|
كوباني ، المدينة التي أحرَجَتْ الجميع !
آکو کرکوکي
الحوار المتمدن-العدد: 4602 - 2014 / 10 / 13 - 04:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هؤلاء شعبٌ يُكافح ، لِمُجرد البقاءْ على الحياةِ ! مارتن شولز ( رئيس البرلمان الأوروبي) ، في وصفهِ لِمُقاتلي الحماية الشعبية في كوباني ، في خضم ردهِ على مُنتقدي دعواتهِ لتسليح هذا النوع من المُقاتلين الكورد - الغير المرغوب بهم غربياً – كونهم قريبين من حزب العُمال الكوردستاني!
قبل أمس بيوم ، وأنا أعبر جسر أوبركاسلر في مدينة دوسيلدورف الألمانية مع ألوف المُتظاهرين الكورد ، وغير الكورد من المتُضامنين مع مأساة كوباني . إنتابني رغبة عميقة للبُكاءِ ، ولأكثر مِنْ مرّة !
مَرّةً للبُكاءِ فرحاً ، وأنا أشاهد كل هؤلاء الفتيات ، والفتيان ، العجزة والكهول ، وحتى المُراهقين والأطفال من شمال ، وغرب كوردستان ، مع كل هذه الحماسة لِلقضية ، وكل هذه الثورية في النهج ، والتنظيم والوحدة في العمل ، والسلوك ، و الصدق في المشاعر . مما كان يبعث الطمأنينة في القلوب ، بِشأن مُستقبل هذهِ الأُمة ، ولكنهُ في الوقت نفسهِ كان ينكأُ جُرحاً قديماً فينا ، وهو يذكرنا ، بإفتقارنا لِكُل هذا في جنوب كوردستان ، رغم جعجعتنا الفارغة ، وثرثرتنا المُبالغ فيها ، حول الوطنية ، والقومية . فما كان لِهذهِ الفرحة والحسرة إلا أنْ تخرُجانِ من عيني ، وهما تُخالطانِ الدموع !
ومَرّةً أخرى أردتُ البُكاءَ أيضاً ، ولكن حرجاً أو خجلاً مِنْ قلةِ حيلتي تجاه مآساة كوباني ، أو قُلْ بالأحرى مِنْ أنانيتي ، وأنا أقنع نفسي بإني لا أصلح للذهاب هُناك كيما أُشاطرهم التضحية بالأرواح من أجل تُراب كوردستان . فَلِمنْ سأترك عائلتي الصغيرة ، وأبني فلذةُ كبدي . وأنا أعرف في قرارةُ نفسي ، إنَّ كُل اللذين يُقاتلون هُناك لهم عوائل كبيرة ، وصغيرة وفلذاتُ أكبادٍ ، وأبناءٍ وبنات . فها هي الأُم الأرملة تترك طفلتها ذي الأربع سنين ، لِتُقاتل داعش ، و تقوم بعملية فدائية ، وذاك هو صالح مُسلم ، الزعيم العظيم والبسيط في نفس الوقت ، والذي يخطبُ فينا في دوسيلدورف ، وهو يذرف الدموع على كوباني ، وقد ضحى بِأحد أبناءهِ قبلاً ، وترك أبنهُ الآخر ، وزوجتهُ في كوباني ، وهم يقاتلون داعش لآخر رمق . ليعطينا درساً غير مسبوق في التضحية ، والقيادة ، قلما شهدنا مثله عبر التأريخ . وهو يُلقننا هذا الدرس القاسي ، كان يُعرينا أمام أنفسنا لنخجل ، ويُعري مَعنا الأنسانية أجمع ، بكلماتهِ الآخيرة التي نزلت كالسيف عَليّ ، وعلى أغلب الحضور ، وهو يقول :
إنَّ سقوط كوباني بيد داعش ، هو خزيٌ ، وعار على الإِنسانيةِ أجمعْ ، ونحن لم نعد نتحمل مسؤولية هذا العار!
فها هيَّ الإنسانية أو حاملوا شعار الإنسانية يتركون كوباني لِتواجه مصيرها وحيداً أمام أعداء الإنسانية ، فأيُ إحراجٍ أكثر من إن تسقط ورقة التوت عن عورة هؤلاء ، فينكشف حقيقتهم للعالم ، عارية وفاضحة ، كما هي في الأصل.
في الحقيقة ، ما كانَّ لهذا الإحراجِ أنْ يُلحظ ، أو يعرف بهذا القدر لو إنَّ كوباني سقطت سريعاً ، ولمْ تقاوم داعش ، كغيرها من المُدن الكثيرة في الشرق الأوسط . غير إن تلك المقاومة الباسلة ، والممتدة لأكثر من خمسة أسابيع ، أفسدت الخطط . وكشفت الحقائق ، وفضحت الجميع . وعلى كافة المستويات ، السياسية ، والعسكرية ، والإجتماعية ، الجماعية والفردية.
فكيف بجيشٍ جرار ، مُسلح بأحدث الأسلحة ، كالجيش العراقي ، أو جيشٍ قديم ، وخبير ، وصاحب عقيدة ، كالجيش السوري ، أن يقع فريسة الحرب النفسية لِمُنظمة إرهابية كداعش ، فيرتعدون خوفاً منها ، وينهزمون أمامهم خلال ساعات ، تاركين مدن مليونية تحت رحمة الإرهابيين. بينما مجموعة مقاتلين كورد بُسطاء جداً في تسليحهم ، وتدريبهم ، وتجهيزهم ، يقاومون في كوباني ، لأسابيع ، ولايستسلمون أمام آخر طراز للدبابات ، والمدفعية ، والمُدرعات الأمريكية.
لابل كيف بإحزابٍ كوردية في جنوبِ كوردستان كالبارتي ، واليكيتي ، اللذانِ لطالما صدعونا بحديثهم عن نضالاتهم السابقة ، وخبرتهم القديمة في القتال ، وهم يصابون اليوم بنفس مرض الجيوش المذكورة أعلاه ، فيسلمون أراضٍ شاسعة لداعش ، تقريباً من دون مقاومة ، لابل حتى من دون محاولةٍ لِإنقاذ الأهالي هناك . وحتى بعد الدعم الدولي لا يتقدمون في الجبهات إلا بخطواتٍ سُلحفاتية ، تتخللها فترات أستراحة طويلة . وهاهما البككة وأختها اليبكة ، تسرقان الأضواء ، والشعبية . ويلقنونهم دروس في الوطنية ، والبسالة ، والقومية .
فبعد أنْ حاصرتموهم للسنين السابقة ، أو أتهمتوهم بالعمالة للنظام السوري وإيران ، أو أغمضتم أعينكم عن منجزاتهم ، وإدارتهم ، أو زاودتم عليهم بالوطنية الكاذبة ، هاهم يأتون ليحاربوا جنب الى الجنبِ معكم في جبهات القتال ، في كركوك وجلولاء الى ربيعة وزمار ، وهاهم يأتون لِيُنقذوا لكم مئات الألوف من الأيزيدين في جبل شنكال ، ويفتحون لهم ممراً آمناً ، ويعيدوهم لكم بعد أن تركتموهم وحيدين. وأنتم تتحججون اليوم بإنكم لا تستطيعون أنْ تفتحوا ممراً آمناً لكوباني ، بينما مُهربيكم ، وأمراء حروبكم يفتحون العديد من الممرات ، والدهاليز الآمنة ، لِنفط داعش ، ووقود داعش !
مرة أخرى هيَّ مقاومة كوباني التي أحرجت كل هؤلاء ، وأماطت اللثام ، عن حقيقتهم . لا بل عن حقيقة مَنْ هُم أهم بِكثير مِنْ هؤلاء ، وحقائق أمرْ بكثير مِنْ تلك!
حقائق تُحرج المُجتمع الدولي بإسرهِ ، مِنْ منظمتهِ العاجزة المُسمى بالأمم المُتحدة ، ومجلس أمنها ، الى الدول الغربية ، وحلف الناتو ، وما يسمى بالتحالف الدولي ضد داعش ، المكون من أربعين أو خمسين دولة ، واللذين وقفوا عاجزين أو غير راغبين في إقناع مغرورٍ أحمق كأردوغان كيما يفتح الحدود لِإيصال أي شئ لكوباني ، حتى لو أقتصر على المُساعدات الغذائية أو الطبية.
وذاك التحالف الذي شاهد كل الآليات العسكرية لِداعش ، وهي تحاصر كوباني فأغمض أعين طياريهِ عنهم ، ظناً إنَّ الأمور ستجري سريعاً ، وستسقط كوباني . فوجد نفسهُ في إحراجٍ شديد وحرب كوباني تمتد لإسابيع ، ولاينفع معها التجاهل ، وإغماض الأعين. فصار يتخبط يميناً ، وشمالاً ، قولاً ، وفعلاً .
فتسمع تصريحٌ غريب لِجون كيري ، يقول : إنَّ مايجري في كوباني مأساة إنسانية ، ولكنهُ لا يدخل ضمن إستراتيجيتنا . لِتجد لهُ شبهاً في الغباء في تصريح رئيسهُ الفاشل ، باراك حسين أوباما ، حينما يقول مرة : إننا لانملك ستراتيجية ضد داعش ، ويعود بعد يومين ليقول : إستراتيجيتنا في ضرب داعش أنْ نمنع تكرار مآسي إنسانية كمآساة شنكال ، ونمنع تمدد داعش ونقضي عليه. وها هي داعش تتمدد في الأنبار وكوباني رغم الضربات الجوية ، وتطرق أبواب بغداد وكركوك ، وتلك هي المأساة الأنسانية على وشك الوقوع في كوباني ، وها هو وزير خارجيتك يا سيد أوباما ، لايرى في إنقاذ حياة الناس إستراتيجية!
وتلك هي طائراتك ، التي أغمضت أعُينها لأسابيع ، تقصف اليوم من دون فائدة في كوباني ، وكإنها مازالت بصيرة. وذاك هم خبرائك العسكريين ، اللذين مالبثوا يشتكون من عدم وجود قوة عسكرية فاعلة لِمحاربة داعش في سوريا ، وإدعاءاتهم بإنهم يريدون حكومة ديمقراطية تضم الجميع في سوريا . فتكاد وقع بطولات مقاتلي الحماية الشعبية ضد داعش ، تصم الآذان ، وتفقأ الأعين. وتجربة يبكة في الإدارة الذاتية التي ضمت الجميع من الكوردي الى غير الكوردي ، يسطع كالشمس ، وأنتم ترفضونهما.
وكل ذلك لأنكم لاتريدون أنْ تجرحوا مشاعر تُركيا الأُردوغانية ، شريكتكم في الناتو. لترددوا معها كالببغاء إنَّ البككة منظمة إرهابية ، بينما الأخيرة تحارب أعتى إرهابي القرن ، اللذين تربوا في إحضان حلفائكم من تركيا الى السعودية الى قطر ، كما أعترف بذلك نائبك جوزيف بايدن. فهل ينتابكم القليل من الخجل ياتُرى ؟
لاشك إنَّ إطالة مدة الحرب في كوباني ، قد تسبب بالإحرج لكم . فلم يعد قصة وجود البككة في لائحة المنظمات الإرهابية تقنع أحداً ، فقبل أمس أعترف البرلمان الأوروبي على لسان رئيسهُ السيد مارتن شولز بذلك ، وفي قلب أوروبا كان الشبان الألمان يحملون لافتة كبيرة تطلب رفع البككة من لائحة الإرهاب ، والصحافة الغربية ، والرأي العالمي يضغطان ويتحدثان كثيراً عن كوباني. وهي ضغوط سياسية تسبب الإحراج قطعاً . ولكن لربما سلواكم وسلوى حلفائكم الأوروبين في ذاك الموقف المُحرج ، إن هناك من هو أكثرُ إحراجاً منكم في هذا الشأن .
ذاك هو حليفكم في الناتو ، والأب غير الشرعي لِداعش السيد رجب اللاطيب أردوغان. الذي بنى أحلامهُ على حسابات أخرى . تُحيد الكورد في شمال كوردستان بإكذوبة عملية السلام ، وتبني داعش لِخدمة مصالحهِا ومصالح حلفائها من الشوفينين العرب السنة في المنطقة. الذي يعتمد الإرهاب والحرب النفسية والترهيب نهجاً . فتأتي مقاومة كوباني ، ورفضها السقوط لتكشف المخطط ، وتعري الحقائق ، ووضعت عورات الشوفنين من الترك والعرب السنة ، والإسلاميين ، أمام مرآى الجميع. ويكاد ينقلب السحر عل الساحر!
ومثلما تسببت مقاومة كوباني ، في إفشال الخطط السياسية ، وكشف المتآمرين ، وفضحهم وإحراجهم . فهي غيرت في طريقة فكرنا. على الأقل ما أقتبسناهُ من مجتمعاتنا الذكورية ، التي همشت دور النساء ، بينما كوباني تبرهن عكس هذه النظرية الخاطئة . حينما تتقدم جبهات القتال لبوات كوردستان . وكوباني وشنكال ومعها حرب داعش ، أظهر لنا أكذوبة السلام والأخوة ، والتعايش السلمي مع هؤلاء الشوفينين مِن الأنظمة التُركية والإيرانية والعربية . التي أنهت مسلسل صناعتها للطغاة اللذين لايحملون هماً غير إبادة الكورد وإحتلال كوردستان ، بإختراع داعش وتوظيفه لنفس الغرض. وليعيد علينا تمثيل سلوك المسلمين في زمن الغزوات ، والفتوحات الأسلامية على شكل داعش. فلابد إن من آمن بالتسامح ، والسلم في دينهِ ، وخاصة بين الكورد ومن بفى منهم من يستطيع أن يسأل ، لأحس اليوم بقليلٍ أو كثيرٍ من الحرج. وحتى الحالمون بوطنٍ يضم الجميع ، سيحسون بالحرج ، وهم يرون أوهمهم تسقط على يد داعش يومٍ بعد يوم. ولابد إن داعش نفسهُ أصيب بخيبة أمل وحرجٍ شديدان ، أمام أول من أوقف تقدمهم ، وأظهر مقدار قوتهم الزائفة ، والأمر من كل هذا لهم أنْ يكون جل المقاومين هؤلاء هم نساء هو يحتقرهم ، وهن يظهرن للعالم حقارة داعش ، وداعمي داعش ، ومحبي داعش!
فطوبى لكي ياكوباني ، فلقد أحرجت الجميع ، وعريت الجميع ، ولربما غيرت الكثير ، وتلك هي لعمري الثورة الحقة !
#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طاب يومك بالألمانية
-
الحلقات المفقودة
-
إنتخابات كوردستان ، قِراءة في العوامل والإحتمالات
-
أ يُعقل هذا؟
-
يرى القشة في عين أخيه، ولا يرى الخشبة في عينيهِ!
-
خاطرة... عن الذاكرة الطائرة
-
المالكي... طريقٌ أقصر.... ترجمة لمقالة الأستاذ كمال رؤوف.
-
التقسيم والأقاليم وأشياء أخرى
-
السياسة ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية
-
حتى المستقبل... كان أجمل في الماضي!
-
كوردستان تتقمص جسد أوجلان
-
الإنقلاب العسكري
-
كوردستان، مِنْ منظورٍ بعثي
-
كاتالونيا، وكلاسيكو يحبس الأنفاس!
-
الربيع المنَسي
-
العودة الى نُقطة الصِفر!
-
حول المنهج العلمي، ملاحظتان الي العجمي
-
يوست هلترمان، مِنْ مُدير... الى مُثير الأزمات
-
كركوك عبق التأريخ، ولذة الذكريات
-
دروس من طائر النعام
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|