|
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 15
سلام ابراهيم عطوف كبة
الحوار المتمدن-العدد: 4597 - 2014 / 10 / 8 - 08:57
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!
-;- الدكتور حافظ شكر التكمجي و"انا احبك.. احبك يا عراق" -;- اشكالية الاقتصاد الانتقالي للاستاذ شارل بتلهايم -;- د. عدنان عاكف يرد على شامل عبد العزيز
-;- نشر بتاريخ 24 تشرين الاول 2013 على المواقع الانترنيتية مقالا للدكتور حافظ شكر التكمجي بعنوان"انا احبك.. احبك يا عراق"،ومما جاء فيه:"انا احبك يا عراق....وهذا الحب العميق هو الذي ربطني بك برباط وثيق واعطاني القوة والشجاعة كي اتحمل قساوة الحياة وقساوة البعض من ابناء جنسنا،وخاصة ما اصابني بعد القاء القبض علي من قبل انقلابيي 8 شباط المشؤوم في عام 1963.فقد قضيت عشرة اشهر قاسية في سجن رقم 1 في معسكر الرشيد.فقد حُشر 80 شخصاً في غرفة صغيرة،ورميت بحاجاتي خارج الغرفة.ولم يكن هناك متسع للنوم بحيث اضطررت للوقوف 24 ساعة على الأقدام.وعندما أصاب الخدر احدى قدمي،رفعتها قليلاً ولكنني لم أستطع اعادتها الى حالتها الطبيعية وبقيت واقفاً على رجل واحدة طوال الليل.وفي اليوم التالي نقلت الى غرفة اصغر مساحة مع 18 من الضباط الطيارين الشباب المعتقلين.ولمحت احدهم مرمياً على ارض الغرفة فسألت عن حاله،فقيل لي انه حاول الانتحار.استفسرت عن اسمه فقيل لي انه ضابط كبير في الجيش أسمه (... العلي).وقد تذكرت هذا الاسم واقتربت منه ورحت اقبله متمنياً له الشفاء.وعاتبته على فعلته فقال لي:"لو تعرف يا حافظ مقدار التعذيب الفظيع القاتل الذي تعرضت له،لما عاتبتني... فالحياة لم تعد لها اية قيمة عندي".وبعد ذلك وبمساعدة احد الضباط الشرفاء،وهو من ابناء محلتنا صبابيغ الآل،نقلت الى غرفة اصغر مع مجموعة من المثقفين ومنهم د. عبد الجبار عبدالله و د. ابراهيم عطوف كبة والفنان يوسف العاني ود. مهدي المخزومي وآخرين.وكانت تلك فرصة نادرة رائعة قضيت خلالها اياماً ممتعة مع هذه الكوكبة التي تتميز بالثقافة العالية وبالقيم والاخلاق الرفيعة..."
-;- اشكالية الاقتصاد الانتقالي للاستاذ شارل بتلهايم C. Bettelheim, Problematique de L,Economie de Transition,Paris 1968
نشرت هذه الدراسة في مجلة (الاقتصاد) العدد 19 تموز عام 1972،واعيد نشرها في مجلة (الثقافة الجديدة) العدد 336 عام 2010!
"شارل بتلهايم (1913 – 2006) مفكر اقتصادي ومؤرخ ماركسي فرنسي مرموق،مؤسس مركز دراسات وانماط التصنيع ( CEMI) في جامعة السوربون العريقة بفرنسا.عمل بتلهايم مستشارا اقتصاديا للعديد من حكومات البلدان النامية خلال فترة تفكيك النظام الكولونيالي،وكان له تأثير كبير على حركات " اليسار الجديد " في فرنسا،كما يعد واحدا من اهم المفكرين الماركسيين في العالم الرأسمالي.وخلال فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين كانت دراسة الاقتصاديات الانتقالية محل مناقشات حامية في الاوساط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية،الماركسية وغيرها.وقد اسهم الاستاذ بتلهايم في هذه المناقشات بعدد كبير من المقالات والمحاضرات جمعت في العديد من المؤلفات اصبح بعضها كلاسيكيا" هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة
(1) كلمة عن اهمية الدراسة لا تزال دراسة الاقتصاديات الانتقالية بين الرأسمالية بأشكالها المختلفة،والاشتراكية،محل مناقشات حامية في الاوساط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية،الماركسية وغيرها.وقد اسهم الاستاذ الفرنسي المعروف شارل بتلهايم في هذه المناقشات بعدد كبير من المقالات والمحاضرات جمع بعضها في مؤلفات اصبح بعضها كلاسيكيا.ومن مؤلفاته الاخيرة في هذا المجال"الانتقال نحو الاقتصاد الاشتراكي"،الصادر بالفرنسية عن دار ماسبرو عام 1970،وقد سبق ان قمنا بتلخيص بعض الافكار الاساسية لهذا الكتاب في تعليقنا المنشور في العدد السابع عشر من هذه المجلة.وفي هذه الدراسة سنتناول بالعرض التفصيلي ما يسميه بتلهايم"اشكالية الاقتصاد الانتقالي"،اي طرح المشاكل التي يثيرها هيكل الاقتصاد المذكور وتطوره،وبالتالي،الطرح العلمي للمفاهيم النظرية الاساسية اللازمة لمعرفة مرحلة الانتقال واستيعاب قوانين التطور التي تخضع لها.لقد كتب بتلهايم هذه الدراسة في الاصل،بالفرنسية عام 1965 لتكون بمثابة مقدمة تمهيدية لمحاضرته على طلبة الدراسات الاقتصادية العليا في"دار المعلمين العليا"في باريس في موضوع"مشاكل الانتقال"،ثم اعيد نشرها اكثر من مرة منذ ذلك التاريخ لاهميتها البالغة من الناحية النظرية والمنهجية،كما كانت على الدوام موضوع مناقشات وتعليقات مستمرة في الاوساط العلمية،الماركسية وغيرها. يرى الاستاذ بتلهايم ان ما نملكه حتى الآن من مفاهيم "مرحلة الانتقال"هذه،لم يتجاوز المفاهيم العلمية،اي المفاهيم التابعة لاشكالية قديمة واجبة الاستبدال باشكالية جديدة هي اشكالية المرحلة الانتقالية بالذات.ان هذه المفاهيم العلمية لا تقدم الحلول المناسبة لمشاكل الاقتصاد الانتقالي،بل تقتصر على وصف وتحديد مشاكل الاقتصاد المذكور، وتعين مكانها داخل الاشكالية القديمة،على مستوى الممارسة النظرية وحدها. ان اهمية قضايا الاقتصاد الانتقالي لا تحتاج لتأكيد، لان عصرنا برمته هو في الواقع - عصر الانتقال - بين الرأسمالية والاشتراكية. ولو تتبعنا عشرات الاشكال المختلفة المعاصرة لمرحلة الانتقال لرأينا أنها قابلة للتصنيف الى نوعين اساسيين:الاول هو الانتقال الجذري، اي الانتقال من نمط الانتاج الرأسمالي الى نمط انتاج جديد هو النمط الاشتراكي وذلك بقلب علاقات الانتاج والعلاقات الطبقية واحلال دولة جديدة ذات محتوى طبقي جديد محل الدولة الرأسمالية.اما الشكل الثاني فهو الانتقال المحدود ذو المضامين القلقة وغير الثابتة، وهو انتقال مجتمعات واقتصاديات كانت حتى الامس القريب خاضعة للنظام الاستعماري(الكولونيالي)وهي تنتقل الآن لمرحلة ما بعد الكولونياليةPost- Coloniale .وهذا النوع الانتقالي الاخير هو الذي يثير المشاكل التي تحددها وتدل عليها بعض المفاهيم العلمية التي نستخدمها،من امثال (الامبريالية الجديدة) و(الكولونيالية الجديدة) و(الاشتراكيات الخاصة) التي تشير الى بعض الحقائق الاجتماعية وبعض المفاهيم الآيديولوجية التي تصفها، من قبيل (الاشتراكية البوذية)... الخ.ويرى بتلهايم انه من الضروري في دراسة هذه الاشكال الانتقالية،تجاوز الحقل الآيديولوجي الى حقل التغيرات الحقيقية في العلاقات الطبقية وعلاقات الانتاج والطبيعة الطبقية للدولة.
(2) نظرية ماركس ومشاكل الاقتصاد الانتقالي
يرى بتلهايم اننا لانملك الآن الا مفاهيم علمية نستطيع بواسطتها استيعابا افضل لعدد من الوقائع المعاصرة،بغية تحويل هذه المفاهيم العملية الى مفاهيم علمية،اي مفاهيم تنتظم في نظرية تسمح بفهم العلاقات بين الحقائق الاجتماعية موضوع البحث.ولهذا فقبل البدء بهذه المهمة يجب ان نفهم موقفنا النظري الحاضر بالنسبة لمشاكل الاقتصاد الانتقالي.ان نقطة الانطلاق يجب ان تكون نظرية ماركس،لانها وحدها تسمح بدراسة مرحلة الانتقال دراسة عملية،وذلك عن طريق استخدام الادوات المفهومية ومناهج البحث العلمي التي استخدمها ماركس،وذلك من اجل طرح وحلول قضايا الاقتصاد الانتقالي التي تجابهنا في الوقت الحاضر.ومن الضروري التأكيد على ان ماركس،وان كان قد طرح مشاكل الاقتصاد الانتقالي وقدم ادوات التحليل اللازمة لحلها،الا انه لم يقم نفسه بحلها،اي انه لم يقدم النظرية العلمية لمرحلة الانتقال.ولايضاح هذه النقطة يبدأ بتلهايم بتلخيص الموضوعات الخمس التي لخص فيها المفسر الماركسي المعروف التوسر Al Thusser (1) جوهر الانجاز الماركسي في هذا الصدد: 1. الموضوعة الاولى: هي ان ماركس في (رأس المال) استهدف دراسة الفرق النوعي المميز لنمط الانتاج الرأسمالي،ضمن شروط دراسة انماط الانتاج الاخرى بنفس الوقت،باعتبارها انماطا توحيدية ملموسة للجميع Verbindung(2) بين عوامل الانتاج،وكذلك بين علاقات انماط الانتاج المختلفة ببعضها،ضمن عملية تكوين انماط الانتاج. 2. الموضوعة الثانية: هي ان ماركس في دراسته للتراكم البدائي لرأس المال يكون قد وضع التخطيط الاول،او المسودة، لعملية تكون نمط الانتاج الرأسمالي،اي اشكال الانتقال بين نمط الانتاج الاقطاعي ونمط الانتاج الرأسمالي،اي ان ماركس، بهذه النصوص، يضع مجرد (مسودة) لنظرية الانتقال، ولكن ليس النظرية نفسها، بالنظر لانها لم تكن هدفه الاساس (3) . 3. الموضوعة الثالثة: يظهر مما سبق ان الهدف النظري لماركس هو دراسة نمط الانتاج الرأسمالي في هيئته الجوهرية - او حسب تعبير ماركس Kerngestalt - وتشخيص العوامل المحددة للهيئة المذكورة.انه لا يدرس،على سبيل المثال الرأسمالية الانكليزية،التي يستشهد بها فقط في نظرياته بل يدرس موضوعاً مثالياً،يتحدد بمقولات المعرفة،اي المفاهيم المجردة.ولهذا نجد ان الرأسمالية التي يدرسها ماركس تتكون من طبقتين فقط ،في حين ان اية رأسمالية في الواقع تتكون من عدة طبقات.او بعبارة اخرى،ان الفرق النوعي للرأسمالية الذي يدرسه ماركس لا يكون معدلاً او وسطاً تجريبياً Moyenne Empirique للرأسمالية الواقعية،بل مجرد (مفهوم) النظام الرأسمالي. 4. الموضوعة الرابعة: هناك اذن فرق أو فجوة Ecart بين نمط الانتاج الرأسمالي في حقيقة مفهومه وبين الرأسمالية الانكليزية مثلاً.وهذه الفجوة هي ما يسميها (التوسر) احيانا (بالفضلة الواقعية)Residu Reel واحيانا اخرى(بالشائبة) Impurete ومرة ثالثة (بالبقية) Survivance، القائمة في صلب نمط الانتاج الرأسمالي السائد في انكلترا(4). 5. الموضوعة الخامسة: وهي اكثر ارتباطاً بموضوعنا، يصوغها (التوسر) بالشكل التالي: (ان هذه الشائبة تشكل موضوعاً يعود لنظرية انماط الانتاج،وخاصة لنظرية الانتقال بين انماط الانتاج،الامر الذي يندمج بنظرية عملية تكوين نمط الانتاج المعين) (5). على ان الاستاذ بتلهايم، يبدي الملاحظات التالية بشأن محتوى الموضوعتين الرابعة والخامسة:- ان هذه الشوائب او البقايا..الخ كما يسميها (التوسر) تعود فعلاً لنظرية انماط الانتاج، الا أنها لا تكون الموضوع النوعي،اي الخاص، بنظرية الانتقال بين انماط الانتاج، ذلك لان هذه الشوائب موجودة دائماً في الواقع، فلا يمكن ان تكون خاصية لمرحلة الانتقال بالذات، الا اذا تصورنا جميع الانظمة الاقتصادية الواقعية اقتصاديات انتقالية، مما يفقد مفهوم(الاقتصاد الانتقالي) خصوصيته.اما اذا اردنا اعطاء معنى محدداً لاصلاح الاقتصاد الانتقالي،وهو الأمر الذي لا مندوحة عنه، وجب تحديد (مركز) Statut هذه الشوائب والبقايا، التي لم يجر التفكير بها حتى الآن ضمن مفهوم علمي، بدل استمرار اطلاق هذه التعابير الرمزية عليها.والمهم هو ان نطرح السؤال التالي بصددها:اليس من الأرجح ان ما يميز الاقتصاد الانتقالي هو شكل نوعي معين من التعايش والوجود المشترك والتفاعل بين عدة انماط انتاجية بنفس الوقت؟ ان هذا السؤال يثير السؤال الأهم التالي: الا تكون هذه الاشكال الخاصة في الوجود المشترك والتفاعل بين اكثر من نمط انتاجي معين،انماطا نوعية معينة من الانتاج؟ ليس المقصود طبعاً منذ الآن تطوير المفاهيم العلمية التي تثيرها هذه الاشكالية بل تقديم جملة تأملات تساعد على شق طريق لتطوير هذه المفاهيم. وهنا ينتقل المؤلف للملاحظة الثانية:ان ما سميناه قبل قليل بالبقايا التاريخية في نمط انتاج قديم لم يستطع التاريخ ازالتها، انما تمثل في الواقع - منتجات - Poroduits لهياكل اجتماعية معينة،ولا يمكن اعتبارها غريبة او شاذة عن الهياكل المذكورة،لأنها نتاج لمجموع العلاقات التي تكون تلك الهياكل،وخاصة نتاج للمستوى المعين من تطور القوى المنتجة،وما يميزها من التطور المتفاوت،وبالتالي ما يميز العلاقات الانتاجية من هذا التفاوت في التطور.اما النظرة اليها باعتبارها( شذوذا) فهي وليدة العجز عن الاستيعاب العميق لعلاقات الترابط بين الهياكل التي تنتجها. وهنا يؤكد بتلهايم على ان النظرية لأية اقتصاد واقعي - بصرف النظر عن كونه انتقاليا ام لا - يجب ان تقوم على اساس اعتباره(تركيباً معقداً ذا اتجاه مسيطر) Structure Complexe A Dominance اي مزيجاً معيناً من جملة انماط انتاجية يتميز واحد منها فقط بالسيطرة،وهذا النمط المسيطر هو الذي يطبع مجموع النظام الاجتماعي بطابعه الخاص،ويعدل شروط عمل وتطور انماط الانتاج التابعة او المسيطرة عليها. او بعبارة اخرى ان هذه الانماط التابعة،بحكم تبعيتها تكون مختلفة عنها في حالة(الصفاء)،انها تصاب، حسب تعبير ماركس بالهزال او الضمور Etiolement. وكذلك الحال في النمط المسيطر فأنه هو الآخر يتعرض لتغيرات جزئية بحكم طابعه او دوره المسيطر.والواقع ان هذه التراكيب المعقدة،ليست مجرد (تواجد) Iuxtaposition لعدة انماط انتاجية بل انها تكون تركيباً Structure معقداً، له طابع موحد،ويملك عليته الهيكلية الخاصة،ولكنه في نفس الوقت خاضع لتركيب محدد آخر ذي طابع مسيطر يتفق مع نمط انتاجي معين كالنمط الرأسمالي مثلاً.واذا كان التواجد والتفاعل بين عدة انماط انتاجية يميزان جميع الهياكل الاقتصادية الواقعية،فأن هذا ينسحب ايضا على الاقتصاد الانتقالي.الا ان عنصرا جديدا يدخل في هذا النمط الاخير،وهو شكل السيطرة بالنسبة للنمط المسيطر،واشكال الاستبعاد بالنسبة للانماط التابعة،وهذه هي احدى مشاكل نظرية الاقتصاد الانتقالي.وهنا يستشهد بتلهايم بعبارة للينين وردت في تقريره الشهير"الضريبة العينية"(6) المكتوب في 9 نيسان 1921،يصف فيها النظام الاجتماعي الروسي الجديد في تلك الفترة بأنها تركيب معقد يتضمن خمسة انماط انتاجية في الواقع: النمط الفلاحي الابوي البدوي او شبه البدوي،والنمط السلعي الصغير،والنمط الرأسمالي الخاص،ونمط رأسمالية الدولة،والنمط الاشتراكي.ويرى بتلهايم بأن ما يصفه هنا لينين هو نموذج رائع لمفهوم(التركيب الاقتصادي المعقد)من جهة،ومفهوم (الاقتصاد الانتقالي نحو الاشتراكية) من جهة اخرى،باعتبار ان الطبقة العاملة بالذات،كما لاحظ لينين نفسه،هي التي تهيمن على السلطة،فضلاً عن هيمنتها على المعامل ووسائل المواصلات والتجارة الخارجية.وفي مثل هذه الظروف،لا تغير بعض التنازلات المحدودة للرأسمال الأجنبي،وبعض الامتيازات الممنوحة للرأسمالية الداخلية،من الاتجاه العام المسيطر،بالنظر للطابع العمالي للدولة،وسيطرة هذه الدولة العمالية على ما يسميه لينين(القمم المسيطرة للاقتصاد). والآن كيف يمكن طرح مشاكل(التركيب الاقتصادي المعقد) بصورة عامة والقيام بعملية تحليلية ودراسة تطوره بصورة خاصة؟ قد يقال بأن الاجابة على ذلك تكمن في مجرد استخدام معارفنا عن قوانين عمل وتطور الهياكل الاولية التي يتألف منها التركيب المعقد.ولكن من الواضح ان هذا المنهج هو منهج تقريبي فقط ،وان اهم نقطة ضعف فيه هو تصور هذه الانماط الانتاجية الاولية التي تدخل في عضوية التركيب المعقد،وكأنها انماط (مستقلة) او نقية،ولذلك فان ما نحصل عليه من نتائج في هذا الصدد لا تخرج عن حدود التقريب،وبالتالي فان الفروق الملحوظة بين هذه النتائج والواقع الاقتصادي يجب ان تدفعنا الى محاولة بناء مفهومي جديد للتركيب المعقد ذي الطابع المسيطر،يستجيب بصورة افضل لطبيعة النظام الاقتصادي الواقعي. ان هذا الطابع(المختلط)للانظمة والهياكل الواقعية لا يقتصر على الاقتصاديات القومية،بل هو يسم،وبصورة ابرز،الاقتصاد الدولي،كما يلاحظ بتلهايم بحق،ذلك لان تطور القوى المنتجة في اي بلد، مشروط جزئياً بعلاقات الانتاج العالمية. وهذا يصدق على البلدان الخاضعة للامبريالية،كما يصدق على البلدان المسيطرة ايضاً.ومعنى ذلك ان الاقتصاد العالمي نفسه يكون (تركيباً اقتصادياً لجملة هياكل معقدة).ان الاقتصاد العالمي اذن يشكل الحقيقة الاقتصادية النهائية،وفي اطاره تمتزج،بابعاد مختلفة،مختلف انماط الانتاج ومختلف الاقتصاديات القومية،التي تكون اجزاء عضوية من هذا الكل المعقد.ويستنتج بتلهايم من كل هذا التحليل بأن دراسة اي اقتصاد قومي واقعي معين،ولنقل مثلاً،اقتصاد احد بلدان امريكا اللاتينية،حيث يظهر ان النمط المسيطر هو الملكية الزراعية الكبيرة،يجب ان لا يتم بمعزل عن شكل علاقته بأنماط الانتاج السائدة على الصعيد العالمي.ذلك لان فهم هذا الاقتصاد القومي المحدد يقتضي دراسته كجزء لا يتجزأ من علاقات الانتاج العالمية،اي اعتباره كتركيب مندمج Integre ولنقل في مثلنا السابق،مسيطر عليه من قبل الاقتصاد الامريكي.وتصدق هذه الملاحظة ايضا على التحولات الهيكلية والمراحل الانتقالية للاقتصاديات القومية.انها هي الاخرى يجب ان تحلل في ضوء اعادة وضعها في المجموع الهيكلي العالمي.واستناداً لهذه المقولة المنهجية،يؤكد بتلهايم بأن مراحل الانتقال للبلدان التي انجزت ثورتها الاشتراكية في اوقات مختلفة،لا يمكن ان تختلف عن بعضها، ليس بسبب العوامل الداخلية الخاصة بكل منها فقط ،اي الاختلاف في مستوى تطور قواها المنتجة،والتفاوت في تراكيبها الطبقية..الخ،بل بسبب التغير الطارئ على المركب العالمي نفسه ايضا.وبهذا المعنى تعتبر ثورة اكتوبر الروسية ليست بداية لمرحلة جديدة بالنسبة للاقتصاد الروسي فحسب بل بالنسبة للاقتصاد العالمي ايضا بسبب التغير العميق الذي احدثته الثورة في تركيبه الكلي.ويستنتج بتلهايم مما سبق،بأن ثورة أكتوبر مزقت وحدة الاقتصاد العالمي الذي كان قد تشكل مع سيطرة الامبريالية،وبذلك بدأت(مرحلة انتقال للاقتصاد العالمي). ان خصائص هذه المرحلة واطوارها المتعاقبة يجب ان تدرس باعتبارها ظاهرة موضوعية لها جوانبها القومية الى جانب جوانبها الدولية.وفي الوقت الحاضر لا نملك بهذا الصدد الا بعض المفاهيم الفقيرة بمحتواها من قبيل(التعايش السلمي العالمي) و(الصراع العالمي بين النظامين).ان امثال هذه المفاهيم تؤشر فقط الى وجود المشكلة،مشكلة اشكال واطوار الانتقال على الصعيد العالمي،ولكنها لا تسمح بطرح المشكلة على الصعيد العالمي.ان وجه الصعوبة في المشكلة هو ليس فقط حجمها وجدتها بل ايضا خصوصية هذا الانتقال العالمي الذي ينطوي على تحولات سياسية وآيديولوجية على مستوى جميع الدول،ذلك لأن هذه التحولات هي التي تغير سيطرة نمو الانتاج داخل كل دولة. انها هي التي ادت، على سبيل المثال،الى تغيير طبيعة الاقتصاد الكوبي في بضعة اشهر فقط، ناقلة اياه من اقتصاد خاضع للرأسمال الامريكي الى اقتصاد مندمج بالاقتصاد الاشتراكي العالمي،وسائر في طريق البناء الاشتراكي. ان الطابع القومي المباشر لهذه التحولات يجب ان لا يحجب عنا رؤية الطابع الدولي لعملية الانتقال. بعد هذه الملاحظات العامة ينتقل بتلهايم لمعالجة بعض المصطلحات تمهيداً لصياغة اكثر دقة لمشاكل الاقتصاد الانتقالي.
(3) حول بعض مصطلحات الاقتصاد الانتقالي من اجل شق طريق واضح للصياغة النظرية لمفاهيم الاقتصاد الانتقالي، يقترح بتلهايم صياغة النظريات والمفاهيم التالية،المترابطة ببعضها،والمتميزة عن بعضها في نفس الوقت: 1. يقترح اولا الكلام عما يسميه نظرية نشوء نمط انتاج معين Constitution،بمعنى توفير شروط نمط انتاج جديد،او بعبارة اخرى، نظرية اصول او جذور النمط المذكور.وقد قدم ماركس نظرية نشوء بهذا المعنى عندما اشار الى التراكم البدائي لرأس المال، موضحاً كيف انه في داخل نمط الانتاج الاقطاعي، تجمعت شروط نمط الانتاج الرأسمالي، وذلك ليس بفعل العوامل الاقتصادية فقط، بل ايضا بفعل التراكيب السياسية، مثال ذلك تدخل الدولة في بريطانيا لتشريع وتنفيذ القوانين الزراعية(..).ان نظرية تكوين شروط نمط انتاجي معين في داخل نمط انتاجي آخر هي اذن،بنفس الوقت،نظرية تحول وانحلال علاقات الانتاج القائمة.وهذا الانحلال لا يمس هيكل الانتاج فحسب بل مجموع البنيان الاجتماعي،وهو يتميز بأشكال نوعية معينة من تدخل البناء الفوقي السياسي في البناء التحتي. 2. ثم ينتقل بتلهايم ثانيا الى ما يسميه نظرية(الانتقال) Passage من تركيب معين الى تركيب آخر،موضحاً ان المقصود بذلك هو الانتقال المثالي او الفكري او التصوري وليس الانتقال الواقعي التاريخي.ان من نتائج الطابع المثالي لجميع انماط الانتاج هو ان تعاقبها في الفكرة قد يختلف عن انتقالها في الواقع،ذلك لان ما يجري في الواقع هو ليس اطلاقا تعاقب انماط انتاجية نقية بل دائما انتقال(نمط انتاجي معقد ذي اتجاه مسيطر)الى نمط آخر معقد ذي اتجاه مسيطر ايضا.وهذا النوع من الانتقال الواقعي لا يمكن ان يكون في اتجاه مستقيم،ذلك لان المستويات المختلفة للبناء الاجتماعي برمته،تتفاعل مع بعضها،ويمكن ان تخلق الشروط اللازمة لانتقال مباشر من نمط انتاجي مسيطر لنمط انتاجي آخر،بالرغم من عدم امكان حصول هذا الانتقال على الصعيد النظري المجرد.او بعبارة اخرى ان تعقد التراكيب هو الذي يستبعد اي طابع مستقيم للانتقال،وقد بينا ان هذا التعقيد يمتد الى النطاق الدولي،طالما ان كل اقتصاد قومي ما هو الا(حلقة) قد تكون مسيطرة او تابعة،في سلسة الاقتصاد العالمي.وبهذا الاعتبار فان التناقضات التي تنشأ داخل كل بلد،ليست مجرد تناقضاً داخلياً،بل هي ايضا وليدة شكل اندماج البلد المذكور في المركب العالمي الاقتصادي والسياسي.ومن هنا نشأت فكرة"الحلقة الاضعف".واذا كان بالامكان تصور قوانين مجردة للانتقال من نمط انتاجي الى نمط انتاجي آخر،فلا يمكن التأكيد بوجود ضرورة تاريخية لتعاقب مستقيم بين انماط الانتاج المسيطرة في الانظمة الاجتماعية،ذلك لان انحلال اي نمط انتاجي معين لا يعني اكثر من خلق شروط نمط آخر،ولكنه لا يقرر ضرورة هذا النمط الجديد،لان هذه الضرورة التاريخية لا تتحدد فقط بالهيكل الاقتصادي،بل بمجموع شروط تحول الهيكل الاجتماعي برمته،بما في ذلك ابنيته الفوقية السياسية والآيديولوجية.ويستشهد بتلهايم بمثل انحلال النظام الرأسمالي في الوقت الحاضر.ان هذا الانحلال لا يخلق مجموع شروط التحول الى النظام الاشتراكي الا اذا توفرت الشروط السياسية والآيديولوجية.ويتوقف توفر هذه الشروط على هيكل الظروف الخاصة Structure des Conjonctures التي تمر بها الانظمة الاجتماعية.(...). 3. وهكذا يستنج المؤلف من التحليلات السابقة ضرورة تطوير نظرية ثالثة،بالاضافة الى نظرية النشوء ونظرية الانتقال التجريدي،هي نظرية"هيكل الظروف الخاصة"التي تفتح الطريق للانتقال بين الانماط الانتاجية.ويمكن القول بصورة عامة ان(الظرف الخاص)بهذا المعنى هو انفجار مجموعة من التناقضات تعطي للحظة تاريخية معينة طابعا ثورياً،وتثير ضرورة اعادة تركيب النظام الاجتماعي،اي ضرورة استبدال النظام القديم بنظام جديد.ومنذ هذه اللحظة تبدأ- مرحلة الانتقال- التي يجب ان تكون بحد ذاتها موضوعاً لنظرية اخرى هي(نظرية الانتقال)Transition . 4. بالنسبة"لنظرية الانتقال"هذه، يلاحظ المؤلف انه على مستوى الاقتصاديات القومية،يمكن ملاحظة نمطين رئيسيين من الانتقال في الوقت الحاضر:النمط الأول - من"الانتقال"، بالمعنى الضيق،وهو الانتقال من اقتصاد كان سابقا خاضعاً للنظام الرأسمالي،وان كانت رأسماليته الداخلية ضعيفة او حتى غير موجودة الى اقتصاد متجه نحو الاشتراكية.والشرط الضروري المسبق في هذا النمط هو انتقال سلطة الدولة الى الطبقة العاملة او مجموعة الطبقات المستغَلة سابقا مع الاحتفاظ بالدور المسيطر للطبقة العاملة.والنمط الثاني - هو الانتقال بالمعنى الواسع،الذي يعني الانتقال من اقتصاد كولونيالي مباشر الى ما يسميه المؤلف(المرحلة ما بعد الكولونيالية).وفي هذا النمط لا تزول اشكال الاستغلال القديمة ولا تلغي السيطرة السابقة،بل تتعدل فقط.ذلك لان النظام الذي لا تسيطر فيه جماهير الشغيلة على السلطة،ويحتفظ بسيطرة الطبقات المستغِلة – بكسر الغين – لا يمكن الا ان يستند الى ذلك الجزء من النظام الاقتصادي والسياسي العالمي الذي يكافح من اجل الاحتفاظ بالامتيازات الطبقية ويتضامن مع كل انظمة الاستغلال.
وهكذا فان الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية هي التي تحدد،في التحليل الأخير،اندماج البلد بالنظام الرأسمالي العالمي او النظام الاشتراكي العالمي.وبالنسبة لهذا النمط الثاني،اي النمط ما بعد الكولونيالي – يمكن ان يتخذ تعبير- الاقتصاد الانتقالي معنيين:الاول هو تغيير اشكال السيطرة دون تغيير جوهرها او طبيعتها. ومن اوضح الامثلة على ذلك،الاقتصاد الهندي حيث تستخدم البورجوازية الهندية – رأسمالية الدولة – لاحكام سيطرتها الطبقية،دون امكانية الخروج من قبضة الرأسمال الأجنبي،بحكم القيود التي يضعها النظام نفسه على تطوير الاقتصاد الهندي.اما المعنى الثاني الذي يستخدم فيه تعبير(الاقتصاد الانتقالي) فهو حالة حصول توازن مؤقت بين القوى الاجتماعية الطبقية المتصارعة،ولا شك ان مثل هذا التوازن الذي قد يصل الى حد ظهور تحالفات طبقية،علنية او خفية،يتسم اساسا بعدم الاستقرار،ولا يمكن ان يكون اساسا اجتماعياً لنظام اقتصادي،له قوانين تطوره الخاصة.والمثل الذي يضربه المؤلف على هذه الحالة هو مثل الاقتصاد الاندونيسي قبل انقلاب ايلول 1965. ولهذا السبب لا يحبذ المؤلف استعمال تعبير(الاقتصاد الانتقالي)على هذه الحالات – بل يفضل عليه تعبير"الوضع الانتقالي" Situation de Transition ،ومن اهم سماته على المستوى الاقتصادي،انعدام النمو الاقتصادي بالمرة تقريباً. ويستنتج بتلهايم من كل ما سبق بأن اشكالية الاقتصاد الانتقالي تكمن على الصعيد النظري،في ايجاد نظرية لنمط انتاجي معقد او انقطاع في الكل المركب القديم.واستناداً الى هذه الملاحظة المنهجية العامة يكون الاقتصاد الانتقالي هو اقتصاد عشية الانفصام،وبالتالي فلا تشمل نظرية الانتقال (نظرية نشوء انماط الانتاج) بل انها بطبيعتها نظرية – بدايات – النمط الانتاجي الجديد.ومن موضوعاتها الهامة دراسة فترة عدم الاستقرار الاولى،تلك الفترة التي تسبق ما سماه ماركس فترة"التوطيد الاجتماعي لنمط الانتاج"(7).وفي هذه الفترة الاولى،يكون مصير النمط الجديد معلقاً وغير محسوم،ولكنه على كل حال،يعقب مباشرة القطيعة الكاملة مع النمط القديم المسيطر،او على الاقل يعقب زعزعة سيطرته – حالة الفترة التي تعقب مباشرة التحرر من النظام الكولونيالي- . الا ان مشاكل الاقتصاد الانتقالي لا تقتصر طبعاً على دراسة هذه الفترة الاولى،التي يمكن اعتبارها – الطور الاول- لمرحلة الانتقال،بل تمتد لكل الفترة التاريخية التي تمثل فترة التحول من النظام القديم الى النظام الجديد،والتي تعتبر نفسها مرحلة اولى لنظام تأريخي معين.وهنا يصل المؤلف الى الفكرة الرئيسة في نظرته وهي ان ما يميز – مرحلة الانتقال- مثلا المرحلة الفاصلة بين الرأسمالية والاشتراكية- هو ليس عدم الاستقرار او غياب السيطرة بل واقع عدم الانسجام Inadequation الكبير نسبياً،بين جوهر العلائق الاجتماعية الجديدة التي اصبحت مسيطرة،والقوى المنتجة،الامر الذي ينعكس ايضا في ظهور نوع من التناقض بين نمط الملكية الشكلي ونمط السيطرة الفعلي على القوى المذكورة.وفي مثل هذه الظروف لا تكون العلاقات الاجتماعية الجديدة قادرة على السيطرة بقواها الخاصة،او بعبارة اخرى لا تكون شروط اعادة الإنتاج الموسع لهذه العلاقات الاجتماعية متوفرة بشكل تام.ولهذا فتلجأ العلاقات الاجتماعية الجديدة،لضمان سيطرتها الى طرق وسيطة Mediations ،وعلى سبيل المثال بالنسبة للاقتصاد الانتقالي نحو الاشتراكية،قد يلجأ النظام الجديد اما الى السوق(حالة السياسة الاقتصادية الجديدة،النيب،في الاتحاد السوفيتي)،او الى المركزية الادارية(حالة الخطط الخمسية الاولى في الاتحاد السوفيتي). ان اللجوء الى هذه البدائل يدل على استمرار التناقضات الداخلية(8).وهذه التناقضات انما تجد حلها في تنمية وتطوير القوى المنتجة لضمان اعادة الانسجام بين العلاقات الاجتماعية وقوى الانتاج.وبالنسبة للاقتصاد الاشتراكي لابد من دفع عملية اندماج وترابط القوى المنتجة ببعضها الى حد القدرة على الاستغناء عن آليتي السوق والمركزية الادارية،واستبدالها بالتوجيه المنسق للاقتصاد القومي عبر آليات جديدة مبتكرة،على رأسها آلية التخطيط من نوع جديد. وعند هذه النقطة من البحث يقترح المؤلف استعمال تعبير (المرحلة)PHASE للدلالة على الفترتين التاريخيتين المهمتين في تطور الانظمة الاجتماعية وهما فترة (بدايات) النظام،وهذه هي (مرحلة الانتقال) بالمعنى التكنيكي المحدد،والتي تميز،كما ذكرنا،بعدم التلاؤم بين العلاقات الانتاجية والقوى المنتجة.وثانيا(فترة اعادة الانتاج الموسع لهيكل الانتاج)،والتي تتميز بديناميتها الخاصة.ان كلاً من هاتين المرحلتين تتميز بنوع خاص من الترابط بين مستويات النظام الاجتماعي،والترابط بين تناقضاتها الخاصة،التي تتميز بالتطور غير المتساوي،وخلال المرحلة بكاملها تغير مواقع التناقضات المذكورة،فما كان تناقضاً رئيسياً قد يصبح تناقضاً ثانوياً،وما كان وجهاً ثانوياً للتناقض قد يصبح وجهاً رئيسياً.وهذا التغير في مواقع التناقضات هو الذي يحدد اطوار Stades المرحلة نفسها ويؤكد انتقالها من طور الى آخر،تبعاً لتغير العلاقات بين الطبقات الاجتماعية او بين المراتب المختلفة لنفس الطبقة الاجتماعية.والمشكلة النظرية التي يطرحها الاستاذ بتلهايم هي:هل يوجد انقسام نمطي للمرحلة الانتقالية الى اطوار معينة،لها خصائصها النوعية الخاصة بها؟واذا كان الجواب بالايجاب فما هي العلاقة بين هذه الاطوار النموذجية وبين الفترات التاريخية التي اجتازتها اقتصاديات البلدان الاشتراكية.ان الجواب على هذه الاسئلة هو من صميم نظرية الاقتصاد الانتقالي.
(4) الخصائص الاساسية للمرحلة الانتقالية
يرى الاستاذ بتلهايم ان المشكلة النظرية الاساسية للمرحلة الانتقالية تجسد في تلمس الإجابة،او على الاقل بداية الاجابة على السؤال التالي: بالنسبة لمرحلة الانتقال على مستوى الاقتصاد القومي هل توجد خصيصة عامة مشتركة تميز المرحلة بكاملها وتبرراعتبارها نظريا مرحلة واحدة؟واذا كان الجواب ايجابيا،فيثور السؤال الآتي:في حالة وجود خصيصة عامة مشتركة تميز مجموع مرحلة الانتقال من نمط انتاجي الى نمط انتاجي أخر،هل تتميز مراحل الانتقال المختلفة بخصائص عامة مشتركة مماثلة؟او بعبارة اخرى اذا كانت هناك خصيصة مشتركة تميز مرحلة الانتقال من النمط الرأسمالي مثلاً،فهل تتكرر هذه الخصيصة العامة بشكل أخر،اي بوسائل اخرى في المرحلة الانتقالية من نمط الانتاج الرأسمالي الى نمط الانتاج الاشتراكي؟ يرى بتلهايم ان الإجابة على هذه الاسئلة يجب ان تنطلق من التحليلات المتوفرة لدينا عن مرحلة الانتقال الى الرأسمالية.لقد اوضح الاستاذ(باليبار) بان هذه المرحلة تتميز بنوع من عدم التوافق بين نمط الملكية الشكلي ونمط السيطرة الحقيقي.لقد كان النمط الشكلي للملكية لمرحلة الانتقال الى الرأسمالية هو النمط الرأسمالي،اي تجريد العامل من ملكية وسائل الانتاج،ولكن نمط السيطرة الفعلي(على القوى المنتجة)،بالعكس،لم يصبح بعد النمط المميز للرأسمالية،وهو نمط الصناعة الكبيرة،ذلك لان رأس المال - كما كتب ماركس نفسه - يسيطر على العمل اولاً في الشروط التكنيكية التي يوفرها التطور التاريخي،ولا يستطيع مباشرة تغيير نمط الانتاج(9). ان هذه المرحلة الاولى من الرأسمالية،مرحلة الانتقال الى الرأسمالية،هي مرحلة الصناعة اليدوية(المانفكتورة).ان المانفكتورة هي في الواقع نمط انتاج مرحلة الانتقال الى النظام الرأسمالي،وان ما يميز هذا النمط الانتاجي هو دفع خصيصة العامل الحرفي الى اقصى حدودها اي خصيصة الوحدة بين قوة العمل ووسيلة العمل،وهكذا بينما نجد ان علاقة الانتاج الاجتماعية تعمل هنا على فصم العلاقة الشكلية بين العامل ووسائل الانتاج،تعمل عملية العمل نفسها،بالعكس على شد الوحدة بينهما.وقد حل هذا التناقض فيما بعد،عن طريق الثورة الصناعية التي اصبح تطورها ممكناً،بالضبط بسبب خضوع العمل الشكلي لرأس المال.ان هذه الثورة الصناعية تتضمن فصم الوحدة بين العامل والوسائل الانتاجية،لان هذه الوسائل لا تعود وسائل فردية،بل تتحول إلى وسائل جماعية،بحيث ان الانفصال بين العامل ووسائل العمل لا يتم على صعيد عملية العمل وحدها،بل على صعيد العلاقات الاجتماعية للانتاج،او بعبارة اخرى،تعمل الصناعة الكبيرة على تحويل خضوع العامل الشكلي لرأس المال الى خضوع فعلي،حسب تعبير ماركس(10). ويعبر الاستاذ(باليبار)عن هذا الدور التاريخي للصناعة الكبيرة،بأنها تعمل على توفير الانسجام Homologie بين اشكال التملك والسيطرة،ولكن يجب ان لا ننسى ان هذا الانسجام نفسه ينطوي بنفس الوقت على تناقض اساسي هو التناقض بين الملكية الخاصة لوسائل الانتاج،والطابع الاجتماعي للقوى المنتجة. الخلاصة ان مرحلة الانتقال الى الرأسمالية تتميز بنوع من عدم التوافق،كما أنها تتميز ايضاً بنوع من الفجوة الزمنية في تكوين العناصر المختلفة للهيكل الاجتماعي.ان الرأسمال كعلاقة اجتماعية،يتكون قبل،وباستقلال عن الخضوع الفعلي الذي يميز نمط الانتاج الرأسمالي(11). وهنا يعود الاستاذ بتلهايم لطرح السؤال التالي:هل ان مرحلة الانتقال الى الاشتراكية تتميز هي الاخرى بنوع من عدم التوافق ونوع من الفجوة التاريخية؟وهل ان هذا التناقض ينتهي هو الآخر بنمط جديد من الثورة الصناعية،اي بسيطرة القوى المنتجة،ذات السمات المتقنة مع العلاقات الاجتماعية الجديدة للانتاج؟وهل هذه السيطرة ممكنة بالضبط بفضل الظهور المسبق لعلاقات الانتاج الاشتراكية،اي بفضل نوع معين من الفجوة الزمنية Decalage Chronologique؟. يرى الاستاذ بتلهايم ان هذه الفجوة تستتبع عدة نتائج هامة،من زاوية الترابط بين المستويات المختلفة للهيكل الاجتماعي.انها تؤدي من جهة الى منح المستوى السياسي فعالية خاصة،وتؤدي من جهة ثانية الى عجز النظام الاقتصادي عن اداء وظائفه بوسائله الخاصة دون اللجوء الى بدائل وسيطة مؤقتة.مثال ذلك بالنسبة للاقتصاد الانتقالي نحو الاشتراكية،يلجأ النظام لرأسمالية الدولة او الى آلية السوق،او الى المركزية الادارية.وتتضح اهمية هذه المسألة بصورة خاصة عند دراسة الابنية الفوقية السياسية لمرحلة الانتقال،وخاصة اشكال الديمقراطية ودور الجهاز الاداري.وهذا ما يفسر اهتمام(لينين)الخاص بما سماه(الصراع ضد البرقرطة)،وما سماه ايضاً(الأسس الاقتصادية لتلاشي البيروقراطية)(12).وهكذا يستنتج بتلهايم من كل ما سبق بأنه انطلاق من هذه الفكرة الرئيسة،فكرة عدم التوافق بين نمط التملك الشكلي ونمط السيطرة الفعلي على قوى الانتاج،مع الاهتمام بدرجة عدم التوافق هذا،واشكاله النوعية،يمكن معالجة مشاكل(الاطوار المختلفة)للاقتصاد الانتقالي نحو الاشتراكية،ومحاولة صياغة نظرية عامة لهذه الاطوار. كما يرى بلتهايم ان درجة عدم التوافق هذا في بداية المرحلة واشكاله النوعية المختلفة حسب البلدان هي التي تقرر البعد التاريخي للمرحلة الانتقالية،والدور المختلف للجهاز البيروقراطي وبالتالي الاشكال المختلفة للديمقراطية الاشتراكية خلال المرحلة.وكذلك على المستوى الاقتصادي يجب ان تطرح،ابتداء من تحليل درجة واشكال عدم التوافق هذا،مجموع القضايا الاقتصادية للمرحلة الانتقالية،من قبيل دور السوق والنقود والعلاقات المباشرة بين المشروعات الاشتراكية واشكال تنظيم الزراعة والتغيرات اللازمة في آليات التخطيط نفسه..الخ. ولا شك ان جميع هذه المشاكل هي مشاكل اقتصادية وسياسية في نفس الوقت،وحلها لابد ان يطرح مشكلة العلاقات بين الطبقات وبين مراتب هذه الطبقات،كذلك العلاقات بين(القمة)و(القاعدة)..الخ.او بعبارة اخرى لابد من القاء الضوء على(التناقضات)التي يثيرها عدم التوافق المذكور،مع العلم ان بعضها قد يتخذ شكلاً عدائياً وبعضها قد يتحول من تناقض ثانوي الى تناقض رئيس،ومثال ذلك ان عدم معالجة(الملكية الفلاحية الصغيرة)بشكل صحيح،قد يؤدي اما الى تخلف القوى المنتجة في الزراعة،كما حصل في الاتحاد السوفيتي قبل تدشين سياسة النيب،او يؤدي الى استفحال دور السوق الى حد التهديد الخطير لنفس علاقات الانتاج الاشتراكية،كما يحصل الآن في يوغوسلافيا.وهنا يلاحظ بتلهايم بأن(القطيعة) Coupure بين(مرحلة الانتقال نحو الاشتراكية) و(مرحلة التطور اللاحق للاشتراكية)سوف تكون اشد واعمق من القطيعة بين المرحلتين بالنسبة للنظام الرأسمالي.ومنذ الآن يمكن ملاحظة ان هذه القطيعة بالنسبة للتطور اللاحق للاشتراكية،سوف تعني نهاية الانفصال بين العمل اليدوي والعمل الذهني،وبين العمل التنفيذي والعمل التوجيهي،اي نهاية الانقسامات الجزئية التي لا تزال قوية داخل صفوف الطبقة العاملة نفسها.
(5) سمات الاقتصاد ما بعد الكولونيالي بعد هذه الملاحظات العامة عن(الاقتصاد الانتقالي الى الاشتراكية)يبدي الاستاذ بتلهايم بضعة ملاحظات حول الاقتصاد الانتقالي،بالمعنى الآخر اي(الاقتصاد الخارج من العهد الكولونيالي).يرى الاستاذ ان هذا الاقتصاد يتميز بالسمات التالية:- ان الوجه الرئيس للوضع الحالي لهذا النوع من الاقتصاد الانتقالي ليس وليد التطور الداخلي لهيكله الاقتصادي السابق،اي القوى المنتجة التي تدفع به من طور الى أخر.ان هذه القوى المنتجة هي،على العكس،قوى راكدة بصورة عامة في هذه البلدان،ولهذا فان وضعها الجديد - ما بعد الكولونيالي - محكوم بقطيعتها مع التبعية السياسية.ان هذه القطيعة هي التي تطلق الامكانيات الجديدة بفعل التدخلات الخاصة للمستوى السياسي على مستوى هياكل الانتاج.وكما ان حدث التقاء هذه المجتمعات بالمجتمعات الرأسمالية الغربية هو الذي اثار تغير انماطها الانتاجية،فكذلك يتجه حدث انفصامها عن التبعية السياسية الى تغير انماطها الانتاجية ايضاً،عاجلاً او آجلاً،تدريجياً او بالعنف. 1. يلاحظ الاستاذ كذلك اننا نجد هنا - كما نجد في كل انتقال مماثل - نوعا خاصا من تدخل الدولة والقانون والسلطة السياسية في نمط الانتاج.ان التطور السريع لتدخلات الدولة،واعلان خطط التنمية،والتأميمات المختلفة للمشاريع الانتاجية،او التجارة الخارجية..الخ ما هي الا علامات على هذه الانفجارات المتسارعة في التراكيب الاقتصادية.على ان ما يميز التدخلات السياسية هنا عن مرحلة الانتقال نحو الاشتراكية هو انها غير صادرة عن جهاز دولة تسيطر عليه الطبقة العاملة او التحالف الطبقي الذي تقوده الطبقة المذكورة،بل عن جهاز دولة لا يزال يحتفظ بالامتيازات للطبقات المسيطرة اقتصادياً ويدافع عنها،اي ان ما يلعب الدور الحاسم هنا هو التناقضات بين بعض الاستثمارات الخاصة والمصالح الاجنبية وليس التناقضات الاجتماعية بصورة مباشرة. 2. واخيراً يلاحظ الاستاذ بتلهايم هذه الملاحظة العميقة:بالنسبة لهذه الاقتصاديات الخارجية من العهد الكولونيالي،يبدو لاول وهلة،اننا بصدد دراسة(الطور الاول)من مرحلة الانتقال نحو نمط انتاجي جديد،ولكن قد يكون من الارجح والاقرب للواقع اعتبار هذه الاقتصاديات ممثلة للطور النهائي من نمط الانتاج القديم،اي انها تمثل(انحلال)النظام الذي يسبق الانتقال الحقيقي.(...)
(6) القضايا الرئيسة للاقتصاد الانتقالي الخلاصة - كما يستنتج الاستاذ بتلهايم - ان كل نظرية للاقتصاد الانتقالي يجب ان تعالج مشاكل هذين النمطين من الاقتصاد الانتقالي اللذين يميزان العالم المعاصر: 1. مشاكل الاقتصاديات التي اطلقت الثورة الاشتراكية،اي التي تطرح فيها مشاكل البناء الاشتراكي.وبالرغم من تعدد هذه المشاكل وتنوعها،الا ان من اهم هذه المشاكل التي لها طابع نظري اساسي هي اولاً دور الانتاج السلعي البسيط او حتى دور الانتاج الصغير الرأسمالي،في الاطوار الاولى من مسيرة البلدان المتجهة نحو الاشتراكية.وقد اثيرت هذه القضايا بشكل واضح وحاد في اثناء فترة السياسة الاقتصادية الجديدة(النيب)في الاتحاد السوفييتي.كذلك من القضايا الاساسية في هذا النمط الانتقالي هي قضية اشكال الانتقال من الانتاج السلعي البسيط الى الانتاج التعاوني.وهنا تبرز امامنا مشكلة التجميع الزراعي في الاتحاد السوفيتي،ولكن يجب ايضا دراسة الاشكال الاخرى للتحول الزراعي،وخاصة التجربة الصينية.اما القضية الثالثة التي تستحق الاهتمام في نظر المؤلف،فهي قضية مختلف اشكال التوسطات الضرورية للسيطرة الفعلية على التناقضات التي تنشأ عن عدم التوافق بين نمط الملكية الشكلي ونمط السيطرة الحقيقي.ان من المهم تفحص الدور التقدمي الذي قد تلعبه التناقضات المذكورة وذلك بتصعيدها لنمو القوى المنتجة،وبتوفيرها للشروط اللازمة لتحقيق ذلك.ومما يدخل في هذا النطاق دراسة الترابط بين مشاكل التخطيط ومشاكل التسيير الاقتصادي وخاصة عبر التجربة الكوبية وما اثارته من مناقشات مثمرة.ان المهم في اثارة جميع هذه القضايا هو ابراز محتواها النظري عبر دراسة وتحليل جميع تطوراتها التاريخية الحديثة،مع التأملات النظرية التي صيغت حتى الآن حول هذه التطورات. 2. مشاكل(الاقتصاديات ما بعد الكولونيالية):ويبرز الاستاذ بتلهايم،بين اهم القضايا واجبة الطرح والتحليل في هذه البلدان:اولا دور واهمية رأسمالية الدولة،وخاصة الفروق النوعية التي تميزها هنا عن رأسمالية الدولة القائمة على الرأسمالية الاحتكارية في البلدان الامبريالية الكبرى.وكذلك الفروق التي تميز رأسمالية الدولة في بلد،كالهند مثلاُ،تسيطر عليه بورجوازية صناعية قوية،ورأسمالية الدولة في بلد لا تزال فيه القوى المنتجة ضعيفة وبطيئة النمو،ولا يزال خاضعاً الى فئات محدودة جداً من البورجوازية الصغيرة،اغلبها فلاحي وتجاري،كما هي الحال مثلاُ في مالي وكمبوديا.اما القضية الثانية التي تستحق الاهتمام بالنسبة لهذه البلدان فهي دراسة البنى الجديدة للرأسمالية العالمية،وذلك لسببين:الاول لان هذه الدراسة تلقي اضواء جديدة على طبيعة بعض المشاكل المطروحة الآن في البلدان الاشتراكية نفسها،والسبب الثاني لان التطور الحديث للرأسمالية ينطوي على آثار بعيدة الغور بالنسبة للتطور اللاحق الممكن للاقتصاديات ما بعد الكولونيالية.وفي هذا الاطار بالذات تثور المشكلة المهمة التي يعبر عنها عادة بالمفهوم العلمي(الكولونيالية الجديدة)او الاستعمار الجديد. هذه هي مجمل المشاكل والقضايا التي يقترح الاستاذ بتلهايم على جميع المعنيين طرحها والاجابة عليها في سبيل صياغة نظرية علمية متكاملة للاقتصاد الانتقالي.
(7) كلمة تقييم للدراسة ليس هناك شك في ان دراسة بتلهايم هذه،هي اهم دراسة ماركسية متوفرة لطرح وتحليل اشكالية الاقتصاد الانتقالي.واذا قارناها،على سبيل المثال،بدراسة الاقتصاد الماركسي الايطالي (بيزنتي) Pesenti المكتوبة عام 1956 حول(مرحلة الانتقال)(13)،نجد انها تجاوزتها بمراحل.لقد كان بيزنتي يستخدم مفهوم(المرحلة الانتقالية) Fast di Transizione للتأكيد على الجانب الانتقالي من الرأسمالية المعاصرة،اي للدلالة حسب تعبيره الحرفي على(المرحلة التي تتجمع فيها الظواهر التي تشكل الاساس الموضوعي للانتقال من نمط انتاجي الى نمط انتاجي آخر)،او بعبارة اخرى ان جانب التفسخ والانحلال والاحتضار الذي يميز الامبريالية المعاصرة،هو الذي يكون في نظر(بيزنتي) الجانب الانتقالي من الرأسمالية الى الاشتراكية.ولهذا بذل الاستاذ المذكور جهوداً ضخمة في دراسته لتفحص وتحليل واكتشاف دلالات الظواهر الاساسية التي يعتبرها مجسدة لهذا الطابع الانتقالي للنظام الرأسمالي،وعلى الاخص تطور القوى المنتجة وتطور اشكال تنظيم الانتاج وتطور الثورة التكنولوجية - العلمية،وتطور العلاقات الانتاجية الناجمة عن ذلك،مع التأكيد على نمو قوة الطبقة العاملة. اما بتلهايم فيخرج هذه الحالة نهائياً من مفهوم(المرحلة الانتقالية)،ويضع مفهوم هذه المرحلة في سياقه التأريخي العام ضمن المفاهيم الثلاثة الاخرى التي يحددها بدقة ووضوح وواقعية ومنطق نظري رائع،وهي مفاهيم( النشوء) و(الانتقال المثالي) و(هيكل الظروف الخاصة) كما رأينا في اعلاه.كذلك اذا قارنا دراسة بتلهايم بأحدث دراسة متوفرة حول الموضوع وهي دراسة الاستاذ الماركسي الامريكي (بول سويزي)،المنشورة في شباط 1972 (حول منهج لدراسة الانتقال نحو الاشتراكية)(14)،وجدنا ان مفهوم سويزي(للمرحلة الانتقالية) قاصر على (الاقتصاد الانتقالي بين الرأسمالية والاشتراكية)،ولا يتضمن النمط الاقتصادي بالمعنى الواسع،اي النمط ما بعد الكولونيالي. والواقع ان اهم ما يميز دراسة الأستاذ بتلهايم،هو تأكيده الصائب على ضرورة إيجاد(الادوات النظرية)اولاً،استنادا الى المنهجية الماركسية،قبل امكان الاستفادة الحقيقية من الدراسات التجريبية او الوصفية العديدة المتوفرة عن مختلف المجتمعات الانتقالية. لقد استخدم الاستاذ بتلهايم مفاهيمه الجديدة فعلا في دراسة المجتمعات الاشتراكية والنامية،وخاصة الاتحاد السوفيتي،وبعض البلدان الاشتراكية الاوربية،وتوصل الى نتائج خطيرة يجلها في كتابين مهمين:الاول هو(الانتقال نحو الاقتصاد الاشتراكي).والثاني هو(الحساب الاقتصادي واشكال الملكية)(15)الذي صدر بالفرنسية في اواخر عام 1970.هذا بالاضافة الى عدة دراسات سجالية جديدة حول نفس الموضوع كتبها بتلهايم خلال العامين الاخيرين(16).هذا وهناك شبه اجماع بين الاقتصاديين الماركسيين المعاصرين على ان مؤلفات ودراسات بتلهايم هي احسن مدخل لدراسة هذا الموضوع البكر والخطير. ومن المؤكد ان عددا كبيراً من التحليلات الجديدة لاقتصاديات البلدان الاشتراكية والنامية على السواء،قد استثمرت صراحة او ضمنا بعض المفاهيم والادوات النظرية الاساسية التي يطرحها بتلهايم في دراسته هذه.واشير على سبيل المثال،الى المفهوم الغني الذي يستخدمه الاستاذ الشيلي(آنيبال كيخانو)في دراسته المشهورة لاقتصاديات النظام العسكري الجديد في جمهورية البيرو،وهو مفهوم(الاستقلال النسبي)للقطاعات المتوسطة في تركيب المجتمع والسلطة،وما ترتب عليه من ظاهرة(تجزئة السلطة)في البلد المذكور،وبالتالي اتاحة الفرصة امام الجيش للاستيلاء على مقاليد السياسة والاقتصاد(17).ومن الواضح ان جميع هذه المفاهيم هي تطوير وتطبيق لمفهوم بتلهايم عن(الوضع الانتقالي)القائم على توازن القوى القلق بين الطبقات الاجتماعية الرئيسة،وان كان مفهوم بتلهايم نفسه مستمداً تاريخياً،في رأيي،من بعض التحليلات الماركسية الكلاسيكية وخاصة من تحليلات - انجلز- لطبيعة الدولة.ومن الملاحظ ان الاستاذ سويزي استخدم نفس هذا المفهوم لتشخيص طبيعة النظام الجديد في الشيلي(18)بعد وصول(الجبهة الشعبية)Frerite Popular للحكم. كذلك تستند بعض تحليلات الاقتصاديين الراديكاليين(سويزي وتلامذته خاصة)لاقتصاديات الدولة الاشتراكية الاوربية،في السنوات الاخيرة،بل حتى تعريفاتهم الجديدة لمفهوم الاشتراكية نفسها،وتقييمهم للتجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي..الخ الى بعض مفاهيم بتلهايم الواردة في هذه الدراسة،وخاصة فكرة التناقض بين الملكية الشكلية لوسائل الانتاج والسيطرة الفعلية على قوى الانتاج،وفكرة - البدائل الوسيطة - كوسائل - تكميلية مؤقتة لحل التناقض المذكور. ان جميع هذه الحقائق تدل على مدى خصوبة وحيوية نظرية الاستاذ بتلهايم،وسعة الآفاق التي فتحتها،من اجل فهم اعمق لمشاكل العصر واستيعاب ادق لاتجاهات تطوره وصياغة ستراتيجية ثورية اكثر فاعلية لاجتياز الطريق الصعب نحو المستقبل الاشتراكي. ومع ذلك فهناك بعض الهنات الهينات يمكن تسجيلها على دراسة بتلهايم:منها ان المؤلف نفسه لم يلتزم دائماً بالمصطلحات التي يقترحها لدراسة الاقتصاد الانتقالي،فهو مثلاً يستعمل اكثر من تعبير واحد للدلالة على(المرحلة الانتقالية)منها: تعبير Periode،واحياناً تعبير Phase..الخ،كذلك يستخدم الاستاذ احيانا اصطلاح(نمط الانتاج) Mode بمعنى تكنيكي ضيق،اي طرائق الانتاج الفنية،وليس بالمعنى الاجتماعي الواسع المعروف في الادب الماركسي. والظاهر ان بتلهايم يستثني مرحلة التراكم البدائي لرأس المال(1500- 1750)،او على الاقل الفترات الاولى من هذه المرحلة من نطاق(المرحلة الانتقالية الى الرأسمالية)ويعتبرها جزءاً مما يسميه(مرحلة النشوء).اننا نعتقد ان هذا الفصل الحدي بين هاتين المرحلتين،يثير عدة صعوبات نظرية لا مجال لاستعراضها هنا،كما انه لا يتفق مع واقع التداخل التاريخي بينهما،خاصة بالنسبة لاوربا الغربية.كذلك يبدو لي ان ليس هناك فائدة علمية كبيرة من ادخال اقتصاديات البلدان النامية ضمن مفهوم(الاقتصاد الانتقالي) بل ان ذلك،على العكس،يبعث على الاضطراب والخلط،بين هذا النوع من الاقتصاديات التي هي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الرأسمالي العالمي،والاقتصاديات الاخرى المتجهة نحو الاشتراكية،خاصة وان الاستاذ بتلهايم نفسه،كما رأينا،يرجح اعتبار هذه الاقتصاديات(التطور الاخير)،اي طور التفسخ،من النظام القديم،وليس الطور الاول من المرحلة الانتقالية نحو النظام الجديد. ولكن هذه الانتقادات البسيطة لا تقلل طبعاً من القيمة البالغة لدراسة بتلهايم او تنال من شأنه كمنظر من اكبر المنظرين الماركسيين المعاصرين.
هوامش الدراسة
(1) راجع التوسر ورفاقه - قراءة رأس المال- ، باريس 1965، دار ماسبرو، الجزء الثاني، ص 179- 185 بالفرنسية. (2) وردت الكلمة الألمانية في النص الفرنسي، بخطأ إملائي واضح، ص11 من دراسة بتلهايم. (3) راجع تفاصيل وافية عن هذه النقطة في دراسة - باليبار- BALIBAR - حول ( المفاهيم الأساسية للمادية التاريخية)، المرجع الوارد في الحاشية الأولى أعلاه، ص 187-332. (4) التوسر، المرجع السابق ص 183 (5) نفس المرجع ، ص 183 (6) لينين: ( المؤلفات الكاملة)، موسكو، 1962، الطبعة الرابعة ص 313، بالفرنسية. (7) ماركس: ( رأس المال) ، المجلد الثاني ص174، طبعة الايدسيون سوسيال، بالفرنسية. (8) يلاحظ الأستاذ بتلهايم في إحدى حواشي دراسته( الحاشية رقم 10 على الصفحة 20 من الأصل الفرنسي) بأن هذه الحالة هي نقيض الحالة الأخرى التي تنطبق على الامبريالية في طورها النهائي، حيث نجد العلاقة الاجتماعية القديمة عاجزة عن السيطرة على القوى المنتجة، التي تطغى على إطار العلاقات الإنتاجية الذي تعمل ضمنه، فتلجأ الامبريالية في هذه الحالة أما إلى وسائل العنف والإكراه، وأما إلى زيادة النفقات غير الإنتاجية وخاصة النفقات الحربية. (9) ماركس: (رأس المال) المجلد الأول، ص 53، حسب ترجمة باليبار لعبارة ماركس. (10) ماركس، نفس المصدر، ص 535. (11) باليبار ، المرجع السابق، المجلد الثاني، ص 228-229. (12) لينين ، نفس المرجع، ص 316، بالفرنسية. (13) راجع دراسة (بيزنتي) في المجلة الايطالية (النقد الاقتصادي) Critica Economica ، العدد الخامس، لسنة 1956، ص 82-99 ، باللغة الايطالية. (14) راجع الدراسة في مجلة ( مونثلي ريفيو) الأمريكية عدد شباط 1972، المجلد 23، المقال الافتتاحي ، بالانكليزية. (15) راجع :Calcul Economique et Formes de Propriete,1970. (16) راجع على سبيل المثال مقالة بتلهايم( مزيد حول المجتمع الانتقالي) المنشورة في مجلة ( مونثلي ريفيو) عدد كانون الأول 1970، بالانكليزية. (17) راجع تعليقنا على كتاب الأستاذ كيخانو، في العدد السابق، حزيران، من هذه المجلة، ص77. (18) راجع مقال سويزي الافتتاحية في العدد الثاني 1972 من مجلة - مونثلي ريفيو- ص 13/ معلقا على سياسة الحكومة الشعبية في تشيلي.
-;- في الحوار المتمدن العدد 16863،كتب د. عدنان عاكف يرد على شامل عبد العزيز"لو رجعت مرة أخرى الى مقالي "جنة الملوك بين الواقع والتزييف"فانك لن تجد فيه أكثر من 3 % ما يعود الي.أما ما تبقى فهو عبارة عن فقرات ضافية تم الاستعانة بها من مصادر موثوقة،وجميعها لا علاقة لها من قريب من حزب الثورجية.لقد تجنبت الجوهر ومسكت بنقطة واحدة تتعلق بمجلس الاعمار.وهذه النقطة لم تكن سوى نقطة واحدة من الكثير من النقاط التي أثارها د. ابراهيم كبة بشأن سلبيات الاقتصاد في العهد الملكي.وكان الأجدى بك ان تناقش تلك النقاط ان كنت لا تتفق معها.وحتى ما يتعلق بمجلس الاعمار فان كبة لم ينف ما انجزه المجلس،بل أكد على أهم نقطة تتعلق به وبمهمته وهو تكريس التبعية الاقتصادية للدول الغربية وذلك من خلال الابقاء على الاقتصاد المشوه والاحادي الجانب.كان عليك ان تناقش هذه النقطة.أما النقطة الثانية - المهمة الثانية التي تجاهلتها فهي ما ورد من معلومات وأرقام عن الاقتصاد المصري في عصر عبد الناصر..وفي النهاية ومن أجل ان تكتمل المقارنة الاقتصادية بين العهد الملكي والجمهوري اسمح لي ان أنقل لك بعض ما حققته ثورة تموز،ولكن هذه المرة ليس على لسان ابراهيم كبة،الذي اعتمدت عليه في مقالتي المذكورة،بل على لسان شخصية عراقية ديمقراطية ليبرالية معروفة،هو د. عبد الخالق حسين،الذي نشر خلال السنوات الماضية الكثير من الدراسات والمقالات المكرسة لذلك......!"
عجبا،الطرائقية الاكاديمية في التحاور والنقد العلمي لا تعني سلوك منطق التساهل والمرونة بدل الحزم اللامتناهي امام شخصية غريبة الاطوار كالسيد شامل عبد العزيز!وقد اصابتني طرائقية الدكتور عدنان عاكف هنا بالخيبة والتأمل!اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار مقالات المذكور الجنجلوتية الاخرى!غير مقالته الراهنة "الباشا وستالين"!
هل نحتاج لأحزاب شيوعية؟ فؤاد النمري في المصيدة! الحوار المتمدن وبقايا الستالينية! من تعليقات كهنة المعبد الستاليني! الشيوعية حتمية تاريخية ام ولادة قيصرية! الجمود العقائدي عند الماركسيين/حلقات! المهدي المنتظر عند المسلمين والشيوعيين! حوار بسيط وهادئ مع الاخوة الشيوعيين! اسئلة الى الرفاق!.... ....الخ!
يحاول السيد شامل عبد العزيز ان يوجه سهامه الى الفكر العلمي التقدمي والديمقراطي والى الشيوعيين وكأنه المسيح او الرب،ومن منطلقات الانقاذ والخلاص الرباني طالبا من الجميع ان يحضروا الى الكنيسة والجلوس على كراسي الاعتراف،وبالتالي ارساء ثقافة صحوة الضمير التي تحمل قيم التسامح والعدل والسلام!وهذا يعني ان السيد عبد العزيز يدعو الى الحرية الهبة التي تهبط من الأعلى بضربة ساحر!لاسيما وهو ابن الموصل والعائلة الديمقراطية البتيبورجوازية التي ضمت العديد من الشيوعيين،وتلقى علومه الاقتصادية في الجامعة المستنصرية!ولعل ابراهيم كبة كان احد اساتذته! المتتبع لكتابات شامل عبد العزيز (كاتب مغمور في الحوار المتمدن) يتلمس استهوائه الاسطوانة المشروخة / معاداة الشيوعية وعموم الحركة الديمقراطية والثورية في العراق،ومعاداته لثورة 14 تموز 1958 المجيدة!والحرص على اظهار نفسه ملوكي اكثر من البلاط!وللتاريخ فأن عبد العزيز هذا،هو من القلائل المتبقية المدافعة عن سياسات الباشا ومختاري ذاك الصوب"نسبة لأغنية عزيز علي- صلي على النبي"!فخدمة الاسياد والبلاط قبرتها ثورة تموز والى الأبد!الأمر الذي افقد اشباه المثقفين وكتبة البلاط لقمة العيش ومهنة الارتزاق،فآثروا الهجرة خارج العراق!او الانتظام في السلك المخابراتي والأمني في العهود اللاحقة لاستثمار ما تبقى من خيرات ثقافية لديهم!ويدرك شامل عبد العزيز تماما ان القطاع الاجنبي قد رسخ من تطوره وقوى قاعدته التكنيكية في العهد الاستعماري الملكي،بعد ان اتسم تطور القطاع العام بالسلحفة والتشوه والمعاناة بسبب عجز الموارد المالية والخطط الاستثمارية الخاطئة المغلوطة!وعرقلت السياسة الاقتصادية المعلنة تطور القطاع الخاص!رغم ان الدولة قد وضعت ثمانية خطط استثمارية مركزية اعوام(27 - 1939)! لقد عبر تأسيس مجلس الأعمار بموجب قانون رقم 23 لسنة 1950 اثر أرتفاع حصة الحكومة العراقية من عائدات النفط ،عن انتقال الدولة من إسناد الصناعة العراقية عن طريق المصرف الصناعي الى تدخلها المباشر في تطور القطاع الصناعي،وتوفير مصادر التراكم للرأسمال الصناعي في القطاع العام!وقبل تأسيس مجلس الأعمار اتسم الأقتصاد العراقي بهزالة الموارد المالية للدولة وضعف إمكانياتها المادية - التقنية وبالخضوع التام للسياسة الاقتصادية الكولونيالية،وبقيت التخصيصات الاستثمارية تتسم بالفوضى.ووضع مجلس الأعمار خلال فترة نشاطه حتى عام 1959 (3) خطط ألغيت احداها قبل المباشرة بالتنفيذ!كما عمل في المجلس خبراء من العراق ذوي اتجاهات يسارية كالدكتور محمد سلمان حسن- وكان احد كبار مساعدي د.ابراهيم كبة لاحقا!ورافقه في زياراته الى الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية! مجلس الاعمار كان مجلسا سئ الصيت بالفعل(مثلما ورد في كتاب د.ابراهيم كبة – هذا هو طريق 14 تموز) لأن هدفه بالأساس كان تعميق التبعية الرأسمالية للتاج البريطاني والادارة الاميركية وبناء اقتصاد ريعي احادي الجانب!وهو مجلس توافق مع السياسة الأميركية وترومانية النقطة الرابعة التي عنت حينها تأمين القواعد،التبعية،الدمار والمقابر تحت واجهة برامج جديدة وفوائد جديدة،وتحديد أحادي الجانب وجامد لماهيات الفقر والجوع والمرض والأرهاب!وتسخير المهارة والمعرفة في خدمة الاستغلال…!وقد استعان فعلا بدراسات وبحوث أستشارية غربية منها:تقرير بعثة البنك الدولي للأنماء والأعمار (WB) عام 1951 الموسومة (التطور الأقتصادي في العراق)، تقرير شركة (بريس كارديو و رايدر) عام 1952، تقرير كارل أيفرسن عامي 53- 1954عن السياسة النقدية في العراق، تقرير اللورد سولتر سنة 1955 تحت عنوان(أعمار العراق - خطة العمل)،تقرير شركة (جي.جي . وايت وشركائهم) عن كهرباء العراق،تقرير شركة آرثر دي ليتل عام 1956 ...الخ!وتجاوز عدد هذه البحوث ال (50) دراسة! لقد تأسس مجلس التخطيط على أنقاض مجلس الأعمار ليضع التخصيصات الاستثمارية الدورية،مما عزز من ريادة القطاع العام في الصناعة والزراعة والتجارة،واشرف المجلس على وضع الخطة الأقتصادية المؤقتة (1959 – 1963)،الخطة الخمسية الأولى(1961- 1965)،الخطة الخمسية الثانية (1965 – 1969).... رغم ان المجلس لم يحقق ما كان يصبو له الشعب العراقي!فالتخطيط كمفهوم علمي يستند على جملة مبادئ في مقدمتها:ارتباط الجهة العليا في جهاز التخطيط باعلى جهة في الجهاز التنفيذي وتضم في عضويتها الخبراء في الميادين السياسية والاجتمااقتصادية،وجوب اقرار مجلس التخطيط"الممثل للشعب والمنتخب من قبله"الخطط التنموية قبل المباشرة بالتنفيذ،التخطيط عملية شاملة ولجهاز التخطيط الاسبقية على اجهزة الدولة كلها،وجوب تواجد جهاز فني مركزي للتخطيط يضم الكادر الفني المدرب على اعمال التخطيط،وجود الجهاز الاحصائي المحوسب القوي تحت تصرف الجهاز الفني المركزي للتخطيط،وجوب تواجد جهاز متابعة ومراقبة ورصد قوي لمتابعة تنفيذ الخطط التنموية،لا يمكن الحديث عن التخطيط دون المشاركة الحقيقية للشعب في مناقشة ودراسة اوضاعه وتعقيداته واشكالياته وتوفير مستلزمات نجاحه على أسس طوعية وديمقراطية،وعبر الاحترام الكامل لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية واحترام التعددية السياسية والابتعاد عن القهرية الحزبية والميكافيلية والتدخل في الحياة الشخصية للناس! إن المصيبة التي تكاد أن تكون معضلة لا حل لها هي عدم الاستماع وغلق الآذان وكأن الأمور لا تعني الشعب بل تعني المسؤولين فقط وكأنهم الأكثر إخلاصا من غيرهم.التخطيط الجزئي يعني تنظيم الاستفادة من موارد قطاع اقتصادي معين ومجموعة القرارات والتوصيات الصادرة عن اعلى هيئة في التخطيط المركزي لتنظيم استخدام الثروة في اقليم معين،بينما يعني التخطيط الكلي الشامل بوضع الخطط المركزية الانتاجية والتوزيعية والتسويقية على ضوء الحاجات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف تحقيق مبدأ الملكية العامة لوسائل الانتاج.
يقول شامل عبد العزيز في احدى بحوثه المتأزلجة :" نحن لا نأتي بمقالات انشائية مزورة فيها تعميم وتضليل وانتصار لآراء مخزونة في الذاكرة تعيش معنا نتيجة احباط او فشل..! نحن لا نكتب بعقلية الحزبي المتعصب لأننا ببساطة لا نعرف معنى الحزب..! نحن لا ننتصر الى احد ولكن نحاول ان نقول ما نعتقده نتيجة قراءتنا البسيطة لفترة مهمة ونعتقد انها الأفضل بدون ايهام القارئ..!"
ونرد عليه:" ياعيني ، ملوكي اكثر من الملك والباشا! رقة وشفافية عالية! ولنطمأن شامل عبد العزيز ان الرفيق الخالد يوسف سلمان يوسف "فهد" لم يعدم كونه مسيحي او رباني او طوباوي يسبح في السموات، بل انتصارا لآراء مخزونة في الذاكرة تعكس الواقع الموضوعي وعالمنا الفسيح!واعدم كونه حزبي متعصب شيوعي عامل بار! وسكرتير عام حزب شيوعي لا يرضى عليه لا الباشا ولا اسياد الباشا! انصاف المثقفين واشباههم هم كالعملة المزيفة بين ارباب الصناعة والمعرفة،ثلة من المحسوبين على شؤون الثقافة والفكر والعلم،من اصحاب الفكر المحدود والثقافة المحدودة الفارغة التي لا تمت للمنطق بصلة!اصحاب انامل غير متمرسة على الكتابة وغير صادرة عن عقل واع وعاطفة صادقة او حباً بالانسان،لينعدم الأدب الانساني ويحل محله ادب شوفيني طائفي انتهازي وصولي يكره الصدق ويؤمن بالكذب والدجل!انهم يطلقون الوعود ويفبركون الادعاءات ويخدعون الرأي العام بالكلام المعسول والتصريحات الجوفاء ويلجأون الى اساليب التزويق البياني والزخرفة اللفظية،من (الشطار) الذين يعرفون من اين يؤكل الكتف وخبراء فى التضليل والتزييف،يتزببون قبل ان يتحصرموا،ويسمونهم ايضا مثقفو النقطة – اي يتنقلون بين العناوين او يعلمون نقطة من كل بحر!تراهم يهرعون وراء المغانم ولذة السلطة،تلوثوا بتلميع صورة الحكام،ويتبنون سياسة تأييد الراهن واشاعة ثقافة الخنوع والارضاء والاغضاء وشل روح المقاومة والاحتجاج والمطالبة بالحقوق،سياسة تركيع الارادات واشاعة الخوف واليأس وغسل الأدمغة والتجهيل،والغاء العقل النقدي والتنوع في الرأي،والتهميش والاقصاء ومحاولات اسكات الاصوات واستغلال عوز الملايين ومعاناتهم ولهاثهم وراء لقمة العيش لتيئيسهم،وبالتالي خلق الاستعداد لتنازلهم عن حقوقهم.انهم روزخونيون سفسطائيون نفعيون مدعو معرفة وثقافة وهرطقة على ابناء الشعب،حتى استحلى الواحد منهم يكذب الكذبة في الصباح ويصدقها عند المساء،ثم لا يكاد الصبح يتنفس حتى يستعين هؤلاء الاقزام بشياطين الأنس والجن لينثروا علينا كذبة اكبر من سالفتها هي ادهى وأمر!! اشباه المثقفين آفة مجتمع العلم والمتعلمين،وهم وصوليون يتحدثون بأسم النظام والحكومة،ومن خريجي مدرسة ثقافة(حاضر سيدي)و(سمعا وطاعة)!ببغاوات يرددون كلمات الآخر دون ان يكون لهم رأي أو ملاحظة عليها،لا يحترمون ثقافة الأخرين ان كانت توافقهم أم تعارضهم،وهم فرسان الحوار من اجل فرض الرأي وليس حرية الرأي،ويتبارون ظهوراً شاخصًا حتى غدا الواحد منهم ما بين عشية وضحاها وجها اعلاميا بارزا!!اقزام امتهنوا التحريض الطائفي والقومي الشوفيني،يتربعون موائد الفكر والثقافة والعلم ويبسطون آراءهم تارة بالقول المسروق وتارة بالتنظير المكرور،وخلفهم طابور طويل من المطبِلين والمصفقين فأضحوا ما بين غمضة عين وانتباهتها في عداد المفكرين والباحثين والمثقفين وحتى اساتذة الجامعة وعمدائها،بل الوزراء واصحاب النفوذ!لا يعرفون غير الوشاية والتجسس والسرقة والتهريب والحصول على مناصب لا يستحقونها،يهددون بقطع الارزاق،ويوزعون البركات على المبتذلين،لا من جيوبهم الخاصة،بل من بيت مال الوطن وجيوب المواطنين المنكوبين.لا يستحون ولا يخجلون!وكيف لهم ان يخجلوا،وقد هيأت لهم السلطات وهيأ لهم اتباعهم عقد الندوات والقاء المحاضرات وصناعة التتويج من اعالي المنصات؟!كما صنع لهم الفاشلون اصوات مسموعة يكشفون بهم سوءاتهم فيما يطرحون وما يقولون؟!وكيف لهم ان يقروا بفشلهم،والايام تلد لنا كل ساعة جيشا من هؤلاء حتى تضخمت ذواتهم فصدق البعض منهم صوته النشاز بعد ان طبل له المطبلون،وزمر له المزمرون فغدت ال(انا) تنمو وتنمو حتى اصبحت:انا ربكم الاعلى!! وتبتلي بلادنا اليوم بأشباه المثقفين من انصار ثقافة الخداع الدائم والشقاوة الابدية وثقافة الروزخونيات الايمانية المليونية والرايات السوداء والملابس السوداء والبكاء على الأموات والاطلال واللطم على الصدور وضرب الرأس بالقامات واسالة الدماء منها ولبس الأكفان البيضاء والتباهي بها وضرب السلاسل وتعذيب الذات،ثقافة اشاعة مشاريع الجهاد(احتراف القتل)الى مالا نهاية، ثقافة الفساد.انهم حقا مدرسة مشاغبين يزحفون كالجراد الذي يجعل الحياة هشيما،ويمثلون المصالح الثقافية للبورجوازية الصغيرة المستترة غالبا بستار الفكر الشمولي،القومي والطائفي،والمتشبثة عبثا بأسطورة الاحتكار"ومنها الاحتكار السياسي"والمنجرة عمليا الى مواقع الرجعية اليمينية والوسطية،المعادية للديمقراطية والوحدة الوطنية والاجراءات التقدمية ولجميع التحولات الاجتماعية،وهم يعانون من ازدواجية رهيبة بين الشعارات المعلنة وبين السلوك الحقيقي على الارض المعرقل لأي تطوير فعلي لحركة التقدم الاجتماعي،بسبب الاصرار على التفرد ومعاداة الديمقراطية.الثقافة العراقية التي قادها علماء وادباء عراقيون،ثقافة السلام وحقوق الانسان،الثقافة الوطنية الديمقراطية، نار على علم!لم ولا تنسجم مع اخلاقيات البعث والابتذال الحكومي في ضرورة مديح متطلبات الامن الوطني والقومي والقادة والزعماء وآيات الله الضرورة! صار الجهلة واشباه المثقفين وغير الادباء ادباء رغما عن الجميع،والمثقفون يتركون العراق ويهاجرون الى الخارج!وتبذل السلطات الحاكمة الجهد لنشر ادب المديح الانتهازي وفرض موضوعات معينة على المثقفين واذلال من لا يستجيب لها وفصلهم من وظائفهم او احالتهم على التقاعد او لصق تهم بهم هم براء منها!ويبدو ان ظاهرة انصاف المثقفين جزء لا يتجزأ من الردة الحضارية في العراق التي تتمظهر في الفوضى والعنف والارهاب،والتي جعلت العراقيين ينخرطون في صراعات اثنية،ودينية،وطائفية،وحزبية ضيقة،اثرت بعمق على بنية المجتمع،وعلى العائلة والمرأة والطفولة.وتتوسع معاناة الشعب العراقي مع الاحتلال وتفاقم مشاكل البطالة والفقر والامية والخدمات العامة والنقل والامن وتزايد الثراء وارتقاع نسب الوفيات من ضحايا الارهاب،وبسبب الامراض وسوء التغذية والفساد،وتعاظم التفاوتات الاجتماعية و التهميش الاجتماعي بشكل خطير بحيث بات كل ذلك ينذر بتوترات اجتماعية قد يصعب السيطرة عليها،واسترسال المؤسساتية الدينية العراقية في الموقف الذي يعتبر نفسه دائما على حق ويرفض الاستفادة من الآخر ليخلق المشاكل اكثر مما يحل بالفتاوي البليدة والحلول الترقيعية واعادة انتاج العقلية التبريرية المريضة والتي لا تزال تعتز بالعلم العراقي الذي اوجده صدام حسين،العلم الذي تحت لوائه غزا الدكتاتور الكويت وشن انفالياته الكيمياوية ضد الشعب الكردي واقام استعراضاته العسكرية التهريجية،وخرج تلاميذ المدارس يرفعونه صباحا ويتغنون ب(بابا صدام)!" يردد شامل عبد العزيز الاسطوانة المشروخة – معاداة الشيوعية والفكر الهدام!ونرد عليه:"لا يختلف اثنان اليوم ان قاعدة المشمولين بحملة الفكر الهدام والافكار الهدامة،وفق صياغاتك المبهمة التي تستعيد فيها مجد قرارات القرن العشرين السعيدية الباشوية والبعثية معا!تشمل كل من لا يدين بالفكر الديني والاسلامي،وحتى الطائفي،ولا تشمل الافكار التي تدعو للبعث والاصولية الدينية والتكفيرية فقط!وكل ذلك يكشف عن ميول سلطوية قمعية ونابليونية دون ريب! اعداء الحزب الشيوعي العراقي..هل يستوعبون التاريخ؟لو ان احفاد هتلر وموسوليني وبينوشيت وملا عمر واسامة بن لاذن ونوري السعيد وصدام الذين يريدون اليوم مواصلة رفع رايات العداء للشيوعية بالعراق هم جهلاء فقط،لهان الامر ولتدبرنا امرهم بالتعليم والتثقيف وتكرار التعليم والتثقيف حتى يعوا من امرهم شيئا.الا انهم جهلاء واغبياء ايضا ويسبحون بحمد الطرطرة والصعلكة الى حين!لقد تكالبت قوى عاتية،ولعشرات من السنين دون ملل او هوادة،تفوقكم عدة وعتادا بآلاف المرات على الحزب الشيوعي العراقي محاولة النيل منه ومن نضاله الوطني وتاريخه المعمد بدماء شهداءه وتضحيات مناضليه،فماذا جنت هذه القوى الآثمة الشريرة؟اذا كنا نريد للشيوعيين ان تتطابق آرائهم مع الفئات الاخرى،ومنها الحاكمة الان في العراق فما الفائدة من اسقاط نظام صدام،الم يكن احدى اهداف القوى الحاكمة الان في العراق هو اقامة مجتمع عراقي تعددي ديمقراطي!مجتمع تحترم فيه الحريات العامة،ام يا ترى حكامنا اليوم لا يعرفون معنى التعددية الا المحاصصة الطائفية والقومية. ثمة صفتين يجب ان يتحلى بهما المرء عندما يتعاطى مع التاريخ ليضمن رأسه فوق كتفيه في عهود الطائفية السياسية،هما:النفاق والغباء..والعهر،كما يفعل شامل عبد العزيز ومن لف لفه!ومن الذين لا يعرفون سوى الفكر الاسود وخزعبلات الفتاحفالجية وثقافة التخاريف الرجعية،لانها في حقيقة الامر تهدف الى تحديد النسل الديمقراطي وتدعو الى التكاثر الطائفي والعصبوي في العراق! عبد الرزاق الحسني الذي يستشهد به شامل عبد العزيز كثيرا،وعلماء التاريخ والاجتماع في بلادنا،يؤكدون انه من عادة العراقيين التعلم حتى بعد فوات الأوان،والتاريخ لا يعيد نفسه بل يعيد دروسه،وان العودة الى الماضي والبدائل الاسلامية والطائفية وعهود الباشوية والسادة والعبيد هي ردود افعال على التخلف ودليل عمق ازمة المجتمع العراقي،وهي نتاج المرحلة التي سببت التخلف.فالتخلف والبدائل الاسلامية – الطائفية – السعيدية - البعثية ترتبط بعلائق تاريخية وشيجة!!"
#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 14
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 13
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 12
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 11
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 10
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 9
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 8
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 7
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 6
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 5
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 4
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 3
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2
-
عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 1
-
العلوم والتكنولوجيا في العراق
-
التهجير القسري في الادب السياسي العراقي الراهن
-
القوات المسلحة العراقية اليوم الوليد الضال للشعب العراقي
-
عن احوال العراق اليوم ماذا كان سيكتب غائب طعمة فرمان؟!
-
مهام مركبة تنتظر الحكومة العراقية الجديدة
-
حركية اليسار الرث في العراق
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|