أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد ظاهري - الأستاذ السوري















المزيد.....

الأستاذ السوري


وليد ظاهري

الحوار المتمدن-العدد: 4598 - 2014 / 10 / 9 - 09:17
المحور: الادب والفن
    


الأستاذ السّوري


كان من السنوات الثالثة بعد الألفين ، و من الأشهر أوسطهم في الربيع ، و من الأيام الثامن ، دعيت إلى ملتقى علمي حول عصرنه اللغة العربية ، و مواكبتها للتطور التكنولوجي في القرن العشرين من طرف جامعة دمشق للعلوم الإنسانية....فقد كنت أستاذا للّغة العربية و آدابها بجامعة الجزائر ، و في ذلك الوقت كنت قد انتهيت من تأليف كتاب صغير حول هذا الموضوع ، و كنت أبحث عن فقيه لغوي كبير أستشيره في بعض الدّقائق اللغوية.
ذهبت إلى الملتقى ، و قد كان عظيما بقدر عظمة من فيه من أساتذة ، و فقهاء لغة ، و فلاسفة من جميع الجامعات العربية ، و كان هذا الملتقى تحت إشراف الأستاذ مصطفى الكيلاني عالم لغة سوري كبير قد ملأت كتبه المكتبات ، و الجامعات العربية ، وكانت أول مرة أراه فيها ، فقد تعلمت من كتبه ما لم أتعلمه في الجامعة.
انتهى الملتقى في اليوم الثاني ، و كان بجانبي أستاذ سوداني فقلت له : أنا أستاذ جزائري لي كتاب أردت أن أستشير فيه بعض المتخصصين علِّى أجد النصيحة قبل نشرة .
فقال لي : يا أستاذ ، أمامك فرصة لا تتكرر اذهب إلى الأستاذ مصطفى الكيلاني قبل مغادرته للقاعة.
فقلت له : إنّه لا يعرفني أردت فقط وسيطا يقربني منه.
فقال الأستاذ السوداني مبتسما : العلم ليس فيه وساطة يا أستاذ ، و فقيه لغوي مثل الأستاذ مصطفى هو مِلْكٌ لنا جميعا ، و كما يقولون دائما : إذا أردت أن تسعد العالم فأساله.
شجعني هذا الأستاذ كثيرا ، فقمت من مكاني قاصدا الأستاذ مصطفى...سلمت عليه ، و قلت : كيف حالكم يا أستاذنا ، و عالمنا الجليل...؟
فقال : لك الترحيب فأنت الضيف يا......
فقلت : عمر ، أستاذ من الجامعة الجزائرية.
ابتسم الأستاذ مصطفى ، و قام من مكانه ، و قال : أعشقكم أنتم الجزائريون كثيرا ، بقدر ما أنتم قريبون من الغرب ، فانتم دائما تحنون إلى الشرق .
فقلت : يا أستاذ ، لي كتاب صغير أردت أن أستشيركم فيه.
فقال : شرف لنا يا ولدي ،و أخذني معه إلى مكتبه في تلك الجامعة ، و أجلسني على كرسيه ، و ناولني كوبا من العصير ، و كتابا صغيرا بعنوان : اللغة العربية ، و تحديات العصرنة ، و قال لي: سَلِّ به نفسك حتى ألقي نظرة على كتابك ، و جلس بجانبي...و لم تمض إلا خمس و عشرون دقيقة إلا ، و قد أنهى الأستاذ قراءته لكتابي ...ثم قال لي : اترك لي الكتاب سأعيد قراءته ، و أعدك أني سأقدمه لك و انشره هنا في دمشق .
فقلت ، و ملامح الفرحة قد سبقت كلامي: شكرا جزيلا يا أستاذ مصطفى على فضلك و كرمك.
صدر بعد ذلك الكتاب بشهرين ، و بتقديم الأستاذ مصطفى الكيلاني ، و كان له صدى كبيرا ، و كرمتني الدولة الجزائرية على مجهوداتي في تطوير اللغة العربية ، و عينت بعدها كرئيس لمركز دراسات اللغة في الجزائر. بقيت على اتصال بالأستاذ مصطفى ، أكلمه بالهاتف بين الفترة ، و الأخرى ، و كلما جاءتني فرصة ذهبت له في بيته في سوريا.
و دارت عجلة الأيام و السنوات على هذا الحال حتى ربيع 2010 انقطع اتصالي بالأستاذ مصطفى ، و لم أجد له مكانا أو سبيلا بسبب الأوضاع السياسية التي تعيشها الدولة السورية.
في صيف سنة2013 ذهبت مع وفد جزائري للإشراف على مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن و كنت أنا و الأستاذ عبد الحميد من مصر مسئولان على المخيم رقم05 ، و كان يحوي أكثر من 500 أسرة سورية اضطرتها ظروف الحياة و الحرب إلى اللجوء.
و بعد أيام كنت جالسا في مكتبي انظر من النافذة على تلك الأسر السورية ، و استنشق عذابهم ، و هم يمرّون الواحد تلو الأخر ليأخذوا ما يكفيهم لقوت يومهم ، فلم يكن إلا وجبة غذائية بسيطة لا يأكلها إلا من أتعبه الجوع ، و ألغى خياره في الطعام...ثم رأيت رجلا داخلا من باب المخيم يبدو أنّه لاجئ جديد لا يخطو خطوة إلا ، و يميل في الثانية ، ثم يعود فيعدل مشيته و كأنه يَجُرُّ قطارا من ورائه.
و هو يدنو منا ، و يدنو ...و ذاكرتي تصيح ، و تقول لي أنني أعرفه ليس بغريب عني حتى اقترب من مكان أخذ الطعام ، و يبدو أن الطعام قد نفذ ، فرجع مهزوما علّه يجده في المخيم الأخر.....فصحت إنّه الأستاذ مصطفى الكيلاني ، و نزلت مسرعا من مكتبي أجري ، و أناديه ، و ما إن وصلت إلى باب المخيم ، و سألت عنه الحارس ... أين ذلك الرجل....؟
فقال : إنّه هناك ، و أشار بيده.
و ما إن أدرت رأسي حتى رأيت الأستاذ مصطفى يقطع الطريق بخطى متكسرة ، و كانت سيارة تابعة للمخيم مارّة على الطريق لم يرها ، فناديت بأعلى صوتي و الكل نادى .... _احذر .....احذر.......؟
لم يسمع الأستاذ مصطفى النداء...صدمته السيارة فاردته على الأرض ...أسرعت إليه ، و أمسكت بيده فنظر إليَّ يبدو أنّه عرفني ، و كان في عينيه كلام كثير فقلت : أستاذ مصطفى...أستاذ مصطفى...
رفع رأسه تجاهي لو تجسد الحزن ما كان أحزن منه ، و لو تكلّم اليأس ما كان أبلغ منه فقال : أستاذ.... !...أستاذ...!..أي أستاذ... !...لم يبق فيها أستاذ يا أخي عمر ...لقد انتهى كل شيء ، و كان يحمل في يده ملفا صغيرا وضعت يد عليه ، فسحبه إلى صدره ، و قال : إنهم أبنائي ...إنها عائلتي...اشتقت لهم..مروة ، عمار ،عايدة...و لفظ أنفاسه رحمه الله.
فتحت ذلك الملف ، و كان يحوي صورة لأبنائه الثلاثة أكيد قد مرت الحرب فوقهم و داستهم بأقدامها ...كانت صورة قد انمحت بقعا فيها يبدو أنها أثار دموع الأستاذ مصطفى الكيلاني ، و وجدت مع الصورة ورقة قديمة تحوي خاطرة من خواطر الأستاذ رحمه الله يقول فيها:
لَكْ يِلْعَنْ أبو بشار ، على أبو الثوار
الذين عاثوا في سوريا فسادا ، و دمار
أخرجونا أذلاء من البيوت ، و الديار
بعدما كنا في سماء العروبة نجوما ، و أقمار
عدنا نجري ، و نهوم بين البلدان ، و الأقطار
لَكْ يِلْعَنْ أبو بشار ، على أبو الثوار
أباد قرانا بالغاز فخنق من كان فيها من كبار و صغار
وعدنا بعد أبيه أن نكون شرفاء و أحرار
إذا به يقلب طاولة التغيير يمسك بيده المسمار
يدقه في نعش شعبه ، و يقول هو ضمان للاستقرار
فما أقبح هذا التغيير ، و ما أقبح هذا الاستقرار
لَكْ يِلْعَنْ أبو بشار ، على أبو الثوار
وعدونا أن نتخلص من المذلة ، و نطرد الاستعمار
فإذا بهم حلفاء الغرب ، حلفاء الاستعمار
هجموا علينا مثل جنود المغول و التتار
لا إسلامنا يهمهم ، و لا كرد ،و لا شيعة ،و لا كفار
كل ما يفعلونه صحيح ،و نحن أنجاس ،و إن سجدنا للواحد القهار.
يذبحون الناس ،و رسولهم قبل تلك القرون ينهى عن قطع الأشجار.
لَكْ يِلْعَنْ أبو بشار ، على أبو الثوار
ألا أيها الفكر العربي تحرر ،و إلا مصيرك الاندثار
و يمحى تاريخه ،و تغيب شمسه قبل الغروب في عز النهار
ليس الدّين بالجبر ، فالدين في عمقه اعتقاد ،و اختيار
هكذا تعلمنا من قرآننا ،و هم يقولون إنا عندنا أخبار
أ أخبار تبيح قتل الأبرياء ،ويلكم يا أشرار
لو فعل محمد ما فعلتم ما جاوز دينه البيوت ،و الأمصار
لَكْ يِلْعَنْ أبو بشار ، على أبو الثوار يا بشار،
إن كان الأسد في غابته سيدا فقد غدوت في قلوبنا كإعصار
إعصار مهما طال سيمرُّ ،و تبقى لنا دمشق و تبقى الديار
أنت الذي فرضك أبوك علينا سيدا ،فآثرت أن تكون مجرد منشار
منشار بيد صهاينة العصر ، و حلفائهم الأشرار
فبحق دم ابنتي مروة ،و عايدة ،و دم ابني عمار
الذين دستهم بدباباتك كانوا ملائكة، كانوا أطفالا صغار
أقسمت بدموعهم أن لا اعترف بك سيدا و لن اعترف بالثوار
و سأظل مواطنا عربيا يقاوم الاستعباد و يرفض الإرهاب و الدمار
فبربك انزل من كرسيك الأسود و لن أسامحك بل سأبحث عن خيار
خيار بلدة تنمو فيها أظافر طفلة و الشعب فيها هو سيد القرار.
لَكْ يِلْعَنْ أبو بشار ، على أبو الثوار



#وليد_ظاهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد ظاهري - الأستاذ السوري