أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء الدين الخطيب - هل الإسلام دين إرهاب؟-2-















المزيد.....

هل الإسلام دين إرهاب؟-2-


علاء الدين الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 4606 - 2014 / 10 / 17 - 23:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما هي طبيعة وحدود السؤال
هذا النوع من الأسئلة يختلف عن بقية الأسئلة التي تتعلق بالتاريخ أو الأديان أو السياسة أو الاقتصاد ويحتاج لدقة وعمق وموضوعية بالإجابة أكثر من غيره لعدة أسباب:
• لا يمكن الفصل بين الإسلام والمسلمين. الإسلام هو المسلمون وبالعكس. إذاً كيف تعرَّف الإسلام وأمامك أكثر من مليار ونصف مسلم كل واحد منهم مختلف عن الآخر؟ بكل بساطة إنه كما تعرف الإنسانية والصدق والحب وحتى الظلم والشر والعدوان بين الستة مليارات إنسان. إن الإسلام دين نصيا وفكريا وفلسفيا، لكنه كأي دين بشري هو صفة شكلية وضمنية لحامله.
• هو يتناول عدة مليارات من البشر المسلمين الذين عاشوا على هذه الأرض منذ أكثر من 1400 سنة. مات عدة مليارات منهم، ويعيش منهم ما يزيد عن مليار ونصف إنسان. فقانون وأخلاقية احترام إنسانية الإنسان يوجبان على أي متصدٍ للإجابة أن يتحمل أعباء البحث والتحليل والموضوعية.
الجواب هنا ليس خطأ بسيطا يؤدي لانهيار مركبة فضائية أو حتى انفجار قنبلة نووية. إنه جواب يطال مليارات البشر، وما يميّزه بين أن يكون جوابا علميا موضوعيا أو جوابا عنصريا فوضويا هو شعرة رفيعة جدا لا يحكمها ولا يميزها سوى العقل المُتحرر من الأحكام المسبقة.
• هو يتناول الناحية الأخلاقية والنفسية والسلوكية للإنسان، أي أنه يدخل في أصعب حقول العلم التي تفتقر للقوانين الثابتة، وما ثبت فيها من قوانين لا يغطي سوى جزء ضئيل من بنية الإنسان العقلية والنفسية والسلوكية.
يظن غالبية الناس أن هذا الحقل العلمي هو أسهل العلوم أو ليس علما على الإطلاق بل علب جاهزة من الحِكَم والأحكام. يعتقد هؤلاء الناس -لدرجة الإيمان أو حتى التعصب-أنهم ببساطة يستطيعون توصيف شعب ما ببلد ما أو من عرق ما أو على دين ما، اعتمادا على خبراتهم الشخصية والعلب الجاهزة الموروثة والمتداولة للأحكام الأخلاقية التي تتعامل مع ظاهر السلوك الإنساني.
• هو بتحديد أكثر يتناول عمق الشخصية الإنسانية بسؤال "هل هذا الإنسان يحمل النية والقدرة والإرادة على العنف الظالم ضد الآخر؟ أو هل يحمل القدرة والنية والإرادة على التحابب والتعاون والتسامح مع الآخر؟". وهذا سؤال مختلف جدا عن أسئلة يمكن تعميم جوابها إحصائيا مثل أن نسأل "هل هذا الشعب محافظ بروابطه العائلية؟ أو هل هذا البلد تسوده الحرية الجنسية؟ أو هل هذا الشعب يحترم النظام والقانون قليلا أو كثيرا؟" إنه سؤال أقرب لأسئلة من قبيل "هل هذه المجموعة البشرية تملك نفس القدر من الحب والكراهية مثل بقية البشر؟ أو هل هي أقل أو أكثر أخلاقية من بقية الشعوب؟".
يحق لنا إحصائيا القول "إن غالبية الشعب السعودي مع عزل المرأة عن الرجل بالأماكن العامة" وكذلك "إن غالبية الشعب الألماني مع تشجيع الاختلاط بين الرجل والمرأة". لكن لا يمكننا إطلاق حكم على المشاعر بناء على هذا الإحصاء كالقول "إن الشعب السعودي يكره المرأة والألماني يحبها، أو أن الشعب الألماني يكره المرأة والسعودي يحبها" وأيضا لا يمكننا تقرير أن أحد الشعبين أكثر أخلاقية من الآخر.
يحق لنا إحصائيا القول "إن أكبر نسب جريمة القتل بالسنوات الأخيرة كانت في أمريكا الوسطى، وإن أقلها كان في أوروبا الغربية" لكننا نرتكب جريمة بحق الإنسانية إن استنتجنا "إن شعوب أمريكا الوسطى ميالة للقتل أكثر من شعوب أوروبا الغربية".
إننا هنا في هذين الاتجاهين ضمن المثالين السابقين نقف على حافة ضيقة بين الوقوع في مستنقع العنصرية أو السير على أرض العلم والتحليل الموضوعي.
• نتائج جواب هذا السؤال أصبحت بضاعة مغرية في السوق العالمي لتجييش الشارع والرأي العام. أبسط مثال هو دخول كلمة "الإسلاموفوبيا" كثيرا من اللغات الحية. ولعل الكلمة المقابلة التي لم يصنفوها هي "الإسلاموفوبيا" التي تنتشر بأرض شعوبنا (هي لم تدخل دائرة التصنيف بسبب ضعف أكاديمية من يرصدها من حيث مصلحة من يموّل).
المثال الأوضح على هذا التجييش يعيدنا للسؤال الملغوم الذي طرحته الإدارة الأمريكية بعد جريمة تفجير الأبراج عام 2001. إذ طرحت تلك الإدارة وقتها سؤالا ذو شكل ديمقراطي تحاوري "لماذا يكرهوننا؟" وادعت أنها تفتح نقاشا ديمقراطيا مع الناس للجواب على سؤال مصيري. لكن هذه الإدارة وضعت المتلقي الأمريكي أمام خيار وحيد ديكتاتوري من خلال السؤال "هم يكرهوننا نحن الأمريكيون، حريتك هي في تفسير لماذا". هذا السؤال العنصري أجبر الكثير من الأمريكيين بوعي أو دون وعي أن يصدقوا أن الأمريكيين "نحن" وغير الأمريكيين "هم" وهؤلاء ال"هم" هم يكرهونني لأني أمريكي. مع أن واقع الحال وأي تحليل موضوعي لما حصل يقول إن هناك كراهية للاستبداد والظلم وبالتالي للسياسة الأمريكية الخارجية وليس للشعب الأمريكي. وبناء على هذا السؤال بنى جورج بوش الأب موقفه التسلطي كممثل للسياسة الأمريكية "إما معنا أو ضدنا".
من الناحية الثانية نجد أن التيار الإسلاموي السياسي المعاصر ورث نظرية المؤامرة الكونية من التيار القوْمَوي العربي (الذي ورثها من الكهانة الإسلامية بالقرون العشرة الماضية) القائمة على فكرة ساذجة "العالم يخافنا ويكرهنا ويريد تدميرنا". لقد أصبحت غالبية الآلة الإعلامية وحتى النخبوية العربية والإسلامية لا تملّ من تكرار مقولة "إنهم يحاربون الإسلام، إنهم يريدون إبادة المسلمين". فمجرد رسم كرتوني يشعل الإعلام العربي والإسلامي ويتبارى المشاهير سياسيا أو إعلاميا بالتحريض والتحذير والتهويل.
إذا التجييش العاطفي للشعوب ليس محض صدفة ولا هو فعلا للدفاع عن الإنسانية مقابل ما يعتبرونه الإسلام الإرهابي، ولا هو فعلا دفاع عن الإسلام والمسلمين أمام عدو حقيقي. بل إن هذا التجييش يسير كما جرت عادة التاريخ البشري نحو خلق الظروف النفسية والعاطفية الكافية لتبرير القادم من حروب وصراعات همها الأساسي هو المال والقوة.
تعريف الإسلام
قبل المتابعة في هذا النقاش لنتفق على تعريف الإسلام بناء على ما سبق.
الإسلام هو عقيدة إنسانية تؤطر لعلاقة الناس بالإله ضمن تعريفات الإسلام الأساسية التي تقوم على الأركان الخمسة المعروفة لشكلية الطقوس التعبدية الإسلامية وعلى أركان الإيمان الخمسة المعروفة لعقيدة الإنسان المسلم.
الإسلام ولأنه إيمان ورغبة مليارات البشر يقوم على أساس إنساني منفتح متعاون متواصل مع الإنسان الآخر من غير دين.
ليس الإسلام ما يقدمه فقهاء وشيوخ وفلاسفة من مختلف الطوائف وفق تعريفات تغرق بالتفاصيل والفلسفة والتعقيد وبأحيان كثيرة في التعصب. فما بين مليار ونصف مسلم لن نجد ربما أكثر من واحد بالألف يعرف الفرق بين المجسدة والمنزهة، أو هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق. وربما تجد حوالي الواحد بالألف يعرف أسباب معركة صفين وتداعيات انتقال الحكم من بني هاشم إلى بني أمية.
هذه التعريفات السابقة لا تقدم تعريفا جامعا مانعا لسبب بسيط هو أن الإسلام يعبر عن مليارات من البشر المسلمين، فيوم نجد تعريفا صارما حازما لمجموعة بشرية مؤلفة من عشر أشخاص يمكنك وقتها الجدال حول ما عرفه الفقهاء والشيوخ.
إذا الإسلام، مثل كل الأديان المستمرة مع البشر، هو الإنسان بكل ما فيه، ولأنه دين فهو الإنسان بسلامه وتعاطفه وتسامحه.
البشر بمجموعهم لا يمكن أن يقبلوا أو يتعايشوا مع دين أو عقيدة أو أيدلوجية تناقض أسس الطبيعة الإنسانية التي تكلمنا عنها سابقا.
الإسلام هو تجميع ما هو راسخ بمخيلة وعقول المسلمين كلهم والتي تتفق على الله لا إله إلا هو وعلى أن محمدا رسول الله وكتابهم المقدس هو القرآن وأشكال تقربهم من الله هي الصلاة والصيام والحج والزكاة. وما عدا ذلك هل يجوز معايدة المسيحي، أو مصافحة السني أو الشيعي، أو فرض الجزية، أو إرخاء اللحية وحف الشارب، أو هل الله جالس على العرش أم هي صورة بلاغية، وإلى ملايين نقاط الخلاف بين فقهاء المسلمين فهي ليست سوى تفاعلات على حواف رداء الإسلام.
نفيّ أدلة الطرفين
أشرنا سابقا لمنبعيّ الجوابين المتناقضين المطروحين أمام السؤال الأساسي موضوع هذا البحث "هل الإسلام دين إرهاب؟".
التراث الإسلامي
لا يصلح التراث الإسلامي المكتبي لإعطاء الإجابة على سؤال من هذا النوع. فهذا التراث مليء بكل المتناقضات مثل أي تراث بشري آخر، وإذا أتى أي إنسان بفكرة مسبقة يريد إثباتها فهذا التراث قادر على تزويده بما يريد من كتب ومقولات تؤيد فكرته.
الأهم هنا، لا يوجد تراث مكتوب لأي جماعة بشرية اهتم بنقل الحالات الفردية للبشر. التراث الإنساني المقروء لنا بما فيه الإسلامي هو حكاية الحاكم وجيوشه وقصوره ومدنه وصراعاته مع الحاكم الآخر أو المتمرد أو كيف يحكم الشعب. بل حتى بعصرنا الحالي ورغم قوة ثورة العلوم الاجتماعية والنفسية والإنسانية ما زالت أدبيات هذه العلوم قاصرة عن تقديم الصورة المتكاملة لإنسان عصرنا هذا، فما يقرأه ويسمعه غالبية البشر هو عن نجوم السياسة والفن والرياضة وأحيانا الأدب والعلم وليس عن الإنسان العادي. فما بالك بقرون طويلة من تاريخ البشر لم يكن الإنسان الفرد بالنسبة لكتّاب التاريخ يمثل أكثر من عدد في جيش الجنود أو جيش البنّائين.
لا يكفي ما قاله المسيح للحكم على المسيحيين، ولا ما قاله زرادشت للحكم على الزرادشتية ولا ما قاله محمد للحكم على المسلمين. هؤلاء وغيرهم وباعتراف الجميع "استثناء" ضمن محيطهم قالوا ما قالوه وذهبوا، بل إن أساس ما قاله هؤلاء الاستثنائيون بتبرير دعواتهم هو أن الناس لا يتبعون ما قالوه لهم.
إن أهم حق من حقوق الإنسان حققته الإنسانية هو "حق الإنسان أن يكون فردا وليس عددا ضمن الجماعة". وقد أيد هذا الحق علم النفس والاجتماع. فالأمريكي لا يمكن أن نخضعه ببساطة لمحاكمة حرب فيتنام أو العراق، واليهودي لا يمكننا ظلمه بقائمة الصهيونية العنصرية، وكذلك المسلم لا يمكن حشره ضمن القاعدة. وبالنتيجة لا يمكن تحديد الإسلام بكتب مكتوبة خلال 1400 سنة. هذه الكتب هي مساعدات بالبحث لفهم الظاهرة وليست إطارات تعريف.

أحداث التاريخ والحاضر
بالإضافة لما ذكرناه سابقا عن التراث والذي يصح هنا نعود لإشكالية "مَنْ كتب التاريخ والحاضر وأخبرنا بما حصل؟". لو قرأنا مثلا تاريخ ما يُسمى الحروب الصليبية من مؤرخ مسلم لوجدناه شديد التناقض مع ما كتبه مؤرخ أوروبي (أول تناقض أن مؤرخي المسلمين سمّوها حروب الفرنجة ومؤرخو الأوروبيين سمّوها حروب الصليبية). رغم أن الاثنين عايشا نفس الأحداث وكلاهما يعتقد أنه لم يكذب بما نقل. نحن يمكننا الجزم أن جيوش أوروبا اجتاحت بقايا الإمبراطورية الرومانية والإسلامية في القرن العاشر، ونجزم أنها استمرت حوالي القرنين. لكن لا يمكننا علميا وموضوعيا تبني تصنيف أن جنود هذا الطرف أو ذاك كانوا أشجع أو أمهر أو أكثر أخلاقية أو أقل ظلما.
الدليل الأوضح على انحياز قراءة التاريخ هو ما نراه الآن ونحن نقرأ ونسمع ما كتبوه وقالوه عن السنين العشرة الماضية. نحن هنا، ونعيش الآن، ورغم ذلك ما نرويه نحن يتناقض مع ما يرويه هم ومع ما يرويه أولئك ومع ما يرويه هؤلاء. انظر لكمية التناقضات مثلا في توصيف وقراءة ماذا حصل في مصر وسوريا والعراق خلال السنين العشرة الأخيرة ولكمية التعصب مع كل قراءة وضد كل قراءة مخالفة. المثال الأوضح، هل يمكن أن تجد زعيما عربيا لم يحوله أنصار كثيرون لبطل تاريخي وبنفس الوقت معارضون كثيرون لأسوء الحكام التهديميين؟
ما هي معايير القراءة للمجموعات البشرية
نوهنا بالفقرة السابقة لحق الإنسان أن يكون فردا لا عددا. وهذا أساس أي قراءة للمجموعات البشرية عندما نحاول تحليل ظاهرة جرمية أو عنفية. نورد بعض الحقائق البسيطة هنا لكن المهملة أو المُغيَّبة:
• الإنسان يولد يحمل الخير بداخله، ويبقى الخير هو الحالة الأعم للبشر. قد تبدو هذه الحقيقة متناقضة مع الشائع بين عامة الناس وكثير من نخبتهم الثقافية حول "البشر وحوش وأشرار، والإنسان حمّال الخطية". ما يجعل هذه الحقيقةَ حقيقةً عدة أسباب أهمها سبب موضوعي مطلق الصحة والثبوت ولا شك به وهو:
مازال البشر مستمرون بالحياة على هذه الأرض من عشرات آلاف السنين ولم يفنوا بعضهم بعضا. لو كان الشر هو الحالة الأعم عند غالبية البشر لأفنى البشر بعضهم البعض منذ أن كانوا قبائل بدائية لا يعدون سوى بضعة آلاف. فعدد البشر الذين أفناهم بشر إحصائيا لا يمثلون أكثر من نسبة ضئيلة جدا ممن ماتوا على هذه الأرض.
هذا الكلام ليس من باب "العشق الإنساني" أو المثالية في المقارنة بين ما سميّناه كبشر "خير وشر"، بل هو قانون الطبيعة الواضح للبقاء. كل حيوانات الأرض امتلكت أسلحتها الذاتية أو وسائل هروبها للاستمرار بالوجود وفق ميزان طبيعي محدد. إلا الإنسان فأسلحته الذاتية الجسدية وحجمه الكبير نسبيا ما كان لهم أن يعطوه فرصة البقاء لولا العقل. كان الإنسان مُجبرا بسبب عدائية الطبيعة أن يتجمع في جماعات ليحمي نفسه، وليتجمع بجماعات كان مجبرا أن يطوّر مشاعر "الثقة" و"التعاطف" و"المساعدة" وكذلك حصل فيما بعد أن تطورت مفاهيم وقواعد "القيادة والزعامة". فميل الإنسان للخير والتعاطف والتعاون والتواثق هو ميل وراثي إجباري على الإنسان متراكم منذ فجر تاريخ البشرية بحكم قانون السعي للبقاء الطبيعي وليس مجرد خيار أو فرض أخلاقي. الأخلاق الأساسية البشرية هي حتمية تطورية طبيعية لا خيار للإنسان بها.
• الجموع البشرية هي التي بنت وعمّرت واخترعت وقاتلت وحاربت وتعايشت وتكاثرت. لكن من امتلك القرار الجيوسياسي كان دائما وما زال الطبقة الحاكمة سياسيا واقتصاديا مع ما يتبعها من طبقة فكرية التي قد تكون دينية أو أيدلوجية.
التطور الطبيعي للإنسان يجذبه حتميا لاختراع الدواء واللباس ووسائل الراحة، وأن يصنّع السلاح لحماية نفسه، لكن من يقرر أن يبني الأهرامات وقصور روما وبغداد ويسيّر الجيوش هو الحاكم وفقط الحاكم. فمن الثابت تاريخيا أن صروح البناء الفارهة لم تُفد عامة الناس، ولا انتصارات الحروب الكبرى خففت فقر وجوع عموم الناس، بل فقط أدت لترسيخ مصالح الحاكم.
لم يشهد التاريخ الإنساني حروبا ضخمة غيرت مراكز القوة العالمية بسبب الفكرة أو الدين كما يعلموننا. بل كانت دائما نتيجة للصراع على السلطة والقوة والمال. فلو تمعنّا بتوسع الدولة الإسلامية منذ القرن السابع التي يدعي كتّاب تاريخها (بأوامر حكامها) أنها قامت لأجل الدين لوجدنا أنها كانت استمرارا للصراع الطبيعي على السلطة الذي حكم تاريخ البشر. فصعودها كان ضرورة حتمية أمام تهلهل قوة الإمبراطوريتين العجوزتين والأكبر وقتها الرومانية والفارسية، ولتزايد قوة شعب الجزيرة العربية الأكثر فقرا. ولعل أوضح دليل هو ما رافقها من حروب بين حكامها أنفسهم بدءا من حرب معاوية وعلي وليس انتهاء بحرب حكام إيران والسعودية. نفس الكلام يصح على الحروب التي سماها الغربيون الحروب الصليبية، فهي كانت نتيجة طبيعية للتكاثر السكاني لأوروبا الغربية الأكثر فقرا أمام تهلهل الإمبراطورية الرومانية والإسلامية الأكثر غنى ورفاهية.
وفي عصرنا الحالي، نرى أن ثورات الاستقلال الوطني قامت لفكرة سامية هي التحرر من ظلم المستعمر، لكنها بالنتيجة أتت بحاكم ديكتاتوري من بين الناس أشد ظلما من ذاك المستعمر. بل حتى في أوروبا الغربية التي بنت أفضل نظام إنساني نسبيا يحقق الحد الأدنى من حقوق الإنسان نجد أن الهدف السامي بمحاربة النازية في الأربعينات قاد بالمحصلة لنظام رأسمالي همه الأساسي حماية الرأسمال وليس الإنسان أي أنه نظام عنصري لكن لمصلحة المال وليس العرق. وأهم دليل هو أنه وخلال ثواني استطاع حكام الغرب إبان الأزمة المالية عام 2008 اتخاذ قرار دفع أموال الشعب لإنقاذ المؤسسات المالية الكبرى، بينما يحتاجون لعقود كي يرفعوا مستوى الفقر في نفس المجتمعات.
قد يقول محاور، إذا كان الإنسان بهذه الطيبة فما هذه "الآلهة = السلطة" التي سببت كل هذه الحروب والدمار؟ أما كان لهذا الإنسان الطيب أن يوقف هؤلاء الأشرار؟
الجواب، هو أن للإنسان عموما أيضا صفتين سلبيتين أساسيتين وهما:
الموقف السلبي مما هو بعيد عنه، –وسنأتي على بعض التحليل لهذه الظاهرة لاحقا-. الناس عادة تنشغل بتفاصيل حياتها اليومية وصراعها المستمر ضمن هرمية التركيبة الاقتصادية للمجتمع للنجاة بحياتها وحياة الأقرب لها، وتكتفي بالاستماع والتصديق لما يقولونه أصحاب السلطة والمنابر الإعلامية، وتتفاعل معهم ببعض المشاعر دون أي عمل ضد المشكلة العامة. غالبية البشر بكل دول العالم وعبر كل التاريخ هم الأفقر، لكن صعوبة التوصل لقيادة منهم تجعلهم بضاعة سهلة للاستغلال من قبل السلطة. البشر يطلبون التجمع والتعاون ليعيشوا، لكنهم وبسبب أيضا عقولهم الفردية لا يمكن لهم طبيعيا التحرك باتجاه واحد في الحالة العادية المستقرة. هم فقط يتحركون عندما يرون الخطر أمام عيونهم كبيرا قريبا. وهذه النقطة بالذات هي أداة السلطة في تحريك هذه الجموع، السلطة تقودهم ليجدوا أنفسهم فجأة (بالمعنى النسبي) أمام عدو يريد قتلهم.
الكسل الفكري، بمعنى أن عموم الناس لا تريد إضافة جهد لجهدهم الأساسي في الاستمرار بالحياة يتناول دراسة الواقع الاجتماعي والنفسي للمحيط والظروف الاقتصادية والسياسية للبلد والعالم. لذلك فحدة الشعور بخطر بعيد مهما كان كبيرا تبقى ذات أثر ضعيف على حياة الناس. من ذلك هو اللامبالاة المنتشرة عموما حول التغيّر المناخي الذي يصيب الأرض والذي لا يشعر الناس به الآن بشكل مباشر، وبالتالي ما زالت الشركات الكبرى صاحبة القرار في سياسات حماية البيئة.



#علاء_الدين_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الإسلام دين إرهاب؟-1-
- الحصاد المرّ لأربع سنين في سوريا
- داعش أسطورة أم واقع؟
- الانتخابات الرئاسية السورية قرار إقليمي ودولي
- لماذا تخشى إسرائيل النظام السوري والإسلاموية الجهادوية؟
- التخصص العلمي والمهني والكهنوت الديني
- هل سوريا بين خيارين فقط (2) ماذا لو كان الحسم للفصائل الإسلا ...
- هل سوريا بين خيارين فقط (1) ماذا لو كان الحسم للنظام السوري؟
- يوم مات حافظ الأسد(2) الإنذار الأول بالزلزال الطائفي
- يوم مات حافظ الأسد(1) الإنذار الأول بالزلزال الطائفي
- لماذا ليست طائفية في سورية؟ -2-
- لماذا ليست طائفية في سورية؟ -1-
- الخليج العربي، أزمات حكام أم قوانين سوق
- مشكلة القطار والرجل السمين. بين الأخلاق وسعة الاختيار
- تلفزيون الواقع السوري
- أخطاء أم خطايا، الائتلاف والمجلس السوريان
- النظام السوري وسلاح الوقت
- جنيف2 دكان الأوهام، تجارة الطوائف بين الوفدين
- سوريا ساحة صراع الكل مع الكل
- لماذا الأقليات؟


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء الدين الخطيب - هل الإسلام دين إرهاب؟-2-