موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4607 - 2014 / 10 / 18 - 23:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إن العلم هو كذلك .. لأنه يقطع كل علاقة مع عالم الغيب و المعجزات , إن العلم هو كذلك .. لأنه يقيم حقيقة [مادته] من خلال [مادته] ذاتها , و حتما وجدت من يجعل للعلم هوية .. دينية أكانت أو قومية .. و ستجد {حتما} من يصنفه إلى شرقي و غربي , و العلم .. أي و كل علم ليس له هوية سواء دينية أو قومية .. و {حتما} هو لا شرقي و لا غربي , العلم مشاعي الهوية إن أردت أن تعطيه هوية .
مرة أخرى أخرج عن نقد العولمة لسعاد خيري .. لأتناول [التاريخ] .
[حوار] كان يُراد أن يكون لكنه كان جدل لا حوار .. بدأ دراميا ً و إنتهى تراجيديا ً , تم تناول موضوع [التاريخ] لتبيان (( علميته )) و الإنتصار لها , طرفي الجدل كانا ينطلقان من قاعدتين مختلفتين تماما .. ما كان لأحدهما أن يتنازل عن القاعدة و ما يترتب عنها من مناهج و نتائج , أحد الطرفين كان ينادي بالعلمية و الآخر سردي بجوهر فقهي .
[الموضوعية] .. [النقد (الخارجي / السند) و (الداخلي / المتن)] .. إلخ مما يُزعم إنتهاجه في تناول التاريخ و التأريخ من قبل {السردية} و {الفقهية} , منهج يبدأ ب [حقيقة] يزعم دراستها و ينتهي بقدرة {السحر} إليها ك [حقيقة] أو ما يكاد يشبهها هي , بل و قد يزعم بكل وقاحة أن هذا {السحر} هو {علم} قد تم إثباته ! .
كم من الكتب التاريخية و التأريخية .. قد قرأت في مقدمتها أو إفتتاحيتها بقلم صاحبها أنه إلتمس الحقيقة في بحث إطروحات الكتاب بكل موضوعية و تجردية من الولاءات و الإنتماءات و بكل ما أمكنه العقل النقدي من يقظة على الموضوع الذي هو في خضمه ؟ .. تكاد تكون جميعها كذلك , لكن هل كانت كذلك حقا ؟! .
هذا شيء و المواضيع التي يطرحها أصحاب التاريخ _على إختلاف منطلقاتهم_ شيء آخر .. فمن المشهور هو ما يعيبه البعض (الفقهاء منهم) على أصحاب التاريخ أنهم [حطابي ليل] و أن ما يدرسوه هو [علم] لا ينفع أو يكاد أن يكون كذلك , و قولهم هذا يطال جانبا كبيرا من الحقيقة .. لكن حينها أبدا لا يكون التاريخ [علما] بل شيء آخر أقرب لطلسمة الذهن من أن يكون [علميا] , و قد وقع الطرف السردي في إستمثال ما يدل على ذلك .. حين طرح طريقة [السردية] التي تدل على [علميته!] من خلال معالجة قضية .. و قد إختار هذا الطرف كمثال على ذلك (( خطبة طارق بن زياد )) من صحة إنتسابها إليه _أي طارق بن زياد_ من عدمها , و قد جاءه الرد مباشرة من الطرف المُضاد : و ما الذي ينفعني أن أعرف صحة إنتساب الخطبة من عدمها لطارق بن زياد .. و كذلك ما الذي يضرني إن لم أعرف ؟! .
فبدأ الطرف السردي حينها يُناقش صحة [المنطلق العلمي] للتاريخ .. مشيرا إلى أنه أقرب إلى الفن منه إلى العلم [!] , في محاولة بائسة لتشبيه التاريخ بالموسيقى و الرسم مبتعدا عن جعله متماثلا مع الفيزياء و الكيمياء و لو بدرجة ما [!] .
نعم قد لا تكون (مناهج و أساليب) ما يسمى بالعلوم الطبيعية هي ذاتها (مناهج و أساليب) ما تسمى هي الأخرى بالعلوم الإنسانية , لكن لا صحة في الفصل بين علم طبيعي و آخر إنساني من حيث [العقل] الذي يحكمها و في كونه فيها لا خارجها .. لكن كممارس و باحث لعلم طبيعي أو إنساني لي مناهج و أساليب في البحث قد تختلف [نعم] بعضها عن الآخر .. و لبعضها حين التعمق و التخصص قوانين و قواعد منهجية تختلف بعضها عن الآخر _التجربة مثلا_ , فالفيزياء ليست هي هي الكيمياء و ليست هي هي البيولوجيا , لكل الثلاثة مرتبطين شئنا أم أبينا .. و سواء أأدركنا ذلك أم لا , و يجمع الثلاثة [عقل] .. و قد نختلف فيه أو عليه , و يبقى إختلافنا ها هنا ضمن دائرة [العلم] .. سواء أصبنا أو أخطأنا _راجع الفرق بين الخطأ العلمي و الخطأ الغير علمي بمقال سابق بعنوان (التاريخ .. بين ثلاث)_ .
إن ما يسمى {مناهج البحث التاريخي} عند [السردية] و [الفقهية] إنما هي وسيلة لإظهار كل ما يمكن إظهاره من معتقدات شخصية في مظهر موضوعي مجرد عن الذات .. مهما كانت تحوي تلك المعتقدات الشخصية من دجل و شعوذة و أحايين أخرى شيطنة , و على سبيل المثال أنظر للتاريخ العربي الإسلامي .. إنك لا تجد تاريخ [الشعوب] أو حتى [قوانين موضوعية تحكمه] و إنما تجد تاريخ [الأفراد] و [الأهواء] من خلفاء و أمراء و عساكر .. إلخ مما يوحي لك من القراءة الأولى أنهم هم [محرك التاريخ] بوحي من الهوى و بمشيئة الله [!] .
من النقاط التي جعلت الجدل تراجيديا هي نقطة الدين , فعلمية التاريخ و إن كانت تقوم على نقض الفكر الغيبي للتاريخ .. إنما لا يعني أن تكون ضد الدين ذاته , و قد سبق أن أوردت كيف أن بن خلدون جاء بفكر علمي ينقض الفكر الغيبي للتاريخ دون أن يكون نقض للدين و هو _أي بن خلدون_ فقيه مالكي بل و قاضي المالكية بمصر .
لكن كما يمارس زغلول النجار شعوذته بتكييف العلوم الطبيعية لما يعتقده من معتقدات و آراء دينية .. يمارس أصحاب السردية كما الفقهية ذلك على التاريخ و فيه , حقا هو سيء أن تكيّف الحقيقة لمعتقدك .. ففيه مضرة و شر على الحقيقة و المعتقد عدا عن نتائج هذا التكييف الخطيرة , و كان من الأفضل سواء لزغلول النجار و أصحاب السردية و الفقهية أن [يكيّفوا] معتقداتهم للحقائق لا العكس , و ما كان ليكون تكييفهم هذا ليخرجهم من دائرة الدين .. لكنه كان ليجعلهم [علميين] حقيقيين , و لعل الباحثان السيد القمني و خالد منتصر مثال على ذلك .
و لكي لا يتم فهمي خَطأ ًو خِطئا ً .. فإن شعوذة التكييف ليست في ممارستها حِكر على المنتمين لدين معين أو مذهب معين , فعلى سبيل المثال كل من قرأ عن الطاعون الذي أصاب جيش سنخريب سيمر على القول القائل أن ذلك لتدخل الغيب على إثر دعاء الشعب الإسرائيلي بملكه حيزقيا [!] , و بشكل عام تفسير الكوارث الطبيعية كان لها و لا يزال لها طابع غيبي عند البعض رغم تقدم العلوم _بين مبتلين لأنهم من المغضوب عليهم و آخرين أيضا مبتلين لكنهم من المختبرين لصدق إيمانهم [!]_ .
و المشكلة التي قد تتمثل في أصحاب السردية و الفقهية حين مواجهتهم في خلطهم _عن قصد و دون قصد_ بين الدين و الفكر الديني .. أو بتعبير آخر اللاهوت و الناسوت .. و بآخر بين فهم إنساني قابل للخطأ و الصواب للدين و عاطفة إيمانية شخصية , هذا الخلط يؤدي لنتائج خطيرة أقلها تقديس الأخطاء و عصمة الشيطان و تعطيل النقد .
فالتاريخ الذي لا ينتج معرفة و يكتفي بمنهج أهل الحديث في تناوله الأخبار أو ذلك المكتفي بالسرد لغاية السرد .. و التاريخ الذي فيه من الأخبار و الأحداث ما هو فوق النقد [مقدس] .. و التاريخ المرتبط بالغيب بجعل قانونه و عقله خارجه , هو ليس تاريخ بمعناه و منطلقه [العلمي] .. إنه تاريخ في معناه و منطلقه ما قبل علمي , فهل نعمل على علميته و ننتصر لها ؟! أو بصياغة أخرى .. هل ننقذ التاريخ بأن نعلمنه بأي بجعله [علميا] ؟!
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟