كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 4594 - 2014 / 10 / 5 - 11:08
المحور:
الادب والفن
حدث في قرية نائية فيما وراء البحار، أن الناس كانوا يسيرون طوال الوقت، وأيضاً ينامون، وهم يحتضنون صناديقهم المغلقة المقدسة. وكان كل طفل يولد، يسارعون بصنع صندوق خاص له، يضم ذات المكنونات المقدسة، التي لا يعرفها غير أحكم حكماء القرية. وكانت كل دعوة لترك هذه الصناديق لبعض الوقت جانباً، ريثما ينتهي الناس من أعمالهم الشاقة اليومية، تقابل بالرفض والتحقير لصاحب الدعوة. كما كان فتح أي من هذه الصناديق، والاطلاع على محتوياتها، من الجرائم التي لا يجوز التسامح فيها. وغالباً ما كان يجازى مرتكبها بالجلد أو الرجم حتى الموت.
حدث أن كفت الأمطار عن السقوط في تلك القرية، فجفت الحقول ونضبت الآبار، ومات الزرع ونضب الضرع، وبات الناس يسيرون كخيالات من فرط الجوع والهزال، فكان أن ضاق الكثيرون بثقل ما يحملون طوال اليوم من صناديق. فبدأ البعض في وضعها جانباً في حرز مكين. وطوح بها البعض بعيداً. وبدأ بعض آخر في فتحها، ونثر وبعثرة محتوياتها على قارعة الطريق. هنا تناسى الناس الجفاف وما جلبه عليهم من جوع وويلات، وفزعوا لمرآى المحتويات المقدسة مبعثرة هنا وهناك. وبدأوا يشتبكون مع أولئك المارقين، لتطهير الأرض والبلاد من رجس ما يرتكبون. لم يعلم الناس حينها، أن فتح الصناديق قد بدأ، وأن لا أحد قادر بعد ذلك على وقف نشر تلك المكنونات المقدسة على الملأ. لم يعلم أحد أيضاً حينها، أن فجراً جديداً تشرق أنواره هناك عند خط الأفق.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟