أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - تراجيديا الكولونيل والشيخ















المزيد.....


تراجيديا الكولونيل والشيخ


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1292 - 2005 / 8 / 20 - 11:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي كان معتقل طره السياسى عامراً بنزلائه من كافة التيارات السياسية والفكرية، وإن كانت الأغلبية لجماعة الاخوان المسلمين والجماعات المنشقة عليها أو المتفرعة منها.
والاعتقال – بحكم التعريف – عقوبة تستطيع أن تعرف بدايتها لكنك لا تعرف لها نهاية. فمن الممكن – نظرياً – أن يتم الإفراج عنك غداً، ومن الممكن أن تظل خلف الأسوار إلى أجل غير مسمى.
وليس اختطاف الحرية هو المصيبة الوحيدة فى هذا الاعتقال – بدون محاكمة – وإنما هناك مصائب أخرى كثيرة مصاحبة للبلوى الأولى، منها الحرمان من الحقوق الأساسية للأنسان، والظروف غير الآدمية للحياة خلف الأسوار بدءاً من النوم على "البرش" الذى هو مجرد حبال من الليف فوق الأرض العارية، ومروراً بالطعام "الميرى" الذى تعافه حتى الحيوانات، ناهيك عن الحرمان من الأوراق والأقلام والكتب والصحف وشتى وسائل الاتصال.
وفى ظل مثل هذه الظروف غير الإنسانية .. من الطبيعي أن نتوقع أن يضعف بعض الأفراد وتنهار معنوياتهم فينكصوا على أعقابهم ويفعلوا ما تطلبه منهم إدارة المعتقل بما في ذلك استنكار مواقفهم السابقة والتنكر لتاريخهم النضالي .
من هؤلاء التعساء .. رجل يدعى "الشيخ عارف"، وكان – على ما أذكر – يعمل قبل اعتقاله خطيباً وإماماً لمسجد السيد البدوي. وكان الرجل من غلاة جماعة الأخوان المسلمين. وكان يجاهر بعدائه لنظام الرئيس جمال عبدالناصر، حتى أنه كتب قصيدة قاسية يهجو فيها عبدالناصر هجاء مقذعاً، أتذكر منها بيتاً شهيراً يقول فيه :
جمع الرذائل كلها ذو "فقهش"
نذل البلاد معرّة الأوطان
وعندما تسأله عن معنى "فقهش" الواردة فى الشطر الأول يسارع بالرد وكأنه ينتظر السؤال: الفاء للفجور والقاف للقهر والهاء للهلس والشين للشر المستطير والعياذ بالله.
المهم .. دارت الأيام .. والشهور .. والسنين .. وخارت مقاومة الرجل .. وقرر "الاستنكار" .. ولكي يقنع إدارة المعتقل بأنه "تاب" و "أناب" فقد قرر – بمبادرة ذاتية منه – أن يكتب قصيدة مدح فى جمال عبدالناصر، وتعهد أن تكون على غرار قصيدة الهجاء إياها .. فقال :
جمع الفضائل كلها ذو "فقهش"
أسد البلاد معزة الأوطان
ودون أن ينتظر سؤالك عن معنى "فقهش" الجديدة، يسارع إلى تقديم المذكرة التفسيرية الجديدة حيث الفاء للفخر والقاف للقوة والهاء للهمة والشين للشرف العظيم!
ربما تنطوي هذه التحولات على تفاصيل تبعث على الضحك، لكنه فى الحقيقة ضحك كالبكاء. لأن الكوميديا النابعة من الموقف برمته كوميديا سوداء هى وتراجيديا الفواجع سواء بسواء.
فرغم الاختلاف الجذري فى المنطلقات الفكرية والسياسية بينى وبين خطيب السيد البدوي، لم – ولن – أرى فى هذا الانقلاب سوى مأساة مروعة لسحق روح إنسان وقتل ضميره وتحطيم إرادته.
وربما كان ذلك كله مثار سعادة مدير المعتقل العقيد عبد العال سلومه، وشهادة يقدمها بفخر إلى رؤسائه على نجاحه فى وظيفته، التى هى "تأديب وتهذيب وإصلاح" النزلاء، وشطب رقم من أعداد المعارضين للنظام الحاكم.
لكن الذي فات العقيد عبدالعال سلومه، وزملائه ، ان سياسة الاعتقال والتنكيل، وكل مفردات ثقافة الاستبداد، لم تؤد فقط إلى تدجين بعض الأشخاص، من أمثال خطيب جامع السيد البدوى، وإنما أدت أيضا إلى تفريخ جيل جديد من العناصر المملوءة بالمرارة والحقد - من جراء ذلك الاضطهاد المروع والذي يبدو بلا نهاية – فظهرت أمام عيوننا فى معتقل طره السياسي أولى جماعات التطرف التى انتهجت طريق العنف، من أمثل تنظيم شكرى مصطفى وغيره من جماعات التكفير والهجرة، التى غذت فيما بعد التنظيمات الكبرى الموصوفة بالإرهابية، والتي نعانى – ويعانى العالم بأسره – من نيران غضبها الجامح وحقدها الدفين أمس واليوم .. وربما غداً أيضاً.
والموضوع لا ينتمي إلى الماضي ، ولا يخص أفراد تلك الجماعات "الإسلامية" فقط، وإنما هو موضوع يفرض نفسه على الحاضر وعلى جدول أعمال المستقبل، ويخص المجتمعات العربية والإسلامية كلها، لأن هذه الجماعات حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها أو دفن الرءوس في الرمال أمام وجودها، ولأنه من المستحيل القيام بأي تحولات ديموقراطية في مجتمعاتنا دون حل معضلة، أو معضلات، هذه الجماعات المتشحة بالدين.
وبداية الخيط أن نكف عن التعامل معها كما لو كانت "شيطاناً". وإذا كان من المؤكد أنها ليست "ملاكا" فإن النظرة الموضوعية تقتضي منا التعامل مع هذه الجماعات باعتبارها حركات سياسية يجب أن نجتهد في البحث عن قوانين نشأتها وانتشارها وانحسارها.
وأن نجيب عن أسئلة كثيرة فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية متعلقة بتلك الحركات.
ثم أنه من الواجب علينا أن نكف عن التعامل معها كما لو كانت كتلة واحدة. فواقع الحال يقول لنا عكس ذلك أن هناك "تعددية" تنظيمية وسياسية وفكرية لهذه الجماعات. ومن الحكمة اكتشاف الجماعات الإسلامية المستعدة لتبنى الطريق الديموقراطي، بل وتشجيعها، لا تجاهلها أو التسوية بينها وبين الجماعات التي تعتبر الديموقراطية والكفر سواء بسواء.
ولا أفهم مثلا أن يكون هناك اتجاه مستنير مثل ذلك الذي يمثله المهندس أبو العلا ماضي، الذي يقول أن الأمة هي مصدر السلطات، ويدافع عن مبدأ تداول السلطة، وعن المساواة بين الرجل والمرأة، وبين المسلم والمسيحي واعتماد المواطنة معياراً وحيداً، ومع ذلك نسد أمامه كل أبواب الدخول إلى الحياة السياسية .. ولا نفرق بينه وبين أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وغيرهما من العناصر التى تكفر البلاد والعباد!
ثم لا أفهم أن نخص الاتجاهات الإسلامية بصفة مجافاة الديموقراطية، بينما ثقافة الاستبداد سائدة فى معظم الفصائل.
ولا أفهم أيضاً أن نناصب هذه الجماعات الإسلامية العداء ثم نتمسك فى نفس الوقت بوضع العمامة على رأس الدولة واعتبار مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع!
كل هذا يعنى أن معضلة ، أو بالأحرى معضلات، جماعات الإسلام السياسي، لا يمكن تناولها بمعزل عن المشكلات المجتمعية المزمنة، كما لا يمكن تركها للحل على طريقة العقيد عبدالعال سلومة والشيخ عارف خطيب جامع السيد البدوي.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دموع في عيون استعمارية
- (1-2) الدين.. والسياسة : سؤال وقديم إجابات معاصرة
- واقع الحال في مصر.. دون مساحيق تجميل
- الأسلحة الفاسدة
- الصحافة القومية .. سقطت فى أول امتحان
- مبارك يطبق شعارات المعارضة .. برجال الحزب الوطنى
- أهميــة العلــم.. يــا نـــاس!
- شارون يطلب مساعدة مصر في مكافحة الإرهاب!
- شرم الشيخ ترتدي ملابس الحداد.. ولا عزاء للمتهاونين
- رياح التغيير تهب علي الصحافة القومية
- وزير الصحة .. مصطفى النحاس باشا!
- ! مطالبة علي الهواء باستقالة وزير الخارجية
- !من الذى شن الهجوم على لندن.... ولماذا؟
- لعنة صفر المونديال تطارد الدبلوماسية المصرية
- إيهاب الشريف : ثلاثية الحزن والسخط والدهشة
- مطلوب حوار وطني حول مستقبل صحافة تبحث عن هوية الصحافة »القوم ...
- إنقاذ السفير المصري المختطف.. كيف؟!
- تقرير الأرقام القياسية للفساد يدق أجراس الخطر
- طوارئ.. في دارفور فقط
- الهموم الأكاديمية في حوار ساخن بالتليفزيون المصري


المزيد.....




- ويتكوف: وفد أمريكي سيتوجه إلى السعودية لإجراء محادثات مع وفد ...
- إيطاليا.. الجليد والنار يلتقيان في مشهد نادر لثوران بركان إت ...
- كيف يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
- روبيو ونتنياهو يحملان إيران عدم الاستقرار في المنطقة، ويؤكدا ...
- فيديو: مناوشات مع مؤيدين لإسرائيل أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين ...
- رئيس دولة الإمارات يستقبل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ال ...
- سوريا.. هجوم على دورية تابعة لوزارة الداخلية في اللاذقية يسف ...
- سيناتور أمريكي يوجه اتهاما خطيرا لـ USAID بتمويل -داعش- والق ...
- السعودية.. القبض على 3 وافدات لممارستهن الدعارة بأحد فنادق ا ...
- الخارجية الروسية تعلق على كلمات كالاس حول ضحايا النزاع الأوك ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - تراجيديا الكولونيل والشيخ