|
رواية الصحن لسميحة خريس
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 09:52
المحور:
الادب والفن
تبدأ سميحة خريس – الروائية الأردنية المبدعة - روايتها " الصحن " كالتالي : " كان يا ما كان في قديم الزمان ، امرأة شابة ، شعرها ليس كالحرير ، وبشرتها ليست كالحليب ، و وجنتاها ليستا بلون الورد " . المرأة عندها ليست إذن تلك الأنثى التي جرت العادة على تصويرها أنها فاتنة ، وحسناء ، لكنها كائن ، يبحث عن سعادة ملموسة على هذه الأرض ، ويفتش عن حبيب ، ليس فارسا قادما من الأحلام فوق حصان أبيض ، ولكن حقيقة يمكن لمسها ، وشمها . والجمال عندها مرتبط بهذه الحياة المحددة القصيرة ، التي لا تحتمل التفسير ، والتي تناشدنا أن نمسك بها ، ولهذا فإنها تسأل حبيبها المثال " لماذا لا ينحت تمثالا لامرأة حبلى ؟ " لكنه يعجز عن فهم الجمال الكائن وراء تمثال لامرأة حبلى ، كما يعجز عن فهم ما تحتاجه بالفعل امرأة شابة عاشقة ، تقول له صراحة إن القبلة الأولى لهما لم تعجبها ، وأن عليهما أن يكررا المحاولة . إنه منصرف عن الواقع إلي ذلك الفن ، الفن الذي تبدعه نساء بدويات من العامة ، فينقله هو ، ويحوره ، ويفوز هو بالجوائز . ولذلك تتمنى " إلهام " أن يصحو حبيبها غدا وقد تحطمت تماثيله الأثيرة بفأس نبي يستمع إلي وجعها . تكتشف " إلهام " أن حبيبها مجرد سراب ، وأن ما ظنته عشقا كان مجرد شيء كسيح مشوه ، أما العمارة التي تسكن فيها فإنها مكان مثالي لاختباء الموت في جسد الملل ، أو القهر ، أو مكان نموذجي لاختباء فنان مذعور من الدنيا ، منصرف إلي التماثيل . إنها تعي ذلك حين تشم رائحة أفراحها السابقة الموهومة وهي تتفسخ كالبدن البشري ، فتدرك أن الفرحة التي سكنتها زمنا تموت ، وأن الرائحة تنبعث من موت الروح ، فتقرر ألا تعود إلي المثال أبدا ، وتشعر للمرة الأولى أنها الآن " حرة .. حرة " . إن سميحة خريس تسقط عن الحب أوهامه ، لكن لكي تقدمه لنا بمزيد من القوة ، وبمزيد من الثقة فيه ، كما هو فعلا ، وليس كما يحلو لنا أن نتخيله ، ولذلك فإن " إلهام " عندها امرأة تبحث عن رجل ترى وميض عينيه عندما تضع " الصحن البراق بين يديه " ، ويأكلان منه معا ، كغزالين بريين ، إنه صحن ينتمي إلي حلم ما ، صحن سرق شعاع الشمس كله له وحده، وأخذ يضوي به. تكتب هذه الروائية المبدعة بطفرات من شجاعة وحرية المبدع ، لكن الكاتبة في بعض الأحيان لا تضع قلمها في خدمة الشخصيات ، وتتحول الشخصية عندها إلي خادم لأفكار الكاتبة . وعلى سبيل المثال فإن البطلة عندما يلثم البطل شفتيها للمرة الأولى تقول لنفسها : " ما أكملني وأنا النار التي تتقد " وهو رد فعل طبيعي من داخل الشخصية ، لكننا نفاجئ بانزلاق البطلة إلي ذكريات عن أمها وأغنيات المهد ، وهو ما تريد الكاتبة أن تقوله من خارج الشخصية ، وليس من داخل الموقف . تحت عنوان " هو " يأتي الجزء الثاني من الرواية ، حيث نجد الصحن أكلت منه إلهام بمفردها في القسم الأول من دون مشاركة المحبوب ، وكان في خيالها حلما يفيض بالحليب وتلعقه ، وقد أكل منه الصبي ليوقن : " أنه أغرم بحنان عندما خط الدم شفتيه " من التراب والزجاج الذي دسه الأولاد . القسم الأول يحكي العلاقة وعذابها من وجهة نظر المرأة ، الثاني يحكي جانبا آخر منها لكن من وجهة نظر الرجل هذه المرة ، أستاذ التاريخ ووالد المثال . في الأول إلهام تعاني الملل ، والموات ، في الثاني الرجل يعاني من نقص في طبيعته ، وهو يثق تماما في أن : " منح الجسد للآخر ما هو إلا استسلام لطبيعة مجنونة شرسة تقتات على البشر " ، وحين تزوجه أمه ، يرى بوضوح خدعة الزواج . في القسم الأول تتأكد إلهام أن الرائحة المنبعثة حولها هي رائحة : " جسد حي يتفسخ ، رائحة الفرحة التي تموت " . في الثاني يغيب أستاذ التاريخ الكاره لزوجته عن وعيه على رائحة : " اللحم المشوي، لحمي أنا ، لحم جسدي الشبق ، وتزكمني رائحة الرماد " . ومع زوجته التي لا يحمل لها سوى الكراهية ، تصبح إلهام محبوبة ولده المثال هي كل آماله في حب نضر حقيقي . إلهام التي راقب نموها من الطفولة إلي الشباب ، " فأدركها طوال السنوات الماضية بروحه " ، وأدرك أنها : " تنوح مثل روح شريدة ، تناديه ، تتلوى حاجة لذراعيه ، ليس كذراعي رجل يحتضن امرأة ، ولكن هي الروح تلك التي يصعب وصفها ، تلك التي تتلوى هائمة ، ثم في ليلة حزن تبث نداءات الوجع " . تترك رواية الصحن لسميحة خريس أُثرا كالهواء المتحرر من مخاوف الكتابة ، وأثرا من تهور الطفولة وشجاعتها التي من دونها لا ينشأ فن كبير . وبرواياتها وهي كثيرة سميحة خريس لنفسها موقعا متميزا مع الروائيات العربيات الكبار . رواية الصحن صادرة عن دار أزمنة بالأردن عام 2003 ، ولسميحة خريس مجموعتان قصصيتان ، وعدد من الروايات ، أولها " رحلتي " عام 1980 ، و " المد " عام 1990 ، ثم " تقاسيم الحياة " عام 1995 ، و " شجرة الفهود " الصادرة في القاهرة عن دار شرقيات ثم " القرمية" عن دار سنابل بالقاهرة أيضا عام 2003 ، و" دفاتر الطوفان " عن "الدار المصرية اللبنانية " .
*** أحمد الخميسي . كاتب مصري
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أقلام وأوراق
-
جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
-
كنت في شرم الشيخ
-
هذه الرواية - نادي القتال
-
الفساد جملة واحدة مستمرة
-
الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
-
أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
-
الرقابة والثقافة في مصر
-
مسيحيون من أجل القرآن
-
حديقة - قصة قصيرة
-
المستشار محمد بك نور .. الذي برأ طه حسين
-
أيام واحات صنع الله إبراهيم
-
التمويل الأجنبي عمالة صريحة
-
جذور للكتابـة
-
المادة 76 في حياة مصر الثقافية
-
معرض القاهرة والكتب
-
طول لسان رياض النوايسة
-
في وداع كاتب شريف
-
كلمة سحرية تتحدى الزمن
-
-- قصة قصيرة - بط أبيض صغير
المزيد.....
-
من كام السنادي؟؟ توقعات تنسيق الدبلومات الفنية 2025 للالتحاق
...
-
الغاوون:قصيدة (نصف آخر) الشاعر عادل التوني.مصر.
-
واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا
...
-
الغاوون:قصيدة (جحود ) الشاعرمدحت سبيع.مصر.
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|