أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 16















المزيد.....



عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 16


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 4602 - 2014 / 10 / 13 - 01:59
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!


-;- مذكرات ثابت حبيب العاني "صفحات من السيرة الذاتية 1922-1998"
-;- حول تحليل ماركس لنمو المتناقضات داخل الظواهر الاقتصادية /عرض وتلخيص ونقد
-;- الفكـر الرجعـي في العـراق



-;- ثابت حبيب العاني يكتب بمذكراته في مؤلف"صفحات من السيرة الذاتية 1922-1998"الصادر عن دار الرواد المزدهرة عام 2014 وفي الصفحة (218):"بعيد ثورة 14 تموز 1958 كان هناك تمييز واضح ازاء القوى غير القومية،وخاصة الحزب الشيوعي.فعلى سبيل المثال لم تبث برقية التهنئة التي وجهها الحزب الشيوعي الى قيادة الثورة بمناسبة انتصار تموز بعد ان سلمها الرفيق عزيز الشيخ شىخصيا الى صديق شنشل وزير الارشاد.كما لم يتم استيزار اي وزير شيوعي،في حين تم استيزار ممثلي جميع اطراف جبهة الاتحاد الوطني.وهذا ما دفع الحزب الى مفاتحة الدكتور ابراهيم عطوف كبة الذي رفض في البداية مقترح الحزب بمشاركته في الحكومة لكون ذلك لا ينسجم مع تركيبة الحكومة.وذهبت مع الشهيد سلام عادل الى بيت د.ابراهيم كبة لاقناعه بقبول منصب وزارة الاقتصاد رغم عدم اشراك الحزب في الوزارة،وتم استيزاره."

-;- حول تحليل ماركس لنمو المتناقضات داخل الظواهر الاقتصادية /عرض وتلخيص ونقد

نشرت هذه الدراسة في مجلة (الاقتصادي) عام 1972،مجلة كانت تصدر دوريا عن جمعية الاقتصاديين العراقيين في بغداد.

- أولا -
نشأة النظام الراسمالي – التراكم البدائي لرأس المال

يستعمل الاقتصاديون الاكاديميون تعبير (رأس المال) بمعنى تكنيكي صرف، أي كمجرد وسيلة انتاج، ولكن الماركسيين طبعا يستعملونه بمعناه في النظام الرأسمالي، أي (العمل الميت الذي يعيش على العمل الحي). قبل القرن السادس عشر لم يكن هناك بصورة عامة لا رأسمال ولا رأسماليون. كان هناك نظام الحرف أو الطوائف، حيث تمتلك الشغيلة اغلب وسائل انتاجها، وتعيش على عملها الخاص. ولكن ابتداء من القرن السادس عشر على وجه التقريب، طرأت عدة احداث خطيرة تكنولوجية واقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية .... الخ، يصفها ماركس تفصيلا في الفصول التي كرسها لما أسماه (التراكم الاصلي)(1) لرأس المال Ursprunglich ومنها وسائل المواصلات الحديثة والاسواق الجديدة والاكتشافات الجغرافية، ونشوء الدول الحديثة ونمو المؤسسات المصرفية والشركات الاستعمارية الكبرى والاستثمارات الجديدة المختلفة في الارض والتجارة الخارجية والاسهم والسندات، وتجارة الرقيق والقرصنة ... الخ، أدت بالنتيجة الى تراكم رأس المال في ايدي فئة محدودة بعد نزع ملكية الجماهير المنتجة في الريف والمدينة، وتحويلها الى بروليتاريا، بعد الفصل بين عنصري العمل ووسائل العمل، وخلق الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع الرأسمالي، طبقة الرأسماليين التي تعيش باستثمار رؤوس اموالها في استغلال البروليتاريا، وطبقة البروليتاريا المضطرة لبيع الشيء الوحيد الباقي لديها وهو قوة عملها الى الطبقة الاولى، بعد ان نزعت عنها وسائل الانتاج.
من هذا يظهر ان عملية التراكم الاصلي أو البدائي أو الأولي لرأس المال، أي عملية القضاء على الملكية الشخصية او البرجوازية الصغيرة السابقة لنشوء الرأسمالية والفصل بين عنصري العمل ووسائل العمل وخلق الطبقتين الأساسيتين في النظام الجديد، كانت الشرط التأريخي المسبق لنشوء النظام الرأسمالي. ومن المستحيل فهم طبيعة هذا النظام وقوانين تطوره الدينامية وتشخيص اتجاهات سيره في المستقبل، من دون الاعتماد على هذا المفهوم الماركسي الاساسي (2).
هذا بالنسبة لتأريخ الرأسمالية. اما بالنسبة لمصيرها، فتحدده التناقضات المشار اليها في الفقرات التالية والتي حللها ماركس في كتابه (رأس المال) تحت اسم القانون العام للتراكم الرأسمالي.
لقد القى الاستاذ هنري دني ضوءاً جديدا على هذا التحليل الماركسي للتناقضات الثلاثة للتراكم الرأسمالي وحاول ان يقارن بينه وبين بعض التحليلات الاقتصادية الحديثة وخاصة التحليل الكينزي، وفيما يلي سوف نقوم بتلخيص اراء الاستاذ دني، مع ابداء بعض الملاحظات الموجزة حولها.

- ثانيا -
مصير النظام الرأسمالي – القانون العام للتراكم الرأسمالي

يشير الاستاذ دني الى ان جوهر نمط الانتاج الرأسمالي بقي مجهولا في العالم الرأسمالي حتى من قبل الاقتصاديين الذين حللوا ظاهرة القيمة ولكنهم لم يستطيعوا الافادة من هذا التحليل. ينتج عن ذلك – في نظر ماركس – بأن (ظواهر) الحياة الاقتصادية، أي الوسط الاقتصادي المنظور، ينطوي على تناقضات لا يتوقف فهمها وحلها على ارادة الافراد، وبالتالي فانها تميل الى اصابة النظام بالعجز عن مواصلة العمل، وبهذا فهي تخلق حتما الفرص الملائمة لاستحواذ البروليتاريا على السلطة، وبناء مجتمع جديد مبني على التملك الجماعي لوسائل الانتاج. وفيما يلي تلخيص للاتجاهات العامة التي تعكس هذه التناقضات في حركة النظام الرأسمالي.

(1)
إملاق الطبقة العاملة وتفاقم الصراع الطبقي

ان التناقض الاول الذي يكشف عنه ماركس في الجزء الاول من كتاب (رأس المال) يكمن في ان العمال الذين يخلقون ثروة المجتمع محكوم عليهم بالحياة حياة البؤس والفاقة. ويحاول ماركس البرهنة على اشتداد هذا البؤس بمرور الايام. الا ان هذا التناقض المشتد بين ثروة الرأسماليين وبؤس العمال يصبح بالتدريج اصعب احتمالا، بحيث يدفع البروليتاريا بصورة حتمية الى الثورة والاستحواذ على السلطة السياسية وبناء المجتمع الاشتراكي. وهذا ما يتضمنه الفصل (23) من الكتاب الاول من رأس المال، المعنون (القانون العام للتراكم الرأسمالي) (3). يختلف موقف ماركس بالنسبة لتحديد مستوى الاجور وتطورها عن موقف ريكاردو، بالتأكيد على اهمية نشاط العمال المنظمين في تحديد (معدل فائض القيمة) أي العلاقة بين العمل المدفوع أجره، والعمل غير المدفوع أو المجاني، كما ظهر ذلك في زمن ماركس بالنسبة لنجاح البروليتاريا البريطانية في تحديد يوم العمل بصورة قانونية. ويمكن احراز نتائج مماثلة بالنسبة لمجموع شروط العمل بما في ذلك مستوى الاجور. ومع ذلك فيعتقد ماركس بان الاجور تتحدد، الى حد كبير، بظروف تطور عرض وطلب سلعة (قوة العمل). ان عرض هذه السلعة يتوقف على التطور السكاني ، بينما يعتمد طلبها على حجم الرأسمال الموظف في الاقتصاد وعلى التكنيك الانتاجي المستخدم. وعلى خلاف مالثس وريكاردو، اعتقد ماركس بأنه في حال ثبات التكنيك الانتاجي يميل الطلب على قوة العمل الى النمو أسرع من عرضها، وبالتالي تميل الاجور الى الارتفاع. الا ان التقدم التكنيكي ظاهرة ملازمة للرأسمالية، بحكم اضطرار اصحاب الرساميل الى استخدام طرق انتاج جديدة لزيادة ربحية رساميلهم. وهذا ما يتسبب في تباطؤ ملحوظ في زيادة الطلب على قوة العمل، الى ان يصل الامر الى حد انخفاض وتيرة نمو الطلب المذكور على وتيرة نمو عرض قوة العمل. ومثل هذا الموقف يكون في غير صالح الطبقة العاملة لحد خطير. ومع ذلك فلا يعتقد ماركس حتى في هذه الحالة بحتمية استمرار معدل الاجور في الانخفاض، وان كان يجزم فقط بان جزءاً من الطبقة العاملة محكوم عليه بالبؤس، بسبب تجريده من امكانية الحصول على فرص للعمل. ويؤكد ماركس على ان هذه (البطالة) هي شرط ضروري لنمو الاقتصاد الرأسمالي، ذلك لان الرأسماليين لا بد انهم مواجهون لهذا (الجيش الصناعي الاحتياطي) حالما تتيح لهم الظروف ذلك. ومع زيادة الاهمية الاقتصادية للبروليتاريا في نظام الصناعات الكبرى تزداد اهمية هذا الجيش من العمال العاطلين، وبالتالي يزداد بؤس الطبقة العاملة. هذا بالاضافة الى ان التقدم الألي – كما يلاحظ ماركس – يؤدي دائما الى جعل العمل اكثر ايلاما في الصناعات الكبيرة. ويستنتج ماركس بأنه (مهما كان معدل الاجور ارتفاعا او انخفاضا، فان حالة العامل يجب ان تزداد سوءاً مع نمو التراكم في رأس المال). ان قانون التراكم هذا هو الذي (يحدد العلاقة المتبادلة بصورة حتمية بين تراكم رأس المال وتراكم البؤس، بشكل يجعل تراكم الثروة في احد القطبين مساويا لتراكم الفقر والمكابدة والجهل والتبلد والانهيار الاخلاقي والرق في القطب المقابل، في جانب الطبقة التي تنتج رأس المال نفسه )(4).

ان هذا الاستقطاب في المجتمع الرأسمالي يؤدي الى نتائج غير قابلة للاحتمال يصفها ماركس بهذه العبارة الشهيرة: (مع تناقض عدد اقطاب رأس المال الذين يغتصبون ويحتكرون جميع فوائد هذه المرحلة من التطور الاجتماعي، يزداد البؤس والاضطهاد والاسترقاق والتدهور والاستغلال، ولكن مع كل ذلك تزداد مقاومة الطبقة العاملة، التي يتضخم عددها دون توقف ويزداد ضبطها وتنظيمها بحكم نفس آلية الانتاج الرأسمالي. ان احتكار رأس المال يصبح عقبة امام نمط الانتاج الذي نما وازدهر في ظله. ان اجتماعية الطبقة العاملة وتركز مقوماتها المادية تصل درجة تعجز فيها عن الاستمرار في النمو داخل غلافها الرأسمالي. ان الغلاف المذكور يتمزق شذر مذر. لقد حانت ساعة الملكية الرأسمالية. ان نازعي الملكية محكومون بدورهم بنزع ملكيتهم) (5). من هذا يظهر بان قانون التركز الرأسمالي هو القانون الذي يحدد اتجاه النظام الى مصيره الحتمي بفعل التناقضات التي ينطوي عليها، والاستقطاب الاجتماعي الذي يؤدي اليه، وما يخلقه من تراكم الثروة الى تراكم البؤس، والجيش الاحتياطي الصناعي للعاطلين، والازمات الاقتصادية الدورية..... الخ، تسنده عدة ظواهر اقتصادية ملموسة، يشير الشراح (6) عادة من بينها الى ما يلي:
- نمو الانتاج الكبير: نتيجة التقدم التكتيكي والترشيد العلمي .... الخ، على حساب اضمحلال الانتاج الصغير من جهة وعلى حساب تضخيم جيش البروليتاريا من جهة اخرى، وكما يقول (البيان الشيوعي): (ما تنتجه البرجوازية قبل كل شيء انما هو حفار قبورها).
- ظاهرة فيض الانتاج، وما تخلقه من (الجيش الاحتياطي الصناعي) أي جيش العاطلين.
- تركز الشغيلة في المدن، بنتيجة التركز في القطاع الزراعي واضمحلال الملكيات الصغيرة وحلول الرعي محل الزراعة الغذائية وتفاقم الهجرة من الريف الى المدن.... الخ.

الخلاصة ان الكفاح الطبقي الذي خلق النظام الرأسمالي سوف يؤدي هو الاخر بهذا النظام. وهذه العملية التي يسميها بعض الشراح المعاصرين خطأ بـ (عملية التحطيم الذاتي) (7) أو (عملية التملك التلقائي) تجد مصداقها التأريخي في ظواهر اساسية في النظام، من اهمها الازمات الاقتصادية وظاهرة الاملاق المطلق والنسبي وظاهرة الانفصال بين التملك والادارة في المشروعات الرأسمالية الحديثة، وانكشاف الطابع الطفيلي لراس المال خاصة بعد انتشار نظام الشركات المساهمة، مما يجعل نزع ملكية الرأسماليين الجدد (8) اسهل منالا من الوجهة التكنيكية من نزع الملكيات الحرفية السابقة في عملية التراكم البدائي لرأس المال.
من الطبيعي ان موضوعة املاق الطبقة العاملة، بالنتائج التي استنتجها ماركس منها، اثارت ولا تزال تثير جدلا عنيفا حولها حتى هذه اللحظة. يقال مثلا ان هذه الموضوعة تتناقض مع ارتفاع القوة الشرائية والاجور الحقيقية للطبقة العاملة في البلدان الغربية المتقدمة وفي الولايات المتحدة خلال القرن الاخير. ان هذا الارتفاع هو حقيقة غير قابلة للجدل، ولكنه من المشكوك فيه انه يمس الموضوعة الماركسية سابقة الذكر. فاولا لم يقل ماركس ان انخفاض الاجور الحقيقية هو ضرورة حتمية في البلد الرأسمالي، بل كان على العكس يتصور امكان وجود الاملاق بالرغم من ارتفاع الاجر الحقيقي، بسبب التقدم الانتاجي الهائل الذي صاحب تطور الرأسمالية والانخفاض النسبي لحصة العمل بالنسبة لحصة رأس المال لمجموع الانتاج القومي. أو بعبارة اخرى ان ماكان يفكر به ماركس هو موضوعة الاملاق النسبي وليس موضوعة الاملاق المطلق. ومما يؤيد هذا التفسير ان موضوعة الاملاق النسبي كانت معروفة في زمن ماركس، بل انه اشار اليها في بعض مؤلفاته. فعلى سبيل المثال، اشار اليها في مؤلفه (مخطوطات 1844) باقتباس فقرة طويلة من مؤلف الالماني المعاصر له (شولتزه) Schulze (تطور الانتاج) المطبوع في زوريخ عام 1843. ومما جاء في هذا الاقتباس (بسبب زيادة الانتاج الكلي بالضبط، تزيد ايضا الحاجات والرغبات والشهيات، وبهذا يمكن ان يزيد الفقر النسبي بينما ينقص الفقر المطلق) (9). ولكن الحجة القاطعة التي تدعم موضوعة الاملاق الماركسية، وتفند الحجة البرجوازية السابقة في تفنيدها، هي ضرورة عدم حصر الاملاق في بلدان رأسمالية بعينها (اوربا الغربية والولايات المتحدة) واهمال ما يجري في البلدان الرأسمالية المتخلفة التي كانت حتى الامس القريب مستعمرات او شبه مستعمرات للرأسمالية الغربية والتي لا تزال تابعة لها من الوجهة الاقتصادية. كما يقول الاستاذ دني(10)، من المستحيل اعطاء حكم على موضوعة ماركس بتجزئة النظام الرأسمالي العالمي، فلا تزال تعيش في ما يسمونه (البلدان المتخلفة) ملايين البروليتاريا في حالة من البؤس والاملاق دونها حالة البروليتاريا الانكليزية في منتصف القرن الماضي. بل ان تطور النظام الرأسمالي خلق في البلدان المذكورة جماهير هائلة من الفلاحين هي اكثر بؤسا بما لا يقاس حتى من البروليتاريا. ولهذا فينبغي اخذ مجموع هذه الظواهر بنظر الاعتبار عند تقييم نتائج التراكم الرأسمالي في عالم اليوم. صحيح ان هذه الظواهر وما ادت اليه من نتائج هي اكثر تعقيدا اليوم مما تصوره ماركس، ولكن فحصها واستيعابها لا يقللان من اهمية الاطروحة الماركسية، بل على العكس يوضحان اسباب استمرار اهمية هذه الموضوعة حتى هذه الساعة.

استحالة الاحتفاظ بالتوازن بين القطاعين الكبيرين للانتاج الرأسمالي – ازمات فيض الانتاج

يحاول ماركس – بالاستناد الى الدكتور كني – بيان كيفية استخدام المدخولات الموزعة خلال عمليات الانتاج الرأسمالي في شراء السلع المنتجة. ومن المعروف ان جميع المنتوجات – في جدول كني – تباع باسعارها الاعتيادية. وقد تبنت جميع المدارس اللبرالية وجهة نظره هذه (11). ولكن ماركس لا يجد أي مبرر لهذا الافتراض طالما ان الواقع يثبت وجود فترات ازمة، لا يتسنى خلالها تصريف مجموع الانتاج. فما هو السبب في ذلك؟ عندما حاول ماركس الاهتداء الى ذلك، اكتشف الخطأ الاساسي لادم سميث وريكاردو، في تصور الانتاج القومي وكأنه يتألف فقط من سلع استهلاكية. انه في الواقع يتألف ايضا من قيم السلع الانتاجية المنتجة خلال العام. وهي اما ان تذهب لتعويض ما اندثر من التجهيزات الانتاجية خلال السنة، او تصنيف اضافة جديدة الى التجهيزات المذكورة. وفي الحالة الثانية من الواضح تماما خطأ عدم اخذها بنظر الاعتبار في حساب الانتاج السنوي. كذلك من الخطأ البيّن في التحليل الاقتصادي عدم التمييز بشكل او باخر بين انتاج وسائل الانتاج وانتاج السلع الاستهلاكية. ذلك لان عملية تعويض اندثار وسائل الانتاج لا تتم بصورة حتمية وذاتية (اوتوماتية)، فهي تحتاج الى قرارات خاصة محددة. كما انها قد تتعرض لعراقيل تبطئ من سيرها، بل اكثر من ذلك، قد يصادف ان مجتمعا ما، يتوقف عن تجديد تجهيزاته تماما خلال مدة قد تطول. ومن اجل اعتبار كل هذه الظواهر لابد من التمييز بعناية بين عمل السنوات الماضية المتضمن في وسائل الانتاج المندثرة والذي يساهم في خلق قيم السلع المنتجة خلال السنة وبين عمل السنة الجارية المنفق لانتاج وسائل الانتاج التعويضية (أي المخصصة لتعويض الاندثار). ذلك لان هاتين الكميتين من العمل ليستا متساويتين بالضرورة. ولهذا السبب، يميز عادة بين (الانتاج القومي الصافي) من جهة، أي الذي يضم قيمة السلع الاستهلاكية المنتجة والتجهيزات الاضافية، و (الانتاج القومي المكور) أي الذي يضم بالاضافة الى ما سبق قيمة وسائل الانتاج التعويضية، أي المخصصة لتعويض التجهيزات المندثرة. لقد ميّز ماركس بكل دقة بين هذين الصنفين بهذه العبارة (ان القيمة المنتجة في هذه السنة، أي القيمة المنتجة اضافيا بشكل سلع، هي اقل مقدارا من قيمة المنتوجات، أي القيمة الكلية لمجموع السلع المصنوعة خلال السنة كاملة). ان مصطلح (القيمة المنتجة) يقابل ما نسميه الآن (الانتاج القومي الصافي)، ومصطلح (قيمة المنتوجات) يقابل ما نسميه الآن (الأنتاج القومي الصافي)، ومصطلح (قيمة المنتوجات) يقابل ما نسميه الآن (الانتاج القومي المكور).
وانطلاقا من هذا التمييز الدقيق، يرسم ماركس لوحته المشهورة لاثبات القانون الاساسي الذي يقر بان (التصريف الاعتيادي للسلع الاستهلاكية المنتجة، لا يمكن ان يتحقق الا اذا انتج بنفس الوقت المقدار الكافي من وسائل الانتاج). ويمكن تلخيص لوحة ماركس بالشكل التالي:- تنقسم قيمة الانتاج الكلي الى ثلاثة عناصر هي التالية:-
- قيمة الراسمال المنفق بشكل اندثار مادي (والذي يؤدي الى تناقض مخزون المواد الاولية). ويمكن الرمز اليه بحرف C.
- قيمة الراسمال المنفق على هيئة اجور. ويسمى ماركس هذا العنصر (الراسمال المتغير المنفق). وسنرمز اليه بحرف V. ان تسمية هذا الجزء من راس المال بالراسمال المتغير، تعود ببساطة الى ان شراء قوة العمل، وحده، في النظرية الماركسية، وبالتالي دفع الاجور، يخلق فائض القيمة، والذي يمكن بدوره من زيادة او (تغيير) الراسمال الموظف في الانتاج.
- فائض القيمة، الذي سنرمز اليه بالحرف PL. بعد تحديد هذه التعاريف يقسم ماركس مجموع الانتاج القومي الى قطاعين: الاول يضم جميع الفروع او المشاريع الانتاجية المنتجة للسلع الاستهلاكية ومن الطبيعي ان تركيب قيمة الانتاج في كلا القطاعين لا يختلف عن تركيب قيمة الانتاج القومي المشار اليه سابقا.

ففي القطاع الاول تساوي قيمة الانتاج C1+V1+PL
وفي القطـاع الثاني تساوي قيمة الانتاج C2+V2+PL2

واذا اريد تصريف (أي تحقيق قيمة) جميع المنتوجات، لا بد اولا من التاكد من ان جميغ القيم المنفقة من قبل المشاريع تستخدم فعلا من قبل مستحقيها على شراء السلع. وبتحقق هذا الشرط، يكون الطلب الكلي على السلع (بلغتنا اليوم) مساوياً للعرض الكلي (أي لقيمة الانتاج). ان هذا يقتضي في الاساس ان لا يحصل اكتناز، لامن قبل المشاريع التي تشكل احتياطيات لتعويض المندثر من تجهيزاته، ولا من قبل الراسماليين الذين يدخرون جزءا من مدخولاتهم. فاذا استثنينا الاكتناز، لا بد ايضا من ان الطلب في كل من القطاعين يكون مساويا للعرض.
ان الطلب على وسائل الانتاج يساوي مقدار التجهيزات التعويضية C1+C2 زائدا الجزء المدخر من فائض القيمة من قبل الرأسماليين والذي سنرمز اليه بالرمز a(PL1+PL2). اذن يمكن التعبير عن المساواة بين عرض وطلب وسائل الانتاج في القطاع الاول، بالمعادلة التالية:
C1+V1+PL1= C1+C2+a(PL1+PL2)

اما الطلب على السلع الاستهلاكية فيكون مساويا لمقدار الاجور V1+V2 – باهمال مدخرات العمال الاجراء (12) زائدا الجزء المستهلك من فائض القيمة من قبل الراسماليين المساوي لـ (1-a) (PL1+PL2).
اذن يمكن التعبير عن المساواة بين عرض وطلب انتاج القطاع الثاني بالمعادلة التالية:-
C2+V2+PL2=V1+V2 + (1-a) (PL1+PL2)

ومما سبق يمكن ملاحظة انه في حالة افتراض مساواة العرض الكلي بالطلب الكلي، يكون تحقق المساواة بين العرض والطلب في أي من القطاعين ضامنا لتحقق المساواة بينهما في القطاع الاخر.
ذلك لانه في حالة عرض 1+ عرض 2= طلب 1 + طلب 2 واذا كان عرض 1 + طلب 1 فلا بد ان يكون عرض 2 = طلب 2
ويمكن بالاضافة على الفور (وسنعود لهذه النقطة بعد قليل) بانه في حالة (العرض 1) > (الطلب1)
فلا بد ان يكون (العرض 2) C1+V1+PL1

فلا بد ان يكون هنالك بالضرورة نقص في الطلب على السلع الاستهلاكية بالنسبة لعرضها، أي ان هناك ما يسمى بفيض انتاج السلع.

إذن حسب هذا التحليل يكون السبب المباشر في الازمات هو عدم كفاية الاستثمار. لقد فهم ماركس ذلك قبل كينز. وهو يؤكد حتمية حدوث الازمة، لعدم امكان استمرار الاستثمار بالمستوى المطلوب، لانه لا بد من زيادته احيانا او نقصه احيانا اخرى عن النسبة الضرورية. والواقع ان ما يحدد حجم الاستثمار هو رغبة الرأسماليين في تحقيق الارباح بتطوير جهازهم الانتاجي. ان الاستثمارات لا تتم لاشباع حاجات المستهلكين بل لتحقيق الارباح لفئة الرأسماليين: وهذا جانب من ابرز جوانب نزع الطابع الانساني عن العلاقات الاقتصادية في النظام الرأسمالي. على ان الرأسمالية تتضمن هنا تناقضا واضحا: ان تحقيق الارباح يتطلب بيع السلع المنتجة بقيمها، وهذا يتطلب، كما راينا، نسبة محددة بين حجم الاستثمار وحجم الادخار. واختلال هذه النسبة – وهو شيء حتمي في الرأسمالية – هو الذي يسبب الازمة. اذن فازمة فيض الانتاج ما هي الا مظهر للتناقض الناتج عن ان الجهاز الانتاجي الذي لا يمكن استخدامه الا لاشباع الحاجات الانسانية، لا يتم انشاؤه في النظام الرأسمالي بقصد اشباع تلك الحاجات بل لمجرد تحقيق الارباح الرأسمالية بصرف النظر عن اية حاجات انسانية. ومن الضروري جدا التأكيد على ان هذا التحليل الماركسي – والكينزي الان – لاسباب الازمة، لا يمكن قبوله الا بقبول نظرية موضوعية في القيمة، وهذه بدورها لا يمكن ان تكون الا نظرية قيمة العمل. ان كل التحليل قائم في الواقع على الفكرة الرئيسية القائلة بضرورة بيع مجموع الانتاج القومي بسعره الاعتيادي، اذا تركنا جانبا مسألة قيمة النقود. ولا يمكن الاكتفاء بالقول – كما يزعم بعض نقاد الماركسية – بان هذا السعر الاعتيادي هو الذي يغطي نفقات الانتاج ويسمح بتحقيق نسبة صغيرة من (الربح الاعتيادي) لعدم وجود مقياس يسمح مسبقا بتحديد مقدار الربح الاعتيادي المذكور. لهذا فلا بد من تصور السعر الاعتيادي للانتاج القومي باعتباره يمثل العلاقة بين الكمية الكلية للعمل المتجسد في الانتاج وكمية العمل المتجسدة في الوحدة النقدية او الممثلة بالوحدة النقدية. او بتعبير اخر لا بد من تصور السعر الاعتيادي للانتاج القومي، كتعبير عن قيمة الانتاج القومي المذكور.

قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض
1. مبدأ تفسير الظاهرة
لقد لاحظ الاقتصاديون الكلاسيك منذ (آدم سميث) هذه الظاهرة الهامة بآثارها، ظاهرة ميل معدل الربح نحو الانخفاض، وقد استنتجوا منها بان تراكم راس المال سوف يتوقف عن الاستمرار عاجلا او آجلا، وعندها يدخل المجتمع في حالة الركود. وقد اهتم ماركس بهذا التحليل الكلاسيكي وتبناه، مع محاولة اعطاء الظاهرة تفسيرا ادق، وترتيب نتائج مختلفة كليا عليها. لقد استبعد ماركس تماما امكانية بقاء الاقتصاد الراسمالي في حالة ركود مزمنة، بل رأى بالعكس ان انخفاض معدل الربح، من شأنه ان يخلق حالة انفجارية خطرة، بسبب عدم استخدام القوى الانتاجية، تؤدي حتما الى قلب النظام. ان تحليلات ماركس حول هذا الموضوع واردة في الفصول (13) و (14) و (15) من الكتاب الثالث من (رأس المال) (13). الا ان انكلز يوضح بان هذه الفصول الثلاثة مستقاة من مسودة لماركس كتبها، او القسم الاكبر منها، بين 1864، و 1865، أي قبل كتابة الجزء الاول من (رأس المال) (14). ومعنى ذلك ان ماركس توصل في وقت مبكر الى تكوين فكرة واسعة جدا عن التناقضات الراسمالية، ومع ذلك فاننا نجد بوضوح ان صياغة هذا القسم من الفكر الاقتصادي الماركسي غير كاملة، وان فهمها يحتاج لجهد ذهني كبير. وفي بداية الفصل الثالث عشر المشار اليه سابقا نجد تدليلا اوليا على ان (قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض) يمكن تلخيصه بالشكل التالي: ان تقدم التكنيك الانتاجي يؤدي الى ارتفاع نسبة التركيب العضوي لرأس المال، أي علاقة الرأسمال الثابت بالرأسمال المتغير، بحيث ان معدل الربح يميل الى الانخفاض بالضرورة في حالة ثبات معدل فائض القيمة. وبالرغم من ان ماركس يستخدم هنا امثلة رقمية لاثبات القانون، الا انه يمكن استخدام المعادلة الجبرية البسيطة التالية لاثباته بصورة اوفى. لنفرض، كما يفعل ماركس لغرض التبسيط، ان سرعة دوران جميع اصناف رأس المال تساوي (1)، أي ان راس المال المنفق سنويا في كل صنف يساوي رأس المال المستثمر. والان لو استعملنا الرموز التالية:

PL لفائض القيمة
K لمجموع رأس المال في الاقتصاد
C للرأسمال الثابت (المنفق والمستثمر)
V للرأسمال المتغير (المنفق والمستثمر)

فيكون معدل الربح PL/K أو PL/C+V

واذا رمزنا بحرف X للعلاقة بين C/V (أي التركيب العضوي لرأس المال) فيمكن عندئذ ان نكتب C = VX
وعندئذ يمكن كتابة معدل الربح PL/VX+V أو PL/ V(1+X)
أو اخيرا 1/1+X.PL /V

واذا كان معدل فائض القيمة PL /V بحكم التعريف لا يتغير، بينما X يزداد، فمعنى ذلك ان 1/1+X يصغر بالتدريج، والمنتوج (أي معدل الربح) 1/1+X.PL /V ينخفض هو الآخر.

على ان ماركس يلاحظ ان فرضية ثبات معدل فائض القيمة هي فرضية غير واقعية. ولذلك فهو يحاول اثبات انه حتى مع ارتفاع معدل فائض القيمة، فان معدل الربح لا بد ان يميل الى الانخفاض عاجلا او اجلا. على ان الايضاحات الواردة في الفصل الثالث عشر لاثبات هذه النقطة غير مقنعة، ولهذا فان ماركس يستأنف دراسة المسألة في الفصل الخامس عشر، ويقدم في الواقع اهم ايضاحاته حول الموضوع. ان ماركس هنا يغير نقطة انطلاقه في التحليل، فيبدل مسألة التركيب العضوي لرأس المال، ويبدأ من انخفاض نسبة عدد العمال بالنسبة لرأس المال الموظف.
ان بعض الشراح الماركسيين ومنهم الاستاذ (دني) يرون ان هناك تناقضا بين نقطتي الانطلاق المذكورتين، ولكن الواقع ان زيادة التركيب العضوي لراس المال بفضل التقدم التكنيكي تميل فعلا الى تخفيض نسبة عدد العمال بالنسبة للرأسمال المستثمر، ولهذا فان الاصح ان تعتبر الفرضيتان الماركسيتان متكاملتين. على كل حال يرى ماركس انه في حالة انخفاض هذه النسبة بين العمل وراس المال، لا بد للرأسمال – من اجل الاحتفاظ بنفس معدل الربح لرأسماله الموظف- ان يحرص على ثبات معدل فائض القيمة بالرغم من انخفاض عدد العمال المستخدمين ولتحقيق هذا الغرض يجب على الرأسمالي ان يرفع معدل فائض القيمة بالنسبة لكل عامل. على ان هناك حدودا لامكان زيادة فائض القيمة المنتزع، بالنظر لمحدودية ساعات العمل الممكن تشغيل العمال خلالها، وضرورة تكريس جزء منها لاعاشة قوة العمل. يقول ماركس بهذا الصدد: (ان تعويض النقص في عدد العمال بزيادة درجة الاستغلال، يصطدم بحدود معينة لا يمكن اجتيازها، ولهذا فاذا استطاعت – أي زيادة معدل فائض القيمة لكل عامل – اعاقة انخفاض معدل الربح، فانها تعجز عن ايقافه تماما).
يمكن التعبير عن نفس الفكرة بشكل اخر: مع ازدياد تقدم التكنيك الانتاجي، يزداد معدل الرأسمال الموظف بالنسبة للعامل المستخدم. وفي هذه الحالة اذا اريد المحافظة على نفس نسبة معدل الربح للرأسمال الموظف، لا بد من زيادة معدل فائض القيمة المنتزع من العامل بنفس النسبة. ولكن هذا لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية، لان فائض القيمة الممكن انتزاعه من عامل معين، لا يمكن ان يتجاوز حدا اعلى من القيمة، هو الحد الذي يساوي الحد الاعلى من العمل، الممكن ان يقدمه العامل. بل ان مقدار فائض القيمة يجب ان يكون اقل دائما من هذا الحد الاعلى من العمل، لضرورة تكريس جزء من العمل لانتاج السلع الاستهلاكية الضرورية لاعاشة العامل.
ولكن اذا كان لا بد ان تقف زيادة فائض القيمة عند حد معين في الوقت الذي تستمر فيه زيادة رأس المال بالنسبة للعامل بدون حدود، فمعنى ذلك ان العلاقة بين فائض القيمة وراس المال، أي معدل الربح بالضبط، لا بد ان تنخفض في وقت ما. ولا شك ان ماركس كان يفكر في انه مع اقتراب معدل فائض القيمة من الحد الاعلى المشار اليه سابقا، يصبح من الصعوبة الاستمرار في زيادته، وبالتالي لا بد في الواقع ان ينخفض معدل الربح قبل وصول معدل فائض القيمة حده الاعلى. والاثر الوحيد لارتفاع فائض القيمة هو اعاقة انخفاض معدل الربح. لذلك لا ينتظر ان يحصل انخفاض مستمر ومنظم وسريع لمعدل الربح، لتطور عوامل من شأنها ابطاء الانخفاض المذكور، او حتى ايقافه بصورة مؤقتة.
ومن العوامل المهمة التي يشير اليها ماركس في هذا الصدد هي التجارة الخارجية. فقد رأى ماركس ان هذا العامل من شأنه ابطاء انخفاض معدل الربح، وهو في هذه النقطة يتفق من حيث النتيجة مع ريكاردو، ولكنه يختلف عنه جذريا في اسلوب ومضمون التحليل: ليس السبب في اعاقة انخفاض معدل الربح، ما يذكره ريكاردو من اثر لاستيراد المواد الغذائية من الخارج على وقف ارتفاع الريع العقاري، بل السبب هو الفرص التي تسهلها التجارة الخارجية، وخاصة الانتاج من اجل التصدير، لامكان تحقيق معدلات من الربح عالية جدا. لا شك ان هذه الفكرة الماركسية فكرة في غاية الاهمية لتفسير تطور النظام الراسمالي. ولكن فكرة ريكاردو هي الاخرى مهمة في تفسير تطور النظام المذكور وخاصة في اوربا الغربية، بفضل استيراد المواد الغذائية الرخيصة من الامريكيتين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
على ان ماركس، بالرغم من تسليمه باهمية العوامل التي من شأنها ان تعيق ميل معدل الربح نحو الانخفاض، الا انه كان مقتنعا تماما بان الاتجاه المذكور قد بدأ بالفعل يفرز بعض الظواهر التي تهدد وجود النظام الراسمالي بالذات. فالتجارة الخارجية مثلا، وان كانت تخفف من حدة الاتجاه نحو انخفاض معدل الربح، الا انها من جهة اخرى تزيد من التراكم الرأسمالي، وبالتالي، من التقدم التكنيكي، الامر الذي من شأنه في التحليل الاخير، زيادة حدّة الاتجاه المذكور.
2. اثار القانون
يحاول ماركس في الفصل (15) المهم من الجزء الثالث من (رأس المال) ان يوضح السبب في ان انخفاض معدل الربح لا يؤدي الى تثبيت النظام الرأسمالي في حالة ركود دائم، كما يتصو الكلاسيك، بل يؤدي على العكس الى وضع لا يطاق من نقص استخدام القوى المنتجة.
لقد افترض الكلاسيك ان الاثر الوحيد لانخفاض معدل الربح هو التحديد المتزايد للادخار. اما ماركس فيوضح ان الاثر الاساسي هو خلق حجم معين من الادخار لا يجد امكانية للاستثمار في شروط مجزية. ان ماركس الذي يقبل في بعض مؤلفاته الاقتصادية الفكرة الكلاسيكية في ان الادخار يجد مجاله للاستثمار بصورة تلقائية، نجده الان على العكس يخالف الاقتصاديين الكلاسيك. ومن هنا اهمية تحليله لهذه النقطة بالذات. يرى ماركس بان انخفاض معدل الربح، لا يخفض من حجم الادخار ولكنه يؤدي الى عدم امكان استثمار الراسمال الجديد ( الا على حساب استثمار الراسمال القديم). وبكلمة اخرى ان ماركس يثير هنا مشكلة توفير السوق الضرورية للرساميل الجديدة. ويبدو انه يذهب الى ان انخفاض معدل الربح يضيق امام الرأسمال الجديد فرص الاستثمار بربحية كافية، ولذا لا بد من شنه كفاحا مريرا للاستيلاء على جزء من اسواق الرساميل القديمة. وفي مثل هذه الحالة يمكن القول ان هناك فيضا من راس المال، وان هذا الفيض يؤدي الى اشتداد المنافسة والمضاربة بين رؤوس الاموال، وبالتالي الى تفاقم خطورة ازمات فيض الانتاج. ومن جهة اخرى تنخفض (الربحية الوسطية لرأس المال) الى الحد الذي يخفض من الميل الاستثماري للراسماليين في مجموع القطاعات الاقتصادية، وبالتالي يؤدي الى عدم تجاوز الانتاج القومي حدا اعلى معينا. وهكذا، كما يقول ماركس حرفيا عن الاقتصاد الرأسمالي (انه يتعرض للركود لا يسبب ضرورة من اشباع الحاجات، بل كلما فرض الانتاج وتحقيق الارباح ذلك الركود).
ويقول ايضا: (اذا اصبح تكوين رأس المال هكذا قاصرا بشكل استثنائي على عدد قليل من الرساميل الضخمة التي بلغت مستوىالنضوج .... فان الفعالية المنعشة للانتاج تضمحل، ويدخل الانتاج المذكور في سبات). وهنا يعتقد الاستاذ (دني) بان هذه الموضوعة الماركسية تجعل من ماركس رائدا لنظريات الركود التي طورها فيما بعد الاقتصاديون الامريكان بين 1929 – 1939. الا ان الواقع هو ان هذا الشبة ينصب على نتيجة التحليل وحدها وليس على محتوى التحليل أو اليته. ان اصحاب نظرية الركود يعزون الظاهرة في الغالب للعوامل الطبيعية، وخاصة للعوامل الجغرافية والتكنولوجية والديموغرافية، بينما يركز ماركس على العوامل التي تكون جوهر النظام الراسمالي. ان انخفاض معدل الربح، في نظره، وهو ملازم بالضرورة للراسمالية، يؤدي الى البطالة الدائمة، وبالتالي يفرز عددا من الظواهر قابلة لاسقاط النظام نفسه. ان الراسمالية محكومة في نظر ماركس بالزوال، تحت ثقل تناقضاتها الخاصة. واهم مظهر لذلك هو ان الانتاج في هذا النظام لا يستهدف غير الانتاج (أي الربح) وليس اشباع الحاجات الانسانية. يقول ماركس: ( ان العائق الحقيقي امام الانتاج الراسمالي هو الراسمال نفسه: ان راس المال وتثميره يكونان نقطة الابتداء ونقطة الانتهاء على السواء، أي محرك الانتاج وهدفه على السواء. ان الانتاج ما هو الا انتاج من اجل راس المال، وليس العكس. ان وسائل الانتاج ليست مجرد وسائل تصوغ وتوسع عملية الحياة لصالح مجتمع المنتجين. ان الوسيلة – التطوير غير المشروط للانتاجية الاجتماعية – تدخل بصورة مستمرة في تناقض مع الغاية المحددة، أي تثمير راس المال القائم. وعليه فاذا كان نمط الانتاج الراسمالي هو الوسيلة التاريخية لتطوير القوى الانتاج المادية، وخلق السوق العالمية المتفقة معها، فانه يمثل في الوقت نفسه تناقضا دائميا بين هذه المهمة التاريخية وعلاقات الانتاج الاجتماعية المتفقة معها). وفي محل اخر يكتب ماركس: ( يكمن التناقض في نمط الانتاج الراسمالي هذا، في اتجاهه بصورة مطلقة لتطوير القوى المنتجة، التي تدخل بدون انقطاع في تصادم مع الشروط النوعية للانتاج، الذي يتحرك الراسمال في اطارها، والتي لا يستطيع التحرك الا في داخلها).

اذن ينتهي تحليل ماركس الاقتصادي الى نتيجة تدعم وتوضح نظريته التاريخية التي عرضها منذ 1845. ان النظام الراسمالي، القائم على الاتجاه نحو الاثراء عن طريق الادخار وتوظيف رأس المال، هو نظام في جوهره يميل الى تطوير القوى الانتاجية للمجتمع. الا ان تنمية قوى الانتاج تخفض بالضرورة معدل الربح، وهذا الانخفاض يميل، بحكم علاقات الانتاج في هذا النظام، الى اعاقة استثمار رأس المال. او بعبارة اخرى ان تناقضا يظهر بين تطوير القوى المنتجة وطبيعة علاقات الانتاج. ولا بد من حل عقدة هذا التناقض، عاجلا ام اجلا، بالانتقال الى نظام اجتماعي جديد اعلى.

ثالثا – تلخيصات لقانون التراكم العام في نقاط

فيما يلي سوف نقوم بتلخيص ابرز النقاط التي ينطوي عليها قانون التراكم الراسمالي العام، استنادا الى مصدرين هامين في هذا الصدد، الاول هو (مختصر الاقتصاد السياسي) لمجموعة من الكتاب السوفيات، والمصدر الثاني هو (تاريخ الفكر الاقتصادي) للاستاذ البريطاني (أريك رول)، مع اكمال تحليلهما بالمصادر المتيسرة الاخرى، وذلك من اجل استيعاب ادق لجوهر نظرية التطور الماركسية.

(1) تلخيص المختصر السوفياتي) (15)

1. يعالج القانون العام للتراكم الراسمالي حركة (تحول فائض القيمة الى رأسمال) بعد تحققه.
2. لهذا القانون ثلاثة جوانب:
• قانون تراكم الثروة.
• قانون تراكم البؤس (الذي يجد تعبيره في قانوني الاملاق المطلق والنسبي).
• قانون تراكم قوة البروليتاريا، بالتنظيم والوعي – أي أنه البرهان على ضرورة التحول الاشتراكي (انجلز).
3. يتضمن هذا القانون عدة نتائج، منها:
• إن ازدياد الثروة (كرأسمال) يؤدي الى زيادة عدد البروليتاريا المطلق.
• إن ازدياد انتاجية العمل يؤدي الى ازدياد فيض السكان النسبي.
• إن ازدياد فيض السكان النسبي يؤدي الى تعاظم بؤس الشغيلة.
• إذن فإن تراكم الثروة يؤدي الى تراكم البؤس، الذي يجد تعبيره في قانوني الاملاق، كما ذكرنا.
4. ان التركز والتمركز هما (شكلان) للتراكم، يؤديان الى (الاحتكار) ثم (الامبريالية)، أي سيطرة الراسمال الاحتكاري.
5. إن (فيض السكان) نتيجة حتمية للتراكم الراسمالي، أي زيادة التركيب العضوي لراس المال، أي زيادة كمية (العمل الميت) بالنسبة لكمية (العمل الحي)، أي زيادة قيمة (الراسمال الثابت) بالنسبة لقيمة (الراسمال المتغير)، أي (الفيض النسبي) بالنسبة (لليد العاملة فعلا).
6. ان مستوى الاجور وذبذباته، لا تتوقف على عدد العمال المطلق، بل على فيض السكان النسبي، أي على عدد العمال العاطلين (خلاف الفكر الاقتصادي البرجوازي). وان قانون العرض والطلب في سوق العمل يكمل اضطهاد رأس المال، وهو في الحقيقة تعبير عن قانون فيض السكان النسبي، الذي يمثل احدى ضرورات التطور الرأسمالي (لينين).
7. هناك عدة عوامل تزيد من فيض السكان النسبي، منها:
أ‌. استخدام النساء والاطفال (كمنافسين).
ب‌. اطالة يوم العمل، أو تشديد العمل.
ج‌. خراب المنتجين الصغار (خاصة الفلاحين) وتحويلهم الى عمال.
8. هناك ثلاثة اشكال لفيض السكان في الرأسمالية:
أ‌. فيض السكان المتغير (بطالة دورية وتكنولوجية وبسبب السن).
ب‌. فيض السكان المقنّع (بطالة مزمنة في الريف)، وهو مصدر الهجرة من الريف الى المدن.
ج‌. فيض السكان الثابت (البروليتاريا الرثة، والمعطوبون جسميا أو معنويا).
9. تصبح البطالة في مرحلة (الازمة العامة للرأسمالية)، بطالة جماهيرية ومزمنة معاً.
10. ان قانون الاملاق النسبي هو نتيجة ارتفاع (معدل الاستثمار) اي معدل فائض القيمة.
11. ان قانون الاملاق المطلق قانون صحيح وملازم للرأسمالية، مع اعتبار القضايا التالية:
أ‌. يجب اخذ عشرات المؤشرات لانخفاض المستوى المعاشي للعمال، منها على سبيل المثال (الاجور العينية والنقدية، الاجور بالنسبة لقيمة قوة العمل، البطالة، مستوى الشغيلة في المستعمرات، شدة العمل)، مع سوء التغذية، الوضع السكني، الضرائب، الوضع الصحي، الوضع الثقافي، الازمات الدورية .... الخ.
ب‌. ان أشكال الإملاق في تغيير مستمر (القلق،الاوضاع النفسية، الاغتراب، الحروب ..... الخ).
ت‌. لا بد من دراسة مرحلة تاريخية طويلة لرصد اثار القانون.
ث‌. العبرة بالنظام الراسمالي ككل وليس في بلدان معينة وفترات معينة.
ج‌. لا يسير الاملاق المطلق في خط انحداري مستقيم في جميع البلدان وفي كل منها على انفراد.
ح‌. هذا القانون يظهر ايضا في ارتفاع (شدة أو كثافة العمل)، أي سرعة استهلاك أو اندثار الشغيلة، المصحوب بازدياد طوارئ العمل والامراض المهنية والنفسية.


(2) تلخيص تحليل الاستاذ رول (16)

1. إن قانون التراكم العام هو القانون العام لتطور النظام الراسمالي. ومعناه تحويل فائض القيمة الى رأسمال، أي تجديد الانتاج الموسع.
2. يؤدي هذا القانون العام الى عدة نتائج اهمها ما يلي:
أ‌. التركز (والتمركز)، أي زيادة حجم رأس المال، أي استخدام (الراسمال الكبير)
ب‌. تراكم البؤس (قانون الاملاق).
ج‌. زيادة (التركيب العضوي لراس المال).
د. زيادة حجم البطالة النسبية (عدد العاطلين بالنسبة للمشتغلين). وتنعكس هذه النتيجة في قانون السكان الراسمالي، المعبر عنه بنظرية الافراط النسبي للسكان.
هـ. هبوط معدل الربح، وهو الوجه الاخر المعاكس للتركيب العضوي لرأس المال.
3. وسيلة التراكم العام هي زيادة انتاجية العمل (المؤدية الى زيادة التركيب العضوي والتركيب التقني لرأس المال معا).
4. من اهم اشكال التنافس للتراكم الراسمالي هو التناقض بين (حجم الربح) المتزايد، و (معدل الربح) المتناقص.
5. هناك عدة عوامل معيقة لمفعول قانون انخفاض معدل الربح، منها:
أ. زيادة (معدل الاستغلال) اي معدل فائض القيمة.
ب. انخفاض الاجور لأدنى من قيمة قوة العمل.
ج. انخفاض قيمة الراسمال الثابت.
د. زيادة جيش العمل الاحتياطي (البطالة).
هـ. التجارة الخارجية.
و. التنظيم المالي المعقد للمشروعات الراسمالية.
وجميع هذه العوامل يجب ان تدرس ضمن الخلفية العامة للصراع الطبقي (17).
6. طور (لينين) هذه العوامل المعيقة في نظريته عن الامبريالية، مشيرا على سبيل المثال الى نشوء الاحتكارات، ودور المستعمرات، والمنافسة بين الدول الاستعمارية والحروب.
7. يكمن جوهر تناقضات الانتاج والتراكم الراسماليين في النقطتين التاليتين:
أ‌. (تحقيق) القيمة ضروري لتحقيق هدف الراسمالية وهو خلق ورسملة فائض القيمة.
ب‌. ولكن شروط التحقيق هي غير شروط (خلق) الفائض: الاولى تتوقف على القوة الاستهلاكية للمجتمع من جهة وعلى نسب قطاعات الانتاج من جهة اخرى، بينما تتوقف شروط الثانية على القوة الانتاجية للمجتمع، أي أن التناقض الجوهري للتراكم هو التناقض بين القوة المنتجة للمجتمع وشروط أو علاقات الانتاج الراسمالي.
8. يتضمن التراكم استمرار زيادة القوى المنتجة (بحكم المنافسة). وبالتالي زيادة حدّة التناقض بين الانتاج والاستهلاك، أي بين خلق وتحقيق فائض القيمة. ان تاكيد ماركس على هذا الجانب من التناقض خير رد على لوكسمبرغ التي ادعت اهمال ماركس لهذا الجانب (النقص استهلاكي) من الازمة، الا انه، خلاف رودبرتس مثلا، اعتبر هذا احد الجوانب فقط للتناقضات الراسمالية. كذلك يجب عدم اعتبار الجوانب الاخرى مطلقة او استثنائية (مثلا عدم التناسب بين القطاعات، او هبوط معدل الربح). انها جميعا تعبر عن الصراع الطبقي المميز للنظام الراسمالي وما الازمات الا (حلول) عنيفة ومؤقتة لهذه التناقضات الطبقية.
9. ان دور عمليات (المنافسة) هو اقامة توازنات (عادية) بين قطاعات الانتاج من جهة، وبين الانتاج والاستهلاك من جهة اخرى. ولكن هذه العمليات التنافسية تتضمن التراكم وزيادة التركيب العضوي وانخفاض معدل الربح، أي انها تخلق الشروط لزيادة (الاختلال) في التوازنات الاقتصادية المذكورة. اما دور (الازمة) فهو اعادة التوازن بشكل عنيف، أي بتحطيم قيمة جزء من راس المال، لايقاف انخفاض معدل الربح وتشجيع استمرار التراكم، ولكنها عاجزة عن التغلب على (حوافز) النظام الراسمالي، الكامنة في علاقات الانتاج.
10. يلخص ماركس جوهر التناقض في عملية التراكم الراسمالي في الجزء الثالث من راس المال، بالنقاط التالية:
أ. يتضمن الانتاج الراسمالي، من جهة، زيادة (قوى الانتاج) من دون اعتبار للقيم وفوائض القيم وعلاقات الانتاج، ويتضمن من جهة اخرى، زيادة (القيم الراسمالية) باسرع ما يمكن.
ب. اذن الهدف: هو خلق وتراكم (الفائض)، بينما الوسيلة: هي زيادة (القوى المنتجة).
ج. ولكن الوسيلة هي اكبر من الهدف، وهذا هو جوهر التناقش الراسمالي. أي ان (قاعدة) النظام الراسمالي، لا تتحمل (جهازه الانتاجي). أي ان (تركز راس المال واجتماعية العمل) يتناقضان مع (فردية تملك الفائض) (18).
د. الحل: هو مصادرة رأس المال (أي الغاء النظام الراسمالي) وبناء نظام جديد قائم على الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج.
هـ. ان ماركس ضد المفهوم (الجبري)، لأن الثورة في نظره تتوقف على (ارادة) الانسان، بعد فهم قوانين التطور الاجتماعي، وان الكشف عنها هو بالضبط موضوع علم الاقتصاد السياسي (19).

رابعا- ملاحظة اخيرة حول قانون التراكم الماركسي

اعتقد ان استيعاب النقاط الواردة في التلخيصات المشار اليها اعلاه، يحصن المرء ضد مئات التشويهات البرجوازية لنظرية التطور الماركسية، المتجسدة في قانون التراكم الراسمالي العام، والقائمة في جوهرها على تفسيرات آلية، تبسيطية، وحيدة الجانب، للفكر الماركسي، مما يتعارض اصلا مع الطابع الجدلي للمنهج الاقتصادي الماركسي، ويجعل جميع المحاولات الحديثة، من الماركسيين أو غيرهم، للتقريب بين الفكر الماركسي وبعض النظريات البرجوازية المعاصرة، لمجرد وجود اوجه شبه سطحية، او تقارب في بعض الاثار والنتائج، محاولات محكوم عليها بالفشل والاخفاق. ان نظرية التراكم الماركسية ليست نظرية نقص استهلاكية (20) لكي يمكن مقارنتها بمدرسة هوبزن مثلا، او نظرية نقص استثمارية (21) لكي يمكن مقارنتها بالمدرسة الكينزية مثلا (على عكس ما يتوهم الاستاذ دني)، او نظرية ركودية (22) بفعل انخفاض معدل الربح حتى يمكن مقارنتها بمدرسة هانسن مثلا، او نظرية تحليل التراكم انطلاقا من تحليل توزيع الدخول (23) حتى يمكن مقارنتها بمدرسة ارثر لويس مثلا، او نظرية تجديدات دينامية (24) على غرار مدرسة شومبيتر مثلا، او نظرية انهيار مفاجئ للراسمالية (25) على غرار مدرسة روزا لوكسمبرغ مثلا.... بالرغم من ان التحليل الماركسي يتضمن فعلا جميع الجوانب السابقة، ولكن جوهره انما يتجسد في الجدل (الدايلكتيك) القائم على فكرة التناقضات الاجتماعية الملازمة للنظام الراسمالي وعلى مجموع الخلفية التاريخية للصراع الطبقي. وهذا ما ابعد هذا المنهج الجدلي عن جميع التفسيرات الميتافيزيقية، الالية والوحيدة الجانب، لمدارس الفكر البرجوازي.
ومن المؤكد ان جميع ما وجه ويوجه لنظرية التراكم الماركسية من عيوب وافات وماخذ مزعومة، انما ينطلق من اغفال تام لهذا المنهج الجدلية (المادية الجدلية) للفكر الماركسي، وتلك هي السمة المشتركة لجميع النقد البرجوازي من زمن بومبافرك (1898) الى النقد الجديد الذي وجهه كبير الاقتصاديين الامريكان المعاصرين (سامولسن) للنظرية الماركسية في مقالاته التي كتبها مؤخرا في عامي 1971 و 1972. لقد وجه سامولسن مجموعة شتائم مقذعة للاقتصاد الماركسي واتهم جهاز تحليله بالعقم والاخفاق، واستعمل مختلف العبارات الساخنة للتهوين من افاق الفكر المذكور.
استنادا الى مجموعة من التشويهات والتفسيرات الفجة المعتادة، من قبيل الخلط بين نظرية القيمة ونظرية الاسعار الماركسية، واعتبار نظرية قيمة العمل الماركسية من نظريات نفقة الانتاج الكلاسيكية، وتفسير نظرية الازمة الماركسية تفسيرا نقص استهلاكي وتشويه مفهومي الاملاق المطلق والاملاق النسبي، والخلط بين نظريتي لينين ولوكسمبرغ للامبريالية..... الخ من التشويهات والتفسيرات الاعتباطية التي كنا نظن انها اختفت مؤخرا من اعمال كبار الاقتصاديين البرجوازيين، الا ان مقالات (26) سامولسن الاخيرة خيبت تماما هذا الظن. ولكن لحسن الحظ ان هذا الاتجاه اليميني المتطرف في اعمال سامولسن مختلف تماما عن الطابع المعتدل والمتعاطف بصورة عامة مع الفكر الماركسي وامتداده المتمثل في الاقتصاد الراديكالي الجديد في امريكا، كما تدل على ذلك اخر اعمال مردال وروبنسن(27).

هوامش الدراسة

(1) ماركس: (رأس المال)، الفصلان (24) و (25)، طبعة ديتز – برلين، المجلد الاول، 1959، بالالمانية. والفصول الثمانية من القسم الثامن من الجزء الاول، بالترجمة الانكليزية، موسكو، 1958.
(2) راجع دراستنا المفصلة لهذه المسألة في العدد الاول، السنة 12 من مجلة (الاقتصادي)، 1971. ويرى البعض ان التراكم البدائي حدث في ظل الاقطاع، راجع المؤلف الجماعي السوفياتي (الاقتصاد السياسي)، ترجمة بدر السباعي، ص 161.
(3) راجع ماركس، (المرجع المذكور)، ص 643 – 750، بالالمانية.
(4) ماركس (رأس المال)، طبعة الايديسون سوسيال، الجزء الاول، المجلد الثالث، ص 88، بالفرنسية.
(5) نفس المرجع، ص 205، بالفرنسية.
(6) راجع تفاصيل هذه النقاط في جيد وريست (تاريخ المذاهب الاقتصادية)، بالترجمة الانكليزية، الطبعة الثانية، جورج هاراب، 1948، ص 464 وما بعدها.
(7) المرجع المذكور، ص 464. وسبب الخطأ هو اهمال العوامل الذاتية، وخاصة العاملين السياسي والفكري، للقضاء على الراسمالية.
(8) نفس المرجع، ص 464 – 467، بالانكليزية.
(9) ماركس: (المؤلفات الفلسفية)، طبعة كوست، ص 14، بالفرنسية.
(10) دني: (تاريخ الفكر الاقتصادي)، باريس، 1966، ص 423، بالفرنسية.
(11) راجع دراستنا حول العلاقة بين الماركسية والفيزيوقراطية في مجلة (الاقتصادي)، حزيران، 1971.
(12) كان ماركس مدركا بأن جزءا من الادخار لا يستخدم في شراء وسائل الانتاج بل يكرس لزيادة رصيد الاجور، ولكن يمكن اهمال هذا الجزء، لصغره، في التحليل.
(13) راجع ص 238- 297 من طبعة ديتز الالمانية 1957.
(14) راجع مقدمة انكَلز للجزئين الثاني والثالث من (رأس المال).
(15) راجع (الاقتصاد السياسي)، ترجمة بدر الدين السباعي، الجزء الثاني، القسم الاول، الفصل العاشر، دمشق، 1967.
(16) اريك رول: (تاريخ الفكر الاقتصادي)، طبعة 1952، بالانكليزية. اما الترجمة العربية للبراوي فرديئة.
(17) نفس المرجع، ص 320.
(18) نفس المرجع، ص 322.
(19) وليم باربر: (تاريخ الفكر الاقتصادي)، نيويورك 1968، ص 150، بالانكليزية. وهو يرى ان هناك تفسيرين للنظرية الماركسية مترابطين ومتساندين: التفسير الاول اقتصادي (عدم توازن القطاعات الانتاجية) وهو يفسر ازمة التحقيق، أي انهيار الاسعار، ولكنه لا يستوجب انهيار النظام الرأسمالي ككل. اما التفسير الثاني فهو فلسفي وسياسي ولا يستند لحجج اقتصادية تكنيكية، بل يستند لمفهوم ماركس للقوانين الدينامية للتاريخ (عملية التراكم تؤدي الى تراكم الاملاق فتمرد العمال ووحدتهم واخيرا الى الثورة الاجتماعية). ولذلك يرى المؤلف ان نظرية الثورة الماركسية هي جزء لا يتجزأ من نظرية الازمة والتراكم الماركسية.
(20) اغلب الاقتصاديين (التصحيحيين) يفسرون النظرية الماركسية على اساس نقص استهلاكي. راجع جون ستراشي (الراسمالية المعاصرة)، 1955، وبالترجمة العربية، لعمر الديراوي، بيروت، 1966، خاصة الفصول المتعلقة بالازمة والتراكم والاملاق.
(21) اغلب الكينزيين يفسرونها على هذا الاساس. راجع مؤلفات السيدة روبنسن على سبيل المثال.
(22) بعض الماركسيين يقعون في هذا الخطأ، ومنهم هنري دني. (راجع المتن).
(23) راجع ارثر لويس (التطور الاقتصادي بعرض عمل غير محدود) في مجلة (مدرسة مانجستر)، مايس، 1954، بالانكليزية.
(24) من الاقتصاديين الذين يخلطون بين التحليل الماركسي والتحليل الشومبتري، كوكس (الراسمالية نظاما)، 1963، الفصول الاخيرة، بالانكليزية.
(25) هناك تفسيران لنظرية (الانهيار) الماركسية المزعومة: تفسير لوكسمبرغ (تراكم راس المال) 1912، التي تربط بين انهيار الراسمالية وانهيار الكولونيالية، وتفسير كروسمان (قانون التراكم والانهيار) 1929، الذي يعزو انهيار الراسمالية الى عدم كفاية فائض القيمة لاستمرار التراكم بالمعدل المطلوب، وينكر وجود مشكلة (تحقيق) الفائض، بالمعنى اللوكسمبرغي. راجع استعراضا شاملا لنظرية الانهيار وتطورها في الفكر الاشتراكي في: سويزي (نظرية التطور الراسمالي) 1942، بالانكليزية، خاصة ص 212.
(26) راجع مقالة سامولسن (انحدار اللبرالية) في مجلة (سوشيل ريسرج)، المجلد 29، العدد الاول، ص 16 -31، 1972، بالانكليزية – ومقالته (حول فهم فكرة الاستغلال الماركسية)، في مجلة (جورنال أوف ايكونومك لترجر)، حزيران، 1971، ص 399 – 431، بالانكليزية، واخيرا مقالته (الاقتصاد الماركسي)، في مجلة (امريكان اكونوميك ريفيو)، مايس، 1967، ص 616 – 623، بالانكليزية.
(27) راجع مقالة مردال: (استجابة لمقدمة) في مجلة (امريكان اكونومك ريفيو)، مايس، 1972، ص 456 – 462، بالانكليزية. ومقالة روبنسن الافتتاحية لنفس العدد من المجلة الامريكية، ص 1 -10، بالانكليزية، تحت العنوان الملهم (الازمة الثانية في النظرية الاقتصادية).

-;- الفكـر الرجعـي في العـراق
بقلم ابراهيم كبة
التاريخ:5/5/1967

بالرغم من إنني ألقيت دفاعي أمام محكمة الثورة في أوائل عام 1964 ، ألا أنني سجلت جميع خطوطه ونقاطه في الأشهر الأولى التي أعقبت انقلاب شباط عام 1963 في تلك الظروف الإرهابية المعروفة وفي داخل أسوار المواقف المتعددة ، وبمعزل عن الوثائق الرسمية واعتماداً على الذاكرة وحدها.ولذلك أنني أول من يدرك نواقص هذا الدفاع الشكلية والموضوعية . وقد كان بودي إكمال هذه النواقص ، وتعزيزه بالوثائق التي تحفل بها اضبارات الدولة للمرحلة التي يتناولها ، ألا إن فقداني جميع وثائقي في تلك الفترة واستحالة الوصول أليها ثانية في ظروف الحكم العسكري القائم ، حالا دون تحقيق هذه الأمنية . أما الذي دعاني إلى المبادرة لنشر هذا الدفاع رغم نواقصه الواضحة فهو استشراء الفكر الرجعي في العراق الآن، وتزييفه جميع أحداث التاريخ القريب ، وتركيزه خاصة على تزييف أحداث ثورة تموز المجيدة في جميع معطياتها وجوانبها المختلفة ، وانبعاث جميع حملات الكذب والمسخ والافتراء ، التي حاول الدفاع تفنيد المهم منها على الأقل.
إن انبعاث الفكر الرجعي في العراق الآن ، لا يعود لأسباب فكرية خالصة تتصل بتشبثه بحجج جديدة مقنعة تستحق المناقشة ، بل هو يعود في الأساس إلى دوره القديم – الجديد كسلاح من أهم أسلحة الردة المستشرية الآن في البلاد ، والتي بدأت طلائعها في الواقع منذ السنوات الأخيرة للحكم القاسمي ، وبلغت ذروتها في الوقت الحاضر عبر انقلابي شباط وتشرين ، وذلك لاسباب موضوعية كثيرة أهمها تغير المواقع الطبقية بعد تموز، قيادة البرجوازية وبعض مراتب البرجوازية الصغيرة لحركة الردة ، وتطلعها للسيطرة السياسية المطلقة في ظل الاستعمار الجديد واعتمادها على جبهة رجعية واسعة تضم اليمين الرجعي القديم ( الإقطاع ، البرجوازية العقارية الكبيرة ، البرجوازية الكومبرادورية) والوسط الرجعي الجديد ( البرجوازية الوسطى او الوطنية ) وبعض مراتب البرجوازية الصغيرة المتخلفة المتقنعة بالأقنعة القومية .
إن الردة الفكرية الحاضرة ، بقدر ما هي أداة من أدوات المعركة الاجتماعية ، تعكس بنفس الوقت هذه المعركة وتنطوي على نفس منابعها وجذورها الطبقية والاجتماعية .
* * * *
من الواضح أن هناك ثلاثة تيارات تصب في مجرى ( الردة الفكرية) ، ولكنها متداخلة بشكل يصعب أحيانا تمييزها عن بعضها ، وذلك بسبب تداخل الطبقات والمراتب الاجتماعية التي تعبر الردة عن مصالحها وتطلعاتها وتحالفها الطبقي العريض لمناهضة الثورة.
التيار الأول هو تيار الفكر الرجعي القديم ، الممثل للطبقات المتسلطة في النظام الملكي المندثر ، النظام شبه الإقطاعي شبه الاستعماري ، والقائم على تخطيط العودة بالعراق إلى العهد السعيدي الأسود بمؤسساته السياسية والقانونية والاقتصادية والفكرية ، وإلغاء مرحلة ما بعد تموز نهائياً والقضاء على جميع ما يمثلها من الاتجاهات السياسية والفكرية ، واحياء فكرها المتخلف المتحجر ، المتقنع بأقنعة الليبرالية الكلاسيكية في السياسة والاقتصاد وسائر الميادين الأخرى. لقد استطاع قادة هذا الفكر وخاصة من الأساتذة المثقفين المزيفين الوصول الى أعلى المراكز القيادية في الوزارات والأجهزة التخطيطية والجامعة والإصلاح الزراعي ومؤسسات القطاع العام والسلك الدبلوماسي … الخ وهم يمثلون في الوقت الحاضر راس الحربة لحركة الردة والجسر الموصل مباشرة بالاستعمار الجديد .
على أن هذا التيار الرجعي القديم ، يندر أن يطرح اليوم بشكله الفج المتخلف ، بل هو يختلط بتيارين آخرين : الأول هو التيار الوسطي الممثل لفئات الاجتماعية الوسطى وخاصة البرجوازية الوطنية بمراتبها المختلفة ، والتي تنحاز بشكل متسارع نحو مواقع اليمين الرجعي القديم ، بعد أن برزت المسألة الاجتماعية الى سطح الأحداث وبدأت تفجر التناقضات التي كانت كامنة في صلب الحركة الوطنية في المراحل التاريخية السابقة. ان البرجوازية الوطنية ، لظروف تاريخية مختلفة لا محل لشرحها الآن ( اتخاذ الإمبريالية شكل الاستعمار الجديد ، وحدة الثورة العالمية ، انصباب جميع الحركات الثورية في المجرى الرئيسي للثورة الاشتراكية العالمية ، تداخل البرجوازية العراقية بالطبقات الاجتماعية الأخرى وخاصة الإقطاع ، ارتباطها التاريخي والموضوعي العضوي بالإمبريالية ….الخ ) تطرح نفسها الآن ويرشحها الاستعمار الجديد فعلاً لقيادة الثورة المضادة في العراق ، وبذلك اصبح التيار الفكري الوسطي الآن هو السائد فعلاً في حركة الانبعاث الرجعي الفكري . أما التيار الآخر في الردة الفكرية فهو تيار البرجوازية الصغيرة المستترة غالباً بستار الفكر القومي والمتشبثة عبثاً بأسطورة الاحتكار السياسي والمنجرة عملياً ( بالرغم من حسن نية غالبية قواعدها ) الى مواقع الرجعية ، اليمينية والوسطية ، المعادية للديمقراطية والوحدة القومية التقدمية ولجميع التحولات الاجتماعية ، وهذه البرجوازية الصغيرة تعاني من ازدواجية رهيبة بين شعاراتها التقدمية والاشتراكية الشكلية وبين سلوكها الحقيقي المعرقل لأي تطوير فعلي لحركة الثورة إلى أمام ، بسبب إصرارها على القيادة الانفرادية ومعاداتها الهستيرية للديمقراطية والاشتراكية العلمية .
ان وحدة (تداخل) هذه التيارات الثلاثة في الفكر الرجعي رغم تمايزها ، حددت لنا منهجنا في هذه المقدمة : سوف لا نستعرض هذه التيارات بشكل منفصل ، بل سنكتفي بالتطرق الى الموضوعات الرئيسية التي يتناولها هذا الفكر الرجعي ، ونركز على الأفكار الأساسية التي يتخذها (خاصة بشكلها الوسطي السائد) والأهداف السياسية الرجعية التي يستهدفها ، ثم نستعرض بعض نماذجه البارزة . إن هذه المقدمة لا تتسع طبعاً لدراسة تفصيلية للفكر الرجعي في العراق ، والتي نأمل أن نستطيع إكمالها ونشرها عن قريب ، ولذلك سوف نكتفي باستعراض الأفكار الأساسية دون الإشارة الى مضامينها التفصيلية في مئات المصادر التي راجعناها من مؤلفات ومقالات ودراسات نظرية ، الى تصريحات ووثائق رسمية إلى برامج ومناهج سياسية للمنظمات المختلفة ، إلى الصحافة العلنية والسرية .. الخ مرجئين ذلك الى الدراسة التفصيلية المزمع نشرها عن قريب . على إن تحديد الجذر الاجتماعي لهذا الفكر الرجعي في الصراع الطبقي في العراق وحركة تناقضات المجتمع العراقي ، لا تعني انفصال هذا الفكر عن الفكر الرجعي العربي والغربي ، بل على العكس فأن قادة هذا الفكر في العراق يغترفون مباشرة من المؤلفات العربية والغربية ، دون إشارة صريحة في غالب الأحيان ، والظاهرة الطاغية على إنتاجهم هي التقليد والسطحية وعدم الاستيعاب .
* * * *
إن الموضوعات التي يتناولها الفكر الرجعي في العراق تشمل جميع الموضوعات المتصلة بالصراع الطبقي من قريب او بعيد – تشمل الماضي والحاضر والمستقبل ، الوضع الداخلي والعربي والدولي ، المسائل النظرية والتطبيقية على السواء . إن حملة المسخ والتشويه التي يمارسها هذا الفكر الرجعي تتناول ثلاث مجموعات كبرى من القضايا الأساسية . فعلى الصعيد التاريخي، يتناول المسخ مجموع تاريخ العراق الحديث . انه يتناول على سبيل المثال المحرك الحقيقي لهذا التاريخ وهو كفاح الشعب العراقي بقواه الوطنية الأساسية حسب ظروف تطور التناقض الطبقي في المجتمع ، ويستبدل به محركات وهمية ، من قبيل التناقض بين الاتجاه الشعوبي والاتجاه القومي(1) ، يشوه فيها الماضي الثوري لجميع القوى المذكورة ( جماعة الأهالي ، الحزب الوطني ، الأحزاب الديمقراطية بعيد الحرب العالمية الثانية ، الحركة الديمقراطية الكردية ، وخاصة الشيوعيين ) ويضع مقابلها القوى السياسية التساومية (الاخائيين مثلاً) او الفئات الانقلابية المعادية للديمقراطية . ومن هذه الزاوية التحريفية تقيم جميع أحداث العراق السياسية (وزارات الاخائيين ، انقلاب بكر صدقي ، حركة 1941 الوطنية ، حركة الموصل ، انقلاب شباط وتشرين … الخ )، ويدافع صراحة او ضمناً عن سياسات العهد الملكي في جميع الميادين ، ويركز على التفسيرات الطائفية او الشوفينية لهذا التاريخ . على إن مركز الثقل في جملة التشويه الرجعية على الصعيد التاريخي يتركز حول ثورة تموز المجيدة وكل ما يتصل بها من مفاهيم وأحداث . فمن ناحية أهداف الثورة ، أما أن يجردها الفكر الرجعي من أية أهداف مرسومة ، او ينسب أليها أهدافا وهمية ( كإقامة النظام الاشتراكي فوراً او الالتحاق بالعربية المتحدة فوراً ) مهملا أهدافها الحقيقية ، كالتحرر السياسي والاقتصادي ، وتحقيق الديمقراطية ، ووضع الأسس المادية للتحول الاجتماعي ، كما عبرت عنها وثائق الثورة وبيانات جبهة الاتحاد الوطني . ومن ناحية عوامل الثورة ، تهمل العوامل الحقيقية ( كفاح الشعب العراقي ، الجبهة الوطنية ، وحدة الثورة العربية والعالمية ) وتحصر بعوامل وهمية او ثانوية او جزئية او خارجية صرفة ( القوى القومية وحدها ، المد العربي ، المخطط الشيوعي الدولي ، التناقضات بين الاستعماريين ، دور الجيش وفصله عن الخلفية السياسية والاجتماعية …. الخ ). ومن ناحية طبيعة الثورة ، إما إن تجرد من طبيعتها الثورية وتفهم كحركة عسكرية انقلابية ، او حتى من طبيعتها الوطنية وتنسب إلى مخططات الاستعمار البريطاني او (الشيوعي )مثلاً ، او تمسخ هذه الطبيعة وتحمل محتويات اعتباطية مفتعلة . كذلك يتناول الفكر الرجعي في هذا الإطار التموزي تشويه طبيعة الحكم القاسمي فينظر أولا على انه وحدة متجانسة دون تقدير المرحلتين المتناقضتين اللتين مر بهما الحكم المذكور (2) ، ويقيم ثانياً وفق مقاييس تبريرية رجعية واضحة البطلان ، أما على أساس انه حلف ثنائي (3) من قاسم والشيوعيين ، او حلف ثلاثي (4) شعوبي من قاسم والشيوعيين والحزب الوطني الديمقراطي ، او حلف رباعي (5) شعوبي من هذه العناصر الثلاثة مضافاً إليها عنصر الأكراد ، او حتى على أساس انه حلف شعوبي _ استعماري يضم جميع هذه القوى والعناصر في تحالفها المزعوم مع الاستعمارين الشرقي والغربي على السواء (6) . أما جوهر الحكم القاسمي (الديمقراطي في المرحلة الأولى ، والدكتاتوري الفردي في المرحلة الثانية ) فيحاول الفكر الرجعي عبثاً طيه في غياهب النسيان . ومن الطبيعي أن يركز هذا الفكر حملته التشويهية على جميع الجوانب الإيجابية من الحكم القاسمي وإنجازاته الكبرى في جميع الحقول خلال المرحلة الأولى (ممارسة الحريات الديمقراطية ، شعار الاتحاد الفدرالي ، سياسة التحرر والسلم ، جيش المقاومة الشعبية ، الإصلاح الزراعي، القطاع العام ، الاتفاقات مع الدول الاشتراكية ، السياسة النفطية الوطنية ، سياسة الاستيراد الموجه …)، ويعتبر هذه الإنجازات جوهر الانحراف القاسمي باعتبارها إنجازات شيوعية او شعوبية ( معادية للعروبة ) او تكرس التبعية الأجنبية (لموسكو طبعاً) او إنها خاطئة من الوجهة العلمية (7) .. الخ ، بينما تبذل كل المحولات لطمس الجوهر الحقيقي للانحراف القاسمي في سنواته الأخيرة المتمثل في الدكتاتورية الفردية ومعاداة الديمقراطية وتمزيق الوحدة الوطنية واطلاق العنان لليمين البرجوازي والقوى الوسطية والبيروقراطية المتفسخة ، والمساومة المكشوفة مع الطبقات الرجعية واصحاب المصالح المركزة والفئات الانتهازية ، وهو الأمر الذي لم يؤد فقط الى تجميد الثورة بل تمكين قوى الردة من تنفيذ مخططها لإسقاط الحكم القاسمي لا لتطوير جوانبه الإيجابية والعودة لمنطلقات تموز الأصلية ، بل للإجهاز على الجوانب المذكورة في عملية واضحة لتصفية جميع إنجازات الثورة والعودة بالعراق لعهد ما قبل تموز . إن انقلابي شباط وتشرين ، كما أثبتت الأحداث ، كانا (تتويجاً ) للانحراف القاسمي في جوهره الدكتاتوري الفردي المعادي للديمقراطية ، مع تطوير هذا الانحراف خطوات واسعة للأمام ، وتحويله إلى السياسة الرسمية للدولة . ان الشعارات السائدة اليوم في تصريحات المسؤولين ( الأفكار الوافدة ، مضار الحزبية ، ابتعاد النقابات المهنية عن السياسة ، الطابع اللاطبقي للاتحاد الاشتراكي ، اتهام المعارضة بالتبعية والعمالة ، صيحة التجمع القومي المعادي للديمقراطية والشيوعية ، الاشتراكية المستمدة من روح الإسلام ، مبدأ العمل الكامن في دمائنا ، محاربة التأميم بحجة ظروف العراق الخاصة ، الدعوة للحزب الواحد بحجة صهر الشعب في بودقة واحدة ، إدانة الإضراب بحجة شراكة العمال في المعامل ، التقشف الاقتصادي ….الخ) هي نفس الشعارات القاسمية التي ازدهرت في فترة الأنحراف ،بعد ان خلعت ثوبها (الديمقراطي) لتتخايل بثوبها ( القومي التقدمي الوحدوي ) الجديد.ان القاسمية ليست ظاهرة فردية متصلة بشخص تاريخي معين ، بل ظاهرة سياسية تتبع من ملابسات الصراع الطبقي في المجتمع ،ومن هنا أهمية تحليل الظاهرة القاسمية والتذكير بها على الدوام ،خلاف ما تظن بعض القوى السياسية الثورية.أما عن أسباب الأنحراف وتوزيع المسوؤليات،فتتجاهل هذه التيارات الفكرية الرجعية بالطبع العوامل والمسوؤليات الحقيقية (القوى المناهضة للثورة ..خارجيةوعربيةوداخلية)،وتركيز المسوؤليات او تحصرها بالقوى الشيوعية والديمقراطية وحدها(الشيوعيون،أنصار السلام ،الشعوبيون،الشيوعية الدولية،الأكراد…الخ)،ولا تمل من القاء تهمها البالية في محاولة اجرامية لتأجيج الأحقاد بين القوى الثورية وتعطيل أية جهود لأستعادة وحدتها وفعاليتها السياسية (المد الأحمر ، المغول والتتر ،الحبال الحمراء ،أعمدة الكهرباء…الخ)(8).
أما على الصعيد العربي ،فيحاول الفكر الرجعي طمس الصورة الحقيقية للصراع الطبقي على هذا الصعيد ، واخفاء التناقض الأساسي بين الثورة العربية من جهة ، وبين الاستعمار العالمي بركيزتيه الأساسيتين..الصهيونية والرجعية العربية من جهة ثانية ، وفصل الارتباط العضوي بين قوى الثورة المضادة على الصعيد الداخلي والعربي والدولي،ورفع شعارات تضليلية مزيفة لأخفاء هذه الصورة (وحدة الصف العربي ،وحدة الدول العربية ضد الصهيونية ،مؤتمرات القمة العربية …)ثم الى جانب ذلك مسخ جميع المفاهيم الأساسية في القومية العربية ، لتبرير القيادة الأنفرادية اللاديمقراطية للثورة العربية ( نظرية وحدة المركز القيادي ،فصل القومية عن الديمقراطية ،وضع القومية كبديل عن الأممية ،الخلط في مسألة الوحدة بين المحتوى والأشكال ، إنكار الواقع الطبقي لمفاهيم الوحدة ، إنكار الظروف القطرية المختلفة ودورها في صياغة أشكال ومضامين الوحدة ، الخلط بين مفهوم الوحدة ومفاهيم سياسية واجتماعية أخرى مختلفة نوعيا من قبيل الأمة والحقيقة القومية والحركات الثورية المختلفة…).
واما على الصعيد الدولي فتتركز حملات الفكر الرجعي بشكل جنوني لعزل الثورة ( في العراق والبلاد العربية الأخرى ) عن أطرها وأبعادها الدولية ،وذلك بتشويه صورة الوضع الدولي في سماته الأساسية الراهنة (الاستعمار الجديد،وحدة الثورة العالمية بتياراتها الثلاثة ،دور المعسكر الاشتراكي ،التناقض الأساسي بين الإمبريالية والاشتراكية في العصر الراهن…)وتركيز العداء ضد الدول الاشتراكية (المخطط الشيوعي ، الاستعمار الشرقي ، سرقة الثورة الروسية ، الصين والغطاء الذهبي...)وضد النظرية العلمية للثورة ( الماركسية اللينينية ) ، والترويج لجميع نظريات ومفاهيم الاستعمار الجديد ( الحياد الآيديولوجي ،لا شرقية ولا غربية ، الأفكار الوافدة ).
ان حملات المسخ والتشويه لابسط المفاهيم الماركسية تصل لحد الأبتذال (مفاهيم الثورة والأشتراكية والكفاح الطبقي ودكتاتورية الطبقة العاملة والثورة البورجوازية …الخ).كما تقدم بدائل اشتراكيـة كاريكاتوريـة عن الاشتراكيـة العلميـة ، تقيمها على أسس محض تنظيميـة (التأميم)(9) او تكنولوجيـة( التنمية )(10)او شوفينية (خصائص العنصر ) او سلبية (أسلوب التنمية اللاراسمالية ) او أخلاقية (العدالة) أو دينية (الأيمان بالروح) او نفسانية (الضمير والإرادة) او إصلاحية لا ثورية (ترميم نظم الاستغلال) او حتى رجعية معادية للثورة . وكل ذلك يجري باسم (الاشتراكيـة البناءة) (11) او (الاشتراكيـة الرشيدة ) (12) او ( الاشتراكيـة الواقعية) (13)او الاشتراكيـة (المستمدة من روح الإسلام) (14) . كما يجري في هذا الإطار أيضا تشويه مفهوم (الديمقراطية) وذلك بتجريده من محتواه الطبقي ، والترويج لأفكار الطبقات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة في هذا المجال ( الديمقراطيـة الليبراليـة ، الحزب الواحد و الحزب القائد ، المنظمة السياسية اللاحزبية ، الحركة العربية الواحدة ، الجبهات السياسية الاحتكارية ..الخ ).
ومن هذا الاستعراض السريع لطبيعة المواضيع التي يركز عليها الفكر الرجعي الراهن في العراق يتضح بجلاء الدور السياسي الرجعي الذي يقوم به الفكر المذكور ، كانعكاس وأداة للثورة المضادة ، وكجزء من الصراع الطبقي الكبير المشتد حول الموقف من الثورة الاجتماعية . إن الهدف المركزي الذي يوجه الفكر الرجعي ضرباته أليه هو وحدة القوى الثورية وذلك بتأجيج الأحقاد والضغائن بينها وتضخيم الخلافات الثانوية وطمس نقاط الالتقاء ضد الرجعية والاستعمار . والتكنيك الرئيسي الذي يستخدمه هو تكنيك (اللاديمقراطية ) ، بالترويج لنظم الحكم الفردية والمؤسسات السياسية القائمة على المبدأ الأبوي ، مبدأ الوصاية على الجماهير الشعبية ، وفلسفة وتبرير الاحتكار السياسي والقيادة الانفرادية . والشعار الرئيسي الذي ما زال يستخدمه للتغطية والتضليل هو شعار ( معاداة الشيوعية ) مع توسيع هذا المفهوم ليشمل جميع المؤمنين بالديمقراطية وسيادة الشعب الحقوق القومية والاشتراكية العلمية .
* * * *
قلنا سابقاً بان الفكر الرجعي الجديد ، بتياراته ومنابعه المختلفة ، يقوده الفكر الوسطي في المرحلة الراهنة ، مرحلة الحلف الطبقي العريض المناهض للثورة بقيادة البرجوازية في عصر الاستعمار الجديد والانتقال الى الاشتراكية على النطاق العالمي . ان (جوهر) الفكر الوسطي هو طمس الفروق النوعية بين السياسات التحررية والسياسات الرجعية ، وتغليف السياسات الأخيرة بأغلفة تقدمية او علمية او موضوعية او شعبية مزعومة ، واستثمار السلبيات الجانبية في ثورة تموز لافراغ هذه الثورة العظيمة من نواتها الثورية واعطائها محتوى رجعياً وفرض قيادات وسطية (برجوازية أساسا ) جديدة عليها – وكل ذلك يجري باسم الاعتدال والطريق الوسط والتوازن بين القوى ، والوحدة الوطنية ، وتجمع التموزيين (15) وضرورة الاستقرار وسيادة القانون ، والتآلف الوطني (16) والأخوة الحقيقية بين جميع العراقيين ، وتجاوز مرحلة الطفولة السياسية ، وتحكيم العلم والخبرة والموضوعية والحياد والنضوج والتعقل … الخ . ان هذا الخط العام للقوى الوسطية ينعكس في مواقفها من جميع القضايا الداخلية والخارجية ، السياسية والاقتصادية والفكرية .. واكتفي الآن بذكر (عينات ) من هذه الأفكار والنظريات الوسطية ، مقتبسة من آخر (أعمالها ) في الحقول المختلفة .
ففي حقل السياسة النفطية مثلاً ، نجد حملة مبدئية على فكرة التأميم ، ونسبته إلى مؤامرات تخريبية او استعمارية او شيوعية ، ومهاجمته بحجج اقتصادية ( خنق الاقتصاد الوطني ) وقانونية ( مخالفته للقانون الدولي العام ) وعقائدية ( إجراء شيوعي) – واقتراح حلول تساوميـه مع الشركات النفطية ( كمبدأ المشاركة الوطنية الأجنبية في الامتيازات ) ، والدفاع عن المادة الثالثة من القانون رقم 80 بالرغم من استغلالها بتخريب هذا القانون ، والترويج لمفهوم ( نزع الطابع الاستغلالي للامتيازات بالتدريج ) وتحسين شروطها بالاتفاق بدل إدانتها المبدئية ، واستنتاج نتائج سياسة خاطئة من تحليل المسألة النفطية ( تجمع وطني بدل اتحاد تقدمي) (17) ، والتركيز على الجانب الكمي للقطاع النفطي (زيادة عوائد الحكومة ) بدل الجانب النوعي ( دوره في التبعية الاقتصادية ) ، هذا فضلا عن التشكيك في قدرة الدول المنتجة على الاستثمار الحكومي المباشر ، وتجريد المسألة النفطية من جوهرها السياسي الاستغلالي الإمبريالي ، وترديد حجج الشركات التقليدية ( استحالة سياسة عربية موحدة للنفط ، استحالة التسويق المستقل ، ارتفاع سعر النفط العراقي وارتفاع أرباح العراق بالنسبة للدول المنتجة الأخرى ، عدم الخروج على سياسة الأوبك ، استحالة الخروج من الطوق الاحتكاري ، استحالة التعاون مع المعسكر الاشتراكي …الخ) ، وكل ذلك لتبرير تصديق اتفاقية 1965 الخيانية ، وتعطيل القانون رقم 80 وتجميد شركة النفط الوطنية وتحويلها لأداة بيد الشركات نفسها ، واعادة الحقول المنتزعة الرئيسية إلى الشركات ، وتعميق الآثار المدمرة للتبعية الاقتصادية . إن هذه الآراء قد تطرح بصورة ذكية مقنعة ، او تطرح أحيانا بصورة فجة مكشوفة ، كما هي الحال في التقرير الذي أعدته شركة النفط الوطنية عن دورها في تطوير نفط العراق (18) ، او في تعليقات بعض كبار المسؤولين الحكوميين في القطاع النفطي (19) . ومن الواضح إن هذه الآراء التساومية تجد كل التشجيع من الحكومة التي سارت فعلاً على تجميد القانون رقم 80 وتجميد شركة النفط الوطنية والتمهيد لامرار اتفاقيات 1965 ، والإصرار على حصر السياسة النفطية ( باتفاقيات مشاركة ) مع الشركات الاحتكارية واعادة اكبر مقدار ممكن من الأراضي المنتزعة للشركات باسم تطبيق المادة الثالثة (20) .
وفي حقل الإصلاح الزراعي نجد الحملة مركزة على شجب فكرة القانون من حيث الأساس وتحميله مسؤولية تدمير الجهاز الإنتاجي في البلاد ، والزعم بأن الغرض من تشريعه كان محاربة القوميين الوحدويين لا الإقطاع ، وانه مشوب بالأفكار الماركسية (21) والمساس بحق الملكية المقدس ، وتركيز الحملة بوجه خاص على القطاع العام في الزراعة (المزارع الحكومية الكبرى) ومسخ دورها الإنتاجي الكبير الى دور المزارع النموذجية لتحسين البذور (22) ،وعلى التعاونيات الجماعية والتنظيمات الجماهيرية الفلاحية الضرورية لنجاح الإصلاح ، مع صرف الأنظار عن الجوهر الطبقي للإصلاح ( تغيير علائق الإنتاج ) والتركيز على جوانبه التكنولوجية ( تنمية قوى الإنتاج ) وتحويله عن دوره الثوري كمحرك وقاعدة للثورة الاجتماعية ، إلى مجمد وقاعدة للثورة المضادة ( برجزة الإقطاع ، تنمية أغنياء الريف ، تسليم مصائر الفلاحين بأيدي الأجهزة البيروقراطية الرجعية ، الحيلولة دون الحلف الطبقي العمالي – الفلاحي )، واخيراً اقتراح الحلول المعروفة للاستعمار الجديد في القطاع الزراعي ، وتسليم التنمية الزراعية للشركات الاستثمارية الأجنبية (23).
وفي حقل التنمية الاقتصاديـة ، يركز الفكر الوسطي على طمس التناقض الجوهري بين التنميـة الكومبرادورية ( الاستثمار الأجنبي المباشر او المقنع ، اعتماد المؤسسات الأجنبية والتابعة للقيام بالتنمية ، تبني أسلوب الشركات الاستشارية والمقاولة ، أسلوب المناقصات العالمية الرأسمالية …الخ) والتنمية الوطنية والقومية ( التحرر الكامل من الاستعمار الجديد ، وضع الأسس المادية للتحولات الاجتماعية ، قاعدة الصناعة الثقيلة ، الترابط والتوازن والتفاعل بين الهياكل الاقتصادية والقطاعات الأساسية ، الدور القيادي للقطاع العام ، رفض التنمية الرأسمالية ، أسلوب التعاون مع الدول الاشتراكية والمتحررة ، التخطيط العلمي للاقتصاد العربي …الخ ) ، واقتراح حلول وسطية تساومية ، هي من حيث الأساس استمرار للتنميـة الكومبرادوريـة وتكييفها مع مستلزمات الاستعمار الجديد وتنامي الوعي الوطني ، واحلال استثمار البرجوازية بفئاتها القديمـة والجديدة ( البيروقراطيـة ، العسكريـة ، التكنوقراطيـة … الخ) محل استثمار الطبقات القديمة .وفي هذا الإطار الاستغلالي الطبقي الصرف ، ترفع القوى الوسطية اليوم شعارات المشاركة الوطنية الأجنبية في الاستثمار ، مشاركة القطاع العام والخاص ، إعادة المشاريع المؤممة الى القطاع المختلط ، تعريق المؤسسات الأجنبية ، التمويل من المؤسسات المالية الدولية المشبوهة التي تمثل الاستعمار الجماعي في الواقع (24) ، محاربة القطاع العام والتأميم وأسلوب التعاون التكنيكي والاقتصادي مع الدول الاشتراكية ، الترويج لأفكار الاعتماد على الزراعة (25) والصناعة الاستخراجية والخفيفة والخدمات غير الإنتاجية ، وتجنب الصناعة الثقيلة (غير الاقتصادية ! ) وفصل التنمية عن شروطها الاجتماعية والسياسية والتركيز على مستلزماتها التكنولوجية والتنظيمية (26) ، واخيراً وليس آخراً الدفاع المكشوف او المقنع عن سياسة مجلس الأعمار سيئة الصيت . إن الدفاع عن مجلس الأعمار للعهد الملكي ، لم يقتصر على ساسة العهد المذكور التقليديين (مثلا خليل كنه في كتابه عن العراق ) ولم يقتصر على الأساتذة الجامعيين الذين كانوا وما يزالون أبواقا للفكر الاقتصادي الغربي الليبرالي والليبرالي الجديد ، وفي احسن الأحوال ،الكينزي ،بل تعدى ذلك إلى كبار المسؤولين من وزراء ومخططين وكبار الموظفين ، حتى بين أولئك المنتسبين لبعض الفئات القومية التي تدعو للاشتراكية والاشتراكية فوراً . مثال ذلك السيد وزير التخطيط في كلمته التي قدم بها ( المذكرة التفسيرية للإطار العام للخطة الاقتصادية للسنوات الخمس 1965 /1969 ) حيث جاء فيها دفاع صريح عن سياسـة مجلس الأعمار . يقول السيد الوزير ( كان العراق … أول قطر عربي يتحرك إلى حل مشكلة التخلف الاقتصادي منطلقا من تصور صحيح لطبيعتها وشروط مواجهتها ) ( ولذلك وجه العراق الحديث منذ البداية الجزء الأكبر من موارده النفطية إلى أعمال العمران رغم المغريات الكثيرة الحافزة على تبذير هذه الثروة القومية ) ، وواضح انه يشير بذلك إلى عراق نوري السعيد ومجلس أعماره . ثم يتابع قوله كما يلي ( وحرص العراق منذ البدايـة على أن تكون برامجـه العمرانيـة برامج مدروسة ، فكان من أوائل الدول التي استعانت بالبنك الدولي وبغيره من مصادر الخبرة العالميـة لتصميم هذه البرامج ) . وإذا كان هذا هو تصور الوزير المسؤول لمفاهيم الأعمار والتخطيط والعلم والخبرة ، فهو من عجب أن ترى المذكرة التفسيرية للخطة مشبعة بهذه الآراء التي تدافع صراحة عن مفاهيم الاستعمار الجديد تحت اسم النظام الاشتراكي او العدالة الاجتماعية ؟ وكمثال واحد على ذلك نشير الى الفقرات المتعلقة ب (القروض الأجنبية ) والدفاع المكشوف عن الاستثمار الأجنبي الخاص المباشر ، وذلك – كما تقول المذكرة – ( بإنشاء الشركات الأجنبية مشروعات في العراق وأدارتها والحصول على الأرباح وسيطرة ورقابة المستثمر الأجنبي على المشروع )، على أساس إن هذا النوع من الاستثمار الأجنبي ( يساعد على زيادة المعرفة الفنية والإدارية والتنظيمية وعلى تنميتها والاستفادة من المستخدمات العراقية وتشغيل الأيدي العاملة وتدريبها وتوسيع السوق المحلية وزيادة التصدير ) . أما أسلوب اتفاقيات التعاون الفني والاقتصادي مع الدول الاشتراكية ، وهو الأسلوب الذي تميزت به التنمية اللاراسمالية في العالم الثالث كما هو معروف ، فان هذا التقرير الرسمي يهاجمه بما لم يجرأ عليه حتى عملاء الغرب المكشوفون . فهذه القروض العينية هي قروض ( مقيدة ) وهي ( اخطر أنواع القروض الأجنبية وأكثرها مشاكل ) كما أنها فضلا عن ذلك قروض ( احتكارية ) وان السلع التي تقدمها ( مشكوك في جودتها ومرتفعة الثمن ) بل إن ( الانخفاض النسبي لسعر الفائدة إنما هو انخفاض صوري من السهل تحميله على ثمن السلع او على حساب نوعيتها وجودتها ) . ويوصي التقرير ضمناً بإلغاء هذا الأسلوب من أساليب التنمية ، باشتراط عرض المشاريع التي تتضمنها الاتفاقيات على ( جهات استشارية عالمية ) ثم (إعلانها في مناقصة عالمية ) ثم ( إحكام الرقابة على تنفيذ المشروع من قبل نفس الشركات الاستشارية العالمية …) . هل نكون متجنين إذا اتهمنا الحكم الذي يسمح بتبني مثل هذا اللغو ، بأنه يتحول موضوعياً الى مجرد أداة لتنفيذ مخططات الاستعمار الجديد ؟.
وفي حقل العمل والسياسة الاجتماعية ، نجد الفكر الوسطي يرفع شعارات ( المشاركة الاختيارية ) كستار للاستغلال الطبقي للعمال ، و ( السلام الاجتماعي ) كبديل عن الصراع الطبقي ، و ( طرق المزاملة في السيطرة الاجتماعية ) كبديل لأشكال النضال الطبقي للطبقة العاملة … الخ (27) .
أما في ميدان نظام الحكم فان القوى الوسطية تستغل كل سلبيات الحكم العسكري القائم في العراق وكل سلبيات تمزق الوحدة الوطنية ، وكل سلبيات تموز وما بعد تموز ، فتحمل الفئات (المتطرفة) مسؤولية ذلك ، وتطرح نفسها كبديل سياسي (لقيادة) المجتمع نحو الحرية والنظام والاستقرار والازدهار . وضمن هذا الخط العام لقيادة الثورة المضادة ، يطرح الفكر الوسطي الشعارات السياسية للاستعمار الجديد ، مع استغلال بعض الشعارات الشعبية ، من أمثال الديمقراطية الليبرالية والوحدة الوطنية والجبهة الوطنية وحكم القانون … الخ ولكن بشرط بسيط واحد هو احتكار الوسط للحكم وتفرده بالعمل السياسي وعزل الفئات التي ( لا تؤمن بالأسلوب الديمقراطي البرلماني وسيلة وغاية ) او كان ( في ماضيها ما يتعارض وذلك ) (28) .
واخيراً ففي ميدان السياسة الخارجية يروج الوسط لسياسة (التدرج في ربط العراق بنفس العوامل والمؤثرات التي كانت تحكمه قبل ثورة 14 تموز ) (29) ، أي العودة لسياسة المجال الإقليمي والارتباط بالمعسكر الغربي ، تلك السياسة البالية التي انعكست سابقاً في مواثيق ومشاريع سعد آباد والهلال الخصيب وحلف بغداد ، والتي تهدف الى تثبيت مواقع الاستعمار الجديد ، وتحويل العراق عن دوره الذي أهلته له ثورة 14 تموز كطليعة رائدة في معركة العرب التحررية ، وكقلعة من قلاع الكفاح ضد الإمبريالية بالتعاون المبدئي الدائم مع العالم الثالث المتحرر والمعسكر الاشتراكي .
* * * *
لقد أشرنا سابقاً الى المصدر الغربي الاستعماري لهذا الفكر الرجعي ، وهاك بعض الأمثلة – من مئات غيرها - على ذلك : في مقالة عن ( بعض اوجه المنظر الاقتصادي في العراق ) نشرتها مجلة (ميدل ايست أند جورنال /1964 ) هاجمت الأستاذة الأمريكية كاتلين لانكلي اتفاقيات التعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفييتي زاعمة ان اهتمامات الخبراء السوفييت تتركز في تجهيز البلدان النامية بالتجهيزات التي لم تعد صالحة للاقتصاد السوفييتي اكثر من اهتماماتها بفائدة تلك البلدان . وفي دراسة أخرى نشرتها نفس المجلة عام 1965 عن (تطور العراق الزراعي) هاجم الكاتب الإنكليزي جون سيمونز قانون الإصلاح الزراعي واعتبره المسؤول الأول عن انخفاض الإنتاج وركز هجومه على القطاع العام والمزارع الحكومية الكبرى . وفي كتاب مشهور للكاتب الفرنسي بيير روسي عن (عراق الانتفاضات/1962 بالفرنسية) تشكيك واضح بطبيعة ثورة 14 تموز الوطنية ، والزعم بوجود دور للإنكليز في تفجيرها ، مع تعريض صريح بالاتفاقية العراقية السوفييتية ودور الرئيس مكملان البريطاني المزعوم في إقناع الروس للتوقيع عليها ، هذا بالرغم من بعض الجوانب الإيجابية في تحليلات الكاتب السياسي المذكور . إن مثل هذه الآراء وجدت صداها المدوي في كتابات مئات الكتاب العرب والعراقيين .
لا يمكن أن نستعرض في هذا المجال ألا بعض النماذج القليلة من هذا الفكر الرجعي القائم أساسا على محاربة الديمقراطية وتبرير الحكم الإرهابي وتمزيق الوحدة الوطنية والقومية وخدمة الاستعمار الجديد . وسوف نستعرض هذه النماذج بتفصيل واف في دراستنا المقبلة عن الفكر الرجعي في العراق . سنكتفي في هذه المقدمة بالإشارة فقط إلى بعض الآراء الاعتباطية للتسجيل لا للمناقشة .
لنبدأ النماذج بالسيد خلدون الحصري في كتابه (ثورة 14 تموز وحقيقة الشيوعيين في العراق /1963) . إن الخطوط العامة لهذا الكتاب هي معاداة الشيوعية ، معاداة الدول الاشتراكية ، معاداة الاشتراكية العلمية ، الدعاية للاستعمار الجديد ، تشويه مفاهيم القومية والاشتراكية والديمقراطية ، مسخ كل ما يتصل بثورة 14 تموز ، تشويه تاريخ العراق الحديث . إن بعض مسلماته التي ينطلق منها هي التالية :- الصراع الأساسي منذ اليوم الأول من ثورة تموز هو الصراع بين (القوميين العرب) و (الشيوعيين) – وليس بين الشعب وبين الاستعمار والرجعية – ، هدف ثورة تموز التي صنعها القوميون وحدهم هو إقامة النظام الاشتراكي والوحدة الفورية أما هدف الشيوعيين فهو سرقة الثورة بإدامة ( اصطناع المؤامرات) وخلق (السلطة المزدوجة) لغرض إقامة السلطة الشيوعية ، المنجزات الديمقراطية للثورة ( المنظمات الجماهيرية الشعبية ، الجبهة الوطنية المتحدة….الخ) هي منجزات ومؤسسات شيوعية لاغتصاب الحكم ، يحمل الشيوعيين وحدهم (لا الرجعية) مسؤولية فشل الإصلاح الزراعي وهزات الاقتصاد العراقي ، يعتبر منجزات الثورة الاقتصادية وسياستها الخارجية التحررية ( الاتفاقيات مع الاتحاد السوفييتي ، التمييز بين الدول الاشتراكية والإمبريالية ) دليلا على الانحياز للشرق ، يعتبر بداية العهد البائد هو عام 1941 أما قبل ذلك فعهد الاستقلال ، يشوه المفاهيم الماركسية بشكل مبتذل ( الاممية تعادي القومية ، البرلمانية تقابل الثورية ، الصراع الطبقي يساوي الصراع الدموي ، المادية الفلسفية تستبعد القيم الروحية ، المادية التاريخية تستبعد العوامل الجغرافية والنفسية وتساوي المادية الآلية ، الثورة الديمقراطية تعني إقامة حكم البرجوازية ، تحميل الاشتراكية العربية مفاهيمه الرجعية من قبيل الطابع القومي لا الطبقي ، البراغماتية لا الجدلية ، الغيبية لا العلمية …) ، يدين الثورات الاشتراكية وخاصة الروسية والصينية ويمجد التجارب الاشتراكية الديمقراطية الغربية كالعمالية في إنكلترا وحتى اشتراكية موليه في فرنسا ، جوهر الانحراف القاسمي شعوبي معاد للعروبة ، الحكم القاسمي هو ثمرة زواج الشيوعيين بقاسم ، يدين الإشارة إلى الطابع المتعدد للقوميات في العراق ، يعتبر الحزب الديمقراطي الكردي تابعا للشيوعيين ، مهرجان أنصار السلام هو الذي أدي إلى انفجار حركة الموصل …الخ .
أما دراسته الجديدة ( مقدمة في تاريخ العراق الحديث ) المنشورة في مجلة ( دراسات عربية /نيسان 1967) فانه يعمم التشويه والمسخ على مجموع التاريخ المذكور وخاصة على الفترة التاريخية 1936-1941 . انه يعقد مقارنة شكلية صرفة بين بعض المظاهر السياسية لهذه الفترة وبين سياسة الجمهورية العربية المتحدة بعد عام 1952 ، دون إدراك المحتوى الاجتماعي المختلف تماما بين الفترتين . أن المرحلة المذكورة في تاريخ العراق هي مرحلة مد رجعي مرتبطة بمرحلة المد الفاشي في العالم قبيل الحرب العالميـة الثانية ، تتميز بإلغاء الحياة الديمقراطية تماما ( إلغاء الأحزاب ، تزييف البرلمان ، إقامة نظم عسكرية مقنعة ، استخدام الجيش كأداة لقمع الشعب ، استخدام الطائفية كسلاح سياسي ، زج العشائر في السياسة الرجعية ، فهم القومية بمفهوم شوفيني وفاشي ، رفع الشعارات الوحدوية البروسية ، بسمارك العرب … الخ ) بعد خيانة الاخائيين لمبادئهم الوطنية التي تظاهروا بالدعوة اليها فترة طويلة ، وتكريس سياسة المساومة مع الاستعمار البريطاني التي لم تكن سياسة نوري السعيد إلا امتدادا طبيعيا لها . إن الكاتب يمجد هذه السياسة الرجعية التوفيقية ويصفها بالسياسة القومية ، بينما يصف المعارضة الوطنية والديمقراطية ( جماعة الأهالي ، الحزب الوطني ، جمعيـة الإصلاح الشعبي … الخ ) بالعداء الصريح للقوميـة ، على افتراض سخيف هو إن هذه المعارضـة كانت ( اشتراكية أعلنت الطلاق مع القومية ) ، وان هذا الطلاق كان فيما بعد سبب انتكاسة ثورة 14 تموز ، كما انه يصف الفترة الثانيـة الإرهابيـة من حكم السيد حكمت سليمان ( بعد استقالة الجادرجي وزملائه ) بأنها الفترة (العربية ) التي نتجت عن تعاون العناصر القومية مع حكمت وبكر صدقي (يقصد السادة علي محمود الشيخ علي ومحمد علي محمود وبقية الشلة ). كما انه يصنف ضباط الجيش إلى (الكتلة القومية ) و (الضباط الإقليميين ) ، وان الكتلة الأولى كانت نتاج السياسة التعليمية القومية لوالده السيد ساطع الحصري (30) . إن القومية العربية بمحتواها التقدمي والديمقراطي براء من هذا التزييف المبتذل لتاريخ العراق الوطني (31) . إن هذه الشكلية العلمية ، والتي تؤدي عمليا إلى تشويه تاريخ الشعب الوطني هي من السمات الثابتة للمدرسة التاريخية البرجوازية في العهد الإمبريالي . وبمناسبة الحديث عن جماعة الأهالي أشير إلى مقالة السيد مجيد خدوري عن ( اتجاهات الفكر السياسي في الوطن العربي –مجلة – حوار -/ نيسان 1967) حيث يعقد مقارنة شكلية أيضا بين هذه الجماعة وبين الحزب القومي السوري لأنطوان سعادة ، على أساس إن مبادئ كل منهما هي ( مزيج من الديمقراطية والاشتراكية!).
إن نسبة حركة الشواف في الموصل إلى (انصار السلام) او ( افتعال الحزب الشيوعي ) او استفزاز ( الأكراد والشعوبيين)…الخ من المسلمات الشائعة في الفكر السياسي ( القومي) . ولكن السيد محمود الدرة في دراسته الجديدة للموضوع ( ثورة الموصل بعد سبع سنوات – دراسات عربية /نيسان 1966) – إذا تركنا دفاعه عن مجلس الأعمار الملكي وهجومه على ثورة تموز وجميع إنجازاتها وعلى الحركة الديمقراطية الكردية وسائر القوى الوطنية – كشفت عن حقائق مهمة :- التفكير في الحركة بدأ من أواخر آب 1958 (أي قبل تفجيرها بستة اشهر) وان التخطيط لها كان واسع النطاق جداً يشمل قادة الجيش والأحزاب القومية ورئيس مجلس السيادة والتركمان في كركوك والعشائر الكردية وخاصة عشائر شمر ، وان الشواف لم ينضم للحركة الا قبل أسبوع واحد من قيامها ، وان دور العربية المتحدة في إثارتها والمساهمة في تنفيذها كان بارزاً ، وان أنصار السلام لم يشتركوا في المعركة إلا بعد (لا قبل ) احتدامها في الأيام القلائل اللاحقة لاندلاعها . ان الدرة خبير في هذه الحركة لانه واضع بيانها الأول كما يؤكد ( ولا ينبئك مثل خبير ) . هذا وبالمناسبة فان اكثر المعلقين السياسيين الأجانب كانوا قد كشفوا عن بعض هذه الحقائق منذ مدة طويلة ، نشير مثلا الى مؤلف موريس هراري ( الحكومات والسياسة في الشرق الأوسط /1962 ) حيث جاء فيه أن القوى الرئيسية التي قامت بحركة الموصل هي(شيوخ العشائر،تجار الموصل الأغنياء،وبعض ضباط الجيش العاطفيين على عبد الناصر – ص 102/103 من النص الإنكليزي).
* * * *
من المقولات السياسية التي ما يزال يرددها أغلبية القوميين ، هي إن ثورة تموز فجرتها القوى القومية وحدها او الكتلة القومية في الجيش ، وان القوى الديمقراطية التي لم تستسغ الوحدة الثورية بعد تموز لمحتواها اللاديمقراطي ، هي التي انقلبت على الثورة وخططت منذ البدايـة لسرقتها وانتزاع السلطة . ولكن السيد فؤاد الركابي يفند كلا المقولتين ، في كتابه عن ( القومية ، حركتها ومحتواها /1963). وهذه هي بعض الأفكار الرئيسية التي يهمنا التأكيد عليها في هذا الصدد : - يرى إن ( الجبهة الوطنية ) هي التي تمثل ( القوى الرئيسية ) لثورة تموز ، أما (القوى العسكرية الوطنية ) فهي ( قوى ثانوية ). كذلك يعترف صراحة بان معركة المرحلة الجديدة بعد نجاح ثورة تموز في إسقاط النظام الملكي هي ( معركة تحقيق الوحدة مع العربية المتحدة ) ، ولما كان من الواضح عدم استعداد الحكم في العراق للوحدة الفورية ، أصبحت استراتيجية المرحلة الجديدة إسقاط هذا الحكم . يعترف صراحة بان مخطط الوحدويين كان (السباحة مع التيار ) الثورة ، والخضوع ( لظروف زخم الثورة ، ثم محاولة تعويض هذا التيار رويداً رويداً ويوما بعد يوم ) وذلك لكسب الجماهير ، ثم بعد ذلك ( خوض المعركة مع الحكم ) لإسقاطه والحاق العراق بالعربية المتحدة . يعتبر القوى المعادية للثورة العربية أربع :
قوى الاستعمار العالمي ، قوى الصهيونية العالميـة ، قوى الرجعية العربية ، واخيراً قوى الشيوعية ( كعقيدة وحركة) ، ويقصد بها ليس الأحزاب الشيوعية العربية فقط بل ( العناصر والقوى المؤيدة لها) أما السبب في اعتبار الشيوعية قوة معادية للثورة فهو التزامها ( بالإيديولوجيـة الماركسية اللينينية) وهي إيديولوجيـة مستمدة في نظره ( من واقع غير الواقع العربي) ، ومعادية ( عداء حقيقيا لاهداف الأمة العربية) . هذا مع العلم بان الكتاب من ألفه إلى يائه محاولة ساذجة لاستخدام الماركسية لفلسفة الاحتكار السياسي والتبعية للناصرية .
* * * *
اغلب القوميين يرون إن جوهر الانحراف القاسمي هو ( الشعوبية ) أي معاداة القومية العربية . ولكن السيد محمد جميل بيهم رئيس المجمع العلمي اللبناني يؤكد على طابع (التبعية) في الحكم القاسمي ، او حسب تعبيره (الارتماء في أحضان موسكو ) . والسبب في هذا اللقاء بين قاسم وموسكو هو سحق العروبيين ، وان دليله على هذه التبعية هو الوفود المتبادلة بين البلدين وتزويد العراق بالسلاح والمساعدات الاقتصاديـة ( لتوهمها بان هذا القطر وقع في قبضتها ) . أما مصادره الموثوقة عن هذه التقديرات والأحكام فهي وزارة الخارجية البريطانية من جهة واقوال هاشم جواد بعد انقلاب شباط 1963. أما الاتفاقيات المكبلة للعراق في زعمه فهي الاتفاق الثقافي والاتفاقيات التجارية وعلى الأخص طبعاً اتفاق التعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفييتي ، الذي أفسح المجال لاستخدام 200 أخصائي سوفيتي للعراق أو بكلمـة أخرى (200 عين من عيون موسكو ) . إن ما يثير المؤلف الأكاديمي المحترم هو( إن صادرات العراق للاتحاد السوفييتي تزايدت يوما بعد يوم حتى ان منظمات التجارة الخارجية السوفييتية اشترت 15% من صادرات العراق من التمور و20% من الصوف و70% من الجلد الخام ). ومعنى ذلك إن العراق الجمهوري ( تحول إلى موسكو من الناحية السياسية أيضا بعد أن كان العراق الملكي يضع كل اعتماده على لندن). أما دليله على هذه التبعية السياسية فهو ( إن أربعة من ممثلي الكتلة الشرقية دعوا للكلام في حفلة الاحتفال بوفاة الكندي بينما لم يكن الخطباء إلا واحد من الكتلة الغربية ). ولله في خلقه شؤون.
* * * *
السيد ياسين خليل يطرح نفسه (كمنظر) للحكم العسكري القائم في العراق ، وهذه بعض آرائه التي يتناسب بمستواها مع مستوى الحكم المذكور (الأيديولوجية العربية 1966). إن هدف ثورة تموز – حسب زعمه – هو (انضمام العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة) ، وعليه فأن جوهر الانحراف في الثورة هو الامتناع عن ذلك . يدعي إن مخطط الحزب الشيوعي العراقي كان يستهدف (إقامة جمهورية شعبية شيوعية في العراق تكون نقطة انطلاق لاتحاد او وحدة البلدان العربية تحت ستار الشيوعية الدولية )، غير مدرك انه هنا يناقض نفسه فيما سبق ، إذ لو صح وهمه المذكور ، كان معناه إن الحزب الشيوعي لم يكن ضد ( الوحدة) بل ضد شكل ومضمون محددين للوحدة المطروحة . يدعي أن الدعوة ( للاتحاد الفيدرالي )(ماهي ألا نتيجة حتمية منتظرة لنظرة الشعوبية للأقطار العربية على أساس إنها كيانات مختلفة لا يمكن أن تتوحد في دولة واحدة )، والظاهر إن الأستاذ الجامعي يتوهم ان الاتحاد الفيدرالي لا يكون دولة واحدة . ينقد الرأي الذي (ينظر للمجتمع العربي على أساس طبقي تتصارع فيه الطبقات ) وعدم النظر ( إلى الأمة برباطها القومي )، متوهما وجود تناقض بين الإطار القومي والتركيب الطبقي للامة. واخيرا فهو يؤكد بان طرح شعار ( الأحزاب المتعددة ) يستهدف ( إثارة التناقضات الطبقية) ، متجاهلا بان التناقض هو محرك التطور ، وان تعدد الأحزاب يقتضيه بالضبط وجود التناقضات الاجتماعية .
* * * *
في ذروة الازمة النفطية التي أثارتها شركة نفط العراق في خريف 1966 ضد سوريا والعراق كجزء من مخطط استعماري مكشوف لقلب الأوضاع نهائيا في المنطقة العربية لصالح الثورة المضادة ، قام السيد محمود الدرة ( مع بعض الساسة الآخرين) بنشاط بارز ، سجل أحداثه الرئيسية فيما بعد في كتيب بعنوان ( آراء في مشاكل عراقية /1967)، نلخص فيما يلي بعض آرائه لدلالتها البالغة : يزعم السيد الدرة إن النفط هو(المورد الأساسي الوحيد الذي تبقى له بعد أن وجهت إلى اقتصاده القومي وصناعته النامية الضربة تلو الضربة ). يعترف بان شركات النفط تريد الضغط على العراق لاعادة بعض حقول النفط المنتزعة بموجب قانون رقم 80 ، ولكنه يؤكد على جانب آخر يسميه الجانب السياسي وهو ( إن ثمة صراعا دوليا لمحاولة السيطرة على العراق ). يزعم إن سوريا هي التي تسببت في وقف ضخ النفط العراقي ( لمنعها الشركات من شحن البواخر) من بانياس ، دون الإشارة إلى السبب الحقيقي وهو امتناع الشركات عن تنفيذ التشريـع السوري الجديد . يطلق على الوطنيـين الذين أيدوا الموقـف السوري ( الغوغائيين والوصوليين)، وعلى الذين أيدوا موقف الشركات ( الأحرار العراقيين). يتهم الحكومة باتخاذ موقف يتسم (بالتخاذل والخوف) ، ليس أمام الشركات طبعا، بل أمام الحكومة السورية . يتهم سوريا ( بالإضرار بمصالح العراق الحيوية ) وبتدبير (مؤامرة تريد السوء بالوطن والشعب ) ( وبالمساس بالسيادة الوطنية ). يكرر اعتقاده بوجود (مخطط دولي للقضاء على الكيان العراقي ) بوقف نفطه . يزعم انه من غير الممكن عمليا ( وضع سياسة نفطية موحدة) في المستقبل القريب ، وان ( الغرب يستطيع أن يستغني عن نفط العراق بدون مصاعب تذكر) وان ( الشيوعية الدولية) ترغب بقيام العرب بما يؤدي إلى إيقاف الإنتاج ليتسنى ( لكلا المعسكرين الوصول إلى أهدافهما السياسية في العراق )، وان فكرة بيع النفط إلى دول المعسكر الشرقي إنما هو ( تضليل من خبثاء على مغفلين). يتنصل من مسؤولية دعوته إلى ( التأميم ) وينكر هذه (التهمة) بتاتا .
وفي مقال كتبه السيد الدرة في صحيفة( المنار /18/2/1967) بعنوان ( لماذا نفط العراق ؟) سجل الآراء التالية: إن دعوة التأميم معناها التدليل بنفط العراق من قبل ماخوس والطريقي والاشتراكيين العرب و (خلفاء حبال السحل الحمراء) . يكرر كون (العراق هو الهدف الخطير الذي يتوخاه كلا الاستعمارين الشرقي والغربي). أما الهدف من ذلك فهو ( إفقار العراق بالقضاء على موارده خطوة بعد خطوة ومرحلـة بعد مرحلـة ) . يهاجم الإصلاح الزراعي ( وبعد سنة واحدة فقط من قيام الثورة صرنا نستورد … الخ )، وفكرة التأميم ( النفط هو الهدف الأخير الذي تركزت حوله جهود أعداء الشعب العراقي لكي يلحقوه بركبهم ، ولهذا السبب أعلنوا إن نفط العراق للعرب) . يزعم إن (المنطقة المطرية في شمال العراق هي وحدها التي خففت من تدمير جهاز البلاد الزراعي لان قانون الإصلاح الزراعي لم يدخلها بعد ) . يهاجم الدول الاشتراكيـة زاعما مثلا إن الصين ( باعت غطاءها الذهبي كله لتشتري لقمة عيشها ) . لم يتردد في نشر النص الكامل لبيان شركات النفط في كتيبه دعما لوجهة نظره . واخيرا يهيئ الجو لبداية معركة رجعية أخرى ضد مشروع سد الفرات السوري ، وقد بدأتها الرجعية العراقية والعربية فعلا ، كما يعلم الجميع .
* * * *
المحامي عبد الرزاق شبيب يتصدى اليوم لقيادة إحدى الكتل السياسية الاشتراكية في العراق ، فلا بد من الإشارة الى بعض مفاهيمه القيمة في هذا الموضوع الخطير ( الاشتراكية العربية /1963) : يهاجم الكاتب النظامين الرأسمالي والشيوعي معا باعتبارهما عدوين للامة العربية على صعيد واحد ، ثم ينتهي إلى هذا المفهوم للاشتراكية العربية التي يدعو أليها ( اشتراكية تقدمية عادلة ذات وجه عربي وضاح الملامح والقسمات ، تنبع من ضمير الشعب العربي ، غير مقتبسة من غرب ولا مستوردة من شرق ، نبتت مبادئها في رحاب الجزيرة العربية قبل الإسلام ثم تناولها الإسلام بالصقل والرعاية والتنفيذ ، هي حرة في تفكيرها واتجاهها وهدفها ، فهي من العرب والى العرب ) . إلا أن تفاصيل الكتاب نفسه يكذب زعم المؤلف بأنها غير مقتبسة من الغرب ، فهي في الحقيقة مسخ كاريكاتوري لبعض خطوط الاشتراكية الديمقراطية الغربية وخاصة الاتجاه الفابي ، من دون هضم واستيعاب . وأننا لنكتفي بهذه الفكرة ( الخلاقة) للكاتب ، حيث يرى إن الاشتراكية – كنظام اجتماعي واقتصادي – قد مرت في ثماني مراحل تاريخية وهي ( مرحلـة الرق ، مرحلة الإقطاع ، مرحلة الدولـة ، مرحلة الرأسمالية الحرة ، مرحلة الاشتراكيـة الإسلاميـة ، مرحلة الشركات الاحتكارية ، مرحلة الشيوعية ، مرحلة الاشتراكية الحديثة ) ، وهو يدعو طبعا للاشتراكية في آخر مراحلها واصفا إياها بأنها ( الاشتراكية الإسلامية المتطورة ).
إن موقفنا من الفكر القومي الجديد ، وهو يمثل من حيث الأساس فكر البرجوازية الصغيرة بمراتبها المختلفة ، موقف مختلف طبعا عن موقفنا من الفكر الرجعي بشكليه القديم والجديد . إننا إذ ندين الفكر الأخير ونعتبره في الطرف الآخر ( الإمبريالي ) من الصراع الاجتماعي ، ندرك الطبيعة الرجراجة المتناقضة ، الانتخابية ، البراغماتية ، الانتهازية ، التقدمية نسبيا ، للفكر القومي على العموم . إن المرحلة الحالية في البلاد العربية المتقدمة على الخصوص، تشهد انفجارا مدويا في عناصر الفكر القومي بسبب تقدم الثورة العربية إلى أمام ، وتضافر العوامل الموضوعية والذاتية لوضع حد للدور القيادي لقيادات البرجوازية الصغيرة رغم إصرارها على الاحتكار السياسي والقيادة الانفرادية . وهذا هو السبب الحقيقي لما يسمى ب (ازمة الثورة العربية ) وما هو في الحقيقة إلا ازمة ( القيادة البرجوازية الصغيرة ).
إننا في هذه المقدمة الموجزة لن نستعرض المنطلقات النظرية الخاطئة ، والتخريجات (الماركسية) المتعددة لهذا الفكر، كما إننا لن نشير إلى جوانبه الإيجابية المتعددة وخاصة الجوانب النقدية للفكر القومي التقليدي ( فتلك ستكون بعض موضوعات دراستنا المقبلة) ، ولكننا نكتفي باستعراض لبعض الأخطاء في تقييم ثورة تموز ، مما يتنافى في نظرنا حتى مع التحليلات النظرية لبعض الفئات القومية المتقدمة نفسها من الفكر القومي ، وتلتقي –للأسف- مع تقديرات الفكر الرجعي والوسطي المشبوه .
* * * *
في كتاب السيد ياسين الحافظ ( حول بعض قضايا الثورة القومية /1965)-وهو يضم دراسات على مستوى مختلف جدا من الجدية والعلم ولا يخلوا من بعض التناقضات الواضحة – بعض التحليلات النافعة ، ولكنه بسبب بعض مسلماته النظرية الخاطئة ، ينتهي إلى تقديرات ، هذه بعض الأمثلة عليها : ثورة تموز هي ( صدى مباشر وغير مباشر ) لولادة الجمهورية العربية المتحدة . نزول القوات الاستعمارية في لبنان والأردن كان (لمنع انضمام العراق للعربية المتحـدة ) على افتراض مزعوم هو ( وضوح إمكانية الانضمام ) عند نزول القوات المذكورة . يعترف بان ( اقتتال القوى التقدميـة المعاديـة للاستعمار ) هو الذي ( هيأ موضوعيا سبيل النجاح لمخططات الإمبرياليـة ) وان ( المسؤولية مشتركة يتحملها الطرفان) ولكنه لم يحدد مسؤولية القوميين . سبب جلاء القوات من لبنان والأردن ( في قمة المرحلة الكاستروية ) هو اطمئنان الاستعمار لعدم تأييد السوفييت لسلطة شيوعية في منطقة بترولية حاسمة ، مما يؤكد في نظره أن الغاية من نزول القوات كانت منع الوحدة ، بينما الصحيح والواضح إن خطر الثورة زال بزوال وحدة القوى الثورية ، مما يدل – عكس ما يقول المؤلف –على إن الخطر هو التحول الثوري وليس الوحدة الفورية . يرى إن انحرافات الحزب الشيوعي العراقي مزدوجة : ( يمينية) من جهة – دفاعه عن مصالح البرجوازية العراقية- و(إقليمية) من جهة أخرى- تنكره لعروبة العراق- بتدليل كلامه ( عن الطابع المتعدد القوميات للجمهورية العراقية). حجر الزاوية في استراتيجية الاستعمار ضد الثورة العربية هو (منع الوحدة ) ، في حين أن نفس تحليله يقضي إلى اعتبار ( الرجعية) هي حجر الزاوية، وليس التجزئة ( يخلط الكاتب هنا بين الإطار والقوى الاجتماعية ). وبالمناسبة ، ففيما يتعلق بموقف الاستعمار العامة ، والأمريكي خاصة ، من الحكم القاسمي والحكم الناصري ، يتضح من تحليلات السيد هيكل الأسبوعيـة ( الصحف العراقيـة الصادرة بتاريخ 28/4/1967) - وهو الخبير الناصري المطلع على بواطن الأمور – إن الخطر الأكبر في نظر الاستعمار المذكور لم يكن الخطر الناصري ، بل على العكس، خطر التحول الثوري الجذري في العراق . كذلك نجد أن المسلمات النظرية الخاطئة التي ينطلق منها السيد الياس مرقص في كتبه النظرية ، تنتهي به الى نتائج عملية بالغة الخطر على مستقبل الثورة العربية ، يلتقي فيها من حيث النتيجـة بآراء اليمين الرجعي في مسخ تاريخ العراق بعد تموز. وهذه بعض النماذج من هذه الآراء : ( تاريخ الأحزاب الشيوعيـة في الوطن العربي /1964 ). من منطلقات نظرية خاطئة لا تهمنا الآن ينتهي الكاتب إلى الأحكام التاليـة : تداعي الأحزاب الشيوعيـة في الوطن العربي قانون تاريخي ، وذلك لتبرير ( تصفيـة) هذه الأحزاب ، أي إلغاء الديمقراطية واقامة الدكتاتورية الفردية واتهام المعارضة بالخروج على الثورة أي الخيانـة – وكل ذلك باسم (الماركسية الحيـة) . هدف الحزب الشيوعي العراقي بعد ثورة تموز هو (( الوثوب للحكم)) . اتهام جميع الأحزاب التي تعترف بتعدد القوميات في العراق بمعاداة العروبة . التركيز على (شعوبية) قاسم كجوهر للانحراف . يفهم استراتيجية (الجبهة الوطنيـة) باليمينية والمنشفية، خالطا بين ( قوى الجبهة ) و ( قيادتها) . يفلسف (الاحتكار السياسي ) والدكتاتوريـة الطبقيـة ، بحجة ( وحدة المركز القيادي للثورة ). يهمل كفاح الشعب العراقي في تفجير ثورة تموز وينسبها الى العوامل الخارجية للثورة ، كالمد العربي والجيش. يمسخ شعار ( الاتحاد الفدرالي ) الذي أجمعت عليه القوى الديمقراطيـة ، ويعتبره معاديا للوحدة . ينسب ( الصراع والتمزق) بعد تموز الى الشيوعيين وحدهم ، متجاهلا ابسط حقائق التاريخ المعاش. يشوه بفضاعة دور الحكم القاسمي وينسب أليه عملية ( فصل سوريا عن مصر ) ويضعه بجانب الاستعمار ضد القومية العربية .
* * * *
في الندوة التي عقدها وفد ( الاتحاد الاشتراكي العربي )في العراق – الذي لم تتح له فرصة الحياة - ، وقد ضم في حينه أقطاب ما يعرف اليوم بمنظمة ( الحركة الاشتراكية العربية) في العراق ، أبدى أعضاء الوفد آراء في تقييم أحداث ما بعد ثورة تموز ، لا تكاد تختلف عن الخطوط العامة للفكر الرجعي اليميني في أسوأ أشكاله ، وهذه نماذج منها نذكرها دون ذكر الأسماء : غالبية الشعب العراقي تكره الحزبية كراهية شديدة ، جميع الأحزاب في العراق كان لها ارتباطات مع الاستعمار او الإقطاع او الرأسماليين ، الشيوعيون كانوا وطنيين حتى عام 1959 والبعثيون حتى عام 1962 ، موقف القوميات غير العربية في العراق يميل إلى تجريد العراق من عروبته ، الحزب الشيوعي العراقي يحاول هدم التأميم ، أجريت التاميمات في العراق قبل الوحدة حتى لا تتحمل تجربة الوحدة أخطاء التأميم المحتملة ،الاستعمار على استعداد لتسليم الحكم لأشخاص اشتراكيين بشرط أن لا يكونوا وحدويين ، نحن في العراق نهتم بالقضايا العربيـة قبل اهتمامنا بالقضايا العراقيـة ، الثورات الاجتماعيـة في التاريخ الإسلامي ( الزنج ، القرامطة … الخ ) تتنافى مع مبادئ الإسلام ، نحن نخشى الأخذ بالمفاهيم الحديثة للقومية وفي أصولنا القديمة ما يغني عن ذلك ، اسما كردستان وعراق العجم لم يظهرا إلا أخيرا ، لم تنشأ أية ثورة في الشمال بسبب قومي ، اتهام الحركة القومية الكردية بأنها من صنع الاستعمار او الروس او إيران وتركيا او الإقطاع او الرجعية او شركات البترول ، قضية الأكراد لا تحلها سوى الوحدة العربية ، لا يمكن إعطاء الأكراد اكثر من الحقوق الثقافية والاعمارية، الحكم اللا مركزي لا يحل المشكلة بل على العكس يفتح الباب لمطالب اكبر …الخ . ليت شعري ما هي الرابطة بين هذه الآراء وبين الاشتراكية او الوحدة العربية التقدمية ؟
وضع السيد هاشم علي محسن كراسا عن (تطور الحركة النقابية في العراق – الجزء الثاني/ 966) وبالرغم من ان هذا الكراس نموذج صارخ ( للانتخابية) ، لانه يضم أربعة اتجاهات وخطوط متناقضة :
الأول هو الخط ( الماركسي الجديد او العربي) كما يسمونه ، نقلا عن ياسين الحافظ حرفيا . والثاني هو الخط الناصري الذي يمثل أفكار البرجوازية الصغيرة او بعض فئاتها . والخط الثالث هو ( الجبهوي التقدمي) الذي عبرت عنه مذكرة السادة مصطفى علي وزملائه والمشار أليها لاحقا ( راجع نصها في مجلة دراسات عربية أكتوبر 966). واخيرا الخط اليميني الرجعي المناهض للثورة تماما ( خاصة في تحليله لطبيعة تموز واسباب انحرافها) والذي عبر عنه بفجاجة كراس خلدون الحصري المشار أليه سابقا وكتابات أمثال تحسين السوز (32) . أقول بالرغم من انتخابية الكتاب فانه ينتهي عمليا إلى إهمال الديمقراطية وتبرير الاحتكار السياسي والدعوة لتصفية الأحزاب الشيوعية خاصة .ومن ابرز أخطائه التقييمية لأحداث تموز ما يلي : يعتبر ثورة تموز ثورة ( قومية) بمعنى أنها ( استهدفت الالتحاق بالعربية المتحدة). الانحراف القاسمي انحراف ( شعوبي) أي معاد للعروبة . الحزب الشيوعي العراقي يتحمل (القسط الأكبر) من مسؤولية الانحراف ، وبذلك يكون قد خرج على مبادئ الجبهة الوطنية . الحزب الشيوعي كان واجهة وأداة بيد (الإمبريالية العالمية ) ضد القومية العربية ، وانه تابع يدور في فلك ( البرجوازية الإقليمية ) العراقية ، مخططة الانحراف القاسمي . شعار الاتحاد الفدرالي رفع للتضليل ومنع ( الاندماج ) بالعربيـة المتحدة . الحكم القاسمي هو حلف ثلاثي شعوبي ( لقاسم والشيوعيـين والحزب الوطني الديمقراطي ) . قانون الإصلاح الزراعي شرع لضرب (القوميين الوحدويين ) وليس الإقطاع ، وانه فشل بسبب جر الفلاحين لشعارات الشيوعيين(32) …الخ .
* * * *
كتيب السيد جميل كاظم المناف دراسة طويلة عن (قضايا المجتمع والثورة في العراق – الطليعة/ العدد السادس/ 966)، ونحن نستشهد بها كمثال للخلط الفكري وعدم استيعاب المبادئ الأولية للبحث العلمي. فبعد خلط غريب في أوليات المادية التاريخية وفي أوليات التاريخ الأوربي الحديث ( نشوء القومية الأوربية ، الحروب الصليبية ، الفكر الأوربي …الخ ) ، واضطراب في فهم ظروف نشأة الشعور القومي في البلدان العربية وفي فهم ابسط الحقائق عن تاريخ العراق والعرب ( الحكم المركزي ، الإقطاع الكبير ، أيديولوجية الطبقات الاجتماعية …الخ ) وابسط المفاهيم السياسية والاقتصادية ( إمبريالية ، كولونيالية..) ينتقل لتحليل ( ملامح المجتمع في العراق منذ الاستقلال الصوري حتى عام 1958)، وهنا يقع في تناقضات واحكام غريبة يظهر انه لم يفهم دلالتها بالمرة . فتارة يفهم منه بان النضال الوطني في العراق في هذه المرحلة كانت تقوده البرجوازية الصغيرة ، وأخرى يفهم منه إن القيادة كانت بيد الطبقة الوسطى ، وثالثة يفهم منه إن القيادة كانت بيد الضباط الوطنيين الملتفين حول الملك غازي والذين كانوا يمثلون ( الوجه القومي للعراق ) . وهنا وهناك ، وبين ركام هائل من الغموض والاضطراب والتناقض ، نجد آراء لا يكاد يصدقها العقل . مثلا إن معاهدة 930 هي التي أعطت حقوق استثمار البترول للإنكليز ، وان التناقضات داخل التحالف الإقطاعي الاستعماري هي التي أتاحت المجال لتسلل العناصر ( شبه البرجوازية ) داخل الأجهزة الحكومية ونمو الحركات المعادية المنحدرة من بقايا القوى التي تحالفت مع الشريف حسين . وان الكادر العسكري تحول بعد 1941 من البرجوازية الصغيرة إلى ( النبلاء والأرستقراطية) مما أدى إلى انحراف الجيش عن الأهداف الشعبية ، وانه بينما كان ( القوميون) يصارعون الإنكليز كان ( أبناء البرجوازية المتوسطة يتعاونون مع الإقطاع) و( البرجوازيون الصغار يتبادلون الولائم مع السفير البريطاني) ، وان حرب فلسطين كانت ( الحد الفاصل في تصدر البرجوازية الصغيرة للقيادات الحزبية والكفاح الوطني والقومي) ، وان فترة 1948-1958 شهدت اندحار (القيادات الليبرالية )، وان ( فترة حكم نور الدين محمود – الأيوبي- الجمالي هي نقطة التحول الحاسمة في عملية الانتقال مع الإقطاع إلى الرأسمالية النامية) (33) ، وان هذه الفترة اتفقت مع التوسع الشامل والنشيط للرأسمالية العالمية وبداية تحولها إلى الاحتكار الواسع الشامل … وهكذا.. أما عن الفترة الحالية التي تبدأ من ثورة تموز 1958 ، والتي يضع لها الكاتب عنوان ( مع الكفاح الوطني إلى الكفاح الاجتماعي )، فأن تحليله لها حافل بنفس الأحكام المبتسرة والتناقضات العجيبة : نجد هنا مثلا بان الجيش أصبحت تقوده الطبقة الوسطى ، وان الحركات والمنظمات السياسية كشفت عن خيانة البرجوازية الوطنية واستسلامها للحكومة ، وان بريطانيا كانت تفضل (الوحدة العربية الكاملة) بعد 941 لخلق دولة كبرى تحت الحماية البريطانية … الخ . وبعد الإشارة إلى (جبهة الاتحاد الوطني ) وتمزقها مع ثورة تموز ( حيث أخذت بعض الأحزاب طابعا إقليميا وأخرى طابعا قوميا) ، ونقد سريع للحزب الشيوعي والبعثي (34) ، ينتهي إلى مفهوم ( وحدة الثورة العربية ) دون مس المشاكل الأساسية لهذه الثورة (طبيعتها ، مراحلها ، استراتيجيتها ، قيادتها ، قواها ، القوى المضادة لها ، تناقضاتها.. الخ) ولكن كل هذه السلبيات في الدراسة لا يجوز أن تغطي العنصر الإيجابي البارز فيها ، وهو إدراك ضرورة ( وحدة اليسار العربي) وعدم استثناء أية قوى ثورية منه ( بما في ذلك الشيوعيين) ، وهو عنصر متقدم على أي حال بالنسبة للكثير من المنتسبين لما يسمونه ( بالمعسكر القومي).
* * * *
لقد قلنا بأننا نثمن الجانب النقدي من كتابات القوميين اليساريين ، وخاصة الفئات التي تقترب في مواقعها من مواقع الاشتراكية العلمية . أنى أود أن أشيد على سبيل المثال بالآراء التالية الواردة في كراس ( ازمة الثورة العربية /1966) (35) : وحدة 1958 لم تكن شعبية او ديمقراطية ، شعار الوحدة الفورية (36)يعبرعن إصرار البرجوازية (والبرجوازيـة الصغـيرة) على تثبيت مواقعها السياسيـة والاجتماعيـة ،(الاتحاد القومي) كان ذا مضمون رجعي ، المفهوم الناصري بالتنظيم السياسي مفهوم تبريري لدعم السلطة وتكريس التبعية لها ، المفهوم الناصري للوحدة ( مفهوم سكوني مصبوب في قالب واحد نموذجه القاهرة )، الوحدة الصحيحة لا يمكن أن تولد إلا على يد الجماهير وخاصة الطبقة العاملة ، إدانة الماركسيـة لا تخدم قضية الوحدة ، الأسلوب التآمري للوحدة اصبح مسدودا ، مؤتمرات القمة تكريس لتراجع الثورة العربيـة ، ( الاتحاد الاشتراكي) المصري ليس حزبا او حركة طليعية ، تتميز الناصرية باستمرار سيطرة اليمين والوسط للبرجوازية الصغيرة ، ازمة الثورة العربية في المشرق هي أساسا ازمة الناصرية ، وحدة الثورة العربية لا تعني وحدة المركز الثوري او القطري- المنطلق الوحيد للثورة ، شعار لقاء الثورات يقتضي وحدة القوى القطرية وإلا تحول إلى احتكار سياسي ، الاشتراكية تقتضي المشاركة السياسية للجماهير وهي تعني تبديلا في البنى التحتية والفوقية جميعا ، لابد من قيادة الطبقة العاملة في المرحلة الجديدة للثورة العربية لتجاوز الازمة التي هي أساسا ازمة القيادات البرجوازية الصغيرة ، ربط الثورة العربية بأبعادها الدولية شرط أولي لرسم إستراتيجية علمية ، أهمية ثورتي أكتوبر والصين ، تقييم صحيح لانقلابي رمضان وتشرين .. الخ .
ولكن مع ذلك ، لم يخل هذا الكراس من الوقوع في تناقض واضح مع منطلقاته النظرية وتحليلاته الصحيحة ، بتبني أمثال الآراء الخاطئة التاليـة : البرجوازيـة الصغيرة ما زالت مؤهلـة وقادرة على قيادة الثورة العربيـة في جانبها ( الوحدوي ) – لاسباب واضحـة البطلان خاصة في العراق – مع عجزها المعترف به عن قيادة الثورة في محتواها ( الاجتماعي الاشتراكي) ، الخلط في طبيعة الثورة العربيـة في مرحلتها الحالية ، والانتهاء إلى نتيجـة خياليـة هي ( ضرورة حرق المراحل ) ، والخلط بين قوى الثورة ومسألة القيادة في الموقف من البرجوازية الوطنية ، عدم اتخاذ موقف حاسم من أهم مسالة للثورة حاليا وهي مسألة (القيادة ) ، وترك قيادة الطبقة العاملة إلى مراحل لاحقة من تقدم الثورة .
* * * *
كذلك نجد نفس التناقض في دراسة السيد أياد سعيد ثابت ( حول ازمة الثورة الاشتراكية العربية – الكاتب ، يناير /1967)، حيث أدان أسلوب التبرير والدفاع والمهادنة الذي اتبعته الجمهورية العربية المتحدة أحيانا واتسام الثورة فيها بالانتهازية والانحراف بتأثير البيروقراطية أحيانا أخرى ، ولكنه انتهى – بشكل غير منطقي _ إلى الثقة والأيمان ( بالاتحاد الاشتراكي ) كحل لازمة البيروقراطية في مصر ، ثم توسيع التنظيم المذكور على نطاق الوطن العربي لتجاوز الازمة المصرية والعربية عامة .
كذلك نجد تناقضا ملحوظا بين الجانب النقدي الإيجابي من دراسة السيد وميض نظمي عن ( القومية وحركة الوحدة العربية – الكاتب ، آذار /1967) ، حيث يعلل انتكاسة وحدة 1958 بعجز الأحزاب القومية عن أدراك (طبقية الوحدة العربية وبنيتها الاجتماعية ) بحكم ( تكوينها البرجوازي الصغير وغموضها الفكري وترددها إزاء الاشتراكية العلمية ) وبين الاستنتاجات التبريرية الصرفة التي ينتهي أليها ، حيث ( يفترض) – دون دليل- على أن المؤسسات الناصرية تمثل فعلا ( تحالف الشعب العامل ) ، وتسلك ( سبيل الاشتراكية ) … الخ إلى أن يصل إلى الحل ( البلسمي) المعروف – ( الحركة العربية الواحدة ).
يظهر إن أغلبية الأخوان من القوميين الناصريين لم يستوعبوا بعد الدلالات العميقة لبعض الجوانب الإيجابية من الباب التاسع من الميثاق الناصري ، ولا التطورات الإيجابيـة اللاحقة في الفكر الناصري في هذا الصدد . يقول الميثاق ، على سبيل المثال إن الوحدة لا يمكن ، بل لا ينبغي أن تكون فرضا … وان القسر بأي وسيلة من الوسائل عمل مضاد للوحدة … وخطر على الوحدة الوطنية داخل كل شعب من الشعوب العربية … ومن ثم على وحدة الأمة العربية … ليست الوحدة العربية صورة دستورية واحدة لا مناص من تطبيقها ، لكن الوحدة العربية طريق طويل قد تتعدد عليه الأشكال والمراحل وصولا إلى الهدف الأخير … إن استعجال مراحل التطور نحو الوحدة يترك من خلفه – كما أثبتت التجارب – فجوات اقتصادية واجتماعية تستغلها العناصر المعادية للوحدة كي تطعنها من الخلف … إن الجمهورية العربية المتحدة لا بد لها أن تحرص على أن لا تصبح طرفا في المنازعات الحزبية المحلية في أي بلد عربي … الخ . وفي حديث الرئيس عبد الناصر إلى ممثلي مؤتمر المحامين العرب بتاريخ 8/3/1967 ، أكد على أهمية ( الظروف القطرية الخاصة ) لكل بلد عربي ، وعلى استحالـة ( الوحدة الاندماجية) ، وعلى أسلوب ( الجبهة) كمدخل لوحدة القوى الثورية ، وعلى أسبقية ( الوحدة القطرية ) على الوحدة القومية . ترى ألا تدعوا هذه النصوص والأفكار ( الجديدة ) إخواننا القوميين اليساريين إلى إعادة تقييم أحداث الماضي القريب وخاصة أحداث ما بعد تموز ؟
نكتفي بهذا القدر من نماذج الفكر القومي ، تاركين مناقشي المسألة تفصيلا – عبر عشرات النماذج الأخرى – إلى دراستنا القادمة .
* * * *
والآن بعد انتهائنا من استعراض التيارات الرئيسية في الفكر الرجعي السائد في العراق الآن وإدراكنا دوره الفعال وارتباطه العضوي وعكسه ، على السواء ، لمعركة الصراع الطبقي الكبرى القائمة على قدم وساق حول الموقف من الثورة الاجتماعية ، لابد من التأكيد على إن أي موقف سليم من هذه المعركة المصيرية التي يتوقف عليها مستقبل ثورة تموز ومستقبل الثورة العربية بوجه عام ، يتوقف على الموقف من ثلاثة قضايا عربية : الأولى تقييم الماضي القريب تقييما صحيحا باستيعاب كامل دروس الأحداث الكبرى منذ تموز حتى الآن ، والثانية تشخيص خصائص الوضع الاجتماعي والسياسي في المرحلة الراهنة ، والثالثة الإمساك بمفاتيح الحل للخروج من المأزق السياسي الحاضر ، ومتابعة مسيرة الثورة الى أمام . إن الدفاع الذي انشره اليوم يحاول تقييم العهد القاسمي بإيجابياته وسلبياته ، كما ان القضايا الأخرى سبق وان درست بشكل مركز في المذكرة التي قدمناها ( أنا وبعض الأخوان من ساسة العراق ) الى السيد رئيس الوزراء بتاريخ أيلول /1966 (37) . لقد لخصت المذكرة العبر الاساسية من أحداث تموز بالشكل التالي : ( لابد من تلخيص الحقائق الأساسية التي كشفت عنها جميع الأحداث التي أعقبت تموز حتى الآن . وهي حقائق تتفق في جملتها مع القوانين الاجتماعية التي أثبتت صحتها جميع التجارب الثورية الأخرى في العالم . ويشكل فهم هذه القوانين والحقائق واستيعابها والعمل بموجبها من قبل جميع القوى التقدمية ، نقطة البداية في السير في الطريق السليم لحل مشاكل ثورتنا وتحقيق أهدافها المعطلة حتى الآن .
1. الحقيقة الأولى هي ان المسألة الأساسية في الوضع العام في العراق ، أصبحت بعد نجاح ثورة تموز في دك النظام الملكي الاستعماري وإزالة قشرته السياسية ، هي المسألة الاجتماعية ، أي مسألة الثورة الاجتماعية التي نضجت مستلزماتها الموضوعية ، وتحولها الى محور الصراع الطبقي الاجتماعي ، وبالتالي ، السياسي ، بعد ان كان المحور المذكور قبل تموز يدور حول المسألة الوطنية . اما أهداف الثورة باختصار فهي : سلبيا ، القضاء على التبعية الاستعمارية والاستغلال الداخلي ، وإيجابيا ، خلق مجتمع انتقالي جديد يضع الأسس المادية وينضج الشروط الموضوعية والذاتية للانتقال الى المجتمع الاشتراكي .
2. الحقيقة الثانية هي ان موقف الطبقات المختلفة وقواها السياسية من الثورة ، هو وحده الذي يقرر طابعها التقدمي او الرجعي ، وان أي تصنيف آخر للقوى الاجتماعية والسياسية وفكرياتها المختلفة يتجاوز هذا الموقف الأساسي ويركز على جوانب سطحية او ثانوية من الصراع ، هو تصنيف مضر بالحركة الوطنية والتقدمية : مثلا تصنيف القوى السياسية الى قومية ولا قومية ، عسكرية ومدنية ، وحدوية وانفصالية ، او تقسيم الفكريات الى مادية وروحية ، نابعة من تربة الوطن او مستوردة … الخ .
3. الحقيقة الثالثة هي ان نضوج الظروف الموضوعية للثورة غير كاف لإنجازها ، فلا بد من توفر القوى الذاتية لذلك ، وما هذه القوى سوى الأحزاب والتنظيمات السياسية والمهنية والنقابية الممثلة للقوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في الثورة .
4. الحقيقة الرابعة هي انه لا يمكن لأية فئة تقدمية وحدها ان تنجز مهام الثورة لتعدد الطبقات الثورية، ولاشك ان هذه الحقيقة هي أهم الحقائق التي تمخضت عنها أحداث ما بعد تموز ، ولذلك فان الشرط الجوهري لانجاح الثورة ، هو اتحاد جميع القوى التقدمية لتخطيط وإنجاز التحولات الثورية بحيث ان استبعاد أية قوة سياسية تقدمية بأية حجة من الحجج ، إنما هو انحراف عن الخط الثوري السليم .
5. الحقيقة الخامسة هي انه لابد من رسم (منهاج مشترك ) تتفق عليه جميع القوى التقدمية ، يركز على نقاط الالتقاء الجوهري المشتركة ، ويستبعد النقاط التفصيلية الخلافية ، على ان يعلن للشعب ويلتزم به ممثلوها السياسيون في الحكم .
6. الحقيقة الأخيرة هي ان الصيغة السياسيـة الوحيدة المناسبة لهذا الوضع الاجتماعي ، هي صيغة (الديمقراطيـة الموجهـة ) القائمة على إطلاق الحريات الكاملـة ، وخاصة الحزبيـة للقوى التقدميـة والتعايش السلمي بينها ، وتأليف (جبهة اتحاد تقدمي ) تنبثق عنها ( حكومة اتحاد تقدمي ) لممارسة السلطة باسمها ، لإنجاز مهام الثورة .
……) أما تشخيص المرحلة الحالية ، فتلخص المذكرة سماتها الاساسية بالشكل التالي : ( يجتاز الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد احدى نقاط تحوله المهمة ، ويتميز بالسمات التالية :
1. استفحال التناقضات الاجتماعية واشتداد حدة الصراع الطبقي وزيادة الاستقطاب في مواقف القوى الاجتماعية والسياسية من الثورة ، وحصول تغييرات جوهرية في مواقف بعض القوى منها ، مما يتطلب تشخيصا جديدا لهذه القوى وتقييما جديدا لمواقفها . ان الطبقات الرئيسية المرتبطة بشكل حاسم بالثورة في هذه المرحلة هي الطبقات المنتجة ( الفلاحين والعمال والبرجوازية الصغيرة ). اما الإقطاع والبرجوازية المرتبطة اقتصاديا بالاستعمار فتقف في الصف المعادي للثورة .وتحتل القوى الوسطية (البرجوازية الوسطى وبعض الفئات من البرجوازية الصغيرة الواقعة تحت نفوذها ) مراكز قلقة رجراجة قابلة للتحول السريع المنسجم مع وجهة تطور التحول الاجتماعي.
2. استشراء قوى الرجعية واستيعابها لعناصر جديدة من البرجوازية والبرجوازية الصغيرة كانت حتى الأمس القريب محسوبة على الثورة ، ولكنها انحازت الآن الى الرجعية بعد ان برزت المسألة الاجتماعية الى سطح الأحداث ، واصبح التحول الثوري يهدد مصالحها الاقتصادية ومراكزها الاجتماعية ، وبهذا اشتد خطر الرجعية وتعددت أساليبها وشعاراتها : وزادت قدرتها التضليلية وآثارها السلبية ، وأصبحت تتمتع ببعض الشعبية لتبنيها بعض مطالب الشعب ، وتسخيرها لأهدافها الخاصة ( مثلا : الازدهار الاقتصادي ، العودة الى الأوضاع الطبيعية ، إزالة العسكريين من الحكم ، الديمقراطية البرلمانية ، سيادة القانون .. الخ ) ، كما ان زحفها الى أعلى مراكز المسؤولية في جميع أجهزة الدولة سار خطوات خطرة حتى الآن.
3. زيادة التمزق في الصف التقدمي نتيجة الأهداف الدامية التي أعقبت 14 رمضان ، ونتيجة لسياسة الاحتكار السياسي التي أصبحت السياسة الرسمية العادية للدولة وفلسفتها مذهبيا وتغطيتها بشعارات تقدمية وشكلية .
4. طغيان السياسات الانحرافية نتيجة لغياب الديمقراطية ، وشيوع التكتلات على أساس طائفي او عنصري او إقليمي ، مما أدى الى استفحال التمييز السياسي والطائفي والديني والقومي بين المواطنين في جميع الميادين . كما ان الانقلابات العسكرية أصبحت الأسلوب المفضل،بل الوحيد تقريبا ، لتغيير الحكومات .
5. تفاقم الوضع الاقتصادي والمعاشي ، واستشراء البطالة بنتيجة تردي الوضع السياسي وحرب الأشقاء في الشمال ، وعدم توفير الشروط الأولية لنجاح سياسة التخطيط والتأميم ، وموقف البرجوازية المعادي من كل ما يتصل بسياسة تموز ، مما كان ولا يزال يهيئ تربة خصبة جدا لعبور المؤامرات الاستعمارية والرجعية .
6. تعقد المسألة الكردية بنتيجة الإصرار على تجاهل طبيعتها القومية السياسية ، والوهم بإمكان حلها بالقوة المجردة ، وتجاهل صلتها العضوية بالمسألة الديمقراطية العامة .
7. استفحال المؤامرات الاستعمارية في المنطقة العربية والشرق الأوسط وتنسيق النشاطات المضادة للثورة للرجعيات العربية ، لتنفيذ مخططات الاستعمار والصهيونية في المنطقة .
….) وانتهت المذكرة من هذا التقييم للماضي ، والتحليل للحاضر ، الى طرح الحلول التالية للمستقبل :(ان أي حل جدي للمشكلة الاجتماعية وانعكاساتها السياسية ، يجب ان يتضمن ، في نظرنا النقاط والخطوات الأربع التالية :
1. المبادرة بطرح ( منهاج مشترك ) يكون مقياسا لتقييم القوى السياسية المختلفة وتحديد طابعها التقدمي او الرجعي .
2. تأليف جبهة اتحاد تقدمي من القوى السياسية التي تلتزم بالمنهاج ، كحد أدنى مرحلي للتحول الاجتماعي .
3. تأليف (حكومة مؤقتة ) لانجاز المهام الاولية الممهدة للانتقال الى الوضع الدستوري الطبيعي .
4. ( حكومة اتحاد تقدمي ) تنبثق عن الجبهة للاضطلاع بمهام التحول الثوري .
…)وبعد تلخيص المذكرة ل (المنهاج المشترك) وطرحه على القوى السياسية التقدمية للدراسة ، اعتبرت ( الحلقة المركزية) في السلسلة كلها ، هي مسألة نظام الحكم ، أي المسألة الديمقراطية . ( إن ما يجب تركيز الأنظار عليه هو إن المدخل الوحيد لحل جميع مشاكل البلاد كان وما يزال مسألة نظام الحكم ، أي مسالة الديمقراطية ، وبدون حلها على النحو الصحيح لا يمكن الخروج من دوامة الانقلابات ، وكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الحياة السياسية على نفسها منذ تموز حتى الآن . إن صيغة ( جبهة الاتحاد التقدمي ) بالأسلوب الذي اقترحناه هي أنسب صيغة ملائمة لوضعنا السياسي الراهن . ولكن في حالة عدم قبول فكرة الجبهة وإصرار الفئات الأخرى على أي من صيغ الاحتكار السياسي ، لابد من الرجوع إلى رأي الشعب ضمن إطار الديمقراطية الموجهة ، بعد إزالة الأوضاع الاستثنائيـة على الفور بإطلاق الحريات الحزبيـة واعلان الدستور الدائم وأجراء الانتخابات العامـة ، ليقرر الشعب ، صاحب السيادة ، بإرادته الحرة ، ماهية القوى التقدمية الجديرة بتحقيق أمانيه وآماله . أننا واثقون إن جماهير الشعب تزداد إدراكا وحدسا لهذه الحقيقة الأساسية ، وأملنا إن تكون القوى التقدمية الأخرى على مستوى الأحداث ، فتتجاوز نظراتها الضيقة ، وتوسع من افقها التاريخي ، وتتطهر من السخائم والأحقاد ، فتتحد في جبهة ثورية متماسكة لمواصلة إنجاز الأهداف الكبرى لثورة تموز المجيــدة .

الهوامش

1. خلدون الحصري : ( مقدمة في تاريخ العراق الحديث ) – دراسات عربية – نيسان /1967.
2. أدرك بعض الكتاب الأجانب التعارض بين المرحلتين:مرحلة الصعود الثوري،ومرحلة الانتكاسة.وقد اطلق احدهم على المرحلـة الأولى(المرحلة الكاسترويـة)،وعلى الثانية(المرحلة المكسيكيـة)،وجعل اعفائي من الحكم(16 شباط 960)الحد الفاصل بين المرحلتين.راجع كتاب بيير روسي(عراق الانتفاضات،باريس / 1962،بالفرنسية) .
3. خلدون الحصري : (ثورة 14 تموز وحقيقة الشيوعيين في العراق /1963) .
4. هاشم علي محسن : ( تطور الحركة النقابية في العراق – الجزء الثاني / 1966) .
5. عبد الكريم احمد : (أضواء على تجربة الوحدة /1962).
6. محمود الدرة : ( ثورة الموصل بعد سبع سنوات –دراسات عربية – نيسان /1967).
7. يفسر بعض الجامعيين العراقيين النكسة الاقتصادية في المرحلة الثانية بأسباب تابعة وليست أصلية ، مع إهمال السبب الأصلي وهو دور الرجعية وقوى الردة ، مع إعطاء أوصاف تضليلية لبعض اوجه السياسة الاقتصادية للمرحلة الأولى ، كوصف سياسة الاستيراد الموجه بالسياسـة التقشفية ، بدون تركيز الانظار على التركيب الحسي للسياسة المذكورة ( مواد إنتاج ، مواد استهلاك جماهيري ، مواد استهلاك ترفي …الخ ) وتبرير الردة الاقتصادية المتمثلة بإطلاق سياسة الاستيراد في المرحلة الثانية . انظر مثلا مقالة محمد علي الاطرقجي ( التوسع الاقتصادي لصناعة النفط في العراق ، مجلة الاقتصادي ، آب /1966 ، القسم الإنكليزي ، الفقرة الثالثة من النتائج) . وكذلك مقالة جان ارنست ( توزيع حجم الاستثمار على سنوات الخطـة – الاقتصادي ، مايس/ 1965).
8. راجع الوثائق الواردة في كراس محمود الدرة (آراء في مشاكل عراقية / 1967).
9. راجع رأي منعم السيد علي : الاشتراكية هي مجرد ( تأميم وسائل الإنتاج ) ، ورأي كاظم عبد الحميد : إنها ( ملكية الدولة لوسائل الإنتاج الاحتكارية ) – مجلة الصناعي ، آذار / 1964 .
10. من هذا الرأي،عبد العال الصكبان،في مقالـه:(العلاقـة بين الاشتراكيـة والتنمية الاقتصاديـة/مجلة الاقتصادي،آب/ 1966)،حيث يؤكد على المضمون الاقتصادي للاشتراكيـة والمضمون التكنولوجي للتنميـة،دون التركيز على الجوهر الطبقي(سيطرة الطبقات المنتجـة،تعديل البنى التحتيـة والفوقيـة جميعا ..الخ).
11. هذا هو تعبير عبد الحسين العطية الذي يدعو لفكرة المشاريع المختلطـة،واعادة المؤسسات المؤممـة الى(القطاع المختلط) – راجع صحيفة(صوت العرب – 17/4/1967).
12. شعار عبد الرحمن البزاز،الذي لا يحتاج الى اي تعليق.
13. تعبير خالد الشاوي الذي يدعوا الى هذا النوع من الاشتراكية(الذي لا يرمي الى نزع وسائل الانتاج من يد اصحابها كما تفعل الاشتراكية الماركسية بل يكتفي بالدعوة لتحقيق العدالة الاجتماعية). راجع مجلة الاقتصادي،آذار/1964.
14. تعبير احمد الدجيلي الذي يرفض جميع الاشتراكيـات(التي لا تضرب بجذورها في اعماق مجتمعنا العربي)،ويرفع نفس الشعار،الصحافي الطائفي صدر الدين شرف الدين في مقاله(الاشتراكية والاسلام،صحيفة الأمل الاسبوعية 5/5/1967).
15. رفعت جريدة (البلد ، 3/4/1967) هذا الشعار باعتباره نقطة البدء في تصحيح الأوضاع السياسية بينما أثبتت أحداث ما بعد تموز إن السبب الأساسي للانحراف هو انفجار الصراع الطبقي بين (التموزيين) أنفسهم بسبب تناقض مواقفهم من الثورة الاجتماعية .
16. ترفع غالبية القوى الوسطية ، عربية وكردية بما فيها القوى الديمقراطية التقليدية ، هذا الشعار وأشباهه في دعوة لتجميع قوى الوسط وفرض (التعاون)صراحة او ضمنا مع الحكم العسكري القائم في العراق على اساس( اقتراب اهدافها من أهدافه ومبادئه).
17. راجع عبد اللطيف الشواف : ( حول قضية النفط في العراق /1967).
18. انظر (ابحاث ووقائع مؤتمر الاقتصاديين العرب الأول /1965).
19. وخاصة تصريحات غانم العقيلي وعبد الله اسماعيل (المنار،19/1/1967) في الدفاع المكشوف عن سياسة الشركات أثناء تأزم المسألة النفطية،وكذلك تصريحات عبد العزيز الوتاري،المسؤول الأول عن مشروع اتفاقية 1965( صحيفة العرب،1/4/1967).
20. راجع مقال (شركة النفط الوطنية) في صحيفة (الاشتراكي، نيسان/1967).
21. هذا هو رأي خالد الشاوي،احد وزراء الحكم الحالي،في مجلة(الصناعي،آذار/1964).
22. راجع تقرير(ابو ربيع)عن هذه المزارع والجو العدائي المحيط بها،في صحيفة(الثورة العربية، 17/4/1967).
23. راجع دفاعا مكشوفا عن هذا الرأي في دراسة خالد تحسين علي : ( سبل الإنتاج الزراعـي ، صحيفـة المنار ، 5/2/1967)،حيث يؤكد على ضرورة ( إعطاء ضمانات للمستثمرين الأجانب بإزالة الارتباكات التي نتجت عن تطبيق قانون الإصلاح الزراعي ، وضمان الأمن وسيطرة القانون ).
24. دافع عن هذا الرأي بحماس عبد الرزاق الربيعي في مقالته عن ( رؤوس الأموال الأجنبية ، مجلة الاقتصادي ، آب وأيلول /1962) باعتبار إن هذه المؤسسات الاستشارية المشبوهة تعكس ( تحسن الضمير العالمي في مضمار الإنماء ) وبحجة (القضاء على الازدواج السلوكي الذي يطبع تصرفات العهود المندثرة )، وهو يقصد طبعا إدانة السياسة الاقتصادية التحررية لثورة تموز .
25. يروج اقتصاديو العهد الحالي،وهم نفس اقتصاديي العهد الملكي،بشدة لفكرة اولوية الزراعة على الصناعة،وطرح الزراعة كبديل عن الصناعة او كمرحلة يجب أن تسبق المرحلة الصناعية،بدون أدراك الطابع الجدلي والحركي لعملية النمو الاقتصادي ( الوحدة ، الترابط ، التوازن ، الآثار التراكمية … الخ لقطاعات الاقتصاد ) – راجع على سبيل المثال عبد الوهاب الأمين ( دور الزراعة في التنمية الاقتصادية ، مجلة الاقتصادي ، آب /1965 ، القسم الإنكليزي) ومقالة عبد الوهاب الداهري : ( الملابسات في السياسة الزراعية ، مجلة الاقتصادي ، مايس/ 1966).
26. إن هذه الظاهرة ، ظاهرة عزل التكنولوجيا عن إطارها الاجتماعي ، تميز اكثر كتابات الجامعيين هذه الأيام ، وان كان بعضهم يصدر في ذلك عن حسن نية فيما يبدو ، مثال ذلك دراسة محمد عبد السعيدي : (تنسيق البحوث الزراعية في العراق ، صحيفة العرب ، 8/4/967). وقليل منهم من أدرك الشروط الاجتماعية والسياسية للتنمية ، مثلا دراسة محمد سعيد الخياط عن ( مميزات الإنتاج الحيواني في العراق ، صحيفة المنار ، 24/2/1967).
27. مهدي حسن زويلف : ( مكانة العامل والدولة في العلاقات الصناعية – الاقتصادي ، آب وأيلول / 1965).
28. من مذكرة حسين جميل وفائق السامرائي ومحمود الدرة الى السيد رئيس الجمهورية بتاريخ كانون الثاني /1967.
29. راجع صحيفة الاشتراكي ، نيسان /1967.
30. كشفت (مذكرات) ساطع الحصري ( الجزء الأول /1967) عن آراء شوفينية (موقفه من التعليم في كركوك ) وطائفية ( موقفه المتحامل من الوطني الكبير الشيخ رضا الشبيبي ) وتساومية مع الإنكليز والبلاط الملكي ( مواقفه من الملك فيصل الأول على الخصوص ). راجع كذلك الكتاب النقدي الممتاز الذي كرسه الياس مرقص للفكر القومي اليميني المثالي لساطع الحصري ( نقد الفكر القومي – ساطع الحصري ، 1967).
31. راجع عن تاريخ جماعة الأهالي كتاب فاضل حسين : ( تاريخ الحزب الوطني الديمقراطي /963).
32. تحسين السوز:(لماذا ترفض الجماهير الحزب الشيوعي العراقي،صحيفة الثورة العربية،عدد 12/4/1967).
33. راجع كتعبير مركز عن مجموع أفكار (الردة ) في الإصلاح الزراعي، تشريعا وتطبيقا ، نقدا للماضي ورصدا للمستقبل ، دراسة يوسف جواد المعمار ( من مشاكل الإصلاح الزراعي في العراق ، الاقتصاد نيسان/1967) ، والشعار الرئيسي –كالمعتاد- شعار (معاداة الشيوعية).
34. في دراسة أخرى عن مشاكل التقدم الاقتصادي، جريدة الثورة العربية ، 21/3/967)يرى السيد مناف ( بان فترة الأربعينيات والخمسينيات هي فترة تحول العراق من الاقتصاد شبه الإقطاعي إلى الاقتصاد شبه البرجوازي) .
35. في دراسته عن (مشكلة الأرض والإصلاح الزراعي في العراق،الثورة العربية، 16/4/967)، يعرض الكاتب ضمنا بالحزب الشيوعي ويجعله مسؤولا عن النكسة في تطبيق قانون الاصلاح الزراعي حيث يرجعها إلى ( الطفولة السياسية ) التي أعقبت ثورة تموز و ( الكسب الدعائي الكمي الذي أضاع النوعيـة على الفلاحين ).
36. يؤيد هذا الرأي الكثير من خبراء الشرق الأوسط الأجانب،مثال ذلك(جورج كيرك:السياسة العربية المعاصرة،1961،بالإنكليزيـة) حيث يرى إن فكرة القاهرة عن الوحـدة هي الفكرة المركزيـة الدكتاتوريـة،وقد عارضتها الفكرة العراقية الأكثر تحررية وديمقراطية،والتي كانت تلتف حولها الطبقة المثقفة اليسارية).
37. مذكرة السادة مصطفى علي وجماعته (دراسات عربية،عدد اكتوبر، 1966) .



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 15
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 14
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 13
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 12
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 11
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 10
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 9
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 8
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 7
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 6
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 5
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 4
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 3
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 1
- العلوم والتكنولوجيا في العراق
- التهجير القسري في الادب السياسي العراقي الراهن
- القوات المسلحة العراقية اليوم الوليد الضال للشعب العراقي
- عن احوال العراق اليوم ماذا كان سيكتب غائب طعمة فرمان؟!
- مهام مركبة تنتظر الحكومة العراقية الجديدة


المزيد.....




- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 16