أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - اغتيال رجل شجاع بيد جبانة















المزيد.....

اغتيال رجل شجاع بيد جبانة


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 09:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على هامش مؤتمر دولي حول استغلال الأطفال في الحروب عقد قبل سنوات في كندا كان لي شرف الالتقاء مع وزير الخارجية السريلانكي لاكشمان قادر قمر الذي اغتيل في الأسبوع الماضي على يد قناص مجهول بينما كان يهم بالخروج من حمام السباحة في منزله في كولومبو. في ذلك اللقاء اليتيم فوجيء الوزير بوجود مواطن من الخليج مطلع على شئون بلاده و يتعاطف مع قضيتها، فقال مازحا " "كنت اعتقد إنكم لا تكترثون إلا باستقدام الخادمات من سريلانكا". فكان هذا مدخلا لحديث مطول حول العمالة الآسيوية في الخليج و ما تعانيه من مظاهر الاستغلال وانتهاك الحقوق. و عندما تشعب النقاش تذكر أن محدثه هو الذي كتب ذات مرة ينتقد باشمئزاز لجؤ احد المتاجر الكبرى في لبنان إلى الترويج لبضائعه عن طريق تثبيت لوحة إعلانية بعرض الشارع تقول "تسوقوا في محلاتنا و اربحوا خادمة سريلانكية". و يبدو أن المقال استرعى انتباه الدبلوماسيين السريلانكيين وقت نشره فترجموه وأرسلوه إلى وزارة خارجية بلادهم.

أما في داخل أروقة المؤتمر، فقد وقف الرجل حينما جاء دوره في الحديث ليعري بالأرقام و الأدلة النهج الذي اخطته جماعة نمور التاميل منذ بدء عملياتها العسكرية في عام 1983 ، ليس فقط في استخدام الأطفال دون سن 17 كوقود في حربها العبثية من اجل إقامة وطن مستقل للأقلية التاميلية في الأجزاء الشمالية الغربية من سريلانكا وإنما أيضا في ابتزاز أسرهم و اختطافهم من عائلاتهم و غسل أدمغتهم وإرسالهم في عمليات انتحارية لتتحول أجسادهم الغضة في اغماضة عين إلى ما يشبه اللحم المفروم.

وبطبيعة الحال لم يكن ذلك غريبا على الرجل الذي اعتاد قبل ذلك و بعده على قيادة حملة دبلوماسية في دول الغرب المؤثرة بهدف حظر هذه الجماعة وحصارها ماليا وطرد رموزها و دحض مقولاتها ، الأمر الذي أثمر في عام 1997 عن إدراجها في القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية. وهو لئن أيد و رحب باتفاقية السلام الموقعة بين كولومبو و نمور التاميل في عام 2002 برعاية نرويجية، فانه ظل يكرر بأن السلام الدائم في بلاده لن يصمد دون نزع سلاح الانفصاليين أولا. وآخر ما ذكره في هذا السياق كان قبل مقتله بأسبوعين حينما قال في حفل لإطلاق كتاب عن السيرة الذاتية لرئيسة سريلانكا " تشاندرايكا كوماراتونغا" بأن على نمور التاميل أن يتشبهوا بالجيش الجمهوري الايرلندي و يسلموا أسلحتهم للسلطات الحكومية، وذلك لإثبات حسن النية وبناء الثقة و بالتالي المضي قدما في تنفيذ بنود اتفاقية السلام.

كل هذا و غيره جعل من الرجل في نظر نمور التاميل خائنا و متواطئا مع العدو ومستحقا لهجوم إعلامي شرس، و بالتالي وضع اسمه على رأس قائمة المستهدفين من الحركة، خاصة وانه باثنيته التاميلية و انحداره من شبه جزيرة جفنا حيث مركز نفوذ الحركة الانفصالية و عاصمة دولتها المنشودة وتقلده منصبا وزاريا رئيسيا في الحكومة وامتلاكه لصوت مسموع في دوائر الحزب الحاكم و دفاعه المحموم عن وحدة البلاد، كان يحرج المزاعم التي اعتاد الانفصاليين على ترديدها لكسب التعاطف مع قضيتهم، وعلى رأسها أن كل تاميل سريلانكا راغبون في الانفصال و الانعتاق مما تسميه حركة النمور تمييزا في الحقوق والمناصب على يد الأغلبية السنهالية الحاكمة.

و من هنا سارعت حكومة كولومبو و معها جهات عديدة أخرى إلى توجيه أصابع الاتهام في عملية الاغتيال إلى نمور التاميل باعتبار أنها الطرف الذي لطالما هدده والجهة الوحيدة المستفيدة من غيابه، فيما ردت الأخيرة فورا بنفي تورطها و اتهام أطراف داخل الأجهزة الأمنية و العسكرية الحكومية من تلك المستاءة من عملية السلام أو المشحونة برغبات مواصلة القتال بدوافع انتقامية، مشيرة إلى أن الوزير المغدور كان يتمتع بحراسة قوية على مدار الساعة من قبل مائة من عناصر النخبة في الجيش السريلانكي. لكن إلى أن يلقى القبض على الفاعل و تتضح هوية الجهة التي تقف وراءه، ستظل الاتهامات تطارد حركة النمور وحدها، خاصة وان الأخيرة لها تاريخ حافل في التخطيط و التنفيذ المتقنين لمثل هذه الأعمال البشعة. فهي التي اغتالت رئيس الوزراء الهندي الأسبق راجيف غاندي في عام 1991 بعملية انتحارية فردية، وهي التي قتلت رئيس سريلانكا الأسبق "راناسينغا بريماسادا" في عام 1993 بواسطة قنبلة، وهي التي قامت بمحاولة اغتيال الرئيسة الحالية كوماراتونغا في عام 1999 و التي نجت منها الأخيرة بأعجوبة لكنها فقدت عينها اليمنى. ثم أن هناك أمرا آخر هو التقاط رسالة لاسلكية من احد قادة جهاز الاستخبارات في حركة النمور إلى زميل له يقول فيها " لقد تخلصنا من قادر قمر. هل بلغكم الخبر؟" ، ناهيك عن أن إحدى الصحف التابعة للحركة نشرت مقالا في نفس يوم الاغتيال تحت عنوان "رسالة من جفنا إلى العدو في الجنوب" جاء فيه "قادر قمر بوق للحكومة السنهالية و يجب ألا يعيش بعد اليوم".

ولد قادر قمر في بلدة مانيباي بإقليم جفنا في ابريل 1932 ، و تلقى تعليمه ما قبل الجامعي في كلية ترينتي في مدينة كاندي قبل أن يلتحق بجامعة سيلان (جامعة كولومبو حاليا) ليدرس القانون و يتخرج بمرتبة الشرف في عام 1953 . وهو لئن دخل سلك المحاماة في بلاده في عام 1955 وفي بريطانيا في عام 1958 ، فانه درس في جامعة أكسفورد البريطانية التي نال منها ليسانس الآداب و ترأس أثناء وجوده فيها اتحاد طلبة الجامعة. وفي عام 1974 اختير ليكون مستشارا قانونيا لمنظمة العمل الدولية في جنيف. أما دخوله إلى المعترك السياسي فقد تأخر إلى عام 1994 حينما اختارته رئيسة الوزراء الراحلة سيريمافو باندرانيكا (والدة الرئيسة الحالية) ليكون أول وزير للخارجية من الاثنية التاميلية وذلك تقديرا لمواقفه المؤيدة لوحدة البلاد و دعمه لحزب الحرية الحاكم. وبخروج الأخير من السلطة في انتخابات 2001 العامة لصالح تحالف الشعب، فقد قادر قمر حقيبته الوزارية إلا أن رئيسة البلاد اختارته ليكون مستشارها الخاص. وفي هذه الأثناء رشحته بلاده للمنافسة على منصب الأمين العام لمنظمة الكومنولث البريطاني، لكنه هزم لصالح النيوزيلندي دون ماك كينون. وفي عام 2004 عاد مرة أخرى لقيادة الدبلوماسية السريلانكية على اثر فوز حزب الحرية وحلفائه في الانتخابات العامة ليبقى في المنصب حتى تاريخ اغتياله.

وقادر قمر الذي ترك وراءه زوجته سوغانتي و طفلين من زواجه السابق بالبريطانية أنجيلا، مسيحي الديانة على خلاف ما قد يوحي به اسمه، الأمر الذي يبدو غريبا في أوساط التاميل الذين يدين غالبيتهم بالهندوسية و القليل منهم بالإسلام. و للراحل عدة مؤلفات و دراسات كان آخرها بحثا قيما بعنوان "النظام العالمي بعد العراق" طالب فيه الديمقراطيات المختلفة سياسيا مع واشنطون ألا يتركوا العملاق الأمريكي وحيدا وان يدخلوا معها في حوار بناء مشيرا إلى الهند كمثال على هذا النهج. وهو لئن أيد بقوة تدخل الولايات المتحدة و الغرب في بعض الدول لحماية شعوبها من اضطهاد أنظمتها الديكتاتورية أو حماية أقلياتها من التطهير العرقي أو تخليص العالم من الإرهاب، فانه اشترط لذلك صدور قرارات من الأمم المتحدة لإسباغ الشرعية على تلك التدخلات.

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 21 أغسطس 2005
البريد الالكتروني: [email protected]



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البريد يطيح بالبرلمان
- كارشي خان آباد
- مصانع إنتاج الإرهاب و الكراهية
- دبلوماسية الكهرباء
- عاشق ربطات العنق الملونة زعيما
- نحو ضم الهند و الصين إلى نادي الأغنياء
- تكريس القطيعة مع الماضي: فيتنام مثالا
- الصين و - أنفلونزا- الفساد
- هل ستفقد اندونيسيا عضوية الأوبك؟
- المشروع الذي سيقرب المسافات
- عبدالكلام في موسكو
- حزب التحرير
- سر اهتمام الصين بآسيا الوسطى
- نادي القهوة
- الأصل يشدد قبضته على الفرع
- نظام الكوتا النسائية آسيويا
- بلوشستان كبؤرة توتر جديدة
- لا تزال أفغانستان هدفا للتنافس الإقليمي
- من الخلاف حول العراق إلى الخلاف حول الصين
- عندما تغضب كبرى الديمقراطيات ممن يمسون الديمقراطية


المزيد.....




- بايدن يرد على الانتقادات بشأن زلات لسانه
- إيران.. النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية تظهر تقدم -الإصل ...
- الانتخابات الإيرانية.. تقدّم بزشكيان في النتائج الأولية
- بايدن يبرر أداءه في المناظرة ويؤكد أنه -الأنسب- للفوز على تر ...
- رئيس وزراء بريطانيا يتخذ أول قرار.. إلغاء -قانون رواندا-
- أعضاء من الكنيست في -الليكود- لنتنياهو: اعزلوا غالانت وهاليف ...
- أوربان: استعدادات -الناتو- لعملية في أوكرانيا تهدد الحلف بال ...
- -كنت مريضا وانتابني شعور سيئ-.. بايدن يبرر مجددا أداءه الفاش ...
- مصر.. وزير خارجية سابق يكشف سبب خلاف والده مع السادات
- مصر.. هيئة الدواء تحظر بيع حقن مضادات حيوية من فئة محددة للص ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - اغتيال رجل شجاع بيد جبانة