أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير هزيم - وداعا















المزيد.....

وداعا


سمير هزيم

الحوار المتمدن-العدد: 4605 - 2014 / 10 / 16 - 06:48
المحور: الادب والفن
    


في احدى المساءات كنت جالسا على شرفة منزلنا في الضيعة .. وكنت قريبا من نافذة غرفة امي وأبي .. كان الجو هادئاً جداً ...لا سيارات تنفس روائحها وتصدح محركاتها .. وأصوات احتكاك عجلاتها .. والناس اعتكفوا بيوتهم ..
ولا هواء يحف اوراق الشجر ..
رائحة الارض وأزهار المزروعات قد نفذت الى مسامات جلدي وسببت لي نعساً .. استرخيت واملت براسي على النافذة ..
سمعت امي تقول لابي ...
- بكرة بس نعجّز شو بدنا نعمل؟؟ مين بدو يخدمنا ؟؟.. البنات بعيدات وأولادنا الشباب لست متفائلة بزوجاتهن ...
قال ابي:
- شو رايك يا سلمى انو يللي بيعجز قبل ، يقوم الاخر بوضع السم له ويريحه من الحياة ..
قالت امي
-ويللي انا يا ابو عزيز!!! والله انا ما بعملها وبدي ضل أخدمك كل عمري .. بس أمانة الله يا يوسف .. اذا انا عجزت وشفتني ما بقا فيني اخدم نفسي .. انك تجد طريقة تموتني فيها .. لأني لن اقبل ان يخدمني أحد ..
جفلت مما سمعت .. عمّ السواد عيوني .. ان والديَّ يفكران بالموت .. تركت المكان وهمت في ذلك المساء في الطرقات القريبة .
أعمل محامياً في دمشق .. واخوتي بعيدون عن امي وأبي .. وتمر الأيام والسنون .. وقد بلغ ابي من العمر 84 سنة وامي 79 سنة ..
جاءني خبر ان امي مريضة جدا .. وحالتها حرجة جدا .. قطعت أعمالي وذهبت اليها .. وجدت اخوتي سبقوني الى عندها وهي بحالة عجز.. لا تستطيع ان تتحرك الا بالمساعدة .. بقيت اياماً كان الطبيب يأتي يومياً لمتابعة حالتها .. والدي غلب عليه الحزن .. والتزم الصمت ، لم يكن يتكلم ، الدموع تملأ عينيه.. والحزن واضح على محياه .. وبعد ايام سألنا الطبيبَ ماذا يمكننا ان نقدم للوالدة؟؟ .. وهل نأخذها الى المشفى؟؟ .. قال:
- لا لا يمكن للمشفى ان تقدم لها شيئا .. يجب ان تأخذ هذا الدواء وان يتم الإشراف الدائم عليها.
نظرنا انا واخوتي الى بعضنا .. كيف يمكننا ان نبقى معها .. اخي الكبير قال .. الأفضل ان نوظف للوالدة ممرضة .. تعيش معها في البيت .. قلنا : فكرة حيدة ونأتي نحن بالتناوب للمتابعة، علينا العودة الى اشغالنا .. سألنا عن ممرضة وجدنا طلبنا وكان الأجر مرتفعاً .. لكننا وافقتا على الأجر .. وذهب كل واحد مننا الى عمله .. بعد خمسة ايام .. جاءني اتصال من شقيقتي ان امي توفيت .. قطعت كل شيء ورجعت الى الضيعة ... قالو لي ان الطبيب الشرعي اعتبر ان الوفاة غير طبيعية .. وان والدي والممرضة في المخفر .. ذهبت الى الطبيب الشرعي .. قرأت التقرير .. ان الوفاة سببها جرعة زائدة من الدواء .. ذهبت الى المخفر.. فقالوا لي ان ابي في النظارة .. نزلت لمقابلته بصفتي محامياً.. شاهدته قابعا في احدى الزوايا .. مقرفصا واضعا راسه بين ساقيه .. ناديته .. ابي .. ابي .. رفض ان يرفع راسه .. سالت الشرطي عن الممرضة قال في نظارة النساء .. طلبت مقابلتها وافق رئيس قسم الشرطة، في تلك الأثناء عدت بالذاكرة الى ذلك المساء وما سمعته من حوار بين امي وأبي ... قلت في نفسي .. ان ابي قد فعلها .. وقد لبى رغبة امي في إنهاء حياتها .. فهي لم تعد تستطيع خدمة نفسها .. ياإلهي!!! ماذا افعل اذا كان ابي هو السبب؟؟ .. ذهبت وشاهدت الممرضة .. وكانت حزينة مضطربة خائفة .. .. قالت لي .. والله يا استاذ انا اعطيتها كما هو وارد في الوصفة الطبية .. واقتربت مني وحاولت ان تقبل يدي وترجوني مساعدتها .. سالت الممرضة .. هل تدخل ابي بإعطائها الدواء .. قالت لا أبداً .. كان أبوك يجلس معظم أوقاته بالقرب من أمك .. ماسكا يدها يقبلها .. ويحدثها .. يحكي لها حكايات وذكريات من الماضي .. يحاول اضحاكها .. وكان يفسر الفاكهة وطعمها بيده .. .. رجعت الى والدي .. وجدته لا يزال جالساكما كان.. رافضا الحديث او ان يرفع راسه ... جلست بجانبه .. وضعت يدي على كتفه .. وعانقته وبكيت .. رفع راسه بهدوء وببطء شديد ، ونظر الي وعيونه تنهال منها الدموع .. قال لي .. أمك انتحرت .. دهشت .. من قوله هذا .. كيف بابا ...؟ لماذا لم تمنعها .. قال : لم الحق بها .. شاهدتها تتناول الحبة الاخيرة .. في الليلة الماضية وفي المساء طلبت مني ان انهي حياتها .. انا رفضت وقبلتها طويلا .. حاولت ان أشد من أزرها .. كانت يائسة ..
وقالت .. اني أعذبكم بدون امل ..
يا الهي !!!.. كيف سنثبت ان امي هي التي أخذت الجرعة الزائدة من تلقاء نفسها .. ؟؟ صعدت الى رئيس القسم ورئيس قسم التحقيق الجنائي .. قالو التهمة لابسة أباك .. الممرضة تأخذ راتباً، وليس من مصلحتها ان تقتل أمك وتقطع برزقها ومرتبها الذي يحلم به اي شخص .. قلت ان ابي لا يفعلها .. وهذا مستحيل .. ابي يحب امي حبا لامثيل له .. قالو لنا نعرف وكل القرية تتحدث عن علاقة ابيك وأمك .. ولكن يوجد جريمة .. ويجب ان يأخذ الجاني القصاص العادل .. تلعثمت ولم اجرؤ على قول ان امي هي التي انتحرت .. طلبت إخلاء سبيل الممرضة وأبي الطاعن في السن ذي ال 84 من العمر قالو :
قالو : - غداً المحكمة هي التي تقرر ..
في اليوم التالي شيعنا امي .. وتقبلنا التعازي، وتركت اخوتي يقومون بالواجب .. وذهبت الى المحكمة ... قرر قاضي التحقيق إخلاء سبيل الممرضة و توقيف ابي لاستكمال التحقيق ..
كنت محرجا.. هل أدافع انا عن ابي ام أكلف احد أصدقائي المخلصين من المحامين للدفاع عنه.. اتصلت بالمحامي الذي تدرب عندي .. وقلت له ان يأتي ويدرس الملف بشكل سريع و ويبدي ملاحظاته .. حضر المحامي اديب .. في المساء اجتمعنا .. وقد صور كامل الاضبارة .. وقال ليس أمامنا الا الدفع بمبدأ القتل الرحيم وان الغاية نبيلة .. غاصت عيوني بالدموع .. وانا اقول له .. ان امي انتحرت وهي التي أقدمت على اخذٌ الجرعة الزائدة .. جلس واقفا .. وأدار وجهه نحو الحائط وهو يضربه بيديه ،لا يوجد اي إشارة الى ذلك بكل التحقيقات .. نعم .. ولا ادري كيف ادخل الى هذا الموضوع مع فقدان اي إثبات .. ويجب إخلاء سبيل والدي فورا.. قال المحامي أديب .. لدينا طريق واحد .. لنستغل الفساد الموجود في سبيل هذه الغاية النبيلة .. وكي لا ننتظر طويلا . ان نطلب اعادة الفحص الشرعي .. ونأتي بأحد الأطباء الشرعيين الذين يقبلون الرشوة .. ويكتب تقريره ان الوفاة طبيعية .. ويا دار ما دخلك شر ..
وإلا سنسير بطريق طويل لإثبات براءة ابيك ..
ياإلهي يا استاذ أديب ... انني متخبط جدا .. يهمني جداً اخلاء سبيل ابي .. باي شكل .. ويكفيه وفاة امي .. ابي يعيش حالة قهر شديد ..انه ومنذ توفيت امي ممتنع عن الطعام والشراب .. انه في حالة يرثى لها ..
قال المحامي أديب .. أمامنا طريقان سريعان، اما رشوة القاضي او رشوة الطبيب الشرعي .. بغير ذلك فإننا نحتاج الى زمن طويل كي نخلي سبيل ابيك .. فانت تعرف تعقيدات الإجراءات .. قلت له تصرف واريد ابي بيننا غدا .. انا لا ارشو .. .. انت تصرف .. اريد ابي حرا طليقا .. في الليل .. كان هاتفي يرن .. أفقت خائفا .. كان الصوت خافتاً .. انا من قسم شرطة القصر العدل ..
البقية بحياتك استاذ ....
اعتقدته للوهلة الاولى يعزيني بأمي .. ..
ماذا .. ابببببببببببببببببي ..



#سمير_هزيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كابوس بيروت
- القضية الصعبة
- الشرطي
- ذاك الصباح
- ذو الرداء الابيض
- القائد المحتال
- الوسام
- سيدة اللانجري
- الانكسار
- الهارب
- النشيد
- قطار الانفاق
- كابتن في الجيش ..
- المحقق الأيديولوجي
- حقيبتي
- الغداء الحزين
- الخطر يحدق بي
- سوبرماركيت
- نبض الحياة
- اسرار


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير هزيم - وداعا