|
فلتسقط الثقافة.. على اسوار الوطن...! !
ابراهيم عوده النمر
الحوار المتمدن-العدد: 4593 - 2014 / 10 / 4 - 12:02
المحور:
الادب والفن
كانت اسوارها الجبال ..وسيوفها اوراق الورد واغصان الريحان لم تكن تخشى الظلام..او تضع حرسا عند الابواب.. ولم يكن الارق ينتحب عينيها.. ولا صفارات الخوف تمزق براءة صمتها وبعد ذلك صارت ترتعش من لون المغيب..وتوصد ابوابها في وجه الذئاب..
..............
كثيرون هم الذين يتكلمون بالثقافة. او عن الثقافة.. وكثيرون هم الذين يدعون الثقافة.. وهذه المفردة تكاد تكون ضحية للجهل الذي نعيشه في ظل التداعيات منذ(2003) وقد يتصور الكثير من ان الثقافة هي مجرد تحصيل معرفي بحت.. حتى بات من له شيء من تحصيل معرفي او تعليمي من حقه ان يدعي الثقافة..!! وفي الحقيقة ان لهذه المفردة اكثر من تعريف.. عرفها نقاد وادباء ومحللون بناء على ارضية معرفية واحيانا اكاديمية... واحيانا اجتهادية او فطرية.. والسؤال.. من اين جاءت هذه الكلمة وهل هي قديمة ام حديثة..؟.. ومتى نفهم من اننا اصبحنا مثقفين او انصاف مثقفين كي لا يأخذنا الغرور الى جهل مركب نضيع من خلاله كل شيء ودونما وعي. وكلمة مثقف ومع الاسف باتت متداولة لدى جهلة الناس.او لدى عامة الناس البعيدون عن هذا العالم.. بما فيهم الذين لا يجيدون القراءة والكتابة..! وصحيح ان البعض يستلهم هذه الكلمة ويترجم معناها من تجارب الحياة الزاخرة بالحكم وبالمعرفة بطريقة فطرية. الا انها لا تفي بالغرض... ويكفي قول سقراط الحكيم وهو الذي انزل الفلسفة من السماء الى الارض كما يقولون.. (كل الذي اعرفه عن نفسي.. انني لا اعرف شيئا) الله لهذا التواضع..! كما ان الفياسوف الفرنسي( فولتير) كان يوصف قلمه بصولجان الملك..! وفولتير يفتخر بقلمه .. كما يفتخر الملك بصولجانه.. كان لا يؤمن بالوطنية ولا بالقومية.. كان يصب جل اهتمامه بالانسانية وكان ينتقد الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات الدينية وكان يؤمن ب وحدة الوجود.. ويعتبر ان الوجود يعود الى خالق واحد وأم واحدة واب واحد..
وان طاغور شاعر الهند الاول والحائز على نوبل الأداب عام 1913 يقول بدل نشوة السلطة بنشوة الادب... وهكذا تصقل الثقافة عقول العظماء.. والثقافة التي اعنيها هي ثقافة الروح والعقل والضمير والسلوك والمستنبطة من الثقافة الانسانية والتي هي جوهر الانسان وهي.. بحر بلا قرار. غاضبة امواجه المتلاطمة ترى كم يحتاج الانسان من جهد ليغور في اعماقه ويسبح ضد تياره لينهل من كنوزه ومحاره ليفرشها على الارض ويقدمها للانسان حيثما كان...كما تفرش المعاني في الطرقات ليلتقطها المهتمون بها.كما يقول الجاحظ. والثقافه قد تعني صقل الاذهان وتنوير العقول والالمام بشتى ضروب المعرفة .. وربما يرجع تأريخ هذه الكلمة في اللغة العربية قبل مئات السنين.. وقد يكون اقدم نص في استعمالها في كتاب( طبقات الشعراء) لمحمد بن سلام الجمحي حيث يقول.. وللشعر صناعة وثقافة يعرفها اهل العلم كسائر اصناف العلوم والصناعات.. ومنها ما تثقفه العين .. ومنها ما تثقفه الاذن.. ومنها ما تثقفه اليد.. ومنها ما يثقفه اللسان. ويقول بن الجوزي في كتاب (الاذكياء)..( فاما ما حصل له يتلقى الوحي وتثقيفه) ذلك برهانه على استعمال العلماء والادباء لكلمة ( الثقافة) و(التثقيف) منذ عهد بعيد.. وقبل اكثر من قرن من الزمن.. اخرج الاستاذ..( حسن توفيق العدل) كتابا في مصر سماه ( سياسة الفحول في تثقيف العقول).. اذن الكلمة قديمة وليست لاحد ممن يدعونها في العصر الحديث. وثقافة المجتمع دليل على تقدمه وتطوره في الحياة العامة.. وبطبيعة الحال الثقافة تحتاج لجهد كبير وطويل لكي يهضمها الانسان سواء كان رجلا او امرأة.. وتحتاج الى متابعة وتطلع في كل فنون الحياة. تحتاج الى تعب وسهر وبحث في امهات الكتب..كتب التأريخ والادب و الفلسفة وسائر الفنون... الا ان حاضرنا ومع الاسف يعيش ازمة ثقافة.. والمثقفون مهمشون بلا اهتمام الدولة ومؤسساتها وليس للمثقف اي موقع يذكر في نظر الكثير من السياسيين وكانهما يعيشان اشكالية الحياة المتضادة من خير وشر ..من وعي وجهل. من بناء وهدم في حين ان المثقف يمثل.. هوية البلد في محافل دوليةكبيرة وكثيرة.. اضافة للعزوف الكبير عن القراءة لشباب هذا العصر والذي يعيش جملة مشاكل اجتماعية وسياسية وبيئية معقدة... وانني اعتبر ان الخلل يكمن في وزارة التربية والتي اهملت كل شيء.. والتي هي اساس كل شيء . حيث قتلت كل المواهب والابداعات .. والغت كل النشاطات والفعاليات المدرسية.. والتي كانت موجودة على مستوى كل المراحل.. من فعاليات فنية وادبية ورياضية.وكانت تخرج اجيال و اصبحوا رواد في كل مناحي الحياة.مدارس اليوم عبارة عن اطلال بلا حياة. وجسد يحتضر.وقلب بلا نبض..! . وقد افاجيء الكثير من الاخوة القراء.. اذ ما اخبرتهم وعلى المستوى الشخصي حتى يكون المثل قريب .. حينما كنت طالب ابتدائية ( السادس الابتدائي) اقرأ روايات فكتور هيجو والبرتو مورافيا ومكسيم غوركي وهمنغواي.. ونستلف الروايات من مكتبة المدرسة والخاصة بمعلم العربية..! وقد تكون تلك الاسماء غريبة اليوم حتى على طلبة الكليات.! والحديث عن الثقافة ربما يحتاج الى مجلدات ولكني ارتأيت ان امر عليها مرور الكرام. وقد لفت نظري تعريف الاستاذ الكبير ( شوقي عبد الامير) للثقافة حيث عرفها.... هو الشخص الذي يجعل منبر الكلمة والمعرفة باوسع معانيها وان تكون خندقا للدفاع عن نفسه وعن قناعاته وعن مبادئه. المثقف موقف وصراع ومسيرة عبر الكلمة بكل اشكالها وبالنتيجة هو ليس محصلة معرفية مهنية ومن باب الطرافة في توغلنا في الجهل يذكر الاستاذ الكبير علي الوردي.. رأيت ذات مرة رجلا من عامة الناس يستمع الى خطيب.. وهو معجب به اشد الاعجاب ..سألته.. ماذا فهمت؟.. اجابني وهو حانق.. وهل تريدني ان افهم ما يقوله هذا العالم العظيم واقول..هكذا يعيش الكثيرون في الحياةوعلى فطرتهم دونما تطور.. وكأنهم لا يرون الحياة..!ولا يريدون ان يفهموا الاشياء..! لذلك تنتج الصين خلال عام 60000 اختراع للحياة. و ينتج العرب والمسلمون 60000 فتوى للقتل.. وفي حوار تلفزيوني مع الشاعر والكاتب المخضرم( الفريد سمعان).. سئل .. هل تحب ان تنال جائزة نوبل..؟ اجاب..لا..!! سأله المقدم.. ولماذا..؟ اجاب.. لاني لا استحقها.. هناك من هو افضل مني.. هذه هي عقلية المثقف الذي يعرف قدر نفسه... بينما يتصارع السياسي الجاهل من اجل المنصب حتى لو لم يكن ضمن اختصاصه...!! والظاهرة الملفتة للنظر ان معظم مثقفينا مهجرون او مهاجرين يعيشون في الغربة ويموتون في الغربة ويدفنون في الغربة.. والحي منهم يعيش بلا وطن..وهو هدر لطاقات فكرية وثقافية وانسانية جبارة يحتاجها البلد ونحن نعيش هذا التدني في الفكر والسلوك . يا ترى اين هم اعلام البلد..؟ د. عبد الحسين شعبان ود. حيدر سعيد ود. يحيى الكبيسي ود. احمد الابيض ود.غسان العطية وشوقي عبد الامير.. وشاعر العرب الكبير عبد الرزاق عبد الواحد..صاحب قصيدة في رحاب الحسين.. وغيرهم واين قبور الجواهري وعبد الوهاب البياتي.. اين الكلمات التي تحشرجت بي شفتي الفنان بهجت الجبوري فعوض عن الكلام بدموعه المنهمرة والصادقة.. واين الذين ابكاهم الوطن دما حينما يذكرونه.. اين الساهر..ابن الوطن البار والذي صفقت له الجماهير العربية من الخليج حتى المحيط وهو يغني للوطن وللحب وللطفولة وللحصار. اين هي اغنية تذكروا..والتي كتبها المبدع كريم العراقي وغناها بالدموع كاظم الساهر...انهم مشردون بين مدن الغربة.. والنار الملتهبة ..ابدا في شوارع ومدن العراق.. تتأجج في صدورهم العليلة بمرض الوطن..اليس من الظلم ان لايكون في البرلمان العراقي مقعد واحد..لاديب او شاعر او مفكر.. وكل الذين رشحوا..فشلوا..! لسبب بسيط جدا هو ان المثقف غائب لا وجود له ولا قيمة في ظل غياب الثقافة والوعي.... لنقرأ لعبد العزيز المقالح.. سامحيني ان كنت قد رأيتك في الحلم بلا نوافذ.. وبلا ابواب .. وقد وقف عند كل باب من ابوابك السبعة.. خنزير يصفع بذيله وجوه الحمام... وسامحيني ان كنت قد رأيتك في حلم اخر...جثة هامدة ترفل في اكفانها.. والاطفال عراة يشدون الكفن من كل جانب .. لعلهم يفوزون بقطعة منه ..فيغطون بها ميتا اخر.. هو الشعب.
#ابراهيم_عوده_النمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلتسقط الثقافة.. على اسوار الوطن...!!
المزيد.....
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|