية المشتركة فيها وتؤمن النفع لمختلف ابناء الشعب. وطبيعي ان هذه الاتفاقات التي ندعو اليها ليست الا خطوات في الطريق الى السوق العربية المشتركة الموحدة المتكاملة مأخوذة على ضوء الواقع الذي تمر به امتنا.وهي لذلك عرضة للتطور ولمسايرة الخطوات التي تتخذ على صعيد الارتباطات السياسية التي تحدد افضل واجدى اشكالها على ضوء الظروف- طبقا لمقتضيات المصلحة الوطنية والقومية وبالاساليب الديمقراطية المألوفة. تلك هي تقديراتنا الواقعية للوضع وعلى ضوئها نرسم سياستنا القومية التحررية وندعو لها ونعمل من اجلها.واننا لواثقون ثقة اكيدة من اننا نسير بثبات في طريق القومية العربية.ونحن مفعمون عزما على المضي في هذه السياسة وعلى السير قدما في الموكب العربي التحرري الظافر- علما باننا نخدم بذلك وعلى الاوجه الافضل شعبنا وامتنا العربية.ونعمل على اعلاء راية القومية العربية فوق ربوع الوطن العربي الكبير.
#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 19
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 18
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 17
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 16
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 15
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 14
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 13
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 12
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 11
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 10
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 9
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 8
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 7
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 6
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 5
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 4
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 3
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 1
-
العلوم والتكنولوجيا في العراق
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|